خطط الاستيطان الإسرائيلية وعرقلة السلام

رحمة حسن

 

عادةً ما يستخدم الاحتلال الإسرائيلي ذريعة مكافحة الإرهاب والقضاء على الفصائل الفلسطينية من أجل تحقيق خطته الاستيطانية، ومحاولة القضاء على قرار مجلس الأمن رقم (242) والعودة إلى حدود ما قبل 1967، من حيث السيطرة على أراضٍ جديدة مع فرض أذرع استيطانية، وتسليح للشعب الإسرائيلي لمواجهة المدنيين الفلسطينيين من أجل حلم الأرض، وهو ما ظهر في إدانة وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي في 18 أكتوبر الماضي وإعلان عن الاحتلال دشن مستوطنة جديدة بالقدس عقب  قصف المستشفى المعمداني. ولعل هذا التوسع الاستيطاني هو محاولة من الاحتلال لتفريغ الضفة الغربية من سكانها ونقلهم إلى الأردن، عقب محاولات الانتهاء من تصفية الشعب الفلسطيني في غزة ونقلهم إلى سيناء، فما هي الخطة الاستيطانية الإسرائيلية؟

الأرض مقابل السلام

في مايو 1967 أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليفي أشكول أمام الكنيست، أن استمرار العمليات الفدائية ضد تل أبيب سيقابلها الرد العنيف على ما أسماه “مصادر الإرهاب”، وذلك حتى تم اجتياح أراضي الضفة الغربية وغزة من قبل الكيان الصهيوني في الصراع العربي الإسرائيلي في يونيو من نفس العام، ولحل الوضع القائم مرت الأزمة بما اتفق على تسميته “اللاءات الثلاث” في الخرطوم، وصولًا إلى قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، وجاء تفسيره القانوني باسم “الأرض مقابل السلام” وهي عبارة تمثل الفقرة الأولى من القرار، وهو قرار قائم على البناء لمفهوم “حل الدولتين” من خلال انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي السيطرة عليها عقب اجتياح غزة والضفة الغربية، وبموجبه تم التوصل لاتفاقيتي السلام مع مصر أولًا ثم الأردن، وكذلك الوصول لاتفاقيتي “أوسلو 1993، وأوسلو 1995، والتي بموجبها تم تقسيم الضفة الغربية إلى 3 مناطق، وهي:

المنطقة A: وتضم المدن والبلدات الفلسطينية الكبيرة وتخضع أمنيًا وإداريًا للسلطة الفلسطينية ومساحتها 21%.

المنطقة B: وتضم القرى والبلدات الصغيرة وتخضع إداريًا للسلطة الفلسطينية وأمنيًا لإسرائيل ومساحتها تزيد قليلًا عن 18%.

المنطقة C: وتخضع إداريًا وأمنيًا للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وهي المساحة الأوسع والأقل كثافة سكانية وتساوي نحو 61% من مساحة الضفة الغربية، وهي تحتوي على أكبر قدر من الموارد الطبيعية ومصادر المياه وغير مسموح فيها بالاستخدام الفلسطيني أو البناء عليها.

وعلى الرغم من حصول الجانب الفلسطيني على سيطرة جزئية “غير حقيقة” على أرض الواقع على أراضي الضفة الغربية، انطلقت عملية التفاوض الفلسطينية من أجل قيام دولة فلسطينية معترف بها منذ عام 1994، وتضم مدن كبيرة مثل القدس الشرقية وغزة ونابلس والخليل ورام الله، وما زالت المنطقة تخضع لطريقة حكم مختلطة خاصةً بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، دون تحديد طبيعة السلطة وسيطرة حركة حماس على القطاع، وذلك في ظل محاولات الخطط الاستيطانية الإسرائيلية لفصل وتطويق قطاع غزة عبر بناء المستوطنات أو الأنفاق.

خطط إسرائيلية لبناء المستوطنات واستحالة حل الدولتين

شرعت إسرائيل في العمل على الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية منذ عام 1948، واجتياح 1967، وصولًا إلى عمليات السيوف الحديدية من أجل “تفريغ الأراضي الفلسطينية”، وذلك عبر 4 موجات رئيسة للاستيطان تمثلت في: 

1- بناء 31 مستوطنة في “الموجة الأولى من (1967 – 1977)” في منطقة “القدس الكبرى وفي غوش عتصيون في محافظة بيت لحم وفي غور الأردن، وأراضي القرى المدمرة.

2- بناء 35 مستوطنة خلال “الموجة الثانية منذ نهاية السبعينيات حتى مطلع الثمانينيات” مستغلة انشغال العرب بحرب الخليج الأولى عام 1991.

3- وصل عدد المستوطنات إلى 158 مستوطنة خلال “الموجة الثالثة” منذ توقيع اتفاقية أوسلو حتى قبيل الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي عام 2022” في محاولة للقضاء على فكرة “حل الدولتين” وفقًا لحدود ما قبل 1967، بحيث تضم السلطة الفلسطينية أراضي الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، إلا أن إسرائيل شرعت في بناء مستوطنات ما بين المصرح بها من الحكومة الإسرائيلية أو دون تصريح في محاولة للتحايل على القانون الدولي، في أكثر من 200 بؤرة استيطانية.

هذا فيما حددت منظمة “السلام الآن” عدد المستوطنات منذ عام 1990 “دون موافقة الحكومة” بنحو 144 مستوطنة، بجانب عدد  146 مستوطنة في الضفة الغربية التي أنشأتها الحكومة رسميًا (باستثناء القدس الشرقية).

وعقب انتخابات الكنيست الأخيرة في عام 2022، استهدفت السلطات الإسرائيلية  زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وبناء طرق التفافية وقطار خفيف لعزل سكان المنطقة واستحالة تنفيذ فكرة حل الدولتين؛ وذلك عبر الشروع في تنفيذ حكومة نتنياهو لمخططات إقامة نحو 12885 وحدة استيطانية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وأكثر من 7 آلاف وحدة في مدينة القدس أبرزها مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق مدينة القدس المحتلة، ومستوطنة “عيلي” شمال شرق رام الله، ومستوطنة “كوخاف يعقوب” وسط الضفة، و”جفعات زئيف” شمال غرب القدس؛ ليرتفع بذلك عدد المستوطنين في الضفة الغربية دون القدس الشرقية من 115 ألف عام 1993 ليصل إلى أكثر من 500 ألف مستوطن نهاية عام 2022، يقيمون في نحو 158 مستوطنة في الضفة الغربية ومن ضمنها 24 في القدس الشرقية يقيم فيها نحو 250 ألف مستوطن، بجانب ما يقارب 200 بؤرة استيطانية ومزرعة رعوية إسرائيلية غير قانونية، يقطنها نحو 25 ألف مستوطن.

ظهرت هذه الخطط الإسرائيلية في تصريحات لجنة التخطيط التابعة لما تسمى بالإدارة المدنية الإسرائيلية، قبيل اندلاع العملية الأخيرة “طوفان الأقصى” وقبل قدوم الكيان الاستيطاني على تهجير سكان غزة. فأعلنت عن بناء مستوطنة “ارحوماة” ضمن مخطط “القدس الكبرى” لتشكل بذلك حلقة وصل بين حدود مدينة القدس من الجهة الغربية، ومستوطنات تجمع غوش عصيون إلى الجنوب في بيت لحم.

وذلك في ظل الخطوط الالتفافية للمستوطنين الإسرائيليين وبناء جدار عازل للشعب الفلسطيني، من خلال الموافقة على بناء أنفاق وطرق فصل للفلسطينيين فقط في مواقع مختلفة شرق وجنوب شرق القدس. في ظل محاولتها لتحقيق رؤيتها الجغرافية والديموغرافية المستقبلية للضفة الغربية، وتحقيق واقع دائم للفصل العنصري، مستغلة التوترات الأمنية المستمرة، فأقامت حاجزًا على مدخل الطريق للسفر إلى القدس يمنع المسافرين الفلسطينيين من الوصول منذ الانتفاضة الثانية.

نتنياهو ومحاولات القضاء على فكرة “حل الدولتين”

تظهر البيانات الرؤية الاستيطانية لحكومة نتنياهو، والتي تتزايد بشكل ملحوظ منذ توليها، حيث بدأت ظاهرة البؤر الاستيطانية بشكل رئيس في عهد نتنياهو كرئيس للوزراء عام 1996، وتوقفت عام 2005. وفي عام 2012، بدأت حكومة نتنياهو في إقامة بؤر استيطانية غير قانونية مرة أخرى.

وفي الأشهر العشرة الماضية برزت أنشطة واضحة لضم الحكومة الإسرائيلية مناطق جديدة في الضفة الغربية المحتلة وهي ما تتناقض مع الإلتزام نحو ضرورة حل الدولتين، والتي بدأت بالإعلان عن إنشاء “إدارة المستوطنين” وهي هيئة حكومية ومدنية جديدة، تم إنشاؤها للإشراف على جميع جوانب حياة المستوطنين داخل الأراضي المحتلة، مع التوسع في تسجيل وحدات سكنية في المستوطنات غير المرخصة، وتقنين نحو 15 بؤرة استيطانية غير مرخصة إلى مستوطنات، مع الإعلان عن فتح باب الاستيطان في القدس الشرقية، وإنشاء 6 مستوطنات سياحية ضمن المناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين، وإنشاء مستوطنة جديدة في الخليل.

وهي الإجراءات التي ستعمل على تغيير الوضع الراهن في الضفة الغربية بسرعة وتزيد من ترسيخ المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وفرض سياسة الأمر الواقع في الضفة الغربية، كما برز الحديث حول تهجير الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية إلى الأردن، وتوطين الفلسطينيين في سيناء لتحقيق المشروع الصهيوني وفي ما روج له رئيس الوزراء حينها “إيهود أولمرت” في عام 2008 وهو ما تصدت له الحكومة المصرية وقتها، وهو ما ظهر مع بداية عملية  السيوف الحديدية للرد على “طوفان الأقصى” عبر دفع الفلسطينيين للانتقال من شمال غزة إلى جنوبها بالقرب من حدود رفح، في ظل تصريحات إسرائيلية تطالبهم للنزوح إلى مصر، ودعوة مصر لاستقبال أهالي غزة في سيناء، في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، فيما تصدت له الدولة المصرية في ظل التفويض الشعبي ومؤسسات الدولة التشريعية لتأييد قرارات القيادة السياسية.

تسليح المستوطنين لفرض سياسة الأمر الواقع

لم تستخدم السلطات الاستيطانية فقط الدخول العسكري لتصفية الأراضي الفلسطينية، بل عمدت على تسليح المستوطنات والتي تحولت إلى “حاضنة للمنظمات اليهودية المسلحة” مثل “منظمات شبيبة التلال ودفع الثمن ومنظمات أخرى تطلق على نفسها اسم “تمرد”، مستغلة فترات التوتر الأمني، حيث يتركز الاهتمام العام بالكامل على مناطق الاقتتال، مما يوفر فرصة للمستوطنين لفرض الأمر الواقع على الأرض، وهو ما حدث من قبل خلال ذروة أعمال العنف في الانتفاضة الثانية في الفترة (2002-2003) حيث أنشأ المستوطنون 43 بؤرة استيطانية جديدة، وتقوم استراتيجية الحكومة الإسرائيلية على تسليح المستوطنون  وهو ما ظهر كذلك خلال أعمال السيوف الحديدية الأخيرة حيث أعلن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، عن توزيع 10 آلاف قطعة سلاح على فرق الاستجابة المدنية للطوارئ في مختلف المستوطنات في جميع أنحاء البلاد، مع تسهيل تراخيص حمل السلاح وتصفية المدنيين من الفلسطينيين، مع تقديم الدعوات للمتطوعين للقدوم وتعزيز الأمن في العديد من البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة الغربية.

ختامًا، إن استراتيجية بناء مستوطنات جديدة تحت ستار مكافحة “الإرهاب” والدفاع عن إسرائيل هو أسلوب شائع تستخدمه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، هذا بجانب عمليات تقنين البؤر الاستيطانية التي تتجنب الحاجة إلى إعلان رسمي عن إقامة مستوطنة جديدة، وبالتالي تسمح للمشروع الاستيطاني بالتقدم دون جذب الكثير من الاهتمام، ويفتح الباب لإسرائيل التهرب حال وجهت أي هيئة دولية أي انتقادات لها في هذا الشأن، وأنها لم تنتهك الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيات أوسلو أو وعودها المتعاقبة، من خلال “استحالة فصل الدولتين عبر بناء المستوطنات وتهويد القدس”.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/79724/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M