الجهود الدولية والإقليمية ومستقبل الانتقال السياسي في السودان

صلاح خليل

 

شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، في فبراير 2023، اجتماعًا للرباعية الدولية، المكونة من (بريطانيا، الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، والإمارات)، مع بعض القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري، من بينها الحرية والتغيير المجلس المركزي، وأيضًا مكونات سياسية أخرى رافضة له، في خطوة من الرباعية للوصول إلى توافق سياسي لحل الأزمة السودانية المعقدة. وكان ذلك الاجتماع بحضور الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، فضلًا عن مشاركة من جانب الآلية الثلاثية المكونة من الاتحاد الأفريقي، ومجموعة الإيجاد والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، والنرويج. ويدخل هذا الاجتماع ضمن المرحلة الثانية، التي تهدف إلى التوصل إلى تشكيل حكومة مدنية وصولا إلى المرحلة النهائية، كما أن الاجتماع كان بمثابة إشارة واضحة من الرباعية التي تعمل لإنهاء الأزمة السياسية المعقدة.

كان على رأس أولويات الرباعية الحوار مع الأطراف غير الموقعة على الاتفاق الإطاري، سواء كانت حركات مسلحة أو قوى سياسية وذلك لحلحلة الأزمة وتحقيق أكبر قدر من المشاركة السياسية لجميع الأطراف وفقًا للاتفاق الإطاري، لكن الاجتماع شابته عراقيل ومعوقات كبيرة، في ظل تعنت الحرية والتغيير المجلس المركزي، ورغبته في تمرير أجندته المتعلقة برفضه التفاوض والتوقيع مع الكتلة الديمقراطية مجتمعة ككيان موحد، وهو الأمر الذي دفع الرباعية للتلويح بمحاسبة أي طرف من الأطراف يعرقل عملية الانتقال الديمقراطي في السودان.

موقف قوى الحرية والتغيير 

تتباطأ الحرية والتغيير ومكوناتها في التجاوب مع الجهود المبذولة، وبالتالي تعرقل حدوث اختراق حقيقي نحو إبرام اتفاق نهائي بين المكونين العسكري والمدني، بما يُفضي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مدنية حتى نهاية الفترة الانتقالية. وعلى الرغم من أن ورشة القاهرة ذللت العديد من المشكلات والعراقيل التي كانت عائقًا أمام توقيع الكتلة الديمقراطية والقوى السياسية الأخرى للاتفاق الإطاري، لكن لا تزال قوى الحرية والتغيير تتمسك بموقفها المتشدد والرافض للكتلة الديمقراطية ككيان موحد، وتعمل على تجزئة الكتلة من مكوناتها كالحزب الاتحادي، وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، وتعمل على الاتفاق مع كل طرف على حدة، وعدم فتح الاتفاق الإطاري للإطراف سياسية أخرى. كما انضم الحزب الوطني الاتحادي بتوقيعه على مصفوفة الاتفاق الإطاري، وبذلك يعود مرة أخرى إلى تحالف قوى التغيير.

وتتخوف الحرية والتغيير من التفاعلات السياسية فيما بعد الفترة الانتقالية، حيث تقتصر قواعد تأييدها على ولاية الخرطوم فقط، بما لا يمكنها أن تحقق مكاسب في الولايات الأخرى بالانتخابات المنتظرة، بسبب المنافسة التي تحتدم على المؤثرين من الشخصيات القبلية والقوى السياسة التقليدية، خاصة حزبي الأمة والاتحادي.

كما تخشى الحرية والتغيير من التغيرات التي طرأت على الشارع السوداني وضيقه ذرعًا بالأزمات المتفاقمة، حيث يعيش السودانيون ظروفًا اقتصادية صعبة، بسبب التكلفة العالية لمستوى المعيشة وزيادة حالات الفقر، وتتحمل القوى السياسية مسئولية أساسية عن تدهور الوضع، ومع ذلك لا تظهر النخبة السياسية وفي مقدمتها الحرية والتغيير أي اعتبارات لاستمرار الاقتصاد في دوامة الأزمة العميقة والاضطرابات العنيفة.

تحالف وانقسامات

في الوقت الذي تزداد فيه الأمور تعقيدًا على كافة الأصعدة، ما تزال المفاوضات والحوار بين الحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية متعطلًا بسبب اختلاف الطرفين بشأن اختيار الأطراف المشاركة في العملية السياسية والمعايير التي يقوم عليها المشاركة. وهو الأمر الذي خلق تباينًا في وجهات النظر، وحالة استقطاب كبيرة تهدد عملية التوافق السياسي بين عناصر المكون المدني. وجدير بالذكر أن الأحزاب تنظر إلى بعضها بعضًا على أنها أطراف متنافسة في المستقبل دون النظر للواقع البائس الراهن الذي تعيشه البلاد. إضافةً إلى ذلك فإن الحرية والتغيير ومعظم القوى السياسية الحالية، وكذلك النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني، والحركات المسلحة، ولجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات اليومية لحشد الناس في الشوارع، جميعهم حدثت في داخلهم انقسامات وتشظيات باتت تؤثر على أي حوار أو توافق ينهي الأزمة ويعيد البلاد إلى المسار السياسي الطبيعي.

وبينما ضمت قوى الحرية والتغيير معظم أحزاب المعارضة القائمة وكذلك النقابات العمالية وجماعات المجتمع المدني وبعض الحركات المتمردة و”لجان المقاومة” في الأحياء، والتي كانت القوة الأساسية التي تحشد الناس في الشوارع؛ فإن كلًا من الحزب الشيوعي والبعث العربي الاشتراكي، أعلنا عن تحالف جديد وتنسيق مشترك بينهما والقوى السياسية الأخرى من أجل قضايا النضال الوطني، وهو ما يزيد المشهد قتامة، وينحي الأولويات الوطنية لصالح الانتماءات الأولية والأطماع الحزبية.

التزام من جانب المؤسسة العسكرية

وفي السياق ذاته، بدأت فعليًا المؤسسة العسكرية في تنفيذ الاتفاق الإطاري كخطوة جريئة تبرهن على الثقة بينها وبين الأطراف الدولية والإقليمية التي أشرفت على الاتفاق، وتأكيدًا لالتزاماتها السابقة للرأي العام السوداني، والمجتمع الإقليمي والدولي، قامت بتشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتعامل مع المجتمع الدولي واشتراطاته التي وضعها لعودة المؤسسات السودانية إلى المجتمع الدولي والتعامل مع السودان، في إطار خطوة تأكيدية تعني انسحاب المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، وإفصاح المجال لتشكيل حكومة مدنية ومجلس سيادة مدني. وتتزامن تلك الخطوة مع انفراجة كبيرة في العملية السياسية بعد تقارب وجهات النظر بين أطراف العملية السياسية السودانية، التي تمت في القاهرة تحت رعاية الدولة المصرية، ودفعت الأطراف إلى تكملة الورشة في الخرطوم. كما أن مخرجات ورشة القاهرة وإيجابياتها ونتائجها وضعت حدًا لمخاوف جميع أطراف العملية السياسية السودانية.

الترتيبات التي قام بها الفريق البرهان هي بمثابة مغادرة المكون العسكري للسلطة وإتاحة الفرصة لعملية التحول الديمقراطي. كما تعتبر خطوة أولى في تنفيذ المصفوفات الأمنية المتفق عليها في الاتفاق الإطارى، بدءًا من عملية الدمج لتشكيل جيش مهني واحد يحمي البلاد، ومهامه الأخرى المنصوص والمتفق عليها في الوثيقة. ويتكون المجلس الأعلى للقوات المسلحة السودانية، من القيادات العسكرية في المؤسسة، كمدير عام جهاز المخابرات العامة، ومدير عام الشرطة، وقائد قوات الدعم السريع. كما أن تأسيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة هي رسالة واضحة للقوى السياسية المدنية التي تنادي بالإصلاح في الأجهزة الأمنية وهيكلة القوات النظامية، سواء كانت شرطية أو عسكرية. وبموجب الاتفاق الإطاري سيكون مشاركة المؤسسة العسكرية فقط في مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء.

ختامًا، لإتمام الانتقال السياسي لا بد من تقييم الفترات الماضية من الأزمة، والدخول في حوار شامل بناء وفقًا للاتفاق الإطاري، لمعالجة جذور وأسباب الانقسامات والصراعات الداخلية بين جميع المكونات، خاصة بعد انسحاب المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، كما هي بمثابة فرصة للمكون المدني للانفراد بالسلطة حتى انتهاء المرحلة الانتقالية في السودان. كما أن الاتفاق الإطاري دعا إلى تأسيس هيئة انتقالية مكونة من 60% من الموقعين على الاتفاق، بالإضافة إلى تمثيل عادل للمرأة والشباب. كما نص الاتفاق الإطاري على أن الهيئة المكونة هي بدورها سترشح رئيس الوزراء، ومجلسه، والمجلس السيادي المدني، وأخيرًا المجلس التشريعي الانتقالي. كما يجب على جميع القوى السياسية بدءًا من الآن في خارطة طريق للفترة الانتقالية، لأنها المخرج الوحيد للأزمة التي يعيشها السودان منذ سنوات. كما أنها فرصة تثبت وتبرهن بها القوى السياسية المدنية تحملها المسئولية والمقدرة في تقديم نفسها للمجتمع الإقليمي والدولي الذي يترقب المشهد بحذر طوال السنوات الماضية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33082/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M