القمة الأمريكية الأفريقية .. دلالات وتحديات

د. أحمد سيد أحمد

 

تعكس القمة الأمريكية الإفريقية التى تنعقد من 13 إلى 15 ديسمبر الحالى فى واشنطن, العديد من الدلالات والتداعيات المهمة، سواء على صعيد العلاقات بين الجانبين أو على صعيد التسابق الدولى على إفريقيا:

أولا: تأتى القمة فى سياق التنافس الدولى من جانب القوى الكبرى على بناء وتقوية الشراكات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع القارة الإفريقية, وهو ما انعكس فى العديد من القمم التى جمعت الدول المتقدمة والبارزة اقتصاديا مع إفريقيا مثل القمة الروسية الإفريقية التى عقدت مرتين من قبل, فى عام 2019 وفى يونيو الماضى, كذلك القمة الصينية الإفريقية والقمة اليابانية الإفريقية, والقمة الهندية الإفريقية والقمة الأوروبية الإفريقية وغيرها من القمم التى تعكس أهمية وحيوية القارة السمراء بالنسبة لهذه الدول وتسعى لتقوية علاقتها معها, باعتبار أن إفريقيا تمتلك العديد من الفرص الاقتصادية والاستثمارية الواعدة والموارد البشرية والطبيعية الضخمة وتحقق العديد من دولها معدلات نمو مرتفعة فى ظل سوق واسعة تضم 1٫3 مليار نسمة, بما يؤهلها لأن تحتل مكانة بارزة على الخريطة الاقتصادية العالمية, ولذلك تسعى الدول الكبرى لزيادة الاستثمار والتعاون الاقتصادى مع دول القارة الإفريقية فى إطار مساعيها لتحقيق التعافى الاقتصادى بعد جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية التى أثرت سلبا على معدلات النمو الاقتصادى العالمى.

ثانيا: ظل اهتمام أمريكا بإفريقيا مقصورا بشكل أساسى فى السنوات الماضية على البعد الأمنى المتمثل فى محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية وغيرها, وأنشأت القيادة الأمريكية العسكرية, إفريكوم, فى إطار الحرب على الإرهاب, ولم تهتم كثيرا بالأبعاد الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية, فحجم التبادل التجارى بين أمريكا وإفريقيا نحو 63 مليار دولار, وهو يقل جدا عن حجم التبادل التجارى بين الصين وإفريقيا الذى يتجاوز 254 مليارا, بما يجعلها الشريك التجارى الأول للقارة, حيث توجد الصين اقتصاديا بشكل كبير فى كثير من الدول الإفريقية, كما أن روسيا أخذت فى تطوير علاقاتها ونفوذها فى القارة الإفريقية, وزيادة التعاون الاقتصادى والتجارى معها لكنه يظل محدودا مقارنة بالصين, حيث لا يتجاوز 24 مليار دولار, بينما يصل التبادل التجارى بين الهند وإفريقيا إلى ما يقارب 90 مليار دولار, ولذلك تستهدف القمة الأمريكية الإفريقية تفعيل وتعزيز التعاون الاقتصادى والتبادل التجارى مع القارة فى إطار المبادرات العديدة التى طرحتها أمريكا فى السابق مثل مبادرة ازدهار لتعزيز حرية التجارة بين الجانبين وفى إطار منافسة القوى الكبرى الأخرى فى إفريقيا.

ثالثا: تأتى القمة فى إطار سياسة تعزيز الاهتمام الأمريكى بإفريقيا بعد حالة التباعد والفتور التى شهدتها منذ آخر قمة أمريكية إفريقية فى عهد الرئيس السابق أوباما فى 2014, والتأكيد على توجهات إدارة الرئيس بايدن فى تعزيز العلاقات مع القارة بأبعادها الشاملة, الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية, ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أنه يستهدف أيضا كسب دعم وتأييد الأمريكيين الأفارقة وذلك فى إطار الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة. كما أن القمة لها أبعاد سياسية فى كسب دعم وتأييد الدول الإفريقية فى مواجهة روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية, حيث صوتت 23 دولة إفريقية لمصلحة روسيا فى الأمم المتحدة.

رابعا: إن القمة الأمريكية الإفريقية وغيرها من القمم الإفريقية مع الدول الكبرى فى العالم, تتطلب بلورة رؤية إفريقية موحدة وتحقيق التوافق بين السياسات المختلفة للدول الإفريقية (54 دولة) تتباين فى أنظمتها الاقتصادية والسياسية, وذلك لتعظيم الاستفادة من حالة التنافس الدولى الكبير على القارة, خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات وتوطين التكنولوجيا, وتحقيق التنمية. وهنا تبرز أهمية الدور المصرى فى تعزيز إستراتيجية حشد الدعم الدولى لإفريقيا وتغيير المعادلات القديمة التى كانت تربط إفريقيا بالعالم القائمة على أن إفريقيا مجرد سوق لتصريف منتجات وسلع الدول الكبرى ومصدر للمواد الخام, إلى معادلة جديدة قائمة على تحقيق التنمية والازدهار والتمكين الاقتصادى, وزيادة إسهام الدول الكبرى فى تحقيق التنمية فى إفريقيا وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية, وهو ما يساعد فى رفع مستوى معيشة شعوب الدول الإفريقية وتجفيف بيئة الإرهاب والعنف والهجرة غير المشروعة من إفريقيا للعالم. كما سعت مصر إلى التعبير عن الهموم والقضايا الإفريقية فى المحافل الدولية ومنها أيضا قضايا مواجهة التغيرات المناخية وضرورة مساعدة الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا, لدول القارة لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية, فى إطار العدالة المناخية, حيث تعد إفريقيا المتضرر الأكبر من تلك التغيرات, التى انعكست فى زيادة الجفاف والتصحر وغياب الأمن الغذائى, رغم أنها غير مسئولة عن الانبعاثات الكربونية. كذلك مساعدة الدول الإفريقية تكنولوجيا للتوسع فى الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر, وقد نجحت مصر عبر مؤتمر كوب 27 فى إنشاء صندوق تعويض الخسائر والأضرار للدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية وأغلبها فى إفريقيا, كذلك فإن مصر خلال رئاستها الاتحاد الإفريقى فى 2019 استطاعت تحقيق العديد من الإنجازات الاقتصادية الإفريقية وأبرزها منطقة التجارة الحرة الإفريقية الكبرى, وهو ما يساعد فى الاستفادة من الشراكات الاقتصادية الإفريقية مع الدول المتقدمة.

ولذلك تشكل القمة الأمريكية الإفريقية محطة مهمة فى مسار إعادة صياغة علاقات إفريقيا بالعالم وتوظيف التنافس الدولى لمصلحة تحقيق التنمية فيها.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31724/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M