مؤشرات أولية لسباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية

بيير يعقوب

 

في ظل اقتراب سباق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة المقرر انعقادها في 2024، بدأ العديد من المشكلات والاتهامات تظهر للمرشحين الرئيسين: جو بايدن، ودونالد ترامب، بعدما قرر كل منهما الترشح للانتخابات، ويستغل مؤيدو كل منهما هذه الظروف لمهاجمة الآخر. ويدعي كل من “بايدن” و”ترامب” أن السبب لظهور هذه القضايا هو فقط هز صورتهما أمام الشعب الأمريكي. وبالرغم من عدم ابتعاد هذه الرواية عن الصحة بشكل كامل، فإن هذا لا ينفي حقيقة وصحة هذه المشكلات التي ستكون عبئًا كبيرًا على كل منهما في السباق الرئاسي.

يواجه الرئيس السابق “ترامب” محاكمات في أكثر من 30 تهمة مختلفة، فيما يواجه الرئيس الحالي “بايدن” تراجعًا في شعبيته وشكوكًا حول كفاءته بسبب تقدم سنه من جهة ومن الجهة الأخرى تورط نجله هانتر بايدن في قضايا فساد وحيازة سلاح. وفي نفس الوقت يستعد الحزبان الجمهوري والديمقراطي للصراع الانتخابي عن طريق انتخابات تمهيدية داخل كل حزب لتحديد المرشح النهائي، فقد تقدم 3 مرشحين إلى الآن الانتخابات في الحزب الديمقراطي، فيما تقدم في الحزب الجمهوري 14 مرشحًا، بالإضافة إلى 6 آخرين ترشحوا ثم انسحبوا.

مشكلات تواجه “بايدن”

حدث اتفاق مبدئي أعلنت عنه وزارة العدل الأمريكية، في 20 يونيو 2023، وينص على إقرار هانتر بايدن بالذنب مقابل بقائه خارج السجن، في نفس الوقت الذي مثُل فيه “ترامب” أمام المحكمة بعد توجيه أكثر من 30 تهمة جنائية له، مما أدى إلى وضع “بايدن” وابنه في مرمى نيران الجمهوريين، خاصة بعدما تم الكشف عن فضيحة أخرى تتعلق باستغلال “هانتر” لنفوذ والده في صفقات تجارية. ويمكن تفصيل المشكلات على النحو التالي:

اتهامات بفساد قضائي: توصل هانتر بايدن إلى اتفاق مبدئي مع المدعين الفيدراليين للإقرار بأنه مذنب في جريمتين تتعلق إحداهما بالضرائب والأخرى بحيازة السلاح، مقابل أن يوقف المدعون الفيدراليون التحقيق الجنائي الذي أجرته وزارة العدل منذ فترة طويلة بشأن نجل الرئيس. وأكد الرئيس “بايدن” دعمه لابنه، إذ قال: “أنا فخور جدًا بابني”، بالرغم من رفضه الرد على سؤال حول ما إذا كان قد شجع “هانتر” على قبول الإقرار بالذنب.

وسبق وأن أقر محامو هانتر بايدن، في فبراير 2023، أن جهاز الكمبيوتر المحمول، الذي كشف عن فضائح عديدة له، جنسية وأخرى تتعلق باستغلال نفوذ والده، والذي تركه في ورشة لإصلاح أجهزة الكمبيوتر هو بالفعل ملكه. دفع هذا الجمهوريين إلى شن هجوم شديد على “بايدن” وابنه، واتهموا القضاء بالانحياز لهما لتجميل صورة “بايدن” قبل الانتخابات، خاصة في ظل التعامل “المتعسف” –كما يصفوه- مع “ترامب” في التهم الموجهة إليه.

استغلال “هانتر” نفوذ والده: أبلغ جاري شابلي، وكيل خدمات الإيرادات الداخلية الذي قاد التحقيق في الشؤون الضريبية “لبايدن”، الكونجرس بأن نجل الرئيس استدعى والده حينما كان يشغل منصب نائب الرئيس للضغط على شريك تجاري صيني من خلال محادثة عبر “واتس آب”، وادعى أن “بايدن” كان في الغرفة بينما كان يعقد الصفقات.

ويبدو أن “بايدن” سعى إلى إخفاء ذلك، غير أن “شابلي” أخبر اللجنة الخاصة التابعة لمجلس النواب، في مايو 2023، في شهادة تم الكشف عنها أواخر يونيو 2023، أن وزارة العدل ومسؤولين آخرين عرقلوا التحقيق في ذلك الأمر، وهو ما عُدّ دليلًا إضافيًا على عدم حيادية وزارة العدل.  وحث السيناتور الجمهوري في الكونجرس، تيد كروز، مجلس النواب ذا الأغلبية الجمهورية، في 25 يونيو 2023، على النظر في إجراءات عزل الرئيس “بايدن” بسبب هذه الفضيحة. وحتى وإن لم ينجح الجمهوريون في ذلك، فإنهم سوف يستفيدون من إلقاء الضوء إعلاميًا على فساد ابن الرئيس، بل وتورط “بايدن” نفسه في هذا الفساد؛ في محاولة للانتقاص من شعبيته قبل الانتخابات الرئاسية.

تبريرات غير منطقية: يؤكد بعض الديمقراطيين أن جرائم الجنح التي يرتكبها المواطنون لا ينبغي أن تكون ذات أهمية مبالغ فيها. ومن ناحية أخرى، يسلط بعضهم الضوء على نزاهة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لأنه لم يتدخل في مجريات العملية القضائية، وذلك على الرغم من معرفته بأن المدعي العام الذي يتولى هذه القضية هو من ضمن من عينهم “ترامب” خلال فترة ولايته وبالتالي، ربما يكون أكثر تشددًا تجاه نجله. لكن بالرغم من ذلك من الواضح أن هناك قطاعًا من الرأي العام يرى أن “هانتر” تمت معاملته بصورة اتسمت بالمحاباة نظرًا لنفوذ والده.

استغلال الجمهوريين للأزمة: سوف يكثف الجمهوريون هجومهم، خلال الفترة المقبلة، على التعاملات التجارية لهانتر بايدن، والذي استفادت شركاته من علاقات والده السياسية، وتورطت في علاقات مشبوهة مع أفراد من أوكرانيا والصين؛ وذلك في محاولة لتأكيد فساد “بايدن” نفسه. ومن جهة أخرى، قد يلفت الجمهوريون الانتباه إلى أن “هانتر” يواجه محاكمة مدنية في أركنساس الشهر المقبل في نزاع حول مدفوعات إعالته لطفلة أنجبتها امرأة، في عام 2018، وأثبت الحمض النووي أنها ابنته؛ وذلك لتأكيد أن فضائح “هانتر” لا تنتهي، وأنه لم يتبن أي خطوات لتحسين مسار حياته، كما يزعم والده.

وما يساعد على هذا الأمر أن أحد استطلاعات الرأي التابعة لمركز هارفارد للدراسات السياسية الأمريكية كشف عن أن 63% من الأمريكيين يعتقدون أن هانتر بايدن متورط في قضية غير قانونية أكبر بكثير، ويعتقد نحو 53% من الأمريكيين أن والده كان متورطًا معه بطريقة ما عندما كان نائبًا للرئيس، وهو ما يعني أن هجوم الجمهوريين على “هانتر” سوف يلقى قبولًا شعبيًا، وهو ما قد يؤثر في شعبية “بايدن”.

وبالإضافة إلى أزمة فضائح نجل الرئيس الأمريكي، هناك قطاع ليس بقليل، وليسوا من مؤيدي الحزب الجهوري، فقد الثقة في قدرة جو بايدن على إدارة البلاد بسبب الأزمات الاقتصادية التي واجهتها واشنطن في فترة رئاسته، وزيادة ديون الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، هذا بالإضافة إلى كبر سن الرئيس الأمريكي وتدهور صحته حيث سيكمل 81 عامًا في نوفمبر القادم. وكان في استطاعة الحزب الديمقراطي تفادي خسارة هذا القطاع عن طريق تقديم مرشح آخر، ولكن المرشحين الآخرين أمام بايدن من الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية لا يمتلكان شعبية تؤهلهما لمنافسته حتى لو بنسبة صغيرة، مما يدل على افتقار الحزب الديمقراطي إلى وجود مرشح قوي سياسيًا ويمتلك “كاريزما” كافية لتكوين شعبية كبيرة.

مشكلات تواجه “ترامب” والحزب الجمهوري

منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترشحه لانتخابات 2024 أثير الكثير من الجدل حول هذا القرار خصوصًا بعد خسارته في انتخابات 2018 بعد توليه لفترة رئاسية واحدة فقط. وكونه جاء بالرغم من محاكمة “ترامب” في الكثير من التهم الجنائية المتعلقة بشكل أساسي بالاحتفاظ بمستندات سرية ونقلها إلى مقره في فلوريدا بعد انتهاء فترته الرئاسية، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الأسئلة حول أسباب هذا وتداعياته؛ لكون هذه المستندات تحتوي على معلومات خطيرة وسرية، مما يضع تهديدات عدة أمام “ترامب”، بخلاف احتمالية إدانته. وفيما يلي أبرز التهديدات التي تمثلها المحاكمة لترامب:

تكرار المحاكمات: لا تُعد هذه المحاكمة الأولى لترامب؛ إذ خضع لجلسة استدعاء، في 4 أبريل 2023، بولاية نيويورك الأمريكية على إثر اتهامات جنائية ضده تتعلق بدفع أموال خلال انتخابات عام 2016 لشراء صمت اثنين من الشخصيات المشهورة، بعدما كشفت التحقيقات أنهما كانا على علاقة غير مشروعة بترامب. ووجهت المحكمة 34 تهمة جنائية إلى “ترامب”، من بينها اتهامات بالتآمر، ونشر تصريحات تشمل تهديدات، ومحاولة تقويض نزاهة انتخابات 2016، وتزوير سجلات تجارية لإخفاء معلومات ونشاط غير قانوني عن الناخبين، مما يشير إلى السلوك العام غير السليم “لترامب” الذي يدل على ارتفاع احتمالية تكرار مثل هذه الأفعال.

مزاعم غياب الشفافية: لاقت محاكمة “ترامب” الكثير من الانتقادات من الأمريكيين والناشطين الحقوقيين، ولاسيما أنها لم تُذع على الهواء مباشرة مثلما حدث في محاكمات شهيرة عديدة أُجريت في الفترة الأخيرة. وزعم المنتقدون أن المحكمة الفيدرالية تجاهلت التعديل رقم “6” في الدستور الأمريكي الذي يسمح بعلانية المحاكمات. وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فإن البعض يرى أن علانية المحاكمة قد تضر بالأمن القومي الأمريكي لأنها تناقش وثائق تضم معلومات بشأن القدرات النووية لدولة أجنبية، فضلًا عن الخطط العسكرية للحكومة الأمريكية في حالة إعلان الطوارئ، وهو ما يعد تفسيرًا منطقيًا، إلا أن البعض طالب بإذاعة المحاكمة مع إخفاء المعلومات المهمة.

احتمال تسريع المحاكمة: تُعرف محكمة المنطقة الجنوبية لفلوريدا بأنها “محكمة صاروخية”، وهو تعبير عامي يستخدم للدلالة على المحاكم التي تبت في القضايا بشكل سريع. وبالتالي، لم يستبعد المراقبون استكمال المحاكمة قبل انتخابات عام 2024، وهو ما سيتسبب في الجدل حول نتائج هذه المحاكمة أيًا كانت، حيث ستكون سرعة اتخاذ القرار فرصة مثالية للاعتراض عليه لأي جانب من الجانبين لا يصب القرار في مصلحته، لا سيما أن القاضية المسؤولة عن المحاكمة من القضاة الذين عينهم “ترامب”، وسيساعد هذا في إثارة الجدل أيضًا، بالرغم من وقوع الاختيار عليها بشكل عشوائي.

ومن جانب آخر، يواجه الحزب الجمهوري مشكلة أخرى وهي تقدم عدد كبير من المرشحين للانتخابات التمهيدية، مما يشير إلى انقسام عميق داخل الحزب، ويهدد بنفور الناخبين غير المنتمين لتيار معين من الحزب الجمهوري؛ خوفًا من عدم الاستقرار داخله. وبالرغم من منطقية رغبة أعضاء الحزب الجمهوري في وجود مرشح آخر غير “ترامب” بسبب كثرة المشكلات المتعلقة به من جهة ومن الجهة الأخرى خسارته للصراع الانتخابي مرتين من أصل 3 مرات، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن “ترامب” يمتلك الشعبية الأكبر بين المرشحين الجمهوريين البالغ عددهم إلى الآن 14 مرشحًا.

ويعد رون دي سانتيس حاكم فلوريدا هو المرشح الوحيد الذي تقترب شعبيته من “ترامب”؛ إذ إنه يحاول تقديم نفسه على أنه يمتلك نفس فكر وسياسة “ترامب”، ولكن بدون كل المشاكل والعقبات التي واجهها. وبالرغم من أن هذا يعد السبب الرئيس في زيادة شعبيته، فإنه أيضًا يعد سببًا في عدم قدرته على منافسة “ترامب” لأن محاولته جمع مؤيدي “ترامب” حوله باءت بالفشل بسبب هجوم “ترامب” المستمر عليه. ولا يمتلك أي من المرشحين الآخرين وزنًا حقيقيًا داخل الحزب باستثناء كل من: نيكي هالي، ومايك بينس، وتيم سكوت، إلا أن كل واحد منهم على حدة لا يمثل تهديدًا حقيقيًا “لترامب”.

وختامًا، ما زال الوقت مبكرًا للتكهن بنتيجة السباق الرئاسي، إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى أنه سيكون بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب؛ فبالرغم من المحاكمات والمشاكل التي يواجهها “ترامب” فهو يؤمن أنه لا يوجد ما يسمى بـ”الدعاية السيئة”، وبالتالي فهو بإمكانه استغلال هذه المحاكمة لزيادة شعبيته عن طريق التأكيد على فساد وتسييس القضاء في ظل العفو عن هانتر بايدن، بالرغم من توالي الفضائح التي تظهر على السطح. ذلك بالإضافة إلى أن هذه المحاكمة تعطي “ترامب” مساحة إعلامية أكبر يمكنه من خلالها أن يوجه هجومه سواء على منافسيه من داخل الحزب الجمهوري أو على “بايدن” والديمقراطيين.

وعلى الصعيد الآخر، لا ينفي استغلال “ترامب” لمحاكمته خطورة الاتهامات وهو ما يحاول الديموقراطيون استغلاله، فبينما تهدد “بايدن” فضائح نجله، تهدد ترامب فضائحه هو شخصيًا، ولم يثبت إلى الآن بشكل قاطع تورط “بايدن” في قضايا الفساد والتهرب الضريبي الخاصة بابنه. وبالرغم من ذلك سيظل شبح هذه الأزمة يطارده، خاصة في ظل فقدان قطاع كبير من الشعب الثقة في إدارته. ويظل إلى الآن الشعب الأمريكي في موقف حيرة في ظل عدم ظهور مرشح آخر من أي من الحزبين يمكنه أن يتغلب عليهما.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78577/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M