ضربات متتالية.. دلالات مقتل القيادي بداعش سوريا “أسامة المهاجر”

منى قشطة

 

أعلنت قيادة المنطقة المركزية العسكرية في الجيش الأمريكي “سنتكوم”، يوم الأحد 9 يوليو 2023 أنها قتلت المدعو “أسامة المهاجر” أحد قادة تنظيم داعش في سوريا في غارة بواسطة طائرة مسيرة نفّذها الجيش الأمريكي. وأكدت في بيانها أنه لا توجد مؤشرات على سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وأن التحالف يقوم حاليًا بتقييم التقارير عن وقوع إصابات مدنية.

ونقلت “سنتكوم” عن قائدها، الجنرال مايكل كوريلا أنها لا تزال مُلتزمة بهزيمة داعش في المنطقة كلها، وشددت على أن التنظيم لا يزال يمثل تهديدًا ليس لدول المنطقة فحسب بل لخارجها أيضًا، واعتبرت أن استهداف القيادي المقتول سيحد من قدرة داعش على تخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية، وأكدت على استمرار عملياتها لاستهداف التنظيم بالتعاون مع شركائها في سوريا والعراق. ويطرح الإعلان الأمريكي عن استهداف القيادي المقتول “أسامة المهاجر” جملة من التساؤلات حول تفاصيل عملية استهدافه، وما قد تحمله من دلالات وتداعيات على نشاط داعش خلال الفترة المُقبلة.

عملية نوعية

أشار بيان القيادة المركزية الأمريكية إلى أن عملية استهداف “أسامة المهاجر” نُفذت في 7 يوليو الجاري، في حين جاء إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن العملية “بعد يومين” من تنفيذها، وذلك حتى يتسنى للجيش الأمريكي التأكد من إتمامها ونجاحها في إصابة الهدف المطلوب. وهذا النهج عادةً ما تتبعه الولايات المتحدة في العمليات النوعية التي تستهدف فيها زعماء وقادة التنظيمات الإرهابية؛ إذ إن عملية استهدافهم يمكن تقييمها كـ “أهداف عالية القيمة” تحتاج إلى جهود استخباراتية نوعية ودقيقة قد تستغرق عدة أيام وربما شهورًا طويلة سواء قبل تنفيذها أو بعد اتمامها لضمان الإتيان بالنتائج المرجوة.

(بيان القيادة المركزية الأمريكية حول استهداف “أسامة المهاجر”)

 

لم يتضمن إعلان القيادة المركزية الأمريكية أي تفاصيل حول المنطقة التي تمت بها عملية استهداف القيادي الداعشي، إلا أن تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين تُشير إلى أن 3 مسيرات أمريكية من طراز “ريبير” حلّقت يوم الجمعة الماضية بحثًا عن “أسامة المهاجر”، وتمكنت من رصده على متن دراجة بخارية في منطقة حلب وقتله على الفور.

وتتسق تلك التصريحات مع بعض المعلومات الميدانية المرصودة التي وثقها تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان صدر في 7 يوليو الجاري؛ إذ أفاد بأن “طائرة مسيّرة يعتقد أنها تابعة للتحالف الدولي قامت باستهداف شخص يستقل دراجة نارية على الطريق الواصل بين مدينة الباب وبلدة بزاعة ضمن مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها، في ريف حلب الشرقي بعدة صواريخ، ما أدى إلى مقتله”.

 

أشار الإعلان الأمريكي إلى أن العملية تمت بواسطة طائرة مسيّرة من طراز “MQ-9” وهي واحدة من أحدث الطائرات الأميركية دون طيار ذات القدرات التكنولوجية العالية التي يعتمد عليها الجيش الأمريكي في تنفيذ عدد من المهام في العراق وأفغانستان وسوريا ودول أخرى؛ نظرًا لقدرتها على القيام بمهام متعددة في ساحة المعارك، وقدرتها على الرصد والمراقبة ومهاجمة أهداف على الأرض.  وتُفيد التقارير إلى أنها استُخدمت كذلك في اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بالعاصمة الأفغانية كابول.

وغالبًا ما تعمد الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنفيذ الغارات النوعية التي تستهدف قادة التنظيمات الإرهابية باستخدام هذا النوع من المسيرات ذات التقنيات المتطورة؛ نظرًا لقدرتها على ضرب الهدف بشكل مُركز لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، وهو ما يواكب استراتيجية التخفي في المناطق السكنية التي يلجأ إليها قادة التنظيمات الإرهابية مؤخرًا للفرار من الضربات الأمنية التي توجه ضدهم، والتي تحتاج إلى إدخال أدوات تكنولوجية حديثة في جهود مكافحة الإرهاب تتمكن -بعد الحصول على معلومات استخباراتية عالية الدقة – من تحقيق الهدف بدقة، ما يُقلص من دائرة الاستهداف بشكل كبير، وبالتالي تقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين.

وحول شخصية الزعيم المقتول، لم يتضمن بيان القيادة المركزية الأمريكية أي معلومات حول هويته أو أدواره داخل التنظيم، فضلَا عن أن كنية “أسامة المهاجر” الواردة في الإعلان على الأرجح هي الاسم الحركي للقيادي المقتول. لكن ثمة تقارير تستند إلى مصادر ميدانية تكهنت بأن القيادي الذي استُهدف بغارة أمريكية يدعى “همام ياسر الخضر” ويحمل الجنسية السورية.

سياق ودلالات العملية

تنطوي عملية استهداف القيادي الداعشي “أسامة المهاجر” على جملة من الدلالات المرتبطة بالسياق والتوقيت الذي نفذت فيه عملية الاستهداف، والخسائر المتوالية التي تكبدها التنظيم في صفوفه القيادية مؤخرًا، ويمكن الوقوف على أبرز هذه الدلالات فيما يلي:

• رسائل أمريكية: أشار السطر الأخير من بيان القيادة المركزية الأمريكية بشأن مقتل “أسامة المهاجر” إلى أن الطائرة “MQ-9” التي قتلت القيادي الداعشي تعرضت في نفس يوم العملية لـ “تحرش” من طائرة حربية روسية في مواجهة استمرت لنحو ساعتين. وكان لافتًا أن هذه الإشارة التي اختُتم بها البيان الأمريكي جاءت خارج السياق بعض الشيء عن الهدف الرئيس منه وهو إعلان مقتل القيادي بداعش “أسامة المهاجر”، وهو ما يمكن قراءته كرسالة أمريكية ضمنية ضد روسيا تُفيد بأن الأخيرة تُعرقل جهود الولايات المتحدة لمحاربة داعش في سوريا. يأتي هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه الاتهامات مؤخرًا بين روسيا وأمريكا بخرق اتفاقية عدم التضارب في سوريا، والتي تقضي بأن تبتعد الطائرات الحربية للطرفين. فضلًا عن تصاعد التصريحات الروسية التي تتهم الجانب الأمريكي بدعم داعش وقيادة نشاطه في دمشق وجنوب سوريا.

• زيادة الضربات الأمنية ضد داعش: تتصل عملية استهداف “أسامة المهاجر” بسلسلة من الضربات التي تلقاها التنظيم مؤخرًا على المستوى القيادي؛ فخلال الربع الأول من العام الجاري نفذت الولايات المتحدة الأمريكية 44 عملية بارزة استهدفت كبار عناصر تنظيم داعش بزيادة قدرها 15% عن عام 2022. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: مقتل قيادي بارز بالتنظيم يدعى “حمزة الحمصي” في 17 فبراير الماضي خلال عملية أمريكية مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في غارة بمروحية شرق سوريا، ومقتل أحد كبار قادة التنظيم ويدعى “خالد الجبوري” في 4 أبريل وقد كان مسؤولًا عن التخطيط لهجمات داعش في أوروبا وقام بتطوير الهيكل القيادي للتنظيم، وفي 17 من الشهر ذاته استُهدف “عبد الهادي محمود الحاج علي” وهو أحد كبار قادة التنظيم بسوريا والمسؤول عن التخطيط لعملياته في الشرق الأوسط في غارة جوية شمال سوريا.

• تحقيق مكاسب سياسية: تندرج عملية استهداف القيادي الداعشي “أسامة المهاجر” ضمن سلسلة الانتصارات التي تحاول إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تحقيقها في ملف مكافحة الإرهاب عبر استهداف عدد من قادة التنظيمات الإرهابية، ومنهم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، والزعيمين الثاني والثالث لداعش وهما أبو إبراهيم القرشي، وأبو الحسن القرشي. حيثُ تسعى إدارة “بايدن” إلى محاولة تسويق الانتصارات التكتيكية للاستخبارات الأمريكية في ملف محاربة الإرهاب لتعزيز فرص الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر انعقادها في عام 2024، خاصة أن ملف الخروج العشوائي من أفغانستان كان أحد الملفات التي استغلها الجمهوريون والرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” والرأي العام الأمريكي لتوجيه اتهامات بالفشل لإدارة “بايدن” على الصعيد الخارجي، والتسبب في تنامي خطر التهديدات الإرهابية في أفغانستان، وفي مقدمتها المخاطر المرتبطة بتنظيم القاعدة.

• قصر المدد الزمنية بين استهداف كبار قادة التنظيم: تكشف الخسائر القيادية المتتالية في صفوف داعش عن تسارع وتيرة استهداف كبار قادته وخصوصًا منصب الزعيم؛ فعلى سبيل المثال، كشفت عملية استهداف الزعيم الرابع للتنظيم أبو الحسين القرشي على يد القوات التركية في 30 إبريل الماضي -بعد نحو 5 أشهر من تنصيبه زعيمًا للتنظيم في 30 نوفمبر 2022 خلفًا لمقتل سلفه أبي الحسن الهاشمي القرشي- عن تناقص المدة الزمنية بين استهداف زعيم وآخر من زعماء التنظيم بمرور الوقت؛ لتصبح عامين (بين استهداف أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019 وخلفه أبو إبراهيم القرشي في فبراير 2022) ثم تسعة أشهر (بين استهداف أبو إبراهيم القرشي وخلفه أبو الحسن القرشي) وصولًا إلى قرابة 5 أشهر فقط بين (استهداف أبو الحسن القرشي والزعيم الأخير أبو الحسين القرشي). وهو ما يشي بأن عملية تعقب واستهداف قادة التنظيم من قبل الأجهزة الأمنية باتت أسرع من السابق، وأن مساحة الاختراق الأمني في صفوف التنظيم يتسع مداها بمرور الوقت، وأن قدرته على ضمان معايير السلامة للحفاظ على حياة زعمائه لأطول فترة تراجعت بشكل كبير أمام العمليات الاستخباراتية النوعية التي تستهدف التنظيم بين الفينة والأخرى.

• فشل داعش في تأمين قادته: تعكس عملية استهداف “أسامة المهاجر” عدم قدرة التنظيم على اتخاذ التدابير الكافية للحيلولة دون سهولة الكشف عن مواقع كبار قادته وزعماءه أمام قوات مكافحة الإرهاب. كذلك تعكس أيضًا فشل نهج “التعتيم” الذي انتهجه التنظيم مؤخرًا في عدم الإفصاح عن هوية كبار قادته، وإخفاء آية معلومات عنهم، والاكتفاء بإعطائهم أسماء حركية. فعلى سبيل المثال، إبان تسمية داعش لزعيمة الرابع “أبو الحسين القرشي” الذي أعلنت تركيا مقتله نهاية إبريل الماضي اكتفى التنظيم بذكر اسمه الحركي المضاف إليه لقب “القرشي” والإثناء عليه ببعض مرادفات المدح الجهادية دونما الإفصاح عن هويته، لكن رغم ذلك نجحت الجهود الاستخباراتية في تعقبه واستهدافه. واستخدم التنظيم أيضًا نفس النهج في التكتيم عن الزعيم الثالث “أبو الحسن القرشي” إلا أن تلك الاستراتيجية فشلت أيضًا في إطالة فترة زعامته لأكثر من 9 شهور وتم استهدافه في منتصف أكتوبر 2022 في درعا بسوريا.

تداعيات محتملة

رغم ما تخلفه عمليات استهداف قادة وزعماء تنظيم داعش من تأثيرات سلبية على القدرات التشغيلية للتنظيم ومنظومته القيادية ومعنويات مكونه البشري، فإن هذا التأثير قد يستمر على المدى القصير فقط؛ بالنظر إلى أن داعش يتمتع بخبرة ومرونة كافية في التعاطي مع مقتل قادته، ولديه قدرة كبيرة على التكيف مع المتغيرات الميدانية، ويمتلك أدوات إعلامية تمكنه من تجاوز الأثر النفسي لمقتل عناصره وزعمائه، من خلال صياغة سرديات بطولية حول بطولات وتضحيات وكاريزمية زعمائه ونكرانهم لذاتهم، والإثناء عليهم بعبارات المدح والشهادة، بما يسهم في عمليات الترميم النفسي لعناصر التنظيم وجذب وتجنيد عناصر جديدة.

ومن المرجح أن تأخذ عمليات داعش في الفترة المقبلة منحىً تصاعديًا على مستوى أفرعه المختلفة كنوع من أنواع الثأر لمقتل زعمائه وكبار قادته، وكذلك من المتوقع أن يلجأ التنظيم في المرحلة المقبلة -في ضوء الضربات المتوالية التي يتلقاها في معاقله التقليدية بسوريا والعراق- إلى التفكير في نقل مقر قيادته المركزية إلى مناطق جغرافية أخرى، وربما تكون وجهته في ذلك أفغانستان أو منطقة الساحل الإفريقي التي باتت مسرحًا لوجستيًا رئيسًا لنشاط التنظيم.

ختامًا، تأتي عملية الاستهداف الأمريكي للقيادي بداعش “أسامة المهاجر” بالتزامن مع تصاعد الضربات الأمنية التي استهدفت تحييد العديد من قادة وعناصر التنظيم في سوريا والعراق مؤخرًا بفعل جهود مكافحة الإرهاب. لكن رغم ما قد تحمله استراتيجية “قطع رؤوس” قادة داعش من تداعيات سلبية قد تؤثر على قدرات التنظيم، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال زوال خطره وانهياره؛ إذ أثبتت الشواهد التاريخية أن داعش بات يتمتع بخبرات تمكنه من تجاوز مرحلة مقتل قادته والاستمرار في نشاطه الميداني عبر مفارزه المختلفة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78407/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M