هل يقوي الضغط الغربي العلاقات الروسية الصينية؟

أحمد السيد

 

تتسم العلاقات الروسية الصينية بالاحترام المتبادل للمصالح المشتركة، والرغبة في الاستجابة الموحدة للتحديات التي ترتبط بشكل مباشر بالاضطرابات المتزايدة على الساحة الدولية، ونمط الضغط الجماعي من قِبل الغرب.

وفي الوقت الذي تشتد فيه المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؛ جاءت زيارة رئيس الوزراء الروسي “ميخائيل ميشوستين” للصين على رأس وفد من كبار رجال الأعمال الروس يومي 23 و24 مايو الجاري، للمشاركة في منتدى الأعمال الروسي –الصيني؛ لتؤكد على متانة العلاقات الروسية الصينية القائمة على الصداقة والاحترام المتبادل، مع تأكيد كل من موسكو وبكين على المضي قدمًا من أجل الارتقاء بالتعاون المشترك إلى مستوى جديد.

دلالات التوقيت

تزامنت زيارة رئيس الوزراء الروسي للصين مع الكم الهائل من الاضطرابات التي تشهدها الساحة الدولية، وكذلك تأتي في أعقاب قمة قادة مجموعة الدول السبع التي انعقدت في مدينة هيروشيما في اليابان خلال الفترة من 19 وحتى 21 مايو الجاري، وما صدر عنها من تنديدات بما وصفوه بـ “الأعمال العدوانية للصين” في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، مع تأكيدهم على تحدي بكين في بحر الصين الجنوبي والتعهد بمقاومة ما وصفوه  بـ “الإكراه الاقتصادي”، كما اتفقوا على أن موسكو وبكين تُعدّان تهديدًا لأمن دول الغرب،  في حين جددوا التزامهم على تقديم الدعم الكامل لأوكرانيا، إلى جانب حضور الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” القمة. لذا جاءت الزيارة لتؤكد على رفض موسكو وبكين لتطلعات تلك الدول لفرض إرادتهم على الدولتين، من خلال استمرار سياسة العقوبات والنظرة الاستعلائية لكلا البلدين.

زيارة “ميشوستين” للصين هي الأولى له كرئيس للوزراء، وهي الأولى أيضًا لمسؤول روسي رفيع المستوى منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022. وخلال زيارته التقى “ميشوستين”، برئيس الوزراء الصيني “لي تشيانج”، كما اجتمع مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ”.

وعلى هامش الزيارة، أكد الرئيس الصيني على أن العلاقات بين الصين وروسيا تتطور بشكل مطرد وتشهد تعاونًا متعدد الأوجه. بينما أكد رئيس الوزراء الروسي على أن بلاده مهتمة بمزيد من تعزيز الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي مع الصين، وأن العلاقات بين الدول تتم على أعلى مستوى. فيما أعرب “ميشوستين” عن ثقته في أن موسكو وبكين ستتمكنان من تحقيق تجارة متبادلة تصل إلى 200 مليار دولار هذا العام بنجاح.

أهداف الزيارة

زيارة “ميشوستين” للصين ضمت عددًا كبيرًا من رجال الأعمال الروس، بعضًا منهم يخضع للعقوبات الغربية والأمريكية. وخلال الزيارة شارك الوفد الروسي في منتدى الأعمال الروسي الصيني، وزار معهد أبحاث البتروكيماويات في شنغهاي، فضلًا عن إجراء محادثات مع ممثلي دوائر الأعمال. وكانت الصين وروسيا قد عززتا في السنوات الأخيرة التعاون الاقتصادي والاتصالات الدبلوماسية، في ظل تقارب شراكتهما الاستراتيجية مع احتفاظ الصين بموقف محايد تجاه الحرب في أوكرانيا.

يوضح الاهتمام الذي حظيت به زيارة “ميشوستين” للصين، أن بكين مستعدة لمضاعفة علاقاتها مع روسيا بعد قمة مجموعة السبع؛ لأن الموضوع الرئيس لتلك القمة لم يكن الحرب الروسية في أوكرانيا فحسب، بل أيضًا الصين وكيف يجب أن يتعامل الغرب معها. ويُمكن بلورة أهم أهداف زيارة رئيس الوزراء الروسي للصين في الآتي:  

  • مواجهة الضغط الغربي: تأتي زيارة “ميخائيل ميشوستين” للصين للحد من الضغط الذي يمارسه الغرب والولايات المتحدة على كلا البلدين، مع التأكيد على قوة العلاقة بينهما ورفع مستوى العلاقات بينهما لمستوى غير مسبوق.
  • الحصول على الدعم الصيني: مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثاني وشعور روسيا المتزايد بثقل العقوبات الغربية، تأتي زيارة “ميشوستين” في الوقت الذي تتجه فيه روسيا بشكل متزايد إلى الصين للحصول على دعم دبلوماسي واقتصادي وسط عزلة متزايدة بسبب الحرب الأوكرانية.
  • توسيع الشراكة الثنائية: حيث هدفت زيارة “ميشوستين” لبكين بشكل رئيس إلى تنفيذ مشاريع تعاون مُشتركة فضلًا عن توسيع الشراكة بينهما، مع بلورة ووضع خطوط عريضة تقود في نهاية المطاف إلى شراكة استراتيجية قوية وحقيقية بين البلدين.

وعلى هامش الزيارة، وقعت موسكو وبكين مذكرات تفاهم مشتركة لتعميق التعاون الاستثماري في الخدمات التجارية، واتفاقية بشأن تصدير المنتجات الزراعية إلى الصين، واتفاقية أخرى حول التعاون الرياضي. ومن بين الاتفاقيات التي تم توقيعها اتفاقيات حول الملكية الفكرية وتسهيل التجارة في المنتجات الزراعية، بالإضافة إلى مناقشة توسيع التعاون في إنتاج الطائرات والسفن والبحوث الفضائية المشتركة.

جدير بالذكر، أن الصين تعد الشريك التجاري الأول لروسيا، وقد سجلت التجارة بينهما مستوى قياسيًا بلغ 190 مليار دولار العام الماضي بحسب إحصاءات الجمارك الصينية. وفي هذا السياق، أكد “ميشوستين” إن تقوية العلاقات الصينية الروسية سينعكس إيجابيًا على اقتصاد البلدين.

كما تُعد الصين أكبر مستهلك للطاقة لروسيا –خاصة خلال العام الماضي –  حيث انخفضت صادرات الغاز لموسكو بسبب موجة من العقوبات الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا، ومن المتوقع أن ترتفع إمدادات الطاقة الروسية إلى الصين بنسبة 40 % على أساس سنوي في عام 2023.

وفي الأخير، وعلى الرغم من الانتقادات الغربية للتقارب الروسي الصيني، يجب الانتباه إلى حقيقة أن التعاون الروسي الصيني ليس موجهًا ضد أي أطراف أخرى – وهو ما تؤكده الدولتان باستمرار- وفي المقابل تؤكد كلا الدولتان أنهما لن تتسامحا مع سياسة التدخل والإكراه من قبل تلك الأطراف.  ومن خلال الانخراط في عمل حقيقي؛ تُثري موسكو وبكين محتوى شراكتهما الاستراتيجية الشاملة وتفاعلهما في العصر الجديد، وتحددان بوضوح ملامح نوع جديد من العلاقات الدولية، كما اتفقت موسكو وبكين على تفعيل آلية الاجتماعات الدورية لرؤساء الدولتين، على أن يعقد الاجتماع المقبل نهاية العام الجاري.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/77583/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M