قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة إلى سلطنة عمان في 20 فبراير 2023، وكان في استقباله السلطان هيثم بن طارق في قصر البركة العامر في مسقط، وعقدت مباحثات بحضور الوفدين الرسميين حيث رافق الرئيس السوري كل من وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور فضل الله عزام، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل، وهي الزيارة الثانية للأسد إلى دولة عربية منذ الأزمة السورية في 2011، وكانت الأولى للإمارات في مارس 2022.
أهمية الزيارة
تنبع أهمية الزيارة التي قام بها الرئيس السوري إلى سلطنة عمان من كونها خطوة مهمة لفك العزلة مع النظام السوري ضمن مسار إعادة العلاقات العربية-السورية إلى طبيعتها، واستكمالًا لعدة خطوات أخرى قامت بها بعض الدول العربية؛ فكانت الجزائر من أولى الدول الساعية والداعمة لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، متحفظة على قرار تعليق عضويتها ولم تقطع العلاقات معها، وحرصت خلال ترتيبات القمة العربية التي استضافتها في 21 نوفمبر 2022 على أن يكون الملف السوري على رأس أولويات الأجندة العربية.
فكان شعار القمة هو “لم الشمل العربي” خاصة في ظل حالة الزخم والدعم العربي من جانب مصر والأردن والعراق ولبنان والبحرين وكذلك الإمارات لعودة سوريا إلى محيطها العربي، بما يمثل ذلك من ضرورة لتحقيق الأمن والاستقرار العربي، فكانت القضية السورية إحدى محددات الأمن القومي العربي التي عبر عنها البيان الختامي للقمة من خلال التأكيد على التسوية السياسية للأزمة ومعالجة تبعاتها بما يحقق وحدة وسيادة الدولة وتحقيق الاستقرار والسلام بها.
ولا يُغفل في ذلك الجهود المصرية الداعمة لوحدة واستقرار سوريا وعودتها إلى محيطها العربي، وما عبر عنه الموقف المصري الداعم للحل السياسي للأزمة السورية في المحافل الدولية، فكان اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري “سامح شكري” والمبعوث الدولي لسوريا “جير بيدرسون” على هامش منتدى حوارات روما المتوسطية في ديسمبر 2022 والتأكيد على التسوية الشاملة للأزمة السورية بما يحقق سيادة الدولة، وبما يحفظ استقلالية قراراها السياسي.
وكذلك ما أكد عليه الرئيس “عبد الفتاح السيسي” خلال مشاركته في القمة العالمية للحكومات في دبى في 13 فبراير 2023 من حيث دعم ومساندة الدول العربية لسوريا، ويتصل بذلك الموقف الداعم لها في سياق الأزمة الإنسانية التي شهدتها سوريا جراء الزلزال الذى وقع في 6 فبراير فكان الاتصال الهاتفي من قبل الرئيس “السيسي” بالرئيس “بشار الأسد” للتعزية في ضحايا الزلزال، ومساندة مصر لسوريا في أزمتها بإرسال سفينة إلى ميناء اللاذقية السوري محملة بمئات الأطنان من المساعدات الإغاثية للشعب السوري، وشملت كميات كبيرة من الخيام وبطاطين ومواد غذائية ومستلزمات طبية، كذلك الدور المصري المحتضن للاجئين السوريين منذ 2011 ليبلغ عددهم 145658 لاجئًا وطالب لجوء بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ديسمبر 2022.
واتصالًا بالمسار الداعم لاستقرار سوريا، كان الاتجاه العربي إلى المشروعات التنموية والتكاملية وتمثلت مؤشراته في مشروع المشرق الجديد الذي يربط بين مصر والأردن والعراق، وخط الغاز العربي الذي يمر من مصر إلى الأردن إلى سوريا ليصل إلى لبنان. في ذات السياق واستمرارًا للموقف العربي الداعم لسوريا كانت المبادرة الأردنية الداعية لحل سلمى للأزمة السورية ومحاولة كسب الدعم الدولي لإنهاء الأزمة وعبر عن ذلك وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” على هامش اجتماعات الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى الدعم الأردني لسوريا في أزمة الزلزال بإرسال خمس طائرات وقوافل برية تحمل مساعدات طبية وفرق إنقاذ وبحث، إلى جانب مساعدات غذائية.
وكان الأمر اللافت والمؤشر المهم أيضا ضمن مؤشرات العودة التدريجية للعلاقات هو زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق في 15 فبراير الجاري ولقائه بالرئيس “بشار الأسد” بما عكس بعض الرسائل لفك عزلة النظام وحالة التضامن العربي مع الدولة والشعب السوري في أزمته.
ويأتي ضمن المؤشرات الأخرى ما قامت به السعودية من إرسال أول طائرة إغاثية إلى مطار حلب لمساعدة المتضررين من الزلزال، ليبلغ حجم المساعدات للمتضررين أكثر من 320 مليون ريال سعودي، ونحو 15 مليون دولار من الجزائر في إطار المساعدات العربية إلى سوريا. بما يعكس بوادر الاتجاه إلى عودة العلاقات مع النظام السوري وعودة سوريا إلى الحاضنة العربية.
من ناحية أخرى تدلل التصريحات الرسمية من قبل وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” على هامش مؤتمر ميونخ للأمن 2023، على إمكانية عودة العلاقات إلى طبيعتها قائلًا “إن إجماعًا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين”. في السياق ذاته؛ قدمت الإمارات 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال وكانت من أولى الدول العربية التي رحبت بعودة العلاقات مع سوريا واتخاذ خطوات متقدمة في هذا الصدد، ففي 27 ديسمبر 2018، أعادت أبو ظبي افتتاح سفارتها في دمشق.
وعقب استعادة العلاقات الدبلوماسية، اتخذت العلاقات مسارًا اقتصاديًا، تمثلت مؤشراته في تنظيم اتحاد غرف التجارة والصناعة الإماراتي بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة أبو ظبي “ملتقى القطاع الخاص الإماراتي-السوري” في يناير 2019 لبحث إمكانية تعزيز التعاون الاستثماري والتجاري بين رجال الأعمال الإماراتيين ونظرائهم السوريين، وفي أغسطس 2019، شارك نحو أربعين رجل أعمال إماراتيًا بمعرض تجاري في دمشق يهدف إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي في جهود إعادة الإعمار، وأعيد تفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي المشترك نهاية أكتوبر 2021 وهو ما تزامن أيضًا مع حضور سوري داخل معرض “إكسبو 2020” في دبي بدعوة من الجانب الإماراتي، وفى نوفمبر 2021 وعقب زيارة لوزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق وقعت وزارة الكهرباء السورية ومجموعة من الشركات الإماراتية اتفاقية تعاون لإنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 300 ميغاواط بريف دمشق.
وعلى هامش لقاء بين وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ “عبد الله بن زايد آل نهيان” مع نظيره الروسي “سيرجي لافروف” عبر عن دعم دولته لضرورة عودة سوريا لشغل مقعدها بجامعة الدول العربية. ثم تلا ذلك الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى أبو ظبي في 18 مارس 2022. ثم زيارته الحالية إلى سلطنة عمان والتي تعكس لنا بعض الدلالات.
دلالات مهمة
● تتسم العلاقات السورية- العمانية بكونها علاقات تعاونية، وهي علاقات وثيقة ومتجذرة منذ نشأة العلاقات الدبلوماسية في عام 1988، وهناك تعاون في مجالات عديدة مثل التعليم والسياحة والاقتصاد. وبالرغم من أن مسقط سحبت سفيرها في 2012، فإنها حافظت على العلاقات مع دمشق، وعملت على تعزيز حيادها لدفع أطراف الصراع للتوصل إلى حل سياسي. وفي عام 2015، زار وزير الخارجية العماني “يوسف بن علوي” دمشق لمناقشة سبل حل الأزمة.
وفي عام 2018، استمرت المحادثات عندما وصل وزير الخارجية السوري حينها “وليد المعلم” إلى مسقط لإجراء مزيد من المفاوضات. وفي عام 2020 كانت عمان أول دولة عربية تعيد سفيرها إلى سوريا السفير “تركي بن محمود البوسعيدي”. وقام وزير الخارجية السوري “فيصل المقداد” بزيارة إلى عمان في مارس 2021. وكان السلطان “هيثم بن طارق” أول من هنأ الرئيس السوري بإعادة انتخابه، وفى يناير 2022 زار وزير الخارجية العماني “بدر البوسعيدي” سوريا والتقى بالرئيس “بشار الأسد”.
● بالرغم من أن عمان لم تصل في علاقتها مع سوريا إلى حد القطيعة، فإن زيارة الرئيس السوري إليها تبعث ببعض الرسائل في محاولة للعودة التدريجية للعلاقات العربية مع الدولة السورية خلال الفترة القادمة، وإمكانية لعب عمان دور الوسيط في عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، خاصة أن للرئيس السوري على هامش الزيارة تصريح ” بأن المنطقة بحاجة الآن إلى دور سلطنة عُمان بما يخدم مصالح شعوبها من أجل تعزيز العلاقات بين الدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى”
● من المرجح أن تكون عمان ضمن حلقات الوصل الساعية إلى إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية ، لاسيما أن لعمان تاريخ حافل في لعب دور الوساطة في عدد من الصراعات منها اليمن، واستضافت المحادثات بين أطراف الصراع حول تبادل الأسرى ومحادثات السلام في سبتمبر 2015، وساعدت في إطلاق سراح ثلاثة مواطنين سعوديين، واثنين من المواطنين الأمريكيين، ومواطن بريطاني محتجز من قبل الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء.
● تضمنت الزيارة بعدين مهمين، وهما: البعد الداخلي والتنسيق والتشاور بشأن مجالات التعاون المشترك بين سوريا وعمان، ومن ناحية ثناية البعد الإقليمي والدولي ومحاولة تبادل الرؤى بشأن التطورات المتسارعة.
● توقيت الزيارة خاصة بعد الدعم الذي قدمته الدول العربية لسوريا يعكس رغبة متبادلة في إعادة العلاقات العربية السورية إلى طبيعتها، وسبق أن نادت الجزائر في 21 فبراير 2020 بضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وأعلنت لبنان والعراق بدعمها لعودة سوريا، إضافة إلى حاجة سوريا إلى عودة العلاقات التعاونية مع الدول العربية والخليجية، وربما التعويل على دور هذه الدول في إعادة إعمار سوريا.
● تعكس زيارة الأسد الرغبة العربية المتبادلة بالحاجة إلى التضامن والتعاون المشترك خاصة أن الأزمة السورية تتشابك مع مختلف الأزمات التي يشهدها الإقليم، كذلك تعكس الحالة الإقليمية الجديدة التي تشهدها المنطقة والتي تهدف إلى خفض التوترات، وتقريب وجهات النظر بما يحقق مصالح متبادلة لكل الدول العربية، واتجاها نحو التنمية، ويدلل على ذلك بعض المشروعات مثل مشروع المشرق الجديد بين مصر والعراق والأردن، ومبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة بين الإمارات ومصر والأردن والبحرين.
● منذ قيام ثورات الربيع العربي، شهدت المنطقة العديد من الصراعات السياسية، وخلل في التوازنات الإقليمية بما سمح لدول الجوار بمد نفوذها، وبدأ التوجه نحو خفض الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، لذلك بدأت الدول تتجه نحو مسارات أخرى تخفض بها التوترات فيما بينها. وكان التغيير ملحوظ مع اتفاق العلا في 5 يناير 2021 لإنهاء الأزمة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر، واتباع الدول العربية نهجًا تعاونيًا يجعلها قادرة على الاعتماد على ذاتها من خلال إجراء إصلاحات داخلية، والاتجاه إلى التعاون وتحقيق المصالح المشتركة أكثر من التنافس فيما بينها، والتعامل مع الدول الإقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل) في محاولة لخلق توازنات جديدة في المنطقة، في ظل تنافس دولي وحالة من الاستقطاب تقوم بها القوى الدولية في محاولة لجذبها في صفها في سياق الحرب الروسية- الأوكرانية.
ختامًا؛ تعكس زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى سلطنة عمان ومن قبلها الإمارات بداية لعودة تدريجية للعلاقات العربية مع سوريا وإعادة ترتيب هذه العلاقات، خاصة أن زيارات الرئيس بشار الأسد الخارجية السابقة كانت تنحصر في محور روسيا وإيران، لكن تدلل المؤشرات السابقة على مستوى الزيارات والمواقف العربية بداية لفك العزلة عن النظام في سوريا وعلى بداية تدريجية في مسار العودة، وربما تقوم سلطنة عمان بدور حلقة الوصل بين سوريا والدول العربية، بما ينعكس بعد ذلك في عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
.
رابط المصدر: