التحدي المصري لبناء السد العالي 1960

لواء \ محمد قشقوش

 

كان بناء السد العالي أحد أهم محطات التحدي الكثيرة للثورة المصرية الوليدة في 23 يوليو 1952، حيث لم تلقَ فكرة مقدمها المهندس أدريان دانينوس المصري من جذور يونانية قبل الثورة أي اهتمام لدى ملك مصر وحكومته، التي لم تكن قلقة لهذا الشأن، فعدد سكان مصر كان نحو 18 مليونًا (بغير دقة إحصاء) والأرض المزروعة نحو 5 ملايين فدان.

وكان ذلك نتاج جهد النصف الأول من أسرة محمد على منذ 1805 وحتى الخديوي إسماعيل، حيث بُنِى سد أسوان والقناطر الخيرية والرياحات وحفر قناة السويس. ولكن تلك القوة الدافعة توقفت بنفي الخديوي واحتلال بريطانيا مصر منذ عام 1882 وحتى توقيع اتفاق الجلاء الذي أنهى (التلكؤ) البريطاني عام 1954.

كما كانت مدعاة عدم القلق المائية نابعة من عدم تكرار الفيضان العالي وربما الوحيد الذى اجتاح السودان ومصر في العصر الحديث في خريف عام 1887حاملًا بعض جثامين الضحايا. حيث كانت تتم الزراعة لمرة واحدة في العام ، وعدم معاصرة فترات الجفاف الممتد 1979 ـــ1987 رغم وجود السد العالي، وهو ما تركز عليه مصر والسودان الآن مع إثيوبيا تاريخيًا لتفادى الأخطاء في تخزين واستخدام مياه النيل الأزرق.

قام المهندس المصري أدريان دانينوس بإعادة عرض فكرته على مجلس قيادة الثورة الذى تحمس لها وخاصة اللواء محمد نجيب (والبكباشى) المقدم جمال عبد الناصر القادمين من السودان وجنوب مصر على الترتيب، حيث تصُب الفكرة في قلب أهداف الثورة من حيث توسيع الرقعة المنزرعة من خلال الري الدائم والحماية من الفيضان والجفاف، واحتمال وصول عدد سكان مصر إلى 30 مليون نسمة عام 1960.

كما كان القضاء على الإقطاع أحد أهداف الثورة بما له وما عليه، حيث لم يتم التفريق بين شريحتين: الأولى من استقدمتهم أسرة محمد علي وخاصة من تركيا وألبانيا واليونان ومنحتهم آلاف الأفدنة ويعمل معظم فلاحي مصر أجراء لديهم دون أدنى حقوق تعليم أو صحة، والثانية: من الطبقة الرأسمالية الوطنية المصرية التي تمتلك بضع مئات من الأفدنة ميراثًا عن الأجداد مع تكافل اجتماعي ببناء المدارس والكتاتيب والمستشفيات والمساجد. ومنها على سبيل المثال لا الحصر أُسر البدراوي والعبد والمنشاوي وقاسم.. إلخ.

تزامن اعتماد تصميم السد عام 1954 مع اتفاق الجلاء فكانا عيدين لمصر، ثم وافق البنك الدولي على تمويل ربع التكلفة عام 1955 ثم عاد وسحبها تحت ضغوط أمريكية لرفض مصر الانضمام إلى حلف بغداد وإعادة التبعة الغربية لاحتواء دول جنوب الاتحاد السوفيتي. فتوجه عبد الناصر الى الاتحاد السوفيتي الذى وافق على تمويل المرحلة الأولى بـ400 مليون روبل عام 1958 ليتزامن الحدث مع الوحدة المصرية السورية فكانا عيدين أيضًا انضم لهما السودان باتفاقية تقسيم مياه السد مع مصر فكان صعودًا عربيًا قوميًا بحق.

بدأ التنفيذ بوضع “عبد الناصر” حجر الأساس فى9 يناير1960 لتدور عجلة العمل بقوة لمدة 11 عامًا تخللها تحويل مجرى النهر وبناء 6 أنفاق يمر خلالها 11 ألف متر مكعب في الثانية. وتركيب توربينات الكهرباء العملاقة ومحطتها ذات طاقة قصوى 2100 ميجا وات واستكمال السد الخرساني الركامي الذى بلغ 42 مليون متر مكعب ذي الستارة الرأسية القاطعة للمياه بمنسوب قاع 85م ومنسوب قمة 196 م وبطول 3830 م منها 520 على المجرى الملاحي والباقي شرقًا وغربًا، بينما تبلغ عرض قاعدته 980 م وقمته 40 م.

ويحجز السد خلفه بحيرة ناصر الممتدة لقرابة 500 كم بين جنوب مصر وشمال السودان ومتوسط عرض 12كم طبقًا لاتفاق التقسيم بين البلدين، رغم أن هذا الاتساع يفقدها الكثير من مياه البخر نظرًا لحرارة الجو. وهي تعد واحدة من أنقى البحيرات العذبة مثل البحيرات الكندية. وذات ثروة سمكية وتماسيح نيلية عريقة ومكون غذائي طبيعي. وتنتظر البحيرة طفرة في التنمية والتطوير بعد ضمها إلى جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية كمصدر غذاء بروتيني، وتتكامل مع ما يحيطها من آثار سياحية.

وهكذا نجحت الثورة المصرية في هذا التحدي الاستراتيجي، وزادت من الرقعة المنزرعة والطاقة الكهربائية التي تناسبت مع حجم السكان وقتها والتي أصبحت لا تكفي الآن وتحتاج الزيادة بالتنسيق مع السودان ودول منابع حوض النيل بما فيه الخير للجميع.. وبقى أن نعرف أن مشروع السد تكلف 450 مليون جنيه (دفعت من تأميم قناة السويس) أي مليار دولار عام 1962، حيث كان الجنيه المصري يساوى 2٫3 دولار. وافتتح الرئيس السادات السد رسميًا عام 1971 تحت شعار الصداقة المصرية ـــ السوفيتية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75146/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M