قال خبير حكومي بارز في الصين إن احتمال حدوث تفش جديد واسع النطاق لفيروس كورونا في الصين خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر المقبلة ضئيل للغاية، نظرا لأن 80 بالمئة من السكان أصيبوا بالفيروس بالفعل.
وأفاد وو تشون يو كبير خبراء الأوبئة في المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها عبر منصة ويبو للتواصل الاجتماعي بأن حركة التنقل الضخمة خلال فترة عطلة السنة القمرية الجديدة الحالية يحتمل أن تعمل على انتشار الوباء، مما يفاقم العدوى في بعض المناطق، ولكن ليس من المرجح حدوث موجة جديدة من كوفيد-19 على المدى القريب.
ويسافر مئات الملايين من الصينيين في أنحاء البلاد في عطلة لم الشمل مع العائلة بعد تخفيف قيود مكافحة كورونا التي تسببت في تعليق مثل هذه التجمعات مما أثار مخاوف من ظهور بؤر لتفشي المرض مجددا في المناطق الريفية الأقل تجهيزا للتعامل مع حالات التفشي الكبيرة.
وقال مسؤول في لجنة الصحة الوطنية إن الصين تجاوزت ذروة الإصابات بكوفيد في عيادات علاج الحمى وغرف الطوارئ ووحدات الحالات الحرجة.
وتوفي ما يقرب من 60 ألف شخص بسبب كوفيد في المستشفيات خلال ما يقرب من شهر واحد حتى 12 يناير كانون الثاني بعد إلغاء الصين سياسة صفر كوفيد الصارمة، وفقا لبيانات حكومية.
لكن بعض الخبراء قالوا إن هذا العدد ربما يقل بشكل كبير عن الحصيلة الفعلية الكاملة لأنه يستبعد أولئك الذين توفوا في المنازل، فضلا عن أن العديد من الأطباء قالوا إنه تم إثنائهم عن تسجيل كوفيد كسبب للوفاة.
لكن دراسة صينية، نشرتها وسائل إعلام حكومية، بأن أكثر من 900 مليون شخص في الصين أصيبوا “على الأرجح” بفيروس كورونا، ويقول ما يقرب من 80% من المصابين إنهم في حالة أسوأ من الإصابة بالإنفلونزا.
وأصدر فريق بحثي من المدرسة الوطنية للتنمية بجامعة بكين تقريرًا عن إصابات “كوفيد-19″، والذي حلل بشكل منهجي خصائص انتقال الفيروس وأعراض الأشخاص المصابين والاختلافات بين السكان والمناطق. ونشرت شبكة المراقبين الاقتصاديين الإعلامية نتائج البحث.
وبحسب البحث، تشير البيانات إلى أنه اعتبارا من 11 يناير/كانون الثاني 2023 وصل معدل الإصابة التراكمي إلى 64%، مع إصابة 900 مليون شخص.
وفيما يتعلق باختلافات معدلات العدوى الإقليمية، أظهر التقرير أن المقاطعات الثلاث الأولى التي سجلت أعلى معدل إصابة تراكمي، كانت جميعها في غرب الصين، بنسبة 91% في مقاطعة قانسو، و84% بمقاطعة يوننان، و80% في مقاطعة تشينغهاى.
هل انتهى الاسوء؟
وقالت الصين إن الأسوأ قد انتهى في معركتها ضد كوفيد-19، وذلك قبيل ما يُتوقع أن يكون أحد أكثر أيام السفر ازدحاما منذ سنوات يوم الجمعة، في حركة تنقل كبيرة للناس تغذي المخاوف من زيادة أخرى في عدد الإصابات.
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن نائبة رئيس الوزراء سون تشونلان، التي تشرف على جهود مكافحة الفيروس، قولها إن انتشار الفيروس عند مستوى “منخفض نسبيا“، وذلك بعد أن قال مسؤولون بقطاع الصحة إن عدد مرضى كوفيد في العيادات وغرف الطوارئ وأصحاب الحالات الحرجة قد بلغ ذروته.
لكن هناك الكثير من الشكوك حول رواية الصين عن انتشار الفيروس الذي أثقل كاهل المستشفيات ومحارق الجثث منذ أن تخلت بكين عن القيود الصارمة المرتبطة بكوفيد والاختبارات الجماعية الشهر الماضي.
وهذا التحول في السياسة الذي أعقب احتجاجات تاريخية ضد سياسة “صفر كوفيد” التي تبنتها الحكومة، أطلق العنان للفيروس في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار شخص كانوا في أمان منه إلى حد كبير منذ ظهوره لأول مرة في مدينة ووهان أواخر 2019.
ويتوقع بعض خبراء الصحة وفاة أكثر من مليون شخص بسبب المرض في الصين هذا العام، فيما تتوقع شركة البيانات الصحية إيرفينيتي التي مقرها بريطانيا أن يصل عدد الوفيات جراء كوفيد إلى 36 ألف شخص يوميا الأسبوع المقبل.
وقالت سون في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الحكومية “في الآونة الأخيرة، صارت الجائحة بشكل عام في البلاد عند مستوى منخفض نسبيا”.
وأضافت “عدد الحالات الحرجة في المستشفيات يتناقص بشكل مطرد، غير أن مهمة الإنقاذ لا تزال ثقيلة”.
جاءت تعليقاتها عشية ما يُتوقع أن يكون أحد أكثر أيام السفر ازدحاما في أنحاء الصين منذ تفشي الجائحة أواخر 2019، إذ يسافر ملايين من المقيمين بالمدن إلى بلداتهم الأصلية لقضاء عطلة رأس السنة القمرية الجديدة التي بدأت رسميا يوم السبت.
وتشير تقديرات وزارة النقل إلى 2.1 مليار رحلة في المجمل في أنحاء الصين خلال الفترة من السابع من يناير كانون الثاني و15 فبراير شباط.
وتزاحم ركاب محملون بأمتعة وصناديق هدايا على القطارات يوم الجمعة، متجهين للاجتماع بأسرهم بعد طول انتظار.
وقال لي (30 عاما) لرويترز في محطة سكة حديد بغرب بكين “الجميع حريصون على العودة إلى ديارهم… لم نر عائلاتنا منذ فترة طويلة”.
وقالت هيئة تنظيم الإنترنت في الصين هذا الأسبوع إنها ستحظر أي “معلومات كاذبة” حول انتشار الفيروس يمكن أن تتسبب في أي مشاعر “كئيبة” خلال احتفالات رأس السنة القمرية الجديدة.
وتوقّعت هيئات قطاع النقل في الصين تسجيل أكثر من مليارَي رحلة بين كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، في أحد أكبر التحركات الجماعية في العالم.
غير أن خروج الأشخاص من مدن كبيرة تواجه تفشيًا واسعًا لكوفيد-19 قد يتسبب بطفرة إصابات بكوفيد-19 في الأرياف التي تعاني من نقص في التجهيزات. رغم تعبير الرئيس شي جينبينغ عن “قلقه” من قدرة الأرياف على مواجهة انتشار كوفيد-19.
حتى يوم الأربعاء، كان قد سافر 480 مليون شخص داخل الصين منذ 7 كانون الثاني/يناير، بحسب مسؤولين، وهي زيادة كبيرة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتواجدت حشود ضخمة في محطات القطارات المركزية في بكين وشنغهاي حيث قال الكثير من المسافرين لوكالة فرانس برس إنهم سعداء بالعودة إلى قراهم التي لم يتمكّن بعضهم من زيارتها لسنوات.
وقال العامل في مدينة شنغهاي تشين، وهو عائد إلى دياره في مدينة وينتشو في جنوب شرق البلاد، لوكالة فرانس برس “لم أعد أكترث (…) العام الماضي، كنت شديد التريّث، وهذا العام أشعر بشجاعة أكبر”.
وقال رين، وهو مدير أعمال بعض المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، “لم أعد إلى مسقط رأسي منذ ثلاثة أعوام”.
وأوضح “بسبب كوفيد-19، لم يكن راتبي مرتفعًا، وأحيانًا لا يمكنني حتى أن أذهب إلى العمل”.
وأضاف “أريد أن أكون مع عائلتي. لا يهمّ إذا كنت أملك المال أم لا، أريد أن أراهم”.
وتابع “ما سأفعله بالتأكيد حين أصل إلى المنزل هو أن أعانق أمي وأبي”.
بدا آخرون قلقين أكثر بشأن تفشي الفيروس، فكانت شابتان في العشرينات من العمر ترتديان بزات حماية.
وقالت إحداهما “نحن قلقات بعض الشيء من تفشي الفيروس أكثر خلال ذروة السفر في السنة الصينية الجديدة”.
المشاعر السلبية
بعد شهر مرهق ارتفع فيه عدد الإصابات بكوفيد-19 في جميع أنحاء الصين، قالت الحكومة إنها ستكثف جهودها لتهدئة “المشاعر السلبية” على الإنترنت بشأن تفشي الفيروس.
وأطلقت الهيئة الناظمة للفضاء الرقمي في الصين حملة لإلغاء “الروايات الملفقة حول تجارب مرضى” والمنتشرة على الانترنت ولزيادة “تصحيح الشائعات المتعلقة بالوباء على الانترنت”.
وأشارت الهيئة إلى أن هدف الحملة هو التخلص من العناصر التي “تضلل الجمهور وتسبب الذعر الاجتماعي”.
وقدّرت شركة تحليل المخاطر الصحية “إيرفينيتي” أن يبلغ عدد الوفيات اليومية بكوفيد-19 في الصين ذروته عند نحو 36 ألف وفاة خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة.
وقبل تخفيف التدابير الصحية لمكافحة تفشي كوفيد-19، عطّلت سياسة صفر كوفيد الاقتصاد الصيني ودفعت بالمئات للاحتجاج في الشوارع.
ودافع شي عن هذه السياسة، مشددًا على أن استراتيجية “صفر كوفيد” كانت “الخيار الصحيح” وسمحت للبلاد بمكافحة “جولات عدة من تفشي المتحورات”.
والأسبوع الماضي، انتقدت منظمة الصحة العالمية تعريف الصين الجديد “الضيق جدًا” للوفيات الناجمة عن كوفيد-19. ولطالما شكّكت منظمة الصحة العالمية في موثوقية ما توفّره بكين من بيانات حول الوباء.
وقدّرت “إيرفينيتي” أن يكون قد توفي أكثر من 600 ألف شخص بكوفيد-19 في الصين منذ تخلّي بكين عن سياسة صفر كوفيد.
ولفتت الشركة إلى أن نموذج تقديراتها يستند إلى بيانات من المقاطعات الصينية قبل تعديل منهجية الإبلاغ عن إصابات، إلى جانب معدلات زيادة الإصابات في دول أخرى بعدما رفعت تدابير مكافحة كوفيد-19.
البحث عن انتعاش الاستهلاك
وينظر الاقتصاديون والمحللون إلى موسم العطلات، المعروف باسم عيد الربيع، بحثا عن انتعاش الاستهلاك في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أن أشارت بيانات الناتج المحلي الإجمالي الجديدة إلى تباطؤ اقتصادي حاد في الصين.
وقد يؤدي أي تباطؤ ممتد إلى تفاقم التحديات السياسية التي تواجه الرئيس شي جين بينغ، الذي يتعين عليه تهدئة جيل الشباب المتشائم الذي نزل إلى الشوارع في نوفمبر تشرين الثاني في احتجاجات تاريخية ضد سياسة “صفر كوفيد” التي كان يناصرها آنذاك.
وبينما يتوقع بعض المحللين أن يكون التعافي بطيئا، أعلن نائب رئيس الحكومة الصينية ليو خه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا أن الصين منفتحة على العالم بعد عزلة على مدى ثلاث سنوات بسبب الجائحة.
وقال مسؤولو إدارة الهجرة الوطنية إنه في المتوسط، تنقل نحو نصف مليون شخص داخل الصين أو خارجها يوميا منذ فتح الحدود في الثامن من يناير كانون الثاني، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الحكومية.
لكن مع خروج العمال من المدن الكبرى، مثل شنغهاي، حيث يقول المسؤولون إن الفيروس بلغ ذروته، يتجه الكثيرون إلى البلدات والقرى، الأمر الذي يجعل كبار السن غير المطعمين أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، لا سيما وأن أنظمة الرعاية الصحية أقل تجهيزا.
وأعلن مسؤولو الصحة المحليون أن معدل الإصابة في مدينة قوانغتشو الجنوبية، عاصمة الإقليم الأكثر اكتظاظا بالسكان في الصين، تجاوز الآن 85 بالمئة.
ويتم الآن تزويد العيادات في القرى والبلدات الريفية بالأوكسجين، كما تم نشر المركبات الطبية في الأماكن التي تعتبر معرضة للخطر.
الافتقار للشفافية
بعدما فرضت مدى ثلاث سنوات قيودا تعد من بين الأكثر صرامة في العالم، عمدت الصين في مطلع كانون الأول/ديسمبر وبشكل مفاجئ إلى رفع غالبية التدابير الصحية التي كانت تفرضها لاحتواء الجائحة.
مذّاك سجّلت البلاد طفرة في الإصابات وباتت المستشفيات ترزح تحت وطأة تدفق المصابين المسنين كما أن محارق الجثث بدت غير قادرة على استيعاب العدد الهائل من الجثامين.
على العكس من المشاهدات الميدانية، لم تكن السلطات قد أعلنت سوى عن عدد قليل من الوفيات.
وفي كانون الأول/ديسمبر أجرت الصين إعادة نظر في منهجيتها المعتمدة لإحصاء وفيات كوفيد.
فبات يدرج في الإحصائيات حصرا من يكون السبب المباشر لوفاتهم فشل الجهاز التنفسي المرتبط بكوفيد.
وتعديل المنهجية هذا المثير للجدل يعني أن وفيات كثيرة لم تعد تدرج ضمن حصيلة كوفيد.
والأسبوع الماضي، انتقدت منظمة الصحة العالمية تعريف الصين الجديد “الضيق جدا” للوفيات الناجمة عن كوفيد-19.
وأعلنت السلطات الصحية الصينية أول حصيلة غير شاملة للجائحة منذ رفع القيود الصحية الشهر الماضي.
وقال رئيس مكتب الإدارة الطبية في لجنة الصحة الوطنية جياو ياهوي لصحافيين إن الصين سجّلت 59938 حالة وفاة مرتبطة بكوفيد-19 بين 8 كانون الأول/ديسمبر 2022 و12 كانون الثاني/يناير 2023.
وتشمل هذه الحصيلة 5503 وفيات ناجمة عن فشل الجهاز التنفسي ناتج مباشرة عن الفيروس و54435 حالة وفاة ناجمة عن أمراض كامنة مصحوبة بكوفيد-19.
ويشير هذا الرقم حصرًا إلى الوفيات بكوفيد-19 المسجّلة في المرافق الطبية، مع احتمال أن يكون العدد الإجمالي للوفيات أكبر.
ومعدّل أعمار المتوفين 80 عاما.
ويعتبر المسنّون من بين الأكثر عرضة للخطر من جراء الإصابة بكوفيد نظرا إلى أن كثرا منهم إما غير ملقّحين وإما لم يتلقوا كامل الجرعات اللقاحية.
وشدّدت الصين على أن نشر الحصيلة بعد أكثر من شهر على رفع القيود الصحية مردّه أن جمع المعلومات وتوفيرها يتطلب وقتا.
وشكّكت منظمة الصحة العالمية مرارا في موثوقية ما توفّره بكين من بيانات حول الوباء.
وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس خلال مؤتمر صحافي “نواصل الطلب من الصين تقديم بيانات منتظمة وموثوقة بشكل أسرع حول حالات الاستشفاء والوفيات، بالإضافة إلى تسلسل جيني كامل أكثر للفيروس وفي الوقت الحقيقي”.
وندّدت الصين بهذه الانتقادات ودعت منظمة الصحة العالمية إلى تبني موقف “محايد” بشأن تفشي كوفيد-19.
لكن يبدو أن البلاد تجاوزت ذروة الوباء.
ففي نهاية كانون الأول/ديسمبر بلغ عدد من طلب مشورة طبية بسبب أعراض حمى ثلاثة ملايين شخص، مقابل أقل من 500 ألف في كانون الثاني/يناير.
في بكين، سجّل إقبال على المراكز التجارية والمطاعم والمواصلات بعدما لازم العديد من المرضى منازلهم مدى أسابيع عدة.
واعتبرت السلطات الصينية أن “لا داعي” للخوض فورًا في العدد الدقيق للوفيات المرتبطة بالإصابة بكوفيد-19.
وقال عالِم الأوبئة ليانغ وانيان إن “المهمة الرئيسية خلال الجائحة هي معالجة المرضى”.
وتابع ليانغ الذي يرأس مجموعة الخبراء التي تعمل على مكافحة تفشي كوفيد-19 بتكليف من اللجنة الوطنية للصحة في الصين “في الوقت الحالي، لا أعتقد أنه من الضروري أن نحقق في سبب (الوفاة) لكل حالة على حدة”.
وأشار ليانغ إلى عدم وجود توافق على المستوى العالمي بشأن تصنيف الوفيات الناجمة عن كوفيد-19، وقال “إذا تعذر الوصول إليه (التوافق)، فسيقوم كل بلد بتصنيفه وفقًا لوضعه الخاص”.
يمكن للصين تحديد عدد الوفيات من خلال فحص لاحق للوفيات الزائدة، بحسب رئيس قسم الأمراض المعدية في المستشفى رقم 1 في جامعة بكين وانغ قوي تشيانغ.
ووفق الأرقام الرسمية، سجّلت الصين، البالغ عدد سكانها نحو 1,4 مليار نسمة، 37 وفاة فقط بكوفيد-19 منذ كانون الأول/ديسمبر.
وكانت الصين قد أعلنت في السابق تسجيل ما يزيد قليلا عن خمسة آلاف وفاة فقط منذ بدء الجائحة، وهو واحد من أدنى معدلات الوفيات في العالم.
الصينيون يلجأون إلى السوق السوداء
في خضمّ نقص في الأدوية المضادة لكوفيد-19 في الصين بعد الرفع المفاجئ للقيود الصحية، تلجأ عائلات يائسة إلى السوق السوداء رغم عمليات الاحتيال والأسعار الباهظة.
وتواجه الصيدليات من جهتها نقصًا في أدوية الزكام والحمى. ويتجنب الكثير من الصينيين شراء منتجات مصنوعة في بلادهم، بعد تعرض قطاع الأدوية لفضائح عدة شوهت سمعته.
ويدفع الوضع البعض إلى اللجوء إلى السوق السوداء وإلى التجار عبر الانترنت.
فعلى الرغم من المخاطر، لجأت كيو إلى الإنترنت للحصول على باكسلوفيد Paxlovid، الدواء المضاد لكوفيد من شركة فايزر الأميركية العملاقة.
وأكد لها بائع من خلف الشاشة أنه يملك مخزونًا وأنه قادر على إرسال أدوية عبر البريد.
وأجرت الشابة طلبية على موقع شركة أدوية في هونغ كونغ تبيّن لاحقاً أنه تعرّض للقرصنة، ودفعت 12 ألف يوان (1644 يورو) ثمن ست علب، أي ما يزيد عن ما يتقاضاه الكثير من الصينيين كراتب شهري.
لكن لم تتلق الشابة دواء باكسلوفيد أبدًا، وقطع السارق كل قنوات الاتصال به.
وقالت كيو التي لم تكشف لوكالة فرانس برس عن اسمها الكامل “الأمر مثير للاشمئزاز!”.
وأضافت أنها شعرت “بالأذى والعجز والغضب الشديد” بسبب هذا الاحتيال.
وتابعت الشابة البالغة 22 عامًا “كل ثانية مهمة عندما تحاول إنقاذ حياة شخص ما”.
وأكدت شركة غيتاي التي تمت قرصنة موقعها على الإنترنت لوكالة فرانس برس أنها أبلغت الشرطة.
ويصعب على معظم الصينيين الحصول على دواء باكسلوفيد على الرغم من تأكيد السلطات أن بعض مستشفيات الأحياء تمتلكه حالياً.
وفي بكين وشنغهاي، أشارت مؤسسات عدة اتصلت بها وكالة فرانس برس إلى أنها لا تعرف متى سيتم تسليمها الأدوية.
ونفد مخزون المواقع المتخصصة في بيع الأدوية عبر الإنترنت، ما فسح المجال لمنفذي عمليات الاحتيال ولتجار غير موثوق بهم.
واتصلت وكالة فرانس برس بأحد التجار الذي يبيع العلبة الواحدة من دواء باكسلوفيد في مقابل 18 ألف يوان (2466 يورو)، أي بزيادة نحو تسعة أضعاف عن السعر الرسمي.
ولم يحدد التاجر كيف حصل على الأدوية ورفض الحديث عندما علم أنه يتكلم مع مراسل فرانس برس.
وأطلقت وزارة الأمن العام الصينية حملة تستهدف “إنتاج وبيع الأدوية المزيفة”.
وعلى الرغم من المخاطر، تظل السوق السوداء الملاذ الأخير لأشخاص مثل شياو، بعدما أصيب جدها المسن بالمرض في أواخر كانون الأول/ديسمبر.
وقالت الفتاة البالغة 25 عامًا والتي تعمل مندوبة مبيعات إنها “صُدمت” عندما طلب منها بائع عبر الإنترنت نحو 2500 يورو لشراء دواء باكسلوفيد، وهو مبلغ يتخطى قدرتها الشرائية.
وقالت الشابة التي توفي جدها لوكالة فرانس برس “لا أفهم إطلاقا كيف يمكن لبعض الناس الحصول على هذا الدواء”. وأضافت “الناس أمثالنا لا يستطيعون شراء علبة واحدة حتّى”.
نتيجة لذلك، يتجه بعض الصينيين إلى شراء أدوية جنيسة مستوردة بطريقة غير قانونية ولكن بأسعار أفضل.
ووجدت وكالة فرانس برس على الإنترنت شخصاً يقول إنه صيدلاني ومقره في الهند، يبيع زبائنه الصينيين دواء باكسيستا Paxista بدل باكسلوفيد، بسعر 1500 يوان (205 يورو) لكل علبة.
وقالت امرأة في مجموعة مناقشة حول فاعلية الأدوية الجنيسة “لا أعرف من أصدق”.
ومنحت الصين تصريحًا طارئًا بشروط لمضاد للفيروسات من مختبر “ميرك” Merck للمرضى البالغين الذين يعانون من أعراض خفيفة أو معتدلة جراء كوفيد.
وقال أحد التجار لوكالة فرانس برس في الصين، إن ليس لديه “أي مشكلة أخلاقية” في رفع ثمن الأدوية التي يمكن أن تنقذ أرواح.
محادثات مع فايزر
وقالت ثلاثة مصادر لرويترز إن الصين تجري محادثات مع شركة فايزر الأمريكية للحصول على ترخيص يسمح لشركات الأدوية المحلية بتصنيع وتوزيع نسخة من عقار باكسلوفيد الذي تنتجه الشركة والمضاد لكوفيد-19 والفيروسات في الصين.
وقال أحد المصادر المطلعة على الأمر إن الجهة المنظمة للمنتجات الطبية في الصين وهي الإدارة الوطنية للمنتجات الطبية ترأس المحادثات مع شركة فايزر منذ أواخر الشهر الماضي.
وأضاف المصدر أن بكين حريصة على الانتهاء من بنود اتفاق الترخيص قبل العام القمري الجديد الذي يبدأ في 22 يناير كانون الثاني.
وأظهرت تجربة سريرية أن باكسلوفيد يقلل من دخول المرضى المعرضين لمخاطر عالية إلى المستشفيات بنسبة 90 في المئة تقريبا.
ويتزايد الطلب علي هذا الدواء مع محاولة العديد من الصينيين الحصول عليه في الخارج وشحنه إلى الصين.
وتعارض بكين إلى حد كبير اللقاحات والعلاجات الغربية. وكان عقار باكسلوفيد الذي يتم تناوله عن طريق الفم أحد العلاجات الأجنبية القليلة التي تمت الموافقة عليها.
ووافقت الصين في فبراير شباط من العام الماضي على عقار باكسلوفيد لعلاج المرضى المعرضين لمخاطر عالية في عدة أقاليم. وتوصلت شركة فايزر الشهر الماضي إلى اتفاق لتصدير باكسلوفيد إلى الصين من خلال شركة محلية لتوفير الدواء على نطاق أوسع.
ولم ترد الإدارة الوطنية للمنتجات الطبية والمكتب الإعلامي لمجلس الدولة، الذي يتعامل مع استفسارات وسائل الإعلام للحكومة، على طلبات رويترز للتعليق.
وقال متحدث باسم فايزر إن الشركة تتعاون بنشاط مع السلطات الصينية وجميع الأطراف المعنية لتأمين إمدادات كافية من باكسلوفيد في الصين.
.
رابط المصدر: