تبادل طرد السفراء بين تشاد وألمانيا.. الأسباب والدلالات

رشا رمزي

 

أمرت ألمانيا يوم 11 أبريل الجاري سفير تشاد بمغادرة البلاد ردًا على طرد تشاد للسفير الألماني يوم 8 أبريل، حيث منحت حكومة تشاد السفير الألماني جوردون كريكي 48 ساعة للمغادرة، متهمة إياه بـ “موقفه المخجل” واتهمته بعدم احترام الأعراف الدبلوماسية. ولم يذكر البيان المقتضب الصادر عن الحكومة التشادية حينها أي تفاصيل أخرى عن سبب إقالة سفير ألمانيا، وردت ألمانيا على ما وصفته “بالطرد الذي لا مبرر له لسفيرنا”؛ باستدعاء سفيرة تشاد في برلين مريم علي موسى إلى وزارة الخارجية ومنحها 48 ساعة لمغادرة ألمانيا.

أسباب الطرد

أفاد مسؤولون في نجامينا أن السفير الألماني في تشاد، الذي أعلنت الحكومة أنه شخص غير مرغوب فيه “لموقفه غير المهذب”، طُرد من البلاد مساء السبت الموافق 8 أبريل 2023، وقالت وزارة الخارجية الألمانية في تغريدة: “نأسف لوصول الأمور لهذا الحد. قام السفير كريك بعمله في نجامينا بطريقة نموذجية ودافع عن حقوق الإنسان والانتقال السريع إلى حكومة مدنية في تشاد؛ حيث مارس مهامه كسفير منذ يوليو 2021”. وقالت إن سفارة ألمانيا في تشاد ستواصل هذا العمل “مع شركائنا على الأرض”. بينما لا يزال لألمانيا دبلوماسيون من رتب أدنى في نجامينا.

وقال وزير الخارجية الألماني أنالينا بربوك إن “السفير الألماني لدى تشاد يان كريستيان جوردون كريكه سافر على متن طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية”. وأكد المتحدث باسم الحكومة التشادية عزيز محمد صالح رحيله، لكن مسؤولًا في الحكومة التشادية قال إن نجامينا أجلت الدبلوماسي “لتدخله المفرط” في “حكم البلاد”، فضلًا عن “إصداره تصريحات تميل إلى تقسيم التشاديين”، بينما اعتبر مسؤول بوزارة الخارجية الألمانية أسباب طرد سفيرهم “غير مفهومة على الإطلاق”.

يُذكر أنه وفقًا لمعاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 التي تقنن مفاهيم مثل الحصانة الدبلوماسية وحرمة السفارات؛ تُمنح الدول قدرًا كبيرًا من الحرية لطرد الدبلوماسيين؛ لكن وفقا لاشتراطات محددة. تنص المادة 9 على أنه “يجوز للدولة المستقبلة في أي وقت ودون الحاجة إلى توضيح قرارها إخطار الدولة المرسلة بأن رئيس البعثة أو أي عضو من أعضاء السلك الدبلوماسي للبعثة هو شخص غير مرغوب في وجوده أو أن أي عضو آخر موظفو البعثة غير مقبول وجوده. وفي أي حالة من هذا القبيل، يتعين على الدولة المرسلة، حسب الاقتضاء، إما استدعاء الشخص المعني أو إنهاء مهامه مع البعثة”.

وتمنح معظم الدول المبعوثين المطرودين 72 ساعة لمغادرة البلاد؛ ولا تكون عمليات الطرد ذات أسباب سياسية دائمًا. على سبيل المثال، إذا تم اتهام مسؤول يتمتع بالحصانة الدبلوماسية بارتكاب جريمة خطيرة، فعادة ما يكون الطرد هو الملاذ الوحيد للبلد المضيف. وهذه ليست المرة الأولى لطرد دبلوماسي أو سفير من دولة؛ حث قامت نيوزيلندا بطرد دبلوماسيين من قبل، لكن طرد سفير لتعبيره عن عدم موافقته على سياسات الدولة المضيفة أمر نادر للغاية.

الداخل التشادي

تولى ديبي إيتنو، الذي كان آنذاك جنرالًا شابًا يبلغ من العمر 37 عامًا، رئاسة تشاد في 20 أبريل 2021، عندما قتل المتمردون والده الذي ترأس تشاد لمدة 30 عامًا، وقد وعد ديبي المجلس العسكري في البداية بتسليم السلطة للمدنيين من خلال “انتخابات حرة وديمقراطية”، ولكن في أكتوبر الماضي تم تمديد حكم ديبي لمدة عامين.

وقد قاطعت المعارضة وحركات التمرد الرئيسة خطوة التمديد. وانضمت السفارة الألمانية إلى دول أخرى مثل فرنسا وإسبانيا وهولندا في الإعراب عن قلقها إزاء تأخر العودة إلى الديمقراطية. كان زعماء المعارضة الرئيسون في المنفى أو مختبئين منذ أن تحولت المظاهرات ضد المجلس العسكري الحاكم في أكتوبر إلى أعمال عنف، مما أسفر عن مقتل 73 شخصًا وفقا للأرقام الرسمية، على الرغم من ادعاء المنظمات غير الحكومية أن العدد كان أعلى من ذلك بكثير.

وتواجه تشاد كذلك تحديات أمنية مرتبطة بالصراعات في الدول المجاورة بالإضافة إلى آثار تغير المناخ، ولا سيما التصحر المتسارع وجفاف بحيرة تشاد. مع وجود أكثر من 450.000 لاجئ من السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا وزاد عليها حالة الصراع في السودان الجارة؛ مما يضع عبئًا كبيرًا على عاتق الحكومة التشادية. على الرغم من أن تشاد قد أحرزت تقدمًا في الحد من الفقر، مع انخفاض معدل الفقر الوطني من 55٪ إلى 47٪ بين عامي 2003 و 2011؛ إلا أن عدد الفقراء ارتفع من 4.7 ملايين في عام 2011 إلى ما يقرب من 6.5 ملايين في عام 2019.

السياق السياسي

بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي على خط الجبهة في 20 أبريل 2021؛ تولى السلطة مجلس عسكري انتقالي بقيادة نجله محمد ديبي. وتم تعليق دستور البلاد، وحددت فترة انتقالية مدتها 18 شهرًا من أبريل 2021 إلى سبتمبر 2022. ومن ثم حدثت مباحثات ما بين المعارضة التشادية والنظام الحاكم؛ انتهى الحوار الوطني السيادي الشامل الذي عُقد في الفترة من 20 أغسطس إلى 12 أكتوبر 2022 برفض المعارضة لحكم ديبي، وبالرغم من ذلك صدر قرار تمديد الانتقال السياسي لمدة عامين.

ثم أدى “ديبي” اليمين كرئيس انتقالي في 10 أكتوبر، وشكل اللواء محمد ديبي إتينو حكومة وحدة وطنية في 14 أكتوبر. وفي 20 أكتوبر، احتجت المعارضة على قرار تمديد الفترة الانتقالية والسماح للرئيس الانتقالي بالترشح في الانتخابات. وقُتل ما يصل إلى 60 شخصًا في احتجاجات عنيفة عندما فتحت القوات الحكومية النار على المتظاهرين. في 11 نوفمبر، تجنبت تشاد عقوبات الاتحاد الأفريقي، خلافًا للتوصيات التي تندد بالسلطات التشادية وتمديد الفترة الانتقالية. هذه الانتهاكات التي قام بها النظام التشادي الحاكم وندد بها العديد من المؤسسات الدولية العاملة في مجال حقوق الانسان؛ والتي كانت أساسًا لتصريحات السفير الألماني وترحيله.

وبالإضافة إلى ذلك، تعد حالة الحريات في تشاد في أكثر حالاتها تراجعًا من حيث حظر التجمعات والاحتججات ففي مايو 2022، حظرت وزارة الأمن العديد من الأحداث التي نظمتها منصة “واكت تاما” المعارضة للاحتجاج على الانتقال العسكري والسياسة الخارجية للحكومة الفرنسية في تشاد، على خلفية احتمال حدوث فوضى عامة. وقد خططت الحركة لمظاهرات لنفس الأسباب في أغسطس وسبتمبر خلال الحوار الوطني الشامل. وظل القانون الذي يحكم حرية التجمع السلمي مخالفًا للمعايير الدولية بما في ذلك المبادئ التوجيهية للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التي تنص على أن الاحتجاجات لا تتطلب موافقة مسبقة، ولكن على الأكثر، إخطار مسبق فقط.

وفي يناير، نُظمت مظاهرة في مدينة أبيشي احتجاجًا على تعيين رئيس لقبيلة بني هلبة في أبيشي. ووفقًا لمنظمة “الاتفاقية التشادية للدفاع عن حقوق الإنسان” غير الحكومية، قُتل فيها على مدار يومين ما لا يقل عن 13 متظاهرًا وأصيب 80 آخرون، بالرغم من نفى متحدث باسم الحكومة استخدام الأسلحة النارية.

وفي 3 فبراير، زار وفد حكومي مدينة أبيشي واعترف بالاستخدام المفرط للقوة. ذلك يضاف إلى أنه قد جرى اعتقال ما لا يقل عن 212 شخصًا، وفقًا لمنظمات محلية. وبحسب ما ورد تعرض بعضهم لسوء المعاملة قبل الإفراج عنهم بعد خمسة أيام في الاعتقال دون توجيه تهم إليهم. واستخدمت قوات الأمن القوة المفرطة في استهداف الجمعيات والاحزاب المعارضة التي عارضت الحوار الوطني في نجامينا. وفي 20 أكتوبر، استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة خلال مظاهرة نظمتها عدة أحزاب وجمعيات سياسية للاحتجاج على تمديد الفترة الانتقالية. وأعلنت الحكومة أن ما لا يقل عن 50 شخصًا لقوا مصرعهم وأصيب 300 آخرون. وشكلت لجنة تحقيق وطنية وبدأت لجنة بقيادة المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا تحقيقا منفصلا في ديسمبر 2022.

ذلك علاوة على قيام السلطات التشادية بإلقاء القبض بشكل تعسفي على العديد من أفراد المعارضة. ففي مايو، عقب تفريق مظاهرة “واكت تاما” نُقل ستة من قادتها إلى سجن موسورو على بعد 300 كيلومتر من نجامينا. وأعلن النائب العام أنهم يُحاكمون بتهمة “التجمع بهدف الإخلال بالنظام العام والاعتداء على الممتلكات”. بعد المحاكمة، حُكم عليهم بالسجن لمدة 12 شهرًا مع وقف التنفيذ. وفي 30 أغسطس، فرقت الشرطة مظاهرة نظمتها حركة “الخريجين العاطلين عن العمل” للمطالبة بوظائف؛ وبحسب قادة الحركة، أصيب عدد من عناصرها خلال الفض. وأُلقي القبض على عدة أشخاص وأفرج عنهم بعد بضع ساعات. وفي سبتمبر، قُبض على ما لا يقل عن 140 شخصًا كانوا قد تجمعوا أمام مكتب حزب “المُغَيريين” Transformers، وأفرج عنهم في نفس اليوم.

وفي أعقاب مظاهرات أكتوبر، قُبض على مئات الأشخاص بمن فيهم أطفال، ونقلوا بشكل غير قانوني إلى “كورو تورو” على بعد 500 كيلومتر من نجامينا بدون محاكمات عادلة. وفي ديسمبر، بعد جلسات الاستماع التي عُقدت في جلسات سرية غاب عنها دفاع المتهمين؛ حُكم على 262 متهمًا بالسجن لمدد تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات. وحُكم على 80 متهمًا بأحكام مع وقف التنفيذ تتراوح بين عام وعامين، وبُرئ 59 متهمًا بحسب المدعي العام.

موقف الاتحاد الاوروبي

أعلنت دائرة العمل الخارجي الأوروبي EEAS  على لسان نبيلة مصرالي المتحدثة باسم رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل أن قرار الحكومة التشادية بطرد السفير الالماني “مؤسف” ويشكل “لفتة معادية بشكل خاص”، جاء ذلك في بيان في ضوء المشاركة والشراكة الطويلة الأمد للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه في تشاد، مؤكدة أن هذا القرار يعطل سياق الانتقال الجاري نحو دولة مدنية”.

وكرر الاتحاد الأوروبي التأكيد على أهمية العودة السريعة إلى النظام الدستوري والعمل على أن تكون العملية الانتقالية محدودة المدة وتضمن احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. فالعملية الشاملة التي يدعمها جميع الفاعلين المدنيين والسياسيين ضرورية لضمان مصداقية وشرعية. وأضافت “مصرالي” أن الاتحاد الأوروبي سيواصل الإصرار على هذه النقاط ، وهي شروط مهمة لشراكته مع تشاد.

وعد محمد ديبي التشاديين والمجتمع الدولي بأنه سيعيد السلطة إلى المدنيين من خلال “انتخابات حرة وديمقراطية” وأنه لن يترشح للرئاسة. وبالرغم من ذلك تم ارتكاب هذه الانتهاكات والتي كان الحديث عنها هو السبب الأساسي وراء ترحيل السفير الألماني لدى تشاد. وبالرغم من صدور تعليقات في نفس السياق من السفير الفرنسي فإن العلاقات القوية بين فرنسا وتشاد حالت دون اصدار أي قرار بشأن السفير الفرنسي. ولكن يعد ترحيل السفير الألماني رسالة مبطنة لأي سفير على الأراضي التشادية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76852/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M