نشر معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل تقريرًا، أعده الباحث/ إلداد شافيت، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، تناول خلاله القلق الأمريكي من السياسات المتوقعة للحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو، وانعكاسات تلك السياسات على العلاقات الثنائية بين تل أبيب وواشنطن. حيث رجح أن تسفر تلك السياسات عن تأثيرات سلبية على علاقة إسرائيل بحليفها الاستراتيجي الأهم، الولايات المتحدة الأمريكية.
أشار التقرير إلى حرص الإدارة الأمريكية على التأكيد على احترامها لنتائج الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في إسرائيل، وإبداء نيتها في التعامل مع تلك الحكومة وفقًا للسياسات التي تنتهجها وليس بناء على علاقتها بالأفراد. وعلى الرغم من ذلك، فهناك قلق متزايد في واشنطن بشأن التداعيات المحتملة لسياسات إسرائيل المتوقعة على العلاقات الثنائية؛ فإذا لم تنفذ الحكومة الجديدة جميع الممارسات التي يمثلها أعضاء الائتلاف الناشئ فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والنظام القضائي وحقوق الأقليات، فإن الصراع مع الإدارة الأمريكية يكاد يكون حتميًا.
وهذا بدوره من شأنه أن يحد من قدرة إسرائيل على الحفاظ على حوار وثيق مع الولايات المتحدة حول القضايا الحيوية في واقع مليء بالتحديات التي تتصدرها إيران، خاصة في ظل حاجة الإدارة الأمريكية إلى صياغة سياستها الخاصة تجاه إيران، والتي تواصل دفع برنامجها النووي. ورجح أن ينتج عن سياسات الحكومة الإسرائيلية تأثير سلبي طويل الأمد على علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة.
وفقًا لما ورد بالتقرير، فمنذ انتخابات الكنيست الأخيرة، توخت الإدارة الأمريكية الحذر الشديد وتجنبت اتخاذ موقف بشأن سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة الناشئة؛ إذ تم الإشارة بشكل رسمي مرة واحدة خلال كلمة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في خطاب ألقاه في المؤتمر الوطني لمنظمة “جى ستريت”، شدد خلاها على أن الإدارة تحترم الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في إسرائيل، وأنها تنوي قياس الحكومة من خلال سياساتها وليس وفقًا للأشخاص.
ومع ذلك، التزم بلينكين بموقفه أمام اللوبي اليساري المؤيد لإسرائيل على أن الولايات المتحدة ستلتزم بالمعايير المتبادلة التي تم إرساؤها في تلك العلاقة على مدار العقود السبعة الماضية. وقال إن الولايات المتحدة ستواصل دعم القيم الديمقراطية في إسرائيل.
واستطرد التقرير، لكن على ما يبدو، فوراء الكواليس، حرصت بعض العناصر الأمريكية على تسريب بعض المعلومات في وسائل الإعلام في إسرائيل التي تفيد بأن الإدارة تجري مناقشات حول السياسة تجاه الحكومة الجديدة والعلاقات مع الوزيرين القادمين “إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل سموتريتش”، على الرغم من عدم اتخاذ قرارات حتى الآن. وشاعت كذلك بعض الانتقادات في الكونجرس، وخاصة بين صفوف الديمقراطيين، فيما يتعلق بالتركيبة المتوقعة للحكومة والقلق بشأن السلوك الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والقضية الفلسطينية.
ففي مقال افتتاحي بصحيفة نيويورك تايمز، بتاريخ 17ديسمبر، ذُكر أن حكومة نتنياهو تشكل تهديدًا كبيرًا لمستقبل إسرائيل، وأن إدارة بايدن يجب أن تفعل كل ما في وسعها لمساعدة القوى المعتدلة في السياسة الإسرائيلية في نضالها ضد الإصلاحات التي تخطط لها الحكومة الجديدة، و بذل كل ما في وسعها للتعبير عن دعمها لمجتمع تحكمه المساواة وسيادة القانون في إسرائيل، كما تفعل الدول في جميع أنحاء العالم.
وألمح التقرير إلى إظهار الولايات المتحدة التزامًا كبيرًا بأمن إسرائيل ورفاهيتها، والعلاقات مع رئيس الوزراء المقبل بنيامين نتنياهو، التي شهدت صعودًا وهبوطًا، منذ بداية رئاسة بايدن. ففي الواقع، من المتوقع أن تتحلى الإدارة بضبط النفس، ولن تتسرع في اتخاذ موقف رسمي، وستسعى إلى تجنب أي صراع مع الحكومة الجديدة قدر الإمكان. وفي مقابلة مع صحيفة “هآرتس”، أكد السفير الأمريكي في إسرائيل توم نيديس أن “نتنياهو مسؤول عن هذه الحكومة، وأنا أتعامل مع رئيس الوزراء، الذي أوضح لنا أنه يسيطر على الحكومة بشكل جيد”.
ومع ذلك، فإن الاختبار الرئيسي للإدارة سيكون السياسات التي ستدخلها الحكومة الجديدة فيما يتعلق بالفلسطينيين. حيث شدد وزير الخارجية بلينكن، في خطابه في J-Street، على أن الولايات المتحدة لا تزال تدعم حل الدولتين، وأن أي خطوات تبعد الطرفين عن هذا الهدف تشكل خطورة على أمن إسرائيل على المدى الطويل وعلى الهوية اليهودية للدولة العبرية. وذكر أن الإدارة تدرك أنه في الوقت الحالي، فإن فرص الحل السياسي تبدو ضعيفة، لكن على الرغم من ذلك، فالإدارة الأمريكية مصممة على الاحتفاظ بخيارات التقدم في المستقبل.
لذلك، وبحسب بلينكن، ستعترض الإدارة على أي تحركات تزيد التوتر وتضعف فرص الوصول إلى حل سياسي. وشدد بلينكن صراحة على أن الإدارة ستعارض أي توسع للمستوطنات في الضفة الغربية وأي خطوات ضم، وأي شيء قد يؤثر على الوضع الراهن في الحرم القدسي وأي ممارسات تحريضية تدفع إلى العنف. وعندما سئل عن موقف الإدارة إذا كانت الحكومة الجديدة تعمل على الاعتراف بالبؤر الاستيطانية، شدد السفير الأمريكي على أن الإدارة الأمريكية لا تؤيد ذلك، وقال إن فكرة الاحتفاظ برؤية الدولتين واضحة، حيث تم التأكيد على ذلك مرارًا و وتكرارًا، وشدد على اعتزام الإدارة الأمريكية العمل مع حكومة نتنياهو؛ لضمان تحقق المواقف التي تتفق مع مبادئها.
واعتبر التقرير أن إعادة صياغة بلينكن المفصلة لموقف الولايات المتحدة تعبر عن قلق كبير بشأن السياسات المتوقعة للحكومة الجديدة في إسرائيل. حتى لو تم بالفعل تنفيذ بعض التحركات التي قدمها أعضاء الائتلاف القادم كمطالب أساسية في سياق القضية الفلسطينية، إلا أنه ترجح أن يكون الصراع مع الإدارة الأمريكية حتميًا. ففي حين تجنب بلينكن توجيه التهديدات، إلا أنه من الواضح أن أي انحراف إسرائيلي كبير عن الوضع الراهن بشكل عام، وتشجيع التحركات أحادية الجانب بشكل خاص، سيؤثر على تعامل الإدارة الأمريكية مع إسرائيل، وتوقع أن ينعكس رد الولايات المتحدة بعدة أشكال، بدءًا من الإدانة العلنية إلى تقليص الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن، الذي من المحتمل أن ينظر في الموضوع.
وأضاف، يجب على الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن تأخذ بعين الاعتبار أن الصراع مع الإدارة سيضر بقدرتها على إجراء حوار استراتيجي، خاصة في تلك الفترة المليئة بالتطورات الصعبة في الساحتين العالمية والإقليمية، مثل المواجهة مع إيران والمنافسة المتزايدة مع الصين، بالإضافة إلى الشرق الأوسط والحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وشدد على أنه حتى لو كانت الإدارة تعتقد أن الدبلوماسية هي الطريقة المفضلة لمنع طهران من الحصول على أسلحة نووية، فإن التقدم الكبير الذي أحرزته إيران في قدرات تخصيب اليورانيوم سيلزم الإدارة بصياغة خطة بديلة للردع، وهذا بدوره سيلزم إسرائيل بمحاولة التأثير على الإدارة الأمريكية بتكتم، حيث يلعب اليهود الأمريكيون دورًا مهمًا في المساعدة على تشكيل مواقف حكومتهم. وفي ضوء التقليص الملحوظ لدعم إسرائيل في الولايات المتحدة، فمن المهم تقوية العلاقات مع المنظمات اليهودية المختلفة وتجنب التحركات التي قد تثير معارضتها.
وعلى المستوى الدولي، ترى الإدارة الأمريكية أن تعزيز أجندة ليبرالية وتعزيز الديمقراطية تعد أهدافًا سياسية مركزية في النصف الثاني من ولايتها أيضًا. ومن وجهة نظرها، يجب على إسرائيل الحفاظ على تلك المبادئ، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان واستقلال المحاكم. حيث تُستمد مكانة إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة جزئيًا من وصفها بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بجانب أن تحركات إسرائيل التي تراها الولايات المتحدة تتعارض مع تلك القيم يمكن أن تلحق الضرر بالعلاقة.
وأشار التقرير إلى تزايد الأصوات في واشنطن بين المشرعين الديمقراطيين، لا سيما في الجناح التقدمي وأحيانًا من مركز الحزب أيضًا، التي ترفض السياسة الإسرائيلية وتطالب بردود فعل أقوى، وتذهب إلى حد المطالبة بربط المساعدات لإسرائيل بسياستها تجاه حول القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية قد تكون متعاطفة مع إسرائيل، إلا أنها لا تستطيع أن تصمت إذا اعتقدت أن التصرفات الإسرائيلية تتعارض مع القيم المشتركة التي تشكل أساس العلاقة الخاصة بين البلدين؛ فحتى الآن نجحت الإدارة في الابتعاد عن اندلاع مواجهة كبرى، لكن لا يمكن ضمان ذلك إلى الأبد.
وأوصى التقرير إسرائيل عند صياغة مواقفها من القضايا الرئيسة المدرجة على جدول أعمالها أن تراعي المصالح الأمريكية، والتي سيكون لها تأثير إيجابي على دورها كحليف، سواء بالنسبة للإدارة الأمريكية أو الكونغرس. ورجح أن يكون للسلوك الإسرائيلي وخصائص العلاقة بين الدول في العامين المقبلين تأثير جوهري طويل المدى في ضوء العمليات الديموجرافية والاقتصادية والاجتماعية الحالية في الولايات المتحدة، وحتى لو لم يكن بعضها مرتبطًا بشكل مباشر بالنسبة بإسرائيل، لكن يمكن أن يسهم في تقليص الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل. وأكد على أن تجاهل تلك العمليات قد يكون كارثيًا على المصالح الإسرائيلية وقد تلحق الضرر بالعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة عاجلًا أم آجلًا. لذلك يجب على الحكومة الإسرائيلية تعديل استعداداتها للتعامل مع هذه الاتجاهات الإشكالية بشكل سريع.
ورجح أن يكون النصف الثاني من رئاسة بايدن قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024 عاصفًا، وسيؤدي إلى زيادة حدة الاستقطاب في الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين. لذلك شدد على ضرورة أن تتوخى الحكومة الإسرائيلية الجديدة الحذر، والأهم من ذلك هو تجنب قدر الإمكان الانجرار إلى الخلافات السياسية مع واشنطن، حيث تكمن المصلحة الإسرائيلية في استمرار الإجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على دعم إسرائيل.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن المساعدة الأمريكية تعد عنصرًا حاسمًا للأمن القومي الإسرائيلي، وأن التحديات السياسية والأمنية المعقدة التي يتوقع أن تواجهها إسرائيل في الأشهر المقبلة تتطلب التنسيق الكامل مع واشنطن. مشددًا على ضرورة أن تقوم القيادة الإسرائيلية بالدفاع عما تراه ضروريًا للأمن القومي، حتى ولو كان ثمن ذلك التصادم مع الإدارة الأمريكية. ومع ذلك، يجب أن تدرك الإدارة الأمريكية أن إسرائيل ستحترم القيم الأمريكية. لذلك من الضروري أن تأخذ إسرائيل بعين الاعتبار احتياجات الولايات المتحدة عند صياغة سياسة متماسكة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية الحالية، وبالتأكيد تلك التي تقع في صميم المصالح الأمريكية. إذ يجب أن يكون هناك نهج عملي يتزامن مع شفافية صارمة وحوار مستمر. وبالنسبة لإسرائيل، فهي تعد علاقاتها مع الولايات المتحدة أولوية قصوى، وبالتالي فهي ملزمة باتباع سياسات تتوافق مع السياسات الأمريكية، حتى و إن كان ذلك على حساب المصالح الأخرى.
.
رابط المصدر: