دعاية انتخابية مبكرة: “ترامب” ومزاعم الاعتقال

مها علام

 

في مشهد تحريضي ليس بالجديد، قال الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، في 18 مارس الجاري، إنه يتوقع أن يتم توقيفه، يوم الثلاثاء الموافق 21 مارس الجاري، على خلفية التحقيق الذي يجريه المدعي العام في مانهاتن بشأن مزاعم حول دفع أموال لــ”ستورمي دانييلز”، داعيًا أنصاره إلى التظاهر. وهو الأمر الذي يقدم تأكيد جديد على أن “ترامب” لم يعيد النظر في سلوكه السياسي، وإنه – فيما يبدو – يستعد لخوض السباق الرئاسي الجديد وفق ذات المنهج والعقلية. وهي المسألة التي تثير التساؤلات بشأن فحوى هذا المشهد ودلالاته.

توقيف “ترامب”…الملابسات المحيطة

أعلن الرئيس السابق “ترامب”، في حسابه على المنصة الاجتماعية التابعة له “Truth Social”، أن معلومات “مسربة” من مكتب المدعي العام في مانهاتن “ألفين براج” تشير إلى أنه سيتم “توقيفه” خلال الأسبوع الجاري، داعيًا أنصاره إلى التظاهر، تحسبًا لاحتمال توجيه التهمة إليه رسميًا في قضية دفع مبلغ 130 ألف دولار لممثلة الأفلام المبتذلة “ستورمي دانييلز”، واسمها الحقيقي “ستيفاني كليفورد”، لشراء صمتها على علاقة مزعومة معه، كانت ستضر بحظوظه في السباق الرئاسي لعام 2016.

أوضحت بعض التعليقات القانونية أنه على الرغم من أن أن دفع هذا المبلغ يُعتبر – بحد ذاته – قانونيًا، إلا أن مكتب المدعي العام بنيويورك الذي يقود التحقيق، قد يتعامل معه على أنه تبرع خفي في إطار حملة الرئيس، وذلك في انتهاك لقوانين التمويل الانتخابي. لذا، قد يُتهم “ترامب” بارتكاب جنحة بسبب التصنيف غير الملائم المزعوم في السجلات التجارية لمدفوعات لــ”دانييلز”. وقد ترقى التهم إلى جناية إذا ثبت أن “ترامب” حاول التستر على المدفوعات لارتكاب جريمة أخرى، وفي هذه الحالة سيمثل انتهاكًا لقوانين تمويل الحملات الانتخابية.

وفي تعليق لمحامي “ترامب” على مسألة توقيفه، قال “جو تاكوبينا” في تصريح لشبكة CNN، إنه “لم يخبرنا أحد بأي شيء وهو أمر محبط للغاية؛ يبني الرئيس ترامب رده على التقارير الصحفية، ناهيك عن حقيقة أن هذه ملاحقة سياسية، وأن المدعي العام يسرّب أشياء للصحافة بدلًا من التواصل مع المحامين كما ينبغي”. فيما أدانت “سوزان نيكيليس”، محامية “ترامب”، في تعليقها لموقع NPR، المدعي العام لحجب المعلومات عن المستشار القانوني لــ”ترامب”. وأضافت أنه “بما أن هذه دعوى سياسية، فقد انخرط مكتب المدعي العام في ممارسة تسريب كل شيء للصحافة، بدلًا من التواصل مع محامي الرئيس ترامب كما يحدث في القضايا العادية”.

ومن جانبه، قال رئيس مجلس النواب “كيفين مكارثي” إن لائحة الاتهام المحتملة ستكون “إساءة استخدام شنيعة للسلطة من قبل المدعي المحلي المتطرف الذي يسمح لــ”المجرمين العنيفين” بالسير بينما يسعى للانتقام السياسي” من “ترامب”. وأكد “مكارثي” على أنه سيوجه لجان مجلس النواب – ذات الصلة – التي يقودها الجمهوريون “بالتحقيق الفوري فيما إذا كانت الأموال الفيدرالية تستخدم لتقويض ديمقراطيتنا من خلال التدخل في الانتخابات بمحاكمات ذات دوافع سياسية”. فيما اعتبرت الديموقراطية والرئيسة السابقة لمجلس النواب “نانسي بيلوسي”، في بيان، أن “إعلان الرئيس السابق متهور”، مشيرة إلى أنه تعمد القيام بذلك لإبقاء نفسه في الأخبار وإثارة الاضطرابات بين مؤيديه”.

بالإضافة إلى ذلك، فقد حذر رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب “جيم جوردان” من التحقيق قائلًا إنه “من الواضح أن هذا خدعة، وشيء نريد أن نعرفه – هل كانت الأموال الفيدرالية متورطة؟”.  كما أخبر الجمهوري عن ولاية أوهايو “مانو راجو” إنه “لا يعتقد أن الرئيس ترامب خالف القانون على الإطلاق”. وكنتيجة لذلك، تم طلب الشهادة في مجلس النواب من المدعي العام “براج”، وجرى اتهامه بارتكاب “إساءة غير مسبوقة لسلطة الإدعاء العام”.

وردًا على ذلك، أكد المتحدث باسم المدعي العام على أن “لن نخاف من محاولات تقويض عملية العدالة، ولن ندع الاتهامات التي لا أساس لها تمنعنا من تطبيق القانون بشكل عادل”. كما دحض بيان المتحدث مزاعم الجمهوريين بأن “براج” تجاهل الجريمة العنيفة في نيويورك مقابل عمله على إيجاد ذريعة لمحاكمة “ترامب” من أجل تحقيق ثأر سياسي.

وفي خضم هذه الأجواء، قال نائب الرئيس الأمريكي السابق “مايك بنس”، في مقابلة مع شبكة “أي بي سي”، إنه فوجئ بتوجيه “الاتهام” للرئيس الأمريكي السابق. موضحًا أن اعتقال الرئيس “ترامب” سيكون “محاكمة مشحونة سياسيًا”. مضيفًا أن ذلك “ليس ما يريده الشعب الأمريكي”. علاوة على ذلك، لم يدن “بنس” دعوة “ترامب” للاحتجاجات، قائلًا إن “الشعب الأمريكي له حق دستوري في التجمع السلمي”. كما اعتبر الملياردير الأمريكي “إيلون ماسك”، أنه إذا وجهت لائحة اتهام تقضي باعتقال الرئيس السابق “ترامب”، فإن ذلك سيساعده على تحقيق”نصر ساحق” في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال “ماسك” معلقًا على احتمال رؤية الرئيس السابق وهو مكبل اليدين إذا حدث هذا، “فسيعاد انتخاب ترامب بانتصار ساحق”.

دلالات متداخلة

آثارت دعوات “ترامب” للتظاهر في نيويورك الذكريات المؤلمة لتحريضه على العنف واقتحام الكونجرس في 6 يناير 2021. وقد قام مسؤولو إنفاذ القانون في نيويورك باستعدادات أمنية لاحتمال توجيه الاتهام إلى “ترامب”، لكن لم يكن هناك إعلان عام عن أي إطار زمني أو أي لائحة اتهام. وهو المشهد الذي حمل معه عدد من الدلالات المتداخلة التي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

التسييس من قبل المدعي العام:

يحمل التعريف بالمدعي العام بعض الإشارات الواضحة عن مسالة التسييس التي جرى التركيز عليها بشكل واضح من قبل الجمهوريين في تعليقهم على القضية، انطلاقًا من كونه ديمقراطي، وكونه أول شخص أسود يعمل في منصب مدعي عام مانهاتن، بجانب تركيزه على سوء سلوك الشرطة، ناهيك عن المواجهة السابقة التي جمعته بـــ”ترامب” والمتعلقة بالضرائب.

وهي المسألة التي يرتبط بها أيضًا خلفية القضية، فخلال الفترة التي سبقت خسارة “ترامب” بانتخابات عام 2020، فتح المدعون الفيدراليون تحقيقًا في انتهاك تمويل الحملات الانتخابية، إلا أنهم لم يوجهوا اتهامات لــــ”ترامب”. وفي مقابل ذلك، قدم مكتب المدعي العام في مانهاتن، بقيادة “براج”، في يناير، أدلة إلى هيئة محلفين كبرى على دفع “ترامب” أموال لـــ”دانييلز”.

تزايد حالة الاحتقان: 

يمكن القول بشكل عام إن حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الأمريكية قد تدفع كلا المعسكرين لاستغلال الفوز الذي حققه في الانتخابات النصفية من أجل تصفية الحسابات السياسية. فقد علق النائب “جيم جوردان”، في أعقاب انتخابات التجديد النصفي، أنه قد يتجه لفتح تحقيقًا بشأن قيام وزارة العدل بتفتيش مقر إقامة “ترامب”. وهو ذات الموقف الذي تبناه حيال المدعي العام بسبب موقفه من قضية “دانييلز”.

وارتباطًا بذلك، يبدو أن الكونجرس سيكون بصدد مزيد من الانقسام، خاصة بعد تصريحات “مكارثي”، رئيس مجلس النواب، بأن الأموال الفدرالية تستخدمها الإدارة الأمريكية الحالية لملاحقة “ترامب”، وأن هذا سوء استغلال “شنيع” للسلطة. الأمر الذي يعني أن المشهد سيتحول إلى تصفية حسابات سياسية في إطار التمهيد للسباق الرئاسي القادم.

توظيف “ترامب” للقضية: 

يعمد “ترامب” إلى استخدام المشاعر التي أشعلها كتهديد سياسي ضد خصومه؛ وهو التوظيف الذي ظهر في أكثر من مناسبة أشهرها حادثة اقتحام الكونجرس، التي عمل على تكرارها في تعاطيه مع القضية الحالية من خلال دعوة مؤيديه للتظاهر، قائلًا “تظاهروا.. استعيدوا بلادنا”. وهي المسألة التي يرتبط بها تعمد “ترامب” لتوظيف العقبات والمشكلات التي يواجهها في سبيل تعزيز شعبيه، بالاستناد إلى وجود مؤامرة ضده تستهدف إبعاده لمجرد كونه يعبر بحق عن صوت الشعب الأمريكي.

وفي ذات السياق، يتضح أن قضية “دانييلز” قد عززت من توحيد الجبهة الجمهورية التي تساند “ترامب”؛ ومن المؤشرات الواضحة على ذلك موقف “مكارثي” الذي لم يؤيد حملة “ترامب” في البيت الأبيض، لكن “ترامب” ساعده في تأمين منصب رئيس مجلس النواب، وهي المسألة التي انعكست حاليًا في دعم “مكارثي” لموقف “ترامب”، وإدانته للمدعي العام.

واتصالًا بذلك، يبدو أن “ترامب” يستغل القضية الجارية لكي يعود إلى صدارة الزخم الإعلامي في إطار حملته الإنتخابية للسباق الرئاسي القادم. وعلى الرغم من الحديث عن مذكرة التوقيف، فقد قال “ستيفن تشيونج”، المتحدث باسم حملة “ترامب”، إن “ترامب” قد يظهر في تكساس نهاية الأسبوع المقبل لحضور تجمع حاشد.

وفي الآخير، يتضح أن قضية “دانييلز” قد فتحت الأبواب أمام الدخول في حملة انتخابية مبكرة للديمقراطيين والجمهوريين على السواء، لكن تأثيرها على مسار السباق الرئاسي يظل متأرجح بالنظر إلى كونها قضية فرعية ضمن عدة قضايا يواجهها “ترامب”؛ ومنها: تدخله في انتخابات ولاية جورجيا، ناهيك عن دوره في اقتحام الكونجرس 2021، بجانب التحقيق المتعلق باحتفاظه بوثائق سرية بعد تركه للبيت الأبيض، وأيضًا اتساع الحديث حول مسألة الهدايا التي حصل عليها من حكومات أجنبية أثناء وجوده في البيت الأبيض.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76268/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M