حسابات عديدة.. مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل

في لقاءات عديدة تمهيدًا لمسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل برعاية أمريكية، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” مع “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي لإدارة بايدن في 19 يناير الماضي، وقام وزير الخارجية “أنتوني بلينكن”، ومستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” بزيارة السعودية للتشاور حول مسار التطبيع. وفي مقابلة إعلامية لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” مع شبكة فوكس نيوز، عبّر عن استمرار مسار التفاوض بين الطرفين، وأن الأمر يقترب أكثر، ويعد جديًا لأول مرة، وفي حديث لنتنياهو مع مذيعة شبكة سي ان ان “كايتلان كولينز” عد الاتفاق بأنه نقلة نوعية في المنطقة، إذ يخلق ممرًا من خطوط أنابيب الطاقة والسكك الحديدية وكابلات الألياف الضوئية، بين آسيا عبر كل من: السعودية، والأردن، وإسرائيل، والإمارات. وعليه فإن للأطراف الثلاثة دوافع وحسابات عديدة بشأن اتفاق التطبيع، فمن ناحية يمثل هذا الاتفاق إطارًا لواشنطن للعودة إلى الشراكة الاستراتيجية مع السعودية في مواجهة تقاربها مع الصين، ومن ناحية أخرى يمثل الاتفاق خطوة استراتيجية في مواجهة إيران التي تسبب توترًا في المنطقة وتهديدًا لهم، بالإضافة إلى المكاسب التي يحققها كل طرف على حدة في حال التوصل لاتفاق، لكن في ضوء الأحداث الجارية في غزة منذ 7 أكتوبر ربما يقود ذلك إلى تجميد مؤقت في مسار مفاوضات التطبيع. ويناقش هذا التحليل حسابات ودوافع الأطراف، ومستقبل عملية التطبيع.

الولايات المتحدة: يعد التوصل لاتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، عنصر نجاح لإدارة بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024، وانتصارًا للسياسة الخارجية في عهده خاصة أن التوصل لاتفاق التطبيع، سوف يكون له انعكاسات على توازنات القوى في الشرق الأوسط وخريطة التحالفات في المنطقة، في ظل استياء الولايات المتحدة من النفوذ الصيني وتقاربها مع دول المنطقة، وتوسط الأخيرة في الاتفاق الموقع بين إيران والسعودية في 10 مارس الماضي، فلدى واشنطن قلق بشأن تحركات السعودية بشأن التقارب مع الصين، وإعلانها في المنتدى الاقتصادي العالمي 2023 في دافوس في 17 يناير 2023، أنها تدرس التداول بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي لأول مرة.

لكن تواجه الولايات المتحدة عقبة من قبل الديمقراطيين الذين ينتقدون سياسة السعودية تجاه حقوق الإنسان، والحرب في اليمن، بالإضافة إلى صعوبة الضمانات التي تطلبها السعودية في مقابل التطبيع من حيث وجود برنامج نووي مدني، بما قد يمثل معضلة للتوازنات في المنطقة، خاصة أن حديث ولي العهد “محمد بن سلمان” في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، عكس حرص السعودية على امتلاكه على حد تعبيره “إذا حصلت إيران على سلاح نووي، سيتعين علينا الحصول على آخر”. كما لدى السعودية استعداد للتوقيع على المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي الذي يؤسس لإطار عمل للتعاون السلمي، وهو تطور جديد كانت ترفض الرياض اتخاذه من قبل.

السعودية: تتحرك السعودية من منطلق تحقيق مصلحتها الوطنية، وتسعى لتحقيق أهدافها في ضوء منافسة النفوذ الإيراني في المنطقة، ومن ثم ترغب في الحصول على ضمانات من واشنطن في ضوء القلق من تحركات الأخيرة خلال الفترة الماضية لفك الارتباط بالمنطقة، ووضعت السعودية بعض الشروط مقابل التطبيع، وهي دعم الولايات المتحدة لبرنامج طاقة نووية سلمية للسعودية، والقدرة على تخصيب اليورانيوم بشكل مستقل، إذ ترغب السعودية في بناء 17 مفاعلًا نوويًا مدنيًا كجزء من تنويع مصادر الطاقة، والحصول على الأسلحة الأمريكية المتطورة والحديثة. اذ أن هناك قلقًا يساور الرياض بفعل بروز مخاطر وتهديدات، لا تتمثل فقط في تطوير ترسانة إيران من الطائرات المسيرة والصواريخ العابرة، لكنها تتجاوز ذلك سقوط تلك الأسلحة الفاعلة في أيدي ميليشيات غير منضبطة في العراق واليمن، بعد هجمات الحوثيين على منشآت النفط في بقيق في عام 2019، وتزايد المخاوف لدى السعودية بعد اتجاه الولايات المتحدة إلى فك الارتباط بضمان أمن المنطقة (ورغم خفض الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، إلا أن واشنطن تحتفظ ببعض القواعد العسكرية وحوالي 30 ألف جندي)، ومن ثم ترغب الرياض في الحصول على ضمانات ملزمة من قبل واشنطن لحماية أمنها، أو منح السعودية وضع الحليف من خارج الناتو.

وتنظر الرياض إلى التطبيع باعتباره ضرورة  لمواجهة الطموحات الإيرانية النووية والجيواستراتجية المتصاعدة في المنطقة، إذ لا يزال يمثل الاتفاق السعودي الإيراني الموقع في 10 مارس الماضي برعاية الصين، خطوة تكتيكية واختبارًا من الطرفين للتغلب على الأزمات الداخلية، والعقبات الاقتصادية. وتنتهج دول الخليج في هذا الصدد نهجًا أكثر واقعية يقوم على تحقيق التوازن بين المصالح مع كل من إسرائيل وإيران، فمن ناحية سوف تستفيد على المستوى الاقتصادي جراء اتفاق التطبيع، حيث يسهم الاستثمار المتبادل في تحقيق معايير رؤية 2030 التي وضعها محمد بن سلمان من خلال الانفتاح على الاقتصاد الإسرائيلي عبر التجارة والعبور والسياحة في البحر الأحمر والمتوسط، ومن ناحية ثانية تعزيز التعاون العسكري والأمني بحيث تبدأ الرياض وتل أبيب في تبادل المعلومات الاستخباراتية.

• إسرائيل: يمثل التطبيع مع السعودية إنجازًا حقيقيًا بالنسبة لإسرائيل لتحظى بمزيد من القبول في المنطقة، نظرًا لمكانة السعودية في العالم العربي من حيث الأهمية الدينية، بالإضافة إلى نفوذها الاقتصادي، ومن ثم فإن إقامة علاقات رسمية مع الرياض سيكون بمثابة جائزة كبرى للسياسة الخارجية الإسرائيلية، وإنجاز للأهداف المتوقعة، فمنذ عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” إلى السلطة في بداية عام 2023 تعهد بالتركيز على هدفين في السياسة الخارجية منها، منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وتطبيع علاقات إسرائيل مع السعودية، ومن ثم يسعى نتنياهو عبر إنجاز مسار التطبيع، إلى كسب مزيد من الثقة بما يعزز وضعه السياسي في ضوء الفساد والوضع الهش الحالي، والاضطرابات الحالية، إذ تستمر الاحتجاجات ضد نتنياهو لإصلاح النظام القانوني منذ تسعة أشهر، لكن يظل إنجاز الاتفاق مرهونًا بالتوافق المؤسساتي في إسرائيل حول برنامج السعودية النووي، ولا يزال الجدل مستمرًا حول مكاسب الاتفاق مع السعودية، والأضرار الأمنية المتوقعة بما قد يفقد إسرائيل تفوقها العسكري النوعي في المنطقة، وخطورة مساعي الدول الأخرى مثل مصر أو تركيا لتحذو حذو السعودية في امتلاك برنامج نووي بما يزيد التنافس الإقليمي.

بالرغم من الشروط التي طرحتها السعودية في إطار التطبيع التي لم تحسم، إلا أن اندلاع التوترات الأخيرة بين إسرائيل وحماس على إثر أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الجاري، قد يحول نسبيًا على المدى القصير دون مضي مسار التطبيع قدمًا، أو على الأقل سيؤدي إعادة النظر في مساعي التطبيع وشروطه، خاصة أن الأحداث الحالية في غزة جاءت بالتزامن مع تطورات مسار التطبيع والمحادثات مع السعودية، ويرفض الفلسطينيون أن تكون قضيتهم مسارًا ثانويًا في مسار اتفاقيات التطبيع، ووفقًا لاستطلاع رأي للشباب العربي لعام 2023؛ فقد أظهر دعمًا محدودًا للتطبيع بنسبة 2 في المائة فقط، وفي استطلاع آخر داخل السعودية، فإن 20 بالمائة فقط من السكان يوافقون على التطبيع الكامل، بينما يوافق 40% من السعوديين على الاتصالات بين المسئولين في الحكومتين.

وعليه يثير اتفاق التطبيع المشاعر السلبية المعادية لإسرائيل، بما قد يؤدي الى زيادة الهجمات الإرهابية ضد السعودية، إذ قد توظف التنظيمات الارهابية القضية الفلسطينية لاستقطاب بعض المواطنين وتجنيدهم، ومن ثم يكون السيناريو المطروح في حال تطبيع السعودية وإسرائيل حثّ هؤلاء المتمردين السابقين على العودة إلى التعبئة والعنف واستهداف السعودية، لا سيما في ظل سياسة القمع تجاههم منذ عام 2003.

لذلك تظل السعودية حذرة في تطوير خطوات التطبيع، خاصة أن التوصل لاتفاق في المدى القريب قد يولد مزيدًا من المعارضة لسياسة محمد بن سلمان ولصورة السعودية في العالم العربي، إذ تُناقض التحركات السعودية للتطبيع الثوابت التاريخية التي طرحتها الرياض منذ عقدين من الزمن، من حيث مبادرة السلام العربية في عام 2002.

وربما الخطوة الرمزية التي اتخذتها الرياض بتعيين دبلوماسي سعودي “نايف السديري” لدى السلطة الفلسطينية وقنصل عام للقدس لكنه غير مقيم، والذي قدم أوراق اعتماده لمستشار الشئون الدبلوماسية لرئيس السلطة الفلسطينية “مجدي الخالدي”، وقد عكست الخطوة عدم حرص الرياض على توقيع الاتفاق خلال الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نتنياهو، التي ترفض فتح قنصلية في القدس.

وعليه يظل الاتفاق مرهونًا بمجموعة من الاعتبارات منها: حقوق الشعب الفلسطيني، والتنازلات الصعبة من الجانب الإسرائيلي في ظل حكومة اليمين المتطرف، واعتبار آخر هو مستوى عدم الثقة بين السعودية والولايات المتحدة الذي لا يزال قائمًا بما يجعل التقدم في التطبيع بشكل سريع أمرًا صعبًا، كما تواجه علاقات الإدارة الأمريكية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية درجة عالية من عدم اليقين وعدم الاستقرار. وفي ضوء عدم الاستقرار الحالي في السياسة الإسرائيلية، والانتخابات القادمة في الولايات المتحدة والإدارة المرشحة سواء ديمقراطية أو جمهورية، إذ ستسعى الإدارة الجمهورية إلى تحقيق هذا الهدف بصورة سريعة أكثر من الإدارة الديمقراطية. وستظل هذه الاعتبارات جميعها حاكمة للمسار.

في الختام، ترغب إسرائيل والسعودية في الاستفادة من أكبر قدر ممكن من عملية التطبيع، وتتحوط كل منهما نتيجة خفض الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، ولدى واشنطن مصلحة استراتيجية في أن تكون جزءًا من الصفقة وتتطلع لإنجازها، لكن من المرجح بناءً على التوترات الأخيرة بسبب أحداث الطوفان في غزة أن يتم تعليق المساعي لتطبيع العلاقات، واختبار حدود ما هو ممكن بناءً على المتغيرات الجديدة.

المصدر : https://ecss.com.eg/38100/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M