تطور العلاقات المصرية الأفريقية.. الكوميسا نموذجًا

أسماء رفعت

 

يمثل تجمع “الكوميسا” أحد أبرز الأمثلة الدالة على قوة العلاقات المصرية الأفريقية، خاصة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة البلاد، ثم تولى رئاسة الكوميسا عام 2021. وقد كانت العلاقات الاقتصادية هي المدخل الرئيس لتعزيز الروابط المصرية الأفريقية؛ من خلال تعزيز حركة التجارة والاستثمار بين الدول الأفريقية، ونقل التجربة المصرية في البناء والتنمية إلى الدول الأفريقية.

الأهمية الاقتصادية لتجمع “الكوميسا”

يمثل تجمع السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي COMESA أحد أكبر التكتلات الاقتصادية الأفريقية؛ فهو يضم نحو 21 دولة تتنوع مواردها الاقتصادية وقدراتها التنافسية، فضلًا عن كونها سوقًا استهلاكية ضخمة تضم نحو616 مليون نسمة، بما يمثل أكثر من نصف سكان القارة الأفريقية. ومع توفر المقومات الاقتصادية للتكتل من موارد اقتصادية (جانب العرض)، وسوق استهلاكية (جانب الطلب)، لم يتبق سوى حسن الإدارة الاقتصادية لتلك الموارد، وتسهيل وصولها إلى المستهلك. ويتحقق ذلك من خلال السياسات الاستثمارية والتجارية الفعالة.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول الكوميسا ما يقدر بنحو 768 مليار دولار أمريكي عام 2021، تسهم مصر بنصفه تقريبًا. أما عن صادرات دول الكوميسا لمختلف دول العالم فتبلغ نحو 156.4 مليار دولار عام 2021، وتقدر الصادرات البينية لدول التكتل بنحو 12.8 مليار دولار في العام ذاته، وتبلغ واردات التكتل من مختلف دول العالم 227.5 مليار دولار، في حين تقدر الواردات البينية بنحو 11.2 مليار دولار.

وتعكس تلك المؤشرات ضرورة العمل نحو تعزيز التجارة البينية لدول التكتل؛ من خلال استغلال الموارد والمقومات الاقتصادية الهائلة التي تتمتع بها الدول الأعضاء. وتتمثل أبرز المجموعات السلعية للصادرات والواردات البينية في المنتجات الحيوانية والنباتية والمشروبات، والمنتجات الكيمائية والبلاستيك والمعادن. وقد أسهمت الكوميسا في إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية والتي دخلت حيز التنفيذ في 30 مايو 2019 على أساس منطقة التجارة الحرة الثلاثية لدول الكوميسا، وجماعة شرق أفريقيا EAC، وجماعة التنمية للجنوب الأفريقي SADC.

الدور المصري في القارة الأفريقية

انضمت مصر إلى تجمع الكوميسا عام 1998 وبدأت تطبيق الإعفاءات الجمركية على أساس مبدأ المعاملة بالمثل عام 1999. وفي عام 2000، وقعت مصر اتفاقية التجارة الحرة مع دول الكوميسا، ثم تولت مصر رئاسة التجمع لأول مرة عام 2001. وقد شهدت الفترة التالية ضعفًا وتباطؤًا العلاقات، ثم عادت مرة أخرى إلى قوتها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ومع تولي مصر رئاسة الكوميسا مرة أخرى عام 2021 وضعت الدولة خطة استراتيجية متوسطة المدى تهدف إلى تحقيق اهداف التكامل الإقليمي، مؤكدة على أن المستفيدين من التكتل -اقتصاديًا واجتماعيًا- هم مواطنو وأبناء الإقليم، وتسهم في تنفيذ اجندة أفريقيا 2036 وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتسعى إلى التغلب على آثار جائحة كورونا وخلق سلاسل توريد إقليمية أكثر استقرارًا.

ولعل من أبرز المعوقات التي تواجه تعزيز التكامل الإقليمي بين دول القارة الأفريقية هي المعوقات اللوجستية والتي تتمثل في طول مدة الشحن وارتفاع التكلفة، فجاء مشروع القاهرة-كيب تاون بجهود وزارة النقل المصرية ليربط بين القاهرة وتسع دول أفريقية، منها 6 دول أعضاء في الكوميسا وبطول 10.2 آلاف كم؛ ليختصر الوقت بين الشمال والجنوب الأفريقي في خمسة أيام فقط، ويتوقع الانتهاء منه بنهاية عام 2024، والذي يستهدف زيادة حركة التجارة داخل مصر وبين دول القارة.

وبجانب الطريق البري، يأتي تدشين خط ملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط عن طريق نهر النيل عام 2014 برعاية مصر؛ بهدف تسهيل حركة التجارة ومن ثم تشجيع الاستثمار والصناعة. وفي سبيل تشجيع وجذب الاستثمارات، تم تدشين صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا؛ للتغلب على معوقات ارتقاع مخاطر الاستثمار الناتجة عن الظروف البيئية والأمنية التي يحتمل حدوثها وتعوق جذب الاستثمار.

وفي إطار برنامج جسور التجارة العربية الأفريقية، تم تنظيم لقاءات مع المصدرين المصريين بفرص التصدير إلى أفريقيا، وتم تنظيم شراكات مع القطاع الخاص في الدول الأفريقية وشركات مصرية لتنفيذ مشروعات تطوير البنية التحتية، جاء منها ما تم تنفيذه من خلال شركة المقاولون العرب.

ومن جهة أخرى، فقد تم تدشين مشروعات الربط الكهربائي بقيادة وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية، في إطار خطة مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، فتم تنفيذ مشروعات الربط مع السودان ومنها إلى مختلف دول القارة؛ إذ تعد مصر المنفذ الوحيد لصادرات أفريقيا من الكهرباء إلى أوروبا، وقد نُفذت أولى خطوات المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي مع السودان بقدرة 70 ميجاوات، وتوفر تلك المشروعات مصدر دخل بالعملة الصعبة للدولة المشاركة.

وبجانب الجهود المبذولة لدعم الجانب الاقتصادي، يُلاحظ اهتمام مصر أيضًا بالجانب الاجتماعي من خلال إطلاق مبادرات في مجال الصحة في أفريقيا، مثل مبادرة علاج مليون أفريقي من فيرس سي، وتوفير اللقاحات لأفريقيا خلال ازمة جائحة كورونا. وفي مجال تمكين الشباب تم إطلاق البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة والتي يستهدف تدريب 1000 شاب أفريقي.

أما بالنسبة لأهمية تجمع الكوميسا بالنسبة لمصر اقتصاديا، فيظهر من خلال الارتفاع النسبي في حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الكوميسا بالمقارنة بتجمعات أخرى مثل: المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومجموعة شرق أفريقيا، والهيئة الحكومية للتنمية (الايجاد)، ودول اتفاقية أغادير، وتجمع المغرب العربي. وتستحوذ دول الكوميسا على 60% من حجم تجارة مصر مع أفريقيا.

وتسهم العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الكوميسا في تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية لمصر في القارة الأفريقية، من خلال انخراط مصر مع دول الشرق والجنوب الأفريقي. فضلًا عن استفادة مصر من المساعدات المالية التي يقدمها بنك التنمية الأفريقي وغيره من المؤسسات الدولية التي تقدم مساعدات في مجال تنمية الصادرات لدول أفريقيا. بجانب أهمية التجمع بالنسبة لمصر فيما يتعلق بتشجيع التعاون في مجال الاستثمار، من خلال تحرير تجارة الخدمات والذي يتيح لمصر تصدير الخبرات الفنية، وإقامة نظام متقدم لتبادل المعلومات داخل الدول الأعضاء، فضلًا عن تحقيق مكاسب في مجال التعاون الصناعي والزراعي والنقل والمواصلات.

تحديات التكامل الاقتصادي الأفريقي وسبل تعزيزه

مع تعدد التكتلات الاقتصادية الأفريقية والتي تبلغ نحو 15 تكتلًا منها نحو 8 تكتلات معترف بها من قبل الاتحاد الأفريقي، يتمتع تكتل الكوميسا بأهمية خاصة، وهو يعني السوق المشتركة أي يمثل المرحلة الرابعة من مراحل التكامل الاقتصادي؛ والذي يبدأ باتفاقية التجارة التفضيلية من خلال تخفيف القيود التجارية ومنح امتيازات جمركية متبادلة، ثم إنشاء منطقة التجارة الحرة والتي يتم فيها تحرير التجارة الخارجية وإلغاء الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء، ثم إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة على سلع الدول غير الأعضاء عبر الاتحاد الجمركي، ثم السوق المشتركة والتي تتضمن حرية انتقال السلع وإلغاء القيود على نقل عناصر الإنتاج (العمل ورأس المال)، وأخيرًا الاتحاد الاقتصادي والذي يتضمن تنسيقًا تامًا للسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية، ويعد بمثابة سلطة فوق القومية.

ويلاحظ أنه عند إقرار تكتل الكوميسا عام 1991، أُنشئ عام 1994 خلفًا لمنطقة التجارة التفضيلية التي أُنشئت عام 1981. ووُضعت الالتزامات المقررة على الأعضاء في إطارها والتي جاءت في شكل تخفيض تدريجي للرسوم الجمركية تمهيدًا لإلغائها بالكامل.

وتتمثل أبرز تحديات تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية في تعدد التكتلات الاقتصادية، وازدواجية العضوية للدولة الواحدة في أكثر من تكتل، مع اختلاف مرحلة التكامل لكل تكتل، فضلًا عن اختلاف درجة التقدم الاقتصادي بين الدول الأعضاء ومن ثم تختلف الأهداف الاقتصادية المرغوبة من جراء التكامل. ويتبين ذلك من خلال تمسك بعض الدول بفرض قيود حمائية داخل التكتل، وعدم توحيد التعريفة المفروضة بين دول التكتل الواحد.

ولعل من أبرز متطلبات التكامل الأفريقي هو توحيد التكتلات الاقتصادية المتعددة في كيان اقتصادي قوي يتمتع بصلاحيات حقيقية، ويمنح أعضاءه مميزات تفضيلية، ثم يتطور تدريجيًا وفقًا لمراحل التطور الاقتصادي للدول الأعضاء ومتطلبات نموها، مع التأكيد على ضرورة وضع إطار زمني محدد لإنجاز كافة الأهداف المرجوة مع متابعة تنفيذها.

وأخيرًا وليس آخرًا، فمع استمرار الجهود المصرية في نقل تجاربها الرائدة إلى القارة الأفريقية، يُوصى بتطوير خريطة استثمارية قارية متكاملة توضح كافة الفرص الاستثمارية المتاحة بدول القارة، بما يؤدي إلى تعزيز جذب الاستثمارات، ومن ثم رفع معدلات النمو والتشغيل، وإتاحة فرص لدعم وتعزيز الصادرات.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/77771/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M