الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية: هل من اصطفاف إقليمي ودولي جديد بعيدًا عن واشنطن؟

مروة محمد عبد الحليم

 

بخطوات منهجية محسوبة، يقترب الرئيس الصيني شي جين بينغ من طموحه لتحويل بلاده إلى قوة يمكنها أن تضاهي أو تتفوق على الولايات المتحدة كقائد عسكري واقتصادي ودبلوماسي عالمي. وكانت أحدث خطوة لتحقيق هذا الطموح الإعلان عن تحول جيوسياسي كبير قادته بكين في الشرق الأوسط، أفضى إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. بعد أن اتفق البلدان في 10 مارس الجاري، على استعادة العلاقات الثنائية وإعادة فتح السفارات في غضون الشهرين المقبلين.

بدأ الاتجاه نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، بعد جولات الحوار التي استضافتها العراق وسلطنة عمان خلال عامي 2021 و2022. والتي واكبت توجه الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن إعادة مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران. وطلبت السعودية وحلفاؤها الخليجيون إضافة قضايا إقليمية إلى الاتفاقية وإدراج هذه الدول في المحادثات، وهو ما استحال تحقيقه بسبب رفض إيران ربط الحديث النووي بأي قضية أخرى، أو ضم لاعبين جدد قد يضيفون شروطًا ومطالب من شأنها تعقيد عملية التفاوض.

إلا أن تعليق مفاوضات فيينا النووية بعد الانتهاء من مسودة الاتفاق بسبب الخلاف حول بعض العناصر التكميلية، بما في ذلك مطالبة إيران بضمان من الحكومة الأمريكية بأنها لن تنسحب من الاتفاق مرة أخرى وإيجاد آلية للتحقق من رفع الحصار الأمريكي الغربي عنها، ساهم في وقف الحوار الإيراني السعودي.

ولكن الطموحات الصينية للتوسط بين المملكة وإيران ليست جديدة ولم تعتمد على مفاوضات فيينا، وجاءت بعد سلسلة محاولات قامت بها بكين لإصلاح العلاقة، ففي مارس عام 2017، أعلنت الصين استعدادها للتوسط بين الجانبين في مبادرة جاءت على لسان وزير الخارجية الصينية آنذاك وانغ يي، قبيل زيارة قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين. وأعادت استعدادها مرة أخرى للوساطة أثناء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الصين عام 2019.

وتزامنًا مع هذا التطور، نشطت التحركات الصينية في الخليج، لا سيما عقب زيارة الرئيس الصيني للرياض في ديسمبر 2022 والإعلان عن “شراكة استراتيجية” بين السعودية والصين، وما تلا ذلك من قمم صينية-خليجية وصينية-عربية. ومن ثم أتت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين في فبراير الماضي. واعتقد المراقبون أن هذه الزيارات اقتصادية بالدرجة الأولى ولم يلتفت كثير إلى أبعادها ومضامينها السياسية. خاصة مع بروز التقارب الصيني الروسي، وما تصفه الولايات المتحدة بالتهديدات الصينية لمناطق نفوذها وحلفائها وشركائها الإقليميين المجاورين للصين في منطقة شرق آسيا، وتوسع اقتصاد بكين إلى حدود دول الخليج، واهتمام السعودية بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون.

الهدف الرئيس للصين من التوسط بين طهران والرياض، هو تهدئة التوتر في منطقة ترى أن سلامها وأمنها يتماشيان مع مصالحها الاستراتيجية باعتبارها أكبر مستورد للطاقة في العالم وأكبر مُصدرًا للسلع إلى منطقة غرب آسيا. فالصين حاليا أكبر مشترٍ للنفط الخام الإيراني وأكبر شريك تجاري للسعودية، ويرتبط أكثر من 55 مليار دولار من إجمالي 120 مليار دولار من التجارة بين البلدين هذا العام بصادرات النفط السعودية إلى الصين. ومن العوامل الأخرى التي تركت يد الصين حرة في دفع الاتفاق السياسي بين الرياض وطهران، هو رغبة الولايات المتحدة في التخلي عن المنطقة تدريجيًا، مقابل انشغالها بالغزو الروسي وحشد كل قواها لمواجهة الصعود الصيني في المحيطين الهادئ والهندي.

الأهمية الأمنية لتحقيق ملف المصالحة السعودية الإيرانية للصين، بهدف تأمين ممرات مبادرة الحزام والطريق الصينية بحرًا واستراتيجيًا عبر منطقة الممرات والمضايق البحرية والمائية مثل مضيق هرمز وباب المندب وخليج عدن، إضافة إلى حاجة الصين المُلحة للتخفيف من حدة الصراعات المحتدمة في المنطقة، وخاصة في اليمن. لذلك فإن هذا الاتفاق يصب في مصلحة الجانب الصيني أمنيًا واقتصاديًا، بالإضافة إلى أهميته لحليفه الإيراني، نظرًا لحاجته إلى تأمين ظهره وعمقه الاستراتيجي، خاصة في ظل تهديد إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضده.

هل تراجع الدور الأمريكي في المنطقة؟

دعمت واشنطن منذ البداية المفاوضات التي رعتها العراق وسلطنة عمان لاستعادة العلاقات بين الرياض وطهران، لكن هذا لم يمنع صدمة الجانب الأمريكي من أن المفاوضات نجحت وتمت بوساطة صينية، فدخول بكين على خط التفاوض ونجاحها في تحقيق اختراق شرق أوسطي بدا أنه يأتي على حساب تراجع الدور الأمريكي في المنطقة. وعليه، يمكننا قياس رد فعل الولايات المتحدة على الاتفاق عبر مستويين:

الأول: المفاجأة والإرباك، في ردها الأول، رحبت الإدارة الأمريكية بالاتفاق من زاوية أنها تسعى لإنهاء التوترات في المنطقة. ورغم التصريحات الصادرة عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي والذي أكد أن السعودية كانت على تواصل مع واشنطن بشأن استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وأن واشنطن تدعم أي جهود تساعد في إنهاء الحرب في اليمن، والحد من التوترات في العراق التي أدت إلى استهداف القوات الأمريكية، إلا أن عمومية كلمات كيربي وصياغته الغامضة – حيث تجاهل ذكر الصين – تشير إلى أن الإدارة الأمريكية فوجئت بالإعلان. والأسوأ من ذلك أنها أحرجتها في عدة جوانب وضعها المراقبون في فئة الخسائر الأمريكية الصافية.

وتوسط الصين في الاتفاق يمكن أن يكون له تداعيات مهمة بالنسبة لواشنطن. فمن غير المعتاد أن تتصرف الصين بمفردها للتوسط في اتفاق دبلوماسي يخص نزاعًا ليست طرفا فيه، والرسالة التي ترسلها الصين دون مواربة هي أنه في حين أن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية المهيمنة في الخليج، فإن للصين حضورا دبلوماسًيا قويًا ويمكن القول إنه متنامٍ.

الثاني: الحط من فاعلية الاتفاق، تزايدت المخاوف في واشنطن من أن الاتفاقية يمكن أن تساعد في إنهاء تفوق الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها. فدور الصين، وليس إعادة فتح السفارات بعد ست سنوات كان أهم جانبًا في الاتفاقية، في هذه الأثناء قللت واشنطن من أهمية الاتفاق ودور الصين، وذكر البيت الأبيض أن الضغط الداخلي والخارجي، بما في ذلك الردع السعودي الفعال ضد الهجمات من إيران أو وكلائها، هو الذي جلب طهران في النهاية إلى طاولة المفاوضات. وشكك المسؤولون الأمريكيون في احترام إيران للاتفاق، ما يعني أن الاتفاقية بأكملها يمكن أن تنتهي دون إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

قللت التقديرات من أهمية الاتفاق واعتباره تطورًا من شأنه أن يخدم الإدارة الأمريكية، ويساعد على تحريرها من متاعب عدم الاستقرار في المنطقة للتفرغ لقضاياها مع الصين وروسيا. وإن القيادة المركزية الأمريكية، التي لديها الآلاف من القوات الأمريكية في السعودية وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، ستواصل العمل عن كثب مع شركائها الإقليميين لتعزيز هيكل الأمن الإقليمي، ولن يقف الاتفاق في طريق التعاون المستمر. لكن تلك التفسيرات أقرب إلى التخفيف من تأثير الصدمة، حيث بدت العملية أقرب إلى فشل أمريكي مقابل التطور الصيني الذي حقق تفاهم بين خصمين متحديّن في مظالمهم تجاه إدارة بايدن، وإن كان ذلك على مستويات مختلفة.

على الرغم من أن الولايات المتحدة هي المزود الدفاعي الرئيس للسعودية، بما في ذلك بطاريات الدفاع الصاروخي باتريوت. إلا أن المملكة تعمدت أن يتم الاتفاق بوساطة صينية وليس عراقية أو عمانية، لأنها تراهن على تطوير العلاقات مع الصين اقتصاديًا وعسكريًا في مرحلة تقليص العلاقات الأمريكية. وتبعث برسالة احتجاج إلى الولايات المتحدة مفادها أن لدى الرياض بدائل أخرى غير الاعتماد المطلق على أمريكا. ولكن هذا لا ينفي أن المملكة العربية السعودية تتفاوض حاليًا مع الولايات المتحدة للحصول على مكانة حليف رئيس خارج الناتو، على غرار دول الخليج الأخرى مثل قطر والبحرين. والحصول على ضمانات أمنية يقرها الكونجرس، والمساعدة في تطوير برنامج نووي مدني، والحد من القيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية.

وسعت إيران، من خلال شراكتها مع بكين إلى كسر عزلتها وهو ما تحقق ولو جزئيا، من خلال استعادة علاقاتها مع المملكة ومقاومة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارسها الولايات المتحدة. بسبب تزويد طهران روسيا بالطائرات المسيرة ومساعدتها في غزو أوكرانيا، ومواصلة جهود تخصيب اليورانيوم الذي قد يسمح لها بتطوير أسلحة نووية، وقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة وتصعيد التوترات مع إسرائيل.

وقبل الإعلان عن الاتفاق الدبلوماسي بين الرياض وطهران، سمحت بكين لطهران ‏باستخدام جزء من الأموال في البنوك الصينية مجموعها 20 مليار دولار، والتي جُمدت عندما تركت الولايات المتحدة ‏الاتفاقية النووية عام 2018.‏ كذلك أعطت بكين الضوء الأخضر لحكومة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” لتقديم بعض التنازلات مع المجتمع الدولي لإنجاح عملية التقارب مع السعودية، من خلال موافقة إيران على استئناف عملية تبادل الأسرى بينها وبين واشنطن من خلال الوساطة القطرية والعمانية. والآن تترقب إيران زيارة السلطان العماني “هيثم بن طارق”، كوسيط مقبول بين إيران والغرب.

نجحت الصين في كسر هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة، وأدركت طرق تقويض السياسة الأمريكية والمداخل التي تؤدي إلى تمكينها من مخاطبة المنطقة بلغة تراعي حساسياتها، وتعزيز العلاقات معها والثقة بها. المكسب الآخر للصين هو أنها سجلت أول دخول دبلوماسي ناجح إلى ساحة الصراعات الدولية، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وبناء نهج قائم على المصالح في العلاقات الدولية وليس الضمانات الأمنية فقط. وهكذا، شجعت المنطقة على تنويع تحالفاتها بدلا من الاعتماد على قوة واحدة، تاركة مساحة لحرية صنع القرار الداخلي وتغليب مصالحها الوطنية.

المصالحة بين أكبر قوتين إقليميتين في منطقة الخليج العربي، أكدت مخاوف واشنطن السابقة حيال سعي الصين إلى دور سياسي عالمي، ودليل على انهيار الدبلوماسية الأمريكية وعلامة سوداء في إرث السياسة الخارجية للرئيس بايدن، وفشل كارثي بسبب حماسته لفرض معتقداته للمحافظين الجدد كعنصر مساعد للقوة العسكرية الأمريكية، وإصراره على أن مصير البشرية يتوقف على نتيجة الصراع الكوني بين الديمقراطية والاستبداد.

لقد أظهرت الصين أن غلو بايدن للديمقراطية وحقوق الإنسان وهمي ويتعارض مع الواقع. فخطابه الأخلاقي غير المدروس لطبيعة المجتمعات أدى إلى نفور المملكة العربية السعودية، ومحاولاته لقمع إيران قوبلت بمقاومة عنيدة من طهران. فكانت المحصلة دفع الرياض وطهران للبحث عن قوى موازنة من شأنها أن تساعدهما على صد موقفه القمعي المتسلط، ربما يكون الاتفاق واستبعاد الولايات المتحدة المهين من مركز الصدارة لسياسات غرب آسيا بمثابة لحظة مشابهة لــ”لحظة السويس” للقوة العظمى، على غرار الأزمة التي مرت بها المملكة المتحدة في عام 1956، بعدما حاولت الحكومة البريطانية فرض سيطرتها على قناة السويس، وانتهى الأمر بإذلال كلف رئيس الوزراء البريطاني آنذاك أنتوني إيدن وظيفته.

لقد انتصرت القوة الناعمة الصينية، وأفقدت الولايات المتحدة عباءة القيادة، والتي لديها ما لا يقل عن 30 قاعدة عسكرية في غرب آسيا خمسة منها في المملكة العربية السعودية. فظهور الصين كوسيط عالمي، أدى إلى تسريع حسابات واشنطن حول كيفية تطور المرحلة الجيوسياسية التالية، والتي تشمل ربما تآكل بطيء للهيمنة الأمريكية، أو إعادة تشكيل النظام العالمي بعد انهيار الهيمنة الأمريكية، أو حربا باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة.

هل من نظام عالمي جديد تقوده الصين؟

لم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن الاتفاق، مع تصويت بالإجماع من قبل المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني لمنح الرئيس الصيني خمس سنوات أخرى في السلطة، وهي ولاية ثالثة لم يسبق لها مثيلًا، وتعني أننا نقف اليوم أمام صين جديدة تحت قيادة شي جين بينغ تهرول نحو تحقيق قفزة كبرى. ولعب دور نشط في الحوكمة العالمية من خلال إطلاق خطة تسوية سياسية للحرب في أوكرانيا وتحديث مبادرة الأمن العالمي، والسعي نحو معالجة صراعات وأزمات العالم.

الاتفاق يأتي في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الصيني لرسم صورة له كرجل دولة من الطراز العالمي، يقود الصين المستعدة للسيطرة على الساحة العالمية بعد نحو ثلاث سنوات من سياسة الإغلاق التام والعزلة نتيجة سياسة صفر كوفيد التي اتبعتها بكين لمواجهة الوباء. ويعزز الاتفاق، دور القيادة الصينية في الترويج للمفاهيم ‏المتعلقة بدورهم الدولي، بشكل يضعف المبدأ القائم على أن النظام العالمي القائم على القواعد الذي تقوده أمريكا هو ‏الخيار الوحيد للحكومات، والطريق الوحيد لحماية الأمن.

لقد بنت الصين استراتيجيتها، لتتجنب تجربة الاتحاد الأوروبي، بأن تكون عملاقًا اقتصاديًا وقزمًا سياسيًا يعيش في ظلال واشنطن. واستطاعت خلال السنوات الماضية تطوير علاقات واسعة مع العديد من دول المنطقة، على الرغم من حملة الترهيب التي تقودها واشنطن لإبعاد هذه الدول عن الصين، تحت ذرائع أمنية أو الادعاء بوجود دوافع للهيمنة حتى تظل الأجواء خالية للولايات المتحدة في المنطقة. ولم يعد التقارب الصيني مقتصرًا على الدول المعادية للولايات المتحدة مثل إيران، بل امتد إلى الحلفاء التقليديين لواشنطن مثل السعودية والإمارات وإسرائيل وتركيا، التي أقامت علاقات اقتصادية وتكنولوجية وتسليحية مهمة مع بكين أثارت غضب واشنطن.

وتأكيدًا على الهيمنة الصينية، نشرت وزارة الخارجية الصينية على موقعها الرسمي في 20 فبراير تقريرا خاصًا حول الهيمنة الأمريكية ومخاطرها. مؤكدة على: انتقاد الولايات المتحدة الأمريكية تكثيف جهودها لإثارة الانقسامات حول العالم من خلال تنظيم ما يسمى “القمة من أجل الديمقراطية”، والتحريض على المواجهة بين المعسكرين الاستبدادي والديمقراطي وفقًا لأيديولوجيتها، ومحاولة تحويل دول أخرى ذات سيادة على النمط الأمريكي بما يخدم الاستراتيجية الأمريكية الخاصة.

ترى بكين أن السياسة الأمريكية في حد ذاتها غير ديمقراطية، وتتعارض مع الاتجاه الحالي، وتتعارض مع إرادة غالبية أعضاء المجتمع الدولي، وستؤدي حتمًا إلى فشل كامل وذريع. وكانت هناك العديد من حالات التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت ستار “تعزيز الديمقراطية”، مثل التحريض الأمريكي على “الثورات الملونة” في منطقة أوراسيا، وثورات “الربيع العربي” في غرب آسيا، وشمال إفريقيا لنشر الفوضى التي أدت إلى التخريب والدمار في العديد من الدول التي تدخلت فيها واشنطن.

لقد حققت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على الرغم من تعثرها الميداني، هزة جعلت الصين تستشعر من نفسها قوة جيوسياسية قادرة على اختراق الحلول لنزاعات كانت للولايات المتحدة يدًا غير خافية في تأجيجها، وبعد نجاح الصين في ترميم العلاقات بين السعودية وإيران، تشير الوساطة إلى نهج أكثر إنتاجية من نهج الولايات المتحدة، من خلال السعي إلى إدارة النزاعات بدلًا من حلها على أساس المبادئ التي أعلنتها الصين في عام 2021. كذلك تشير إلى تحولات نموذجية في الدبلوماسية العالمية وتشكيل التحالفات عبر:

1- السعي نحو حل الأزمة الأوكرانية: نشرت وزارة الخارجية الصينية، مقترحًا من 12 بندا لتحقيق السلام في أوكرانيا بالتزامن مع الذكرى الأولى على اندلاع الغزو الروسي. ويركز الإعلان الصيني على وقف إطلاق النار بين موسكو وكييف والشروع في محادثات سلام بين الطرفين. وأعلنت الصين أن 80 دولة وافقت على المبادرة، وتتركز الحسابات الجيوسياسية الأمريكية على أوكرانيا لمنع المبادرة الصينية لإنهاء الصراع، وأكثر ما يثير قلق واشنطن حاليًا هو زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين في بداية أبريل القادم، لإقناع الحكومة الصينية بالمساعدة في وقف الحرب في أوكرانيا وإحلال السلام، خاصة أن ماكرون من مؤيدي إنهاء الصراع عبر المفاوضات.

2- إضعاف قوة البترودولار: إحدى المخاوف الأكثر إلحاحًا التي تنشأ عند دراسة السياسة المعاصرة للشرق الأوسط والمشاركة الصينية في المنطقة، هو أن تتمكن الصين من إجبار إيران على الانضمام إلى تحالف بريكس. وبالمقارنة مع المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة، فإن ضم إيران إلى بريكس قد يكون أسهل لأنها متحالفة أيديولوجيًا بالفعل مع الكتلة الصينية الروسية. وفي حال انضمت إيران إلى مجموعة البريكس بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، فإن كلتا الدولتين سيكون لديهما القدرة على تصدير النفط بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، وبالتالي إضعاف قوة البترودولار وربما تعطيل النظام الاقتصادي للولايات المتحدة.

3- انفراج إقليمي واسع: تشير الوساطة الصينية الناجحة بين الخصمين الرئيسين في الشرق الأوسط إلى أنها قد تؤدي إلى انفراج إقليمي أوسع. حيث أعلنت مصادر في البحرين إن الدولة الخليجية ذات الأغلبية الشيعية التي تحكمها أقلية سنية قد تكون على وشك إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وقالت المصادر إن البحرين وإيران تتبادلان الرسائل بالفعل. ولطالما كانت البحرين في طليعة النزاعات بين إيران ومختلف دول الخليج، وستكون العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لا تربطه علاقات رسمية بالجمهورية الإسلامية عندما تتبادل الرياض وطهران السفراء وفقا للاتفاق الذي تفاوضت عليه الصين. وتضم دول مجلس التعاون الخليجي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت وعمان.

4- تخفيف حدة التوترات في المنطقة: أشارت البنود غير المعلنة في الاتفاق السعودي الإيراني إلى ترتيبات من شأنها خفض التوتر بين البلدين والتي ستنعكس إيجابًا على المنطقة ككل، فقد تعهدت المملكة العربية السعودية بعدم تمويل وسائل الإعلام التي تسعى إلى زعزعة استقرار إيران، مثل “إيران إنترناشيونال”، وهي محطة تلفزيونية باللغة الفارسية ويشبه دورها في الاحتجاجات الأخيرة في إيران دور قناة الجزيرة خلال انتفاضات الربيع العربي. ويبدو أن المملكة العربية السعودية تعهدت أيضًا بعدم تمويل المنظمات التي صنفتها إيران على أنها إرهابية، بما في ذلك منظمة مجاهدي خلق، والجماعات الكردية التي تتخذ من العراق مقرًا لها، والجماعات المسلحة المتمركزة في باكستان. في المقابل، تعهدت إيران بضمان عدم انتهاك المنظمات المتحالفة معها للأراضي السعودية من داخل الأراضي العراقية، وتعهدت بالمساعدة في إنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في اليمن ومنع المتمردين الحوثيين من ضرب أهداف في المملكة العربية السعودية، وقد نفت وزارة الخارجية الإيرانية أن يكون اليمن قد نوقش في بكين.

ختامًا، يثير الاتفاق الموقع بين الرياض وطهران بوساطة صينية، استفسارات كبيرة بشأن آفاق ديناميكيات القوة الاقتصادية والسياسية العالمية، لا سيما فيما يتعلق بمتانة النظام العالمي الذي تقوده واشنطن والذي لا يزال عرضة لظهور نظام تقوده الصين، ويسلط الضوء على المخاوف الغربية من توسيع البصمة الجيوسياسية الصينية في الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بعد هذا الاتفاق، الذي تعتبره بكين محطة رئيسة في تنفيذ استراتيجية التوجه شرقًا نحو الشرق الأوسط والخليج والنظام العربي الذي يتبناه النظام الصيني في الخارج في الوقت الحالي لعرقلة النفوذ والوجود الأمريكي هناك، ومن المتوقع أن تفتح عودة العلاقة بين السعودية وإيران آفاقا أوسع للتقارب الإقليمي الأوسع، ومناقشة الملفات العالقة والشائكة، بداية من لبنان، مرورًا باليمن، وانتهاء بسوريا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76158/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M