كُلُّ رِجال «تشي»: انعكاسات تشكيل اللجنة العسكرية على الأهداف الاستراتيجية للجيش الصيني

أُعيد تشكيل اللجنة المركزية العسكرية للحزب الشيوعي الصيني خلال المؤتمر العشرين الذي عُقِد في 16 أكتوبر 2022. وقد عكست شخصيات أعلى قادة عسكريين في الصين وخلفياتهم، من حيث الرتبة والمكانة، ملامح الاستراتيجية العسكرية الصينية خلال السنوات المقبلة. وهذه الورقة تُسلِّط الضوء على هؤلاء القادة، وتُحلل ملامح الاستراتيجية العسكرية الصينية، وما إذا كانت الصين تسعى للتمدد عسكرياً خارج حدودها قريباً.

 

اللجنة المركزية العسكرية: الذراع المُسلحة للحزب الشيوعي

اللجنة المركزية العسكرية هي كيان تابع لقيادة الحزب الشيوعي الصيني مكلف بالإشراف على جيش التحرير الشعبي والشرطة وتوظيفهما لتحقيق مصالح الصين العليا ضمن استراتيجية الأمن القومي. ومن بين مهام اللجنة الإشراف على استراتيجية جيش التحرير الشعبي وعقيدته وموظفيه ومعداته وتمويله وأصوله، إلى جانب مهام أخرى. وتعني طبيعة اللجنة ودورها أنها تتلقى أوامرها، وتتبع تنظيمياً، قيادة الحزب وليس الدولة، في إطار دستوري يمنح الحزب سيطرة كاملة على القوات المسلحة. أي أن جيش التحرير الشعبي هو جيش الحزب الشيوعي، وليس جمهورية الصين الشعبية.

 

وبعض أعضاء اللجنة العسكرية هم أعضاء أيضاً في كيانات أخرى متصلة بالأمن القومي الصيني، من قبيل مفوضية الأمن القومي ومفوضية السياسة الخارجية. وتُشرف اللجنة المركزية العسكرية على عدة كيانات عسكرية، أهمها الأفرع الرئيسة لجيش التحرير الشعبي كالقوات البرية (الجيش)، والبحرية، والجوية، وقوة الصواريخ. وتدير اللجنة بشكل مباشر أيضاً قيادة جبهات العمليات الخمسة: الجبهات الشمالية، والجنوبية، والغربية، والشرقية، وقيادة المنطقة المركزية. بالإضافة إلى ذلك، تُشرف اللجنة على إدارات ومكاتب فرعية، مثل قيادة الأركان المشتركة، وإدارة العمل السياسي، وإدارة الاحتياط، وإدارة الانضباط ومكافحة الفساد. ويجمع اللجنة علاقة خاصة بوزارة الدفاع التابعة لمجلس الوزراء (أو مجلس الدولة)، إذ تشرف الوزارة على الأعمال الإدارية الخاصة بالقوات المسلحة، لكن يظل القرار العملياتي والاستراتيجي مسنداً حصرياً للجنة العسكرية.

 

وتتشكل اللجنة تقليدياً من الرئيس، الذي عادةً ما يتولى أيضاً منصبي سكرتير عام الحزب ورئيس الدولة، ونائبين أعضاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وأعضاء اللجنة (ومنهم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة) الذين يحتفظون بدورهم بعضوية اللجنة المركزية في الحزب. واعتُقد تاريخياً أن تولي منصب النائب الأول لرئيس اللجنة مؤشر على الإعداد للخلافة على الحكم. وقد شغل الرئيس شي جينبنغ منصب نائب رئيس اللجنة عام 2010 ثم رئيس اللجنة عام 2012.

 

ومنذ تولي شي الحكم، بدأت اللجنة في تبني مسار مخالف، من النواحي الشكلية والموضوعية والهيكلية، عن التقاليد التاريخية. فخلال العقد الماضي، لم يُعيَّن مدني في منصب النائب الأول لرئيس اللجنة في اتساق مع غياب خليفة لشي. وقد توافق هذا المسار مع التصاعد التدريجي لنفوذ الزعيم الصيني على الجيش، والذي انعكس بشكل واضح في الإصلاحات العسكرية الكبرى لعامي 2015 و2016، التي كان أبرزها تسريح 300 ألف جندي. ولعب غياب النائب، أو الخليفة المحتمل، دوراً في تنفيذ هذه الإصلاحات، التي أدخلت تغييرات معيارية عميقة في عقيدة القوات المسلحة وتنظيمها، دون مقاومة تذكر.

 

من الناحية التنظيمية، ضمت اللجنة تاريخياً من 9 إلى 10 أعضاء ذوي خلفية عسكرية، وسيطر الجيش البري بشكل شبه كامل على هذه المناصب على حساب الأفرع الأخرى. لكن هذا العدد تقلَّص، خلال المؤتمر التاسع عشر عام 2017، إلى 6 فقط من خلفيات متنوعة. فعلى سبيل المثال، جاء الجنرال تشو تشيليانغ، النائب الأول للجنة، من القوات الجوية وجانغ يوتشيا، النائب الثاني، من الجيش. وقد قاد ذلك إلى فقدان الجيش الهيمنة التقليدية على اللجنة والقرار العسكري الوطني بشكل عام، وقاد للمزيد من تمثيل الأفرع والإدارات الفرعية الأخرى.

 

والتغييرات المرتبطة بعضوية اللجنة خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي لم تنتج تبدلات عميقة أو اتجاهات تحويلية، لكنها قد تعكس تفكير القيادة الصينية الاستراتيجي خلال الخمسة أعوام المقبلة.

 

تشكيل اللجنة العسكرية العشرين ودلالاته

عقب انتهاء المؤتمر العشرين، أعلنت قيادة الحزب الشيوعي التشكيل الجديد للهيئات والتنظيمات الرئيسة في الحزب، ومنها اللجنة العسكرية. وقد استمر شي، كما كان متوقعاً، على رأس اللجنة، واستمر ثلاثة أعضاء، فيما انضم ثلاثة جدد.والأعضاء المستمرون هم: جانغ يوتشيا، الذي يبلغ 72 عاماً عكس تقاليد التقاعد عند 68 عاماً، نائباً أول للرئيس، ومياو هوا مديراً لإدارة العمل السياسي، وجانغ شنغمين رئيساً لمفوضية مكافحة الفساد. وانضم ثلاثة أعضاء جدد هم: هي وايدونغ نائباً ثانياً لرئيس اللجنة، ولي شنغفو المرشح لتولي منصب وزير الدفاع، وليو جانلي الذي سيرأس هيئة الأركان المشتركة.

 

وحملت هذه التغييرات دلالات مهمة عكست بعض ملامح تفكير القيادة الصينية الاستراتيجي خلال الخمسة أعوام الماضية. على سبيل المثال، لم يُعيَّن نائب مدني في سن مناسبة لخلافة شي، وهو الاتجاه العام في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي أيضاً. لكن كان لافتاً العودة لتقليد سيطرة القادة القادمين من الجيش على المناصب العملياتية الرئيسة، إذ إن أربعة (جانغ، هي، لي، ليو) من الستة أعضاء ينحدرون من القوات البرية.

 

وُعُيِّنَ هي وايدونغ نائباً للرئيس وعضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي مباشرة دون المرور على عضوية اللجنة المركزية للحزب أو عضوية اللجنة العسكرية، وهما شرطان تقليديان قبل الصعود لهذا المنصب. وحَلّ هي، القائد السابق للجبهة الشرقية المواجهة لتايوان، محل تشو تشيليانغ القادم من القوات الجوية. ولعبت خبرة هي العملياتية العميقة، وقيادته للجبهة الشرقية المسؤولة عن المواجهات العسكرية في خليج تايوان دوراً حاسماً في ترقيته. ويتمتع هي بخبرة استثنائية وفقاً لمعايير الجيش الصيني. فبعد تولِّيه مسؤولية الجبهة الشرقية عام 2019، أشرف على عملية تكامل الأفرع الرئيسة ووحدات وعمليات الجيش في خليج تايوان. وظهرت الدرجة العالية من التكامل، للمرة الأولى، خلال تنفيذ الجيش عملية مشتركة ناجحة للتدريب على حصار تايوان رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي في أغسطس 2022. أي أن هي يُعَد القائد الصيني الأول الذي يقوم بترجمة إصلاحات شي العسكرية الواسعة في سياق عملياتي حقيقي.

 

وعلى المستوى الشخصي، ساهم تقاطعه خلال مسيرته العسكرية مع شي في صعوده أيضاً. وتوطدت علاقة شي وهي منذ تزامن عملهما في إقليم فوجيان في أواخر التسعينيات عندما كان هي يخدم في صفوف الجيش الحادي والثلاثين في مدينة تشامين وكان شي نائب السكرتير الإقليمي للحزب ومحافظ فوجيان. ولاحقاً، بينما كان شي سكرتيراً للحزب في جيجيانغ، كان هي قائداً ميدانياً للقوات المتمركزة في مدينة هوجو التابعة لها. ووفقاً لتقارير، فقد حظيت قوات هي بزيارات متكررة من قِبل شي لمعسكراتهم. ويعني ذلك أن شي يرى في هي حليفاً موثوقاً، في تفسير للقفزات الكبيرة في مسار هي نحو منصبه الحالي منذ تولي شي الحكم.

 

وليس للعضوين مياو (قضى أغلب حياته في القوات البرية) وجانغ، خلفية قتالية، لكنهما ترقيا من خلال مناصبهما كمبعوثين سياسيين بين صفوف القوات المسلحة مسؤولين عن كل ما يخص سيطرة الحزب والأيديولوجيا على جيش التحرير الشعبي.

 

وكان اختيار لي شنغفو لمنصب وزير الدفاع لافتاً. فقد وضعت الولايات المتحدة لي على قوائم العقوبات عام 2018 لدوره، بصفته رئيساً لإدارة تطوير الأسلحة التابعة للجنة، في شراء مقاتلات “سو-35” ومنظومات صواريخ “اس 400” الروسية. وقد يُعرقِل ذلك الزيارات العسكرية والتنسيق الدفاعي بين الجانبين، إلا في حال ترتيب استثناءات محددة.

 

ومن ثم، فإن تشكيل اللجنة الجديد يستبطن بعض الاتجاهات الأساسية، أهمها الآتي:

 

  1. عودة الجيش للهيمنة على عضوية اللجنة العسكرية بعد اتجاه لتمثيل باقي الأفرع الرئيسة في اللجنة التاسعة عشر. ورغم هذا التنوع المؤقت، لم يخسر الجيش قط قبضته على المناصب المهمة في المستويات الأدنى من مستوى اللجنة.
  2. التركيز على الخبرات العملياتية والقتالية. فمسيرة جانغ يوتشيا، الذي يحظى باحترام واسع، انعكاس لذلك؛ إذ تشمل خدمته في الجبهتين الشمالية والمركزية والمشاركة في الخطوط الأمامية خلال الحرب الحدودية بين الصين وفيتنام عام 1979 وخلال الثمانينيات. وإلى جانب جانغ، فإن خبرة هي كنائب القائد العام للجبهة الغربية (المسؤولة عن المواجهات الحدودية مع الهند، والحدود مع أفغانستان وباكستان وميانمار) وقيادته للجبهة الشرقية لاحقاً ومسؤوليته على خطط الضغط العسكري التدريجي على تايوان ومواجهة اليابان والولايات المتحدة المحتملة في بحر الصين الشرقي جعلته اختياراً مناسباً. فضلاً عن ذلك، فإن ليو جانلي أيضاً من قدامى المقاتلين في معارك فيتنام، إلى جانب خبرته الطويلة في قيادة الجبهة المركزية المسؤولة عن تأمين العاصمة بيجين (قاد لاحقاً الوحدة المسؤولة سابقاً عن قمع تظاهرات الطلبة في ميدان تيانانمين عام 1989). ويعكس ذلك رؤية القيادة الصينية للبيئة الاستراتيجية الإقليمية والعالمية باعتبارها عدائية ومضطربة وتتطلب درجة عالية من الاستعداد القتالي والجاهزية العملياتية تحسُّباً لاشتداد حدة التنافس العسكري في شرق آسيا.
  3. مركزية تايوان في التفكير الاستراتيجي الصيني. فبالنظر إلى خدمة هي وايدونغ في منصب قائد الجبهة الشرقية وإشرافه الشخصي، وفقاً لتقارير، على العمليات العسكرية الصينية التي ردَّت على زيارة بيلوسي لتايبيه، فإنه يتوقع أن تشهد الخمسة أعوام المقبلة تطويراً للخطط العسكرية الصينية وتكامل الوحدات والعمليات على هذه الجبهة، وتسريعاً للوصول للجاهزية الكاملة لسيناريو ضم تايوان بالقوة عندما يكون الوقت مناسباً وفقاً لحسابات القيادة السياسية.
  4. استمرارية التحديث التقني والتكنولوجي لجيش التحرير الشعبي. فقد تولى كل من جانغ يوتشيا ولي شنغفو منصب مدير إدارة تطوير الأسلحة التابعة للجنة العسكرية من قبل، وهي إدارة استحدثها شي منتصف العقد الماضي ضمن خطط إصلاح القوات المسلحة وإعادة هيكلتها. وتدل هذه الاستمرارية على أن الإسراع في تطوير جيش التحرير الشعبي أولوية قصوى بالنسبة لقيادة الحزب.
  5. تأثير الروابط الشخصية والعائلية على الترقيات؛ فكما هي علاقة شي بهي وايدونغ، فإن جانغ يوتشيا أحد أهم المقربين لشي عائلياً. فقد كان والد جانغ، جانغ تسونغتشون، أحد مؤسسي جيش التحرير الشعبي وعمل مع ماو تسيدونغ شخصياً لسنوات. وخلال الحرب الأهلية في عام 1947، بينما كان جانغ تسونغتشون قائداً لفيلق جيش الشمال الشرقي، كان والد شي، شي تسونغتشون، المبعوث السياسي والحزبي للفيلق. ورغم ذلك، لا ينبغي التعويل بشكل كامل على هذا العامل الشخصي باعتباره مُحدداً لرؤية شي. فلا يوجد دليل على تمتع باقي أعضاء اللجنة بنفس الدرجة من القرب الشخصي للزعيم الصيني. إلى جانب ذلك، فإن اتصال شي وخبرته المكثفة بالضباط في اللجنة العسكرية والمكاتب الرئيسة لأفرع الجيش وقيادة الجبهة المركزية في بيجين خلال عمله نائب رئيس اللجنة العسكرية ونائب رئيس الدولة لم يتركا أثراً ملحوظاً في تكوين اللجنة (باستثناء ليو جانلي الذي لا توجد أدلة على قربه من شي). فضلاً عن ذلك، فإن الضباط الكبار الذين شغلوا مناصب قادة الأفرع أو الجبهات الرئيسة بين عامي 2017 و2022 انحدروا من قيادات هذه الأفرع والجبهات المتنوعة والمنتشرة على كامل جغرافيا الصين، أو صُعِّدوا من درجة نائب قائد الفرع أو الجبهة، دون وجود أدلة على تمتعهم بعلاقة مباشرة مع شي.
  6. حرص الزعيم الصيني على التوازن بين الخبرات والوجوه الجديدة. فقد أُبقيَ على ثلاثة قادة وتصعيد ثلاثة آخرين، وهو ما يوحي أن القيادة الصينية تسعى للتحقيق الاستمرارية، وفي الوقت نفسه الاستفادة من خبرات القادة الجدد وخلفياتهم.

 

الاتجاه الاستراتيجي المتوقع للصين في المديين القصير والمتوسط

في تقرير المؤتمر العشرين، حدَّد الزعيم الصيني التهديدات المتوقعة ولخَّصها في “المحاولات الخارجية للابتزاز والاحتواء والحصار وممارسة أقصى قدر من الضغط على الصين”. ومن ثم، فإن من مهام جيش التحرير الشعبي المستقبلية التصدي لبيئة استراتيجية وأمنية غير مستقرة، حيث “الفرص الاستراتيجية والمخاطر والتحديات متزامنة، والشكوك والعوامل غير المتوقعة آخذة في الارتفاع”.

 

ورغم ذلك، تظل التهديدات الداخلية الأشد خطورة وتهديداً للاستقرار الداخلي وأمن النظام الحاكم. ففي عام 2020، بلغ إنفاق الصين على بند “السلامة العامة”، وهو مصطلح يشير إلى الحفاظ على النظام العام والسيطرة على الوضع السياسي وحرية التعبير، 210 مليار دولار، وتضاعفت الميزانية أكثر من الضعف خلال عقد. وقد تجاوز إنفاق الصين على الأمن الداخلي ميزانية الدفاع الوطني بنسبة 7% في العام نفسه. وإلى جانب الإنفاق على ضمان الأمن الداخلي، ركز الرئيس الصيني على عناصر قوة الدولة الاقتصادية من قبيل الغذاء والطاقة وسلاسل التوريد، فضلاً عن أمن المواطنين الصينيين في الخارج.

 

وستتطلب هذه التحديات مجتمعة مقاربة شاملة تجاه الأمن القومي الصيني، بما يحقق أهداف خطة التحديث العسكري الموضوعة منذ عام 2020، ضمن “المبادئ التوجيهية الاستراتيجية العسكرية” المقرة عام 2019 والسرية، لتحقيق الأهداف المرحلية عبر الوصول لهدف مئوية تأسيس جيش التحرير الشعبي عام 2027 الذي يشمل دمج التكنولوجيا المتقدمة، وتحديث العقيدة القتالية، وتوظيف الموارد بشكل أكثر كفاءة. يلي ذلك الوصول إلى مستوى الجيش “الحديث بالكامل” بحلول عام 2035 (قادر على شن عمليات مشتركة بشكل كامل باستخدام أحدث التقنيات في جميع نطاقات المعركة)، والتحوُّل إلى قوة “بمستوى عالمي” (بنفس قوة الجيش الأمريكي) بحلول مئوية جمهورية الصين الشعبية عام 2049.

 

وللوصول إلى هذه الأهداف، دعا تقرير عمل المؤتمر العشرين إلى تقديم “توجيه استراتيجي عسكري” جديد، وهي إشارة في الغالب للمبادئ التوجيهية لعام 2019 التي حدَّدت مراحل التحديث العسكري. وقد أصدرت الصين عشرة مبادئ توجيهية عسكرية فقط منذ تأسيسها عام 1949. ويوحي ذلك بأهمية التداعيات الاستراتيجية على هيكلة الجيش وعقيدته والبيئة الاستراتيجية المحيطة بالصين الناتجة عن إصدار هذه التوجيهات. ويتوقع أن يصدر التوجيه الاستراتيجي الجديد هذا العام. وأحد مقدمات إصدار التوجيه الاستراتيجي، نشر اللجنة العسكرية، في 6 نوفمبر الماضي، دليلاً إرشادياً حول “الدراسة والدعاية وتنفيذ المبادئ التوجيهية” للمؤتمر العشرين في الجيش. وركزت الوثيقة على شقين محوريين: تأكيد قيادة الحزب وشي على الجيش، والمضي قدماً في بناء جيش حديث.

 

ويمكن استنباط بعض الاستنتاجات والتوقعات الأولية للمسار الاستراتيجي العسكري الصيني مستقبلاً، بناءً على توجيهات تقرير المؤتمر العشرين والقرارات المعتمدة من اللجنة العسكرية كما يأتي:

 

  1. لا يزال الجيش في مرحلة التطوير والتحديث الداخليين، ولم ينتقل بعد إلى مرحلة تشكيل “مجلس حرب” لغزو تايوان، أو التوسع الخارجي والتصرف كقوة عظمى. ويعكس ذلك إدراك القيادة الصينية الحاجة الملحة لتطبيق خطط التحديث قبل أن يصبح الجيش قادراً على تنفيذ عمليات عسكرية كبرى بحجم غزو تايوان، لكن لا يُستبعد الضغط باتجاه الوصول إلى هذه القدرة خلال الخمسة أعوام المقبلة، بغض النظر عن توقيت الحرب من عدمها.
  2. التركيز على تطوير منظومة الردع الاستراتيجي وتحديثها، كما قال شي في التقرير. وإلى جانب توسيع الترسانة النووية الصينية وجعلها أكثر تعقيداً، قد يشمل الردع الاستراتيجي أيضاً تغيير عقيدة قوة الصواريخ الدفاعية إلى العقيدة الهجومية عبر امتلاك خيارات نووية محدودة وقدرات الضربات المضادة والاستباقية. ويشمل الردع الاستراتيجي أيضاً زيادة “قوات المجالات الجديدة”. ويشير ذلك إلى أسلحة الفضاء، والأسلحة الكهرومغناطيسية، والروبوتات والدرونز، وقدرات الحرب الشبكية (من قبيل القدرات السيبرانية) والإلكترونية، والحرب النفسية والمعرفية. ويعكس تشكيل اللجنة العسكرية هذه الأولويات.
  3. استناداً إلى ما سبق، يتوقع أن تستمر الاستراتيجية العسكرية، خلال المديين القصير والمتوسط، في التركيز على تصاعد التنافس مع الولايات المتحدة وحلفائها في خليج تايوان، وبحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، والتوتر الحدودي مع الهند. ومن المحتمل ملاحظة زيادة في توظيف الصين قدراتها العسكرية لإرسال رسائل سياسية أو الاعتراض أو التعبير عن الغضب على هذه المسارح الاستراتيجية في تكرار لمناورات تايوان. ويتوقع أيضاً إسناد مهام للجيش بالتدخل “بشكل سريع” لحفظ الأمن الداخلي.
  4. من غير المنتظر حدوث تغييرات جذرية أو ملحوظة في التموضع العسكري الصيني في الشرق الأوسط أو منطقة الخليج خلال الخمسة أعوام المقبلة. لكن، في الوقت نفسه، لا ينبغي استبعاد التوسع في إنشاء القواعد العسكرية الخارجية في المناطق الحيوية وغير المستقلة التي تشهد تراكماً معتبراً للمصالح الصينية المباشرة. ويُنتظر أيضاً تكثيف الصين للدبلوماسية العسكرية، بما يشمل إجراء تدريبات مشتركة وزيارات مسؤولين عسكريين أو قطع بحرية لموانئ مهمة في الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق، وعلى رأسها دول الخليج. إلى جانب ذلك، فإن التحديث العسكري الصيني المتسارع قد ينتج زيادة طبيعية في صادرات الأسلحة الصينية المتقدمة لدول المنطقة خلال الأعوام المقبلة. لكن من غير الواضح إلى الآن وجود رغبة صينية، في أي وقت قريب، على توسيع بصمتها العسكرية في الشرق الأوسط بما يخل بميزان القوى المحدد للمظلة الأمنية الأمريكية.

 

الاستنتاجات

يبدو أن أهم أهداف القيادة الصينية في اختيار قادة اللجنة العسكرية تتمثل في ضمان ولاء الجيش للحزب الشيوعي وقيادته، وتنفيذ خطط التحديث الدفاعي، والتركيز على تطوير القدرة على شن عمليات مشتركة إلى جانب التحديث التكنولوجي في جميع النطاقات.

 

وسيكون لهذا التوجه تبعات خلال الخمسة أعوام المقبلة، أهمها التركيز على استقرار الوضع الداخلي، والتنافس مع الولايات المتحدة وحلفائها في نطاقات خليج تايوان وبحري الصين الجنوبي والشرق والحدود مع الهند. لكن من غير المتصور سَعْي الصين للتوسُّع العسكري على المسرح العالمي في السنوات المقبلة بشكل يخل بالتوازن الاستراتيجي، بما في ذلك منطقتي الخليج والشرق الأوسط.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/aineikasat-tashkil-allajna-alaskaria-ala-alahdaf-alastiratijia-liljaysh-alsiyni

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M