جدوى اتفاقات السلام: هل ينجح آبي أحمد في استعادة الثقة الدولية بعد 5 سنوات من الإخفاق؟

رحمة حسن

 

عقب مرور 5 سنوات على تولي آبي أحمد مقاليد الأمور في إثيوبيا في أبريل 2018، وعقب الإعلان عن وعود إصلاحية سياسية واقتصادية ولكنها أدخلت البلاد في دوامة ودائرة العنف الطائفي؛ تحاول الآن حكومته استعادة الاستقرار النسبي من خلال الإعلان عن عدة اتفاقيات للسلام مع العرقيات المختلفة، والتي بدأت في نوفمبر الماضي باتفاق بريتوريا مع جبهة تحرير التيجراي، لإنهاء الصراع الدامي الذي أودى بحياة 500 ألف شخص وفقًا للتقديرات الأمريكية، وفتحت الباب لاتفاق جديد مع جبهة تحرير الأورومو تحاول فيه الحكومة تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، مع استمرار الموقف الأمريكي باتهامهم بارتكاب جرائم حرب، مع البدء في اتفاقيات تتيح للجانب الإثيوبي السيطرة والتواجد كنقطة ارتكاز في القرن الأفريقي من جهة، والوصول إلى المساعدات الاقتصادية الدولية من جهة أخرى.

آبي أحمد واتفاقيات السلام

اتسمت المرحلة الأولى من ولاية آبي أحمد بفتح الباب أمام الحركات المسلحة بالعودة مرة أخرى للبلاد دون إجراءات فعلية في تسليم أسلحتهم، وهو سرعان ما انقلب عليه، فشنت هجومًا مضادًا في ظل الرغبة في إنشاء الحزب الموحد ووضع السلطة في يد الجبهة التنفيذية المسيطرة في ظل دولة تدعم الحكم الفيدرالي بدستور عام 1994 يؤيد لهذه الفكرة من خلال الحق في الحكم الذاتي.

وهو ما دفع آبي أحمد إلى محاولات التطهير العرقي والتي أجراها ضد جبهة التيجراي من ناحية –وهي الأقلية المسيطرة على الحكم قبل وصول آبي– بالتعاون مع قومية الأمهرة وإريتريا في حربها ضد التيجراي من ناحية أخرى. وشنت الأمهرة كذلك هجمات متفرقة من خلال جماعة الشفتة على الحدود السودانية محاولة للسيطرة على أراضي الفشقة الكبرى، بجانب الإجراءات التي اتخذها ضد جبهة تحرير الأورومو والتي تحالفت مع 7 قوى أخرى مع التيجراي وكادت أن تقتحم العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وبعد فوز آبي أحمد في انتخابات 2021 عبر حزب الازدهار وفي ظل العقوبات الدولية التي أطاحت بالاقتصاد الإثيوبي في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية والتغيرات المناخية وهجمات الجراد، مما أثر على الأمن الغذائي والعزلة الإثيوبية من القوى الدولية “الغربية” في ظل تعليق اتفاقية قانون “أجوا” للإعفاءات الجمركية بين إثيوبيا والولايات المتحدة، وتعليق المساعدات الإنسانية؛ تحاول الحكومة الحالية تحسين تلك الصورة من خلال هذه الاتفاقيات والتي تمثلت فيما يلي:

جبهة تحرير التيجراي: بتوقيع اتفاقية بريتوريا في جنوب أفريقيا برعاية الاتحاد الأفريقي وبحضور أممي والولايات المتحدة، والوصول إلى اتفاقية وقف إطلاق النار مع جبهة تحرير التيجراي في نوفمبر 2022، بعد عامين من الهجمات العسكرية لحكومة آبي أحمد على الإقليم بعد إجراء انتخابات منفصلة للإقليم وحملة الاعتقالات التي شنها آبي ضد قادة أقلية التيجراي وعزلهم من المناصب العسكرية والمناصب العليا في البلاد في محاولة لعزل الإقليم، حتى استعادت الجبهة العاصمة ميكلي وتقدمت لإقليم العفر واستعادت بعض الأراضي من سيطرة الأمهرة، ثم التوصل إلى اتفاق وقف النار حتى اتفاق بريتوريا.

وأودت الحرب بحياة 500 ألف شخص وفقًا للأمم المتحدة والتي وصفتها بأنها ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، وهي التي أثارت حفيظة الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عند زيارته الأخيرة إلى إثيوبيا. ويحاول آبي أحمد بناء الثقة في استكمال عملية السلام في الإقليم من خلال عدة إجراءات اتخذها، ومنها: سحب التهم الجنائية الموجهة لقياديين في جبهة تحرير التيجراي المتهمين بجرائم حرب ومنهم رئيس الجبهة جيتاتشو رضا، وبناء حكومة مؤقتة تحت قيادته في الإقليم، ورفع اسم الجبهة من القوائم الإرهابية بموافقة البرلمان. وهي خطوات وصفها المحللون بأنها ستفتح الباب أمام مزيد من الاتفاقات.

اتفاق السلام وقومية الأورومو: بدأت حكومة آبي أحمد إجراء مفاوضات مع جبهة تحرير الأورومو، وهي العرقية التي ينتمي إليها آبي أحمد، والتي نشبت الخلافات بينهما على حلفية الانحياز لقومية الأمهرة ذات الخلافات الحدودية مع قومية الأورومو، ورفضهم للإجراءات الإنتخابية وانضمامهم مع 7 حركات مسلحة إلى جبهة تحرير التيجراي في حربها ضد الحكومة الفيدرالية، بجانب صعوبة تخليهم عن المعارضة المسلحة عقب عودتهم من المنفى مع تسلم آبي الحكم، والتي كادت أن تصل إلى العاصمة أديس أبابا. وتم تشكيل لجنة لقيادة عملية السلام بين الحكومة وجيش تحرير الأورومو الجناح المسلح لجبهة تحرير الأورومو السياسية.

وقد رأت الجماعة الأورومية أن تصريحات آبي أحمد بعدم وجود مجموعة مركزية تقود عملية السلام غير واقعية ولا تمت للواقع بصلة، وأن المحاولات العشر جاءت من خلال وسطاء محليين لإقناعهم بالاستسلام مقابل التهديد بتكثيف عمليات إنفاذ القانون. فيما يطالب جيش تحرير أورومو بوجود “وسيط دولي من طرف ثالث”؛ لضمان نجاح اتفاق السلام المحتمل، وهو ما يتطلب تنازلًا من طرفي الاتفاق، مع وجود خارطة سلام واضحة وهو ما لم يحدث حتى الآن، مما سيعطل الاتفاق.

السلام الحدودي مع السودان: تحاول إثيوبيا التأثير في صورتها دوليًا من خلال تأكيد آبي أحمد في إحاطته الأخيرة أمام البرلمان حول حل النزاعات الحدودية بصورة سلمية، من خلال تشكيل لجنة وزارية بين البلدين، وهو ما تم مناقشته بينه وبين رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان خلال اجتماعات الإيجاد في كينيا، واتفقا على الحوار لحل الخلافات. وهو الأمر الذي كثيرًا ما نسمع عنه منذ بداية النزاع المتجدد سنويًا منذ عقود مع بداية موسم الحصاد من خلال هجمات جماعة الشفتة الأمهرية المعومة من حكومة آبي أحمد، حتى استطاعت القوات السودانية استعادة السيطرة على أراضيها في منطقة الفشقة منذ عام 2020، هذا بجانب القضية الأهم المتعلقة بقضية سد النهضة والتي لم تبادر فيها إثيوبيا بأي رد سياسي.

السلام مع إريتريا: أسهم اتفاق السلام غير المفعل الذي وقعه آبي أحمد مع إريتريا في حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 2019، والذي أنهى عقودًا من النزاع، ليتمكن من الوصول إلى النافذة البحرية للدولة الإثيوبية الحبيسة. لكن الخلافات التاريخية بين إريتريا والتيجراي حالت دون تسليم الأراضي الخاضعة للتيجراي، والتي تحاول إريتريا استعادتها، وهو السبب الأساسي وراء تدخل إريتريا في الحرب ضد التيجراي، مما يعقد من التنفيذ الكلي للسلام، وهو ما يدعنا للتعرف على الأسباب الكامنة وراء اندفاع آبي لتغيير سياساته في التعاطي مع النزاعات الداخلية ودول الجوار.

الأسباب الكامنة وراء السياسات الإثيوبية

إيجاد منفذ بحري: لعل السبب وراء دخول الحكومة الفيدرالية إقليم التيجراي هو من أجل إتمام عملية السلام مع إريتريا، في ظل قطع الطرق الرئيسة التي تربط العاصمة أديس أبابا بالأقاليم المجاورة، وتوقف الطريق المؤدي إلى ميناء عصب الإريتري وفقًا لاتفاق السلام الموقع بينهما، بجانب استعادة مدينة بادمي من أيدي التيجراي. وهو ما دفع قوات إريتريا إلى التعاون مع الحكومة الفيدرالية في ظل تأييد معارضة أسمرا لجبهة تحرير التيجراي. ومع صعوبة الخروج بنتيجة فعلية نتيجة الضغط الدولي لجأت الحكومة إلى المسار السلمي.

وتسعى الحكومة الفيدرالية إلى إيجاد بدائل على البحر الأحمر لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة الأهم في القرن الأفريقي، والمدخل إلى القارة الأفريقة عبر باب المندب، وهو ما بدأ فيه آبي أحمد منذ توليه الحكم فحاول الدخول عبر جيبوتي التي يمر من خلالها 95% من صادرات وواردات الدولة الإثيوبية من خلال الشراكة في ميناء بحري بعد انسحاب موانئ دبي، بجانب الشراكة في ميناء بربرة في أرض الصومال غير المعترف بها دوليًا، بجانب محاولات الشراكة مع حكومة البشير في ميناء بورتسودان، في محاولة لإيجاد حضور إقليمي وتأثير في دول الجوار، والسيطرة على دول شرق أفريقيا.

الأزمات الاقتصادية: أدى النزاع الداخلي، والضغط على الحقوق الحدودية لدول الجوار والاعتداء على السودان؛ إلى فرض الدول الكبرى العديد من العقوبات على إثيوبيا، وتعليق الاتحاد الأوروبي مساعدات تُقدر بنحو 88 مليون يورو، بجانب تجميد اتفاق أجوا للفرص والتنمية الأمريكية للإعفاءات الجمركية؛ مما أضر بالاقتصاد الإثيوبي، فارتفع معدل التضخم السنوي من 18% قبل الحرب إلى 35% نتيجة سحب أموال المانحين الدوليين بعد الحروب الداخلية والأزمات الخارجية والتي أثرت على الأمن الغذائي، بجانب أزمات الجفاف والتغيرات المناخية، والأزمة الروسية الأوكرانية، وعدم وجود عائد من المشروعات مع دول الجوار مثل توقف مشروع النقل الكهربائي إلى كينيا المجاورة نتيجة المعارضة الداخلية وتفاقم المظاهرات الداخلية، بجانب ضعف الاحتياطي الأجنبي الذي انخفض إلى إلى 1.5 مليار دولار أميركي نتيجة ضعف الاستثمار وفقد ثقة المستثمرين في ظل تهديدات النزاعات الطائفية الداخلية.

فتحاول إثيوبيا الآن البناء على الاستثمار في البنية التحتية والاتصالات وقطاعات البنوك والطيران؛ لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي، والتغلب على التحديات الاقتصادية التي أدت إلى خفض وكالة “فيتش” التصنيف الائتماني لإثيوبيا إلى “CCC-“، وبالتالي فإن الاصلاحات الاقتصادية خلال السنوات الأولى من حكم آبي أحمد قد أتت بنتائج عكسية نتيجة الحروب الأهلية والنزاعات الحدودية والتي أثرت على خطته التكاملية مع دول الجوار، وبالتالي السعي مرة أخرى لتعديل السياسات الإصلاحية لاستعادة الثقة الإقليمية والدولية.

إيجاد نفوذ إقليمي: حاول آبي أحمد إيجاد نفوذ إقليمي من خلال محاولات الوساطة في النزاعات المسلحة في دول الجوار، والتي لم تأتِ بثمارها، ووضع خطة اقتصادية لتوحيد الكتلة الاقتصادية للقرن الأفريقي، بدأها بالإعلان عن نيته لتأسيس قوة بحرية في الدولة الحبيسة لقيادة المنطقة، إلا أن التهديدات الداخلية حالت دون التنفيذ، بجانب أن حالة عدم الاستقرار في دول الجوار كالسودان الذي يسعى إلى توقيع اتفاق إطاري في ظل توتر مسار الشرق الملاصق للإقليم والمعارضة الداخلية في كينيا، والإرهاب في الصومال؛ قد حال دون تنفيذ خطط التكامل مع زيادة الضعف الداخلي للدول الإثيوبية. ونتيجة الضعف الداخلي للقوى الكبرى في القرن الأفريقي، فتحاول إثيوبيا تقديم نفسها كقوة بديلة عبر الحضور في أهم ممر بحري وهو البحر الأحمر، فيحاول آبي استعادة السيطرة من خلال العودة لتصفير المشاكل الدبلوماسية، وهو نهج معتاد يهدف من خلاله إلى تقديم دعاية إصلاحية.

محاولة العودة للمجتمع الدولي

تسعى الحكومة الإثيوبية جاهدة إلى استعادة الدعم الدولي من خلال التأكيد على التقدم نحو عمليات السلام؛ لإعطاء الثقة للاستثمار في إثيوبيا من جهة بجانب استعادة المساعدات الإنسانية والاقتصادية عقب عامين من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية المتتالية على خلفية الاتهامات بارتكاب جرائم الحرب من جهة أخرى؛ فساهم في تنفيذ زيارات أجنبية عدة، بجانب الإعلان عن عدة مساعدات غربية في ظل التنافس على فرض النفو في القرن الأفريقي عغقب الأزمة الروسية الأوكرانية، والحضور الروسي الصيني في قطاعات عدة في إثيوبيا، وهو ما ظهر في التالي:

زيارة بلينكن: في منتصف مارس الماضي، التقى وزير الخارجية الأمريكي بعدد من المسؤولين الحكوميين، في ظل اتفاق السلام في التيجراي، ومحاولة استعادة الوضع الإنساني في الإقليم مع ارتكاب جرائم عدة، ومطالبة المؤسسات الأمريكية بإجراء تحقيق عادل، في ظل التشكك في استعادة العلاقات بشكل كامل بسبب ملف حقوق الإنسان، وهو ما تسعى حكومة آبي من استعادة الثقة فيه للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. وأسهمت الزيارة في استعادة المساعدات والتأكد من وصولها لإقليم التيجراي الذي عانى من الحرب وبالتالي حاجته لجهود إعادة الإعمار والاستثمار في البنية التحتية، فأعلن بلينكن عن مساعدات إنسانية جديدة بقيمة 331 مليون دولار لإثيوبيا التي تواجه مشاكل الجفاف ليرفع إجمالي المساعدات الإنسانية الأميركية لإثيوبيا إلى أكثر من 780 مليون دولار في السنة المالية الأميركية 2023، لكن دون تقديم الدعم لانضمام إثيوبيا مجددًا إلى اتفاق أجوا التجاري، في ظل حالة عدم اليقين من تحقيق السلام في التيجراي بانسحاب قوات إريتريا والأمهرة.

الاتحاد الأوروبي ووكالة التنمية الفرنسية: توصلت اتفاقية تمويل وقعتها مديرة الوكالة الفرنسية ووزيرة المالية الإثيوبية ورئيس التعاون في وفد الاتحاد الأوروبي في إثيوبيا، لتقديم دعم مادي بقيمة 32 مليون يورو بواقع 18 مليون من الوكالة الفرنسية، و14 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، للعمل على تحقيق الأمن الغذائي ومشروعات التأهيل الزراعي والبنية التحتية في مناطق النزاع وخاصة في شمال إثيوبيا “التيجراي، الأمهرة، العفر” وهي الأقاليم التي تفصل الدولة الإثيوبية ومنفذها البحري على البحر الأحمر.

إيطاليا: وقع رئيس الوزراء آبي أحمد خلال زيارته إلى إيطاليا ورئيسة الوزراء ميلوني اتفاقية تعاون وفقًا لوكالة الأنباء الإثيوبية بنحو 180 مليون يورو تمتد من 2023 إلى 2025.

بريطانيا: محاولات التعاون مع الوفد البرلمان يالبريطاني لإعادة الإعمار خلال زيارتهم الأخيرة من خلال إطلاعهم على الأوضاع الحالية في البلاد، وكانت قد منحت بريطانيا إثيوبيا في يناير الماضي ما يقرب من 16,6 مليون جنيه إسترليني لدعم المتضررين من الزاعات في شمال إثيوبيا.

مساعدات اليابان: وقعت الحكومة الإثيوبية اتفاقية لتقديم مساعدات في مارس الماضي بقيمة 25.4 مليون دولار لتنفيذ بعض المشروعات.

ويأتي ذلك في ظل خطة الحكومة الإثيوبية لتنفيذ السلام الداخلي، من خلال مطالبة الجهات المانحة ووكالات المعونات التابعة للأمم المتحدة والحكومات الأجنبية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة، بجانب المصالح الاقتصادية المتعلقة بالاستثمار في إعادة الإعمار لاستعادة البنية التحتية في أماكن النزاع، وهو ما يتطلب مراقبة دولية للسلام المزمع بين الأطراف المسلحة والحكومة الإثيوبية التي تسعى إلى استعادة الثقة الدولية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76608/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M