لانخراط الأمريكي النشط في الصومال.. الدوافع والمآلات

أسماء عادل

 

تتسم الأوضاع في الصومال بعدم الاستقرار الأمني، إذ تتصاعد حدة الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة التي تتبناها حركة الشباب الإرهابية التي تسعى لزعزعة الاستقرار واستهداف العاصمة الصومالية مقديشو. ومن هذا المنطلق، تدرس إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن طلبًا تم تقديمه من جانب الحكومة الصومالية في أواخر شهر أكتوبر 2022، لتكثيف استهداف عناصر حركة الشباب الإرهابية بالطائرات المسيرة العسكرية، الذين قد يشكلون تهديدًا للقوات الصومالية، حتى وإن لم يطلقوا النار عليهم.

وتسلط هذه الورقة البحثية الضوء على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية حيال الصومال في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي تتناقض مع سلفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وتوضيح حدود التوافق الصومالي–الأمريكي حيال مكافحة حركة الشباب الإرهابية، والتداعيات المُحتملة في ضوء هذا التوافق.

مظاهر التباين بين سياسات بايدن وترامب تجاه الصومال

هناك تحول في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مكافحة الإرهاب في الصومال؛ إذ تراجع الدور الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو ما أتضح جليًا في إصدار ترامب قرارًا في الرابع من ديسمبر 2020 يقضى بسحب القوات الأمريكية من الصومال؛ إذ كان يتواجد حوالي 700 من قوات العمليات الخاصة الأمريكية لمساعدة القوات الأمنية الصومالية في محاربة حركة الشباب، وكانت القوات الأمريكية تدعم القوات الصومالية بمعلومات استخباراتية إلى جانب الغارات الجوية. ويعد قرار ترامب خطوة غير محسوبة، حيث مهد الطريق لحركة الشباب التي استغلت حالة الفراغ الأمني لتحقيق لزيادة نشاطها وتحقيق مزيد من التمدد.

في المقابل، يشهد الدور الأمريكي اهتمامًا متزايد في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بإقليم القرن الأفريقي بوجه عام والصومال بشكل خاص، وفيما يتعلق بالاهتمام الأمريكي بالصومال، فقد أصدر بايدن قرارًا في منتصف شهر مايو 2022 بشأن إعادة مئات القوات الأمريكية إلى الصومال، ونشر أقل ‬من ‬500‬عسكري ‬أمريكي‬ لمساعدة القوات الصومالية في تحجيم حركة الشباب الإرهابية التي توسّعت عملياتها ونفوذها خلال الآونة الأخيرة.

ويمكن تفسير تصاعد الاهتمام الأمريكي في عهد جو بايدن بإقليم القرن الأفريقي بشكل عام والصومال بشكل خاص في ضوء التنافس الأمريكي الصيني حيال إقليم القرن الأفريقي، فقد كانت سياسة العزلة التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمثابة الفرصة السانحة للصين للاضطلاع بدور نشط في المنطقة، فقد عملت الصين على ملء الفراغ الأمني في الصومال خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية عقب قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ فقد قدمت الصين في مارس 2022 بعض المساعدات العسكرية التي تضمنت عددًا من المركبات وناقلات الجنود المدرعة وسيارات الإسعاف ومعدات للكشف عن الألغام للحكومة الصومالية لمحاربة حركة الشباب الإرهابية. وتحاول الصين من توطيد علاقتها بالصومال تعزيز مكانتها لمكافحة الإرهاب في إقليم القرن الأفريقي، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على حماية التجارة الصينية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وكذلك ضمانة استكمال مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تنخرط فيها دول منطقة القرن الأفريقي. ونجد أن تنامي النفوذ الصيني في الصومال قد أثار حفيظة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

توافق الرؤى الأمريكية-الصومالية

هناك توافق أمريكي – صومالي فيما يتعلق بمواجهة حركة الشباب الإرهابية ليس فقط عن طريق السلاح، بل أيضًا مواجهة الحركة أيديولوجيًا؛ وذلك لتقليل الهجمات الإرهابية التي تشنها الحركة، ومنع انضمام أعضاء جدد للحركة. وتدعم الإدارة الأمريكية المحاور التي تتبناها الحكومة الصومالية حيال احتواء حركة الشباب الإرهابية، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

تعزيز الجبهة الداخلية: يتضح من خلال العمل على تعزيز العلاقات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وحكومة الولايات، وكذلك تعزيز أواصر التعاون مع زعماء العشائر الصومالية، فهناك مشاركة متميزة من جانب العشائر الصومالية إلى جانب القوات الحكومية الصومالية في الحرب ضد حركة الشباب الإرهابية، التي عملت على تدمير أبار المياه الجوفية وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية لقبائل وسط الصومال، وهو ما حفز القبائل للتعاون مع الحكومة الصومالية لمحاصرة حركة الشباب الإرهابية.

محاربة حركة الشباب فكريًا: تتضح في تعيين قيادي سابق في حركة “الشباب” وزيرًا للأوقاف في الحكومة الصومالية، فقد اختار رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري القيادي السابق في حركة “الشباب” شيخ مختار ربو أبو منصور وزيرًا للأوقاف والشئون الدينية في حكومته، وكان أبو منصور الناطق الرسمي باسم حركة الشباب. وتعكس هذه الخطوة الرغبة في محاربة الحركة أيديولوجيًا، فالقيادي السابق في حركة الشباب يعرف الخطاب والتكتيكات التي تتبنها الحركة لضم وتجنيد المقاتلين لصفوفها، وبالتالي لديه القدرة على تفنيد ودحض الأفكار المتطرفة.

تجفيف منابع الإرهاب: فقد تم إنشاء وكالات حكومية تراقب حركة التدفقات المالية، وهو ما سيساهم في عرقلة وصول الأموال لصالح حركة الشباب الإرهابية، وسينعكس ذلك على تقويض نشاط الحركة وتراجع انضمام أعضاء جدد للحركة. كما عملت الإدارة الامريكية على فرض عقوبات 14 رجلًا من بينهم ستة قالت إنهم أفراد في شبكة اشتركت في شراء الأسلحة والقيام باستقطاب أفراد لحركة الشباب الإرهابية في الصومال، وهو ما سيؤدى الى عرقلة تمويل حركة الشباب الإرهابية.

تداعيات مُحتملة

لا شك أن هناك تداعيات مُحتملة في ضوء التوافق الأمريكي-الصومالي حيال مكافحة حركة الشباب الإرهابية؛ إذ أنه من المُرجح أن يتم تحجيم حركة الشباب الإرهابية، حيث أن النشاط العسكري الأمريكي في الصومال ليس سوى جزء من نهج إدارة بايدن تجاه الصومال، والذي يشمل أيضًا الدبلوماسية؛ إذ تدعم الخارجية الأمريكية الحكم الديمقراطي في الصومال، والقيام بالإصلاحات السياسية. وتعزيز التوافق الداخلي، وهو ما سيقلل حدوث تناحر سياسي قد تستغله حركة الشباب الإرهابية. كما أن حلحلة الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي يواجها الصومال، قد تؤدى إلى إضعاف قدرة حركة الشباب على ضم وتجنيد المزيد من المقاتلين لصفوفها.، فالولايات المتحدة الامريكية تعمل على حشد جهود المجتمع الدولي من أجل دعم الصومال في أزمة المجاعة، من خلال زيادة التمويل وتوسيع جهود الإغاثة لتقديم المساعدات الطارئة لما لا يقل عن 3.5 ملايين شخص يعاني من سوء التغذية، فقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية 476 مليون دولار مساعدات إنسانية للصومال في يوليو 2022.

وفي الختام، يمكن القول إنه في ظل السياق الدولي المتأزم حيث تستمر الحرب الروسية الأوكرانية، لم تهمل الإدارة الامريكية في ظل عهد الرئيس جو بايدن إقليم القرن الأفريقي، وهو ما اتضح جليًا في ضوء الانخراط الأمريكي النشط في الصومال لتقويض نشاط حركة الشباب الإرهابية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31680/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M