“بريكس وأفريقيا”.. إعادة صياغة الاقتصاد العالمي ومنافع متعددة

أسماء رفعت

 

اختتمت أعمال القمة الخامسة عشرة لدول “بريكس” والتي عقدت في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس تحت شعار “بريكس وأفريقيا”، بإعلان سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا قرار المجموعة بتوسيع عضويتها، ودعوة كل من: مصر، والسعودية، والإمارات، والأرجنتين، وإيران، وإثيوبيا، إلى الانضمام، على أن تدخل العضوية حيز التنفيذ بدءًا من يناير القادم عام 2024. وفي هذا السياق يلقي المقال الضوء على أهمية تجمع “بريكس” بالنسبة للاقتصاد العالمي والاقتصادات الناشئة، مع إلقاء الضوء على أبرز المنافع والفرص المتوقع أن تعود على مصر جراء الانضمام للمجموعة.

أهمية تجمع “بريكس”

أُنشئ تجمع “بريكس” عام 2009 وضم في عضويته البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم انضمت إليه جنوب أفريقيا عام 2010، ويُعد بمثابة منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية تحته، ويمثل أحد أهم التجمعات الاقتصادية عالميا؛ إذ يسهم أعضاؤه بنحو 25.6% من حجم الاقتصاد العالمي بنهاية عام 2022، ويبلغ حجم اقتصادات دول المجموعة 25.9 تريليون دولار حتى عام 2022، ويسيطر أعضاؤه على 20% من حجم التجارة العالمية، ويشغل ما يقرب من 27% من مساحة العالم، وتقدر نسبة سكان التحالف بنحو 41% من سكان العالم. وتعكس تلك المؤشرات أهمية التجمع بالنسبة للاقتصاد العالمي ومدى إسهامه في سلاسل الإمداد العالمية، فضلًا عمّا يمثله من سوق استهلاكية كبيرة تعمل على جذب الاستثمارات.

وعلى الرغم من أهمية التجمع بالنسبة للاقتصاد العالمي بشكل عام فإن له أهمية خاصة بالنسبة للاقتصادات الناشئة بشكل خاص؛ إذ إنه يضم الاقتصادات الناشئة الكبرى، ويعكس أولويات الدول الناشئة والنامية. وقد تبنت دول التجمع تأسيس بنك للتنمية عام 2014، وهو بنك متعدد الأطراف تديره مجموعة دول “بريكس”، ويعمل على دعم التنمية المستدامة وتعزيز التعاون والتكامل الإقليميين عبر الاستثمار في مجال البنية التحتية بشكل أساسي، بما في ذلك قطاعات الطاقة والنقل والمياه والاتصالات وكذلك قطاعي الصحة والبنية التحتية الاجتماعية، وتم التوسع في مجال الرقمنة بعد ما أفرزته جائحة كورونا من أهمية لذلك القطاع.

وفي هذا السياق، فقد تقدمت نحو 22 دولة بطلب انضمام رسمي للمجموعة، وهي: الإمارات، ومصر، والجزائر، والأرجنتين، والبحرين، وبنجلاديش، وبيلاروسيا، وبوليفيا، وكوبا، وإثيوبيا، وهندوراس، وإندونيسيا، وإيران، وكازاخستان، والكويت، والمغرب، ونيجيريا، وفلسطين، والسعودية، والسنغال، وتايلاند، وفنزويلا، وفيتنام. وقد توافقت رغبة تلك الدولة مع الدول الأعضاء بالمجموعة والتي تتبني نهجًا توسعيًا لعضوية التجمع. وفي إطار سعى دول المجموعة لتعزيز مصالح الجنوب العالمي، توافقت على ضم مصر والسعودية وايران والإمارات وإثيوبيا والأرجنتين، على أن تدخل العضوية حيز التنفيذ في يناير 2024.

“بريكس” وإعادة صياغة النظام العالمي

وقد برزت أهمية توسيع عضوية مجموعة “بريكس” في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة، والتي تلقي بظلالها على الاقتصاديات الناشئة بشكل خاص. وفي هذا الصدد، تعتزم دول المجموعة -من خلال زيادة أعضاء التجمع- إلى إعادة التوازن العالمي ودعم آليات التمويل ومواجهة قضايا تفاقم الديون؛ فمن جهة يعمل التكتل بتشكيله الجديد على تعزيز قدرات وإمكانيات أعضائه مستهدفًا إحداث التوازن بالاقتصاد العالمي في مقابل مجموعة السبع، خاصة في ظل الظروف والتطورات الجيوسياسية بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي.

ومن جهة أخرى، تهدف دول المجموعة إلى إيجاد عملة موحدة “للبريكس” -استكمالًا لمراحل تطور التكتل الاقتصادي- يمكن استخدامها في تسوية المعاملات الدولية، في الوقت الذي يواجه فيه عدد كبير من الاقتصادات الناشئة أزمات اقتصادية حادة فيما يتعلق بقضايا الديون وتوفر الدولار. ومن جهة ثالثة، يقدم بنك التنمية التابع للمجموعة آليات تمويل مختلفة للمشروعات الاستثمارية، يمكنها أن تحفز مناخ الاستثمار بالاقتصادات الناشئة، وذلك في مقابل برامج الإصلاح المشروطة التي تقدمها مؤسسات التمويل الدولية.

مصر وتجمع “بريكس”.. المنافع والفرص المتوقعة

تتعدد مؤشرات وجود العديد من  الفرص والمنافع جراء انضمام مصر إلى تجمع “بريكس”؛ فمن جهة يلاحظ ارتفاع معدلات التبادل التجاري بين مصر ودول مجموعة “بريكس” والتي سجلت ما يزيد على 31 مليار دولار بما يقدر بنحو 21% من قيمة تجارة مصر الخارجية خلال عام 2022، وقد استحوذت الصين على النصيب الاكبر بين دول المجموعة في حجم التبادل التجاري مع مصر مسجلة نحو 16.2 مليار دولار، تليها الهند بقيمة 6 مليارات دولار، ثم روسيا بقيمة 4.7 مليارات دولار، ثم البرازيل بقيمة مليار دولار، وأخيرًا جنوب أفريقيا بقيمة 300 مليون دولار في عام 2022 وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتعكس تلك المؤشرات إمكانيات دعم وتعزيز التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة، خاصة بعد توسيع العضوية لتشمل إحدى عشرة دولة. وتجدر الإشارة الى تزايد فرص دعم تنافسية الصادرات المصرية في ظل تراجع قيمة العملة المحلية، بشرط تنوعها وارتفاع جودتها والحرص على تصدير منتجات وسلع أساسية.

وفي إطار سعى دول “بريكس” إلى إيجاد آليات تمويلية متنوعة لتمويل خطط الإصلاح الاقتصادي بالاقتصاديات الناشئة، نجد أن انضمام مصر إلى بنك التنمية الجديد التابع “لبريكس” يعزز فرص تنويع مصادر التمويل وإيجاد آليات بديلة عن الاقتراض التي تزيد من مخاطر تراكم الديون الأجنبية، بما يقلل الضغط المتزايد على الدولار، لاسيّما مع وصول مشاركة مصر بالبنك للحد الأقصى بما يعزز من قوتها التصويتية.

ومن جهة ثالثة، تأتي أهمية تلك العضوية في ظل سعى الدولة لتعزيز فرص جذب الاستثمار وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لدعم فرص النمو والتنمية. وفي ظل عضوية مصر في “بريكس” تتزايد فرص جذب الاستثمارات من دول المجموعة، لا سيّما في ظل حرص دول التجمع على تعزيز فرص الشراكة مع القارة الأفريقية، وبناء قواعد صناعية ولوجستية في مصر لتسهيل المرور إلى القارة الأفريقية.

ورابعًا، يشار إلى أهمية وجود مصر ضمن تكتل يدعم المصالح السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء، بما يؤدي إلى تعزيز التعاون والتقارب بين دول المجموعة، ويفتح آفاقًا جديدة لمناقشة القضايا العالقة بين دول المجموعة الجدد والقدامى، والتي يأتي من بينها قضية المياه.

وعلى الرغم من تعدد المنافع والفرص المتوقعة من انضمام مصر للمجموعة، فإنه ينبغي التأكيد على ضرورة أن تظل العلاقات المصرية متوازنة مع مختلف دول العالم خاصة شركائها التجاريين من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، مع أهمية استمرار الدولة في تسوية ديونها الأجنبية؛ إذ إن آليات التمويل التي يقدمها “بريكس” لا تقدم حلولًا للديون السابقة بالدولار الأمريكي. وتجدر الإشارة إلى أهمية تركيز الدولة على تعزيز التعاون مع دول المجموعة من خلال نهج الشراكة والتكامل مع المنتجين والمستثمرين المحليين؛ بهدف نقل التكنولوجيا الأجنبية، مع التركيز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولية ضمن خطة التنمية التي تتبعها الدولة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/79091/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M