التأمل الرابع و العشرون:
من أروع علامات بروز العلم عند الإنسان هو دموع الخشية من الله تعالى ، فهذه الدموع تدل على التقرب الى الله سبحانه واستشعار عظمته ، ويمكن تقسيم الناس وفق دموع الخشية الى :-
1) قسمٌ لا تدمع أعينهم خشية من الله عز وجل ، وهذا يعكس بُعدهم عنه جل وعلا ، ويدل هذا على جهلهم حتى لو حصلوا على أعلى المراتب العلمية .
2) قسمٌ تدمع أعينهم خشية من الله عز وجل بشكل يسير ، ويكون سبب البكاء عادة الندم على الذنب ، وربما هذا القسم هو الغالب على المؤمنين .
3) قسمٌ تدمع أعينهم خشية من الله عز وجل بشكل كبير ، ويكون هناك سببان للبكاء ، الأول هو الندم على الذنب ، والثاني الشعور بالتقصير ، وهم على ما يبدو قلة .
4) والقسم الأخير يكون بكاؤهم بسبب شعورهم بالتقصير ، لأن ذنوبهم منحصرة بهذا الشعور ، ولا ذنوب حقيقية لهم ، وهم المعصومون على مر الدهور .
التأمل الخامس و العشرون:
يُتَّهَم الدينُ بعدة إتهامات ، منها أنه أفيون الشعوب أو أنه غير واقعي وغيرها من الإتهامات ، وكان الإسلام ربما الدين الوحيد الذي فنّد تلك الإتهامات عبر تراثه الديني ، وبالخصوص القرآن الكريم ، إذ لم يهمل الإسلامُ الحياةَ الدنيا بل اهتمّ بها ووضع لها تشريعات لتنظيمها لتكون مزرعة للآخرة ، ولم يعارض الإسلامُ العلمَ الذي يعتبر العمود الفقري لتلك الحياة ولم يقاطعه بل بالعكس اهتم به ، ومن أشكال الاهتمام بالعلم تقييده بالخشية من الله تعالى كي يكون منتجاً ومفيداً في الدنيا والآخرة غير مُضرٍّ، وبالتالي كان الإسلام ديناً وسطياً غير متطرفٍ ، إذ لم يتطرف نحو الدنيا ويترك الآخرة ولم يتطرف نحو الآخرة ويترك الدنيا ، فيُخطط الإسلام ليكون الفرد المؤمن عزيزاً في حياته من دون أن يُحرَم المغفرة في الآخرة ولا أن يكون مغفوراً له في الآخرة من دون أن يكون عزيزاً في الدنيا .
التأمل السادس و العشرون:
بحكم ما يحمله العلماء من علمٍ وما ينتج عنه من إحترام وتقدير إجتماعيَين وعدم وصول غالبية الناس الى مستواه العلمي فإنهم يُصابون بأمراض معنوية قد لا يصاب بها مَن هُم دونهم ، ومن أبرز الأمراض المعنوية التي تصيب العلماء (العجب) و (الكبر) ، ويمكن الجزم بأن غالبية العلماء المختصين بالعلوم الطبيعية ( الدنيوية أو المادية ) لا يهتمون بهذين المرضين بالخصوص إلا الذين يهتمون بالخشية من الله سبحانه ، ويخشون من سخطه جل وعلا ، لأن (العجب) يحبط إيمان الإنسان وأعماله وأن (الكبر) يحرم الإنسان من الجنة ،كما في بعض المرويات ، وهذا ما لا يستشعره العلماء الذين لا يهتمون للخشية من الله تعالى .
وبالتالي فالعالِم الذي يخشى الله تعالى له مرتبة أعلى من العالِم – الذي في نفس الاختصاص ونفس المرتبة العلمية – في موضوع علاج الأمراض المعنوية .
التأمل السابع و العشرون:
عندما يفكّر الإنسان بالدنيا فقط فإنه في أحسن الأحوال يكون عالماً ببعض العلوم التي تحقق له طموحاته الدنيوية ، وسواء كانت هذه الطموحات مشروعة أم غير مشروعة فإنها تنتهي بانتهاء الدنيا ، وربما تنتهي بنهايته في هذا العالَم ، أما إذا لم يكن عالِماً أصلاً ( وربما جاهلاً ) فقد خسر الدنيا والآخرة .
ومن يفكّر بالآخرة فإنه يخشى الله تعالى ويلتزم بحدوده وأوامره ونواهيه ، وبذلك قد كسب الآخرة حتى وإن لم يكن عالِماً في هذه الدنيا لأي سبب مبرَّرٍ كان ، أما إذا كان في الدنيا عالِماً يخشى الله سبحانه في دنياه فسيفوز في الدنيا والآخرة ، فهنيئاً لمن عَلِم وخشى .
التأمل الثامن و العشرون:
عملياً ولكي تتحق الخشية عند العالِم لا بد من توفير مقدمات الخشية ، ومن هذه المقدمات معرفة ما يغضب الرب عز وجل وما يرضيه ، فَيَخشى ما يغضبه فيتَجَنّبه ويخشى حرمان ما يرضيه فيهتم به ، وبالتالي فموضوع الخشية ليست كيفية ومزاجية وإنما وفق ضوابط وقوانين وتشريعات وضعها من نخشاه جل جلاله، وهذا ما أوصلها إلينا رسُلُه عليهم الصلاة والسلام وأوصياؤهم والفقهاء الذين نهلوا من مناهلهم ، وبما أن الفقهاء هم الأقرب إلينا حالياً فلا بد من معرفة الأحكام الشرعية من خلالهم ، خصوصاً الفقهاء الذين لديهم لمسات في كل مجالات الفقه ، بحيث يمكنهم بيان وجهة نظر الشريعة في أي مجال من مجالات الحياة .
فنستنتج من ذلك أن على العالِم أن يخصص جزءاً من وقته للتفقه في الدين بحيث لا يكون مقصراً ، وأن يقتطع هذا الجزء من الأوقات غير الضرورية من دون أن يؤثر على واجباته الشرعية والحياتية .
التأمل التاسع و العشرون:
مقولة جميلة مضمونها : ( العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل ) تعمل بها غالبية المحافل العلمية ، فلكل مجال علمي هناك جانب نظري وجانب عملي وتطبيقي لترسيخه ولتحقيق غايته وهدفه ، فقيمة العلم ليس في ذاته وإنما في مدى الاستفادة منه ، فما فائدة المجلدات العلمية التي تملأ رفوف المكتبات إن لم يأخذ بها الباحثون ليعكسوها على واقعهم .
وخشية الله تعالى من أهم التطبيقات العملية للعلوم التي يمنّ بها الله سبحانه على عباده ، إن كانوا يشعرون بعبوديته ، وإن لم يشعروا بتلك العبودية فلا نتوقع منهم الخشية ، فالشعور بالعبودية أولى خطوات خشية الله عز وجل ، والخشية إحدى أهم ثمار العبودية ، والعلم أحد ثمار الخشية .
التأمل الثلاثون:
من ميزات العلماء أنهم يرون ما لا يراه غيرهم من عوام الناس ، فعلماء البكتريا مثلاً يرون فعاليات البكتريا وغيرها من الأحياء المجهرية ويرون تأثيرها على الإنسان وحياة المخلوقات عموماً ، وهذا ما لا يراه غيرهم أكيداً ، وعلماء النفس يرون تأثيرات بعض السلوكيات على حياة الفرد ما يراه غيرهم ، وهكذا باقي العلماء .
وهناك علماء يرون ما يجعلهم يخشون الله تعالى ، إنهم يرون الله سبحانه بعين البصيرة ويعلمون أنه يراهم، فيخشونه جل وعلا جرّاء تلك الرؤية ، كما في الحديث النبوي المروي ( إخشَ الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وهذا ما لا يدركه الآخرون .
التأمل الحادي و الثلاثون:
من الوسائل والطرق المساعدة على الخشية استشعار الرقابة الإلهية ، وهي بالتأكيد وسيلة ناجحة وأثبتت نجاحها واقعياً في حياتنا اليومية ، وهناك مستوى أرقى من هذا الاستشعار بالرقابة الإلهية ، وهي التي يُفتَرض أن يبدأ الإنسان المؤمن بها وهي ( إخشَ الله كأنك تراه ) ، فإن لم يتمكن من ذلك ينتقل الى المستوى الأدنى وهو ( إن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وبما أن العلماءَ علماءٌ بالخشية ووسائلها وطرقها فإنهم يبدأون ويكتفون بالمستوى الأول ( إخشَ الله كأنك تراه ) ، وانعكس ذلك على دعائهم ( اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك ) ، هذه الرؤية الصعودية غير متعارَفة عند أصحاب الرؤية النزولية ( إن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، لذلك فإنهم يرون ما لا يراه من دونهم ، فيرون التقوى سعادة والمعصية خزياً ( وأسعدني بتقواك ولا تخزني معصيتك ) .
التأمل الثاني و الثلاثون:
إن عباد الله تعالى موصوفون بالعبادة ، وهذه العبادة تحتاج الى إعانة وتوفيق إلهيين ، وعليه لا بد للعبد أن يستعين بالله سبحانه على عبادته ليكون من عباده فعلاً ، وإلا فإن الإنسان لا ينال مرتبة العبودية بلا عون وتوفيق الباري عز وجل ، وأفضل من يعي ويفقه هذه الحقيقة ويطبقها فعلاً على أرض الواقع هم العلماء ، وهم الذين علّمونا تلك المبادئ الأخلاقية ، ويستعينون به تبارك وتعالى ليهديهم الصراط المستقيم الذي يرتكز على خشية الله تعالى ، لأن هذه الخشية تجعل الإنسان المؤمن من غير المغضوب عليهم ولا من الضالين ، باعتبار أن من لا يخشى الله سبحانه سيرتكب بعض المعاصي ويترك بعض الواجبات فيناله الغضب الإلهي والضلال نستعيذ بالله .
التأمل الثالث و الثلاثون:
إن خشية الله عز وجل لا بد أن تُثمر عن شيء حتى لا تكون فارغة وخاوية ، ولكي تعكس عن حقيقة العبودية لله عز وجل ، فمن يخشى الله تعالى ولا ينعكس ذلك على واقعه فسيكون في خانة الجهلة ، أو على الأقل لن يكون عالماً ، فالعالِم يترجم خشيته الى أفعال ، وربما من أبرز هذه الأفعال وأوضحها هي التوبة والاستغفار كي تكون خشيته صادقة ويكون عالِماً بالفعل ، باعتبار أن الله عزيز وهذه العزة توجب الخشية ، وغفور فيستدعي الى الاستغفار .
ولو استشعر المسلمون الخشية واستثمروا بصنوف لغاتهم مشهد يوم عرفة استثماراً صحيحاً وعجّت أصواتهم بالتوبة والاستغفار وجعلوه يوماً عالمياً للتوبة لوضعوا أقدامهم على أولى خطوات الطريق الى العزة تأسياً بنهج العلماء .
التأمل الرابع و الثلاثون:
هناك علاقة وثيقة بين خشية الله عز وجل وعبوديته من جهة وبين العلم والعزة والمغفرة من جهة أخرى، فالجهة الأولى تساهم في الوصول إلى الجهة الثانية.
و هناك علاقة أيضا بين أطراف كل جهة، فالعبودية تؤدي إلى خشيةِ مَن نَعبُد، والخشية تساعد على تحقيق العبودية، فتكمّل إحداها الأخرى فإما أن تصل إلى مراتب عليا أو تبقيان في محلهما.
وفي الجهة الثانية هناك علاقة بين العلم والعزة والمغفرة ، فالعلم عامل أساس في تحقيق العزة، وهذا واضح وملموس في واقعنا المعاش، أما المغفرة فهي إحدى ثمار تحصيل العلم النافع المؤطر بإطار الخشية من الله تعالى، وهذا ما أكدته بعض المرويات.
التأمل الخامس و الثلاثون:
قد لا يعلم الكثيرون أن هناك فرقاً بين العلم والمعرفة، ففي بعض الروايات أن المقصود من آية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) هو ليعرفون، أي أن العبادة لا بد أن توصل العبد إلى معرفة الله عز وجل، فإن لم توصله إلى ذلك فلا يكون العَبدُ عبداً حقيقياً، ولكي يكون العبدُ عارفاً بالله جل وعلا لا بد أن يكون عالماً لا يخشى إلا الله تعالى كأقل ما يمكن أن يقوم به ، وبالتالي فإن المعرفة تستند الى ركنين أساسيين على الأقل هما : العلم وخشية الله جل جلاله ، فلا العلم لوحده يحقق المعرفة ولا الخشية تحققها ، فالإنسان بلا علم يكون جاهلاً ، وبلا خشية يكون فاسقاً ، ولم يخلق الله سبحانه الجن والإنس ليكونوا جهلة أو فاسقين .
التأمل السادس و الثلاثون:
مما يجعل الناس ألواناً مختلفة أن مستوياتهم مختلفة في نظرتهم للذنوب والواجبات ، ففي الوقت الذي يرى بعض الناس أن القتل والسرقة والغش والغيبة والكذب والزنا والغناء وغيرها أموراً طبيعية فيرتكبونها فإن غيرهم يرونها منكرات وكبائر يجب عدم التفكير بفعلها فضلاً عن إرتكابها ، وكما أن البعض لا يهتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاة والصيام وغيرها وبالتالي يهمل القيام بها فإن هناك من يراها خطوطاً حمراء لا يمكن التغافل عنها .
أما العلماء فإنهم ينظرون الى المكروهات كمحرمات فيبتعدون عنها والى المستحبات كواجبات فيؤدونها ، فضلاً عن تجنبهم للمحرمات وتأدية الواجبات ، لذلك تكون خشيتهم لله عز وجل في القمة ، ولا يخشى الله تعالى من عباده مثلهم .
التأمل السابع و الثلاثون:
إن الإنسان كلما زاده الله تعالى من فضله كلما زادت مسؤوليته ، فمن أعطاه الله مالاً كانت مسؤوليته دفع حقوقه الشرعية ، وهذه المسؤولية أقل عن مَن هو أقل مالاً ، وربما تسقط هذه المسؤولية في بعض الحالات لمن لا يملك شيئاً ، وبالتالي فتقصير الأول يكون أخطر من تقصير الثاني لأن تبعات التقصير الأول أكبر من تبعات التقصير الثاني ، وكذلك الأمر بالنسبة الى من أعطاه الله جاهاً أو منصباً أو غيرها ، وهذا ينطبق أكيداً على من زاده الله سبحانه عِلماً ، فمسؤوليته أكبر ممن لا علم له أو علمه يسير ، وعليه يكون العالِم كالمتسلق على جبل ، فهو أعلى ممن هو في الوادي إلا أن سقوطه يكون أخطر ، وبالتالي فتكون خشيته أكبر ممن هو دونه ، فإن لم يخشَ السقوط فهو جاهل بل لا عقل له .
التأمل الثامن و الثلاثون:
ينصرف الذهن عادة عند ذكر ( خشية الله عز وجل ) الى الخشية من عقوبته جل وعلا ، وهذا التصور يكون صحيحاً إن كان معنى العقوبة أعم من العذاب – نستجير بالله – ، فقد تكون العقوبة الوقوع في فتنة كفتنة المال والمنصب والعشيرة وما شابه ، أو سلب نعمة كنعمة الهداية والعافية والرزق والذرية الصالحة وغيرها ، ومن النِعم التي قد تتعرض للسلب هي نعمة العِلم ، ومَن يخشى مِن العباد سلب هذه النعمة هم العلماء ، لأن غير العلماء لا يشعرون بأهمية هذه النعمة لأنهم يفتقدونها ولم يذوقوا طعم حلاوتها ولم يعيشوا العزة في ظلها ولا المغفرة ببركتها ، ولا يعلم هؤلاء ( أن العلم يحرسهم – لو تعلموا – بينما المال – وما تفرّع عنه – هم يحرسونه )كما يُنقَل عن سيد البلغاء عليه السلام ، ومن لا يخشى من سلب النِعم منه فهو جاهل .
التأمل التاسع و الثلاثون:
كثير من العلماء ( بالمعنى المتعارف ) يطلبون العلم لغاية دنيوية أو لإرضاء نفسهم الأمارة بالسوء ، وربما أغلبهم كذلك ، ككسب المال أو الحصول على منصب أو السيطرة على الآخرين وسلب خيراتهم ، أو على الأقل لكي يشبع غريزته ويسد شعوره بالنقص ليقال أنه (عالِم) .
أما عباد الله فيطلبون العلم لوجه الله تعالى ليتقربوا إليه وليتعرفوا عليه وليبتعدوا عن ما لا يرضيه ولينفعوا الآخرين بعلمهم ، لأنهم يعلمون أن طلب العلم لأي غاية غير وجه الله عز وجل ستسلب العزة منهم والمغفرة في الدنيا والآخرة ، ونجدهم يراقبون نيَّتَهم في طلب العلم طوال حياتهم خشية أن تخرج هذه النية عن ما يرضي الله سبحانه ، فهؤلاء حقاً هم العلماء .
التأمل الاربعون:
يبدو أن العِلم من أشكال العبادة الخاصة ، فالعبادة بالمعنى الظاهري العام والمتعارف لدى غالبية الناس هي أن يقوم العبد بعبادة الله عز وجل من صلاة وصوم وما شابه ، وهذا المستوى من العبادة لا يؤدي بالضرورة الى تحصيل العلم إلا أن تكون هذه العبادة دافعاً له ، وعندها يكون العبدُ عالماً .
ومن هذه الزاوية يمكن فهم الروايات التي تبيّن الفرق بين العالِم والعابد ، كتشبيه فضل العالِم على العابد بفضل الشمس على الكواكب ، فميزة العالِم على العابد هو خشية الله سبحانه ، فالعِباد ألوان ومستويات ، أكثرهم خشية لله جل وعلا هم العلماء ، سواء قاد العِلم الى الخشية أم قادت الخشية الى العلم .
التأمل الحادي و الاربعون:
من الفروقات التي تُسجَّل عند المقارنة بين العابد والعالِم هو أن العابد يهتم بصلاح نفسه ، وبالتالي فهو يسعى الى أن يكون عزيزاً غير ذليل لنفسه الأمارة بالسوء راجياً مغفرة الله العزيز الغفور ، وعبادته تدل على ذلك ، أما العالِم فيهتم بصلاح المجتمع فيسعى لإصلاحه من خلال ما يمتلكه من عِلم غزير بآليات ذلك الإصلاح ، هذا فضلاً عن إهتمامه بصلاح نفسه باعتبار أنه عبدٌ قبل أن يكون عالماً ، ويسعى ليكون عزيزاً هو ومجتمعه كمجتمع وأفراده كأفراد ، إضافة الى سعيه لنيل المغفرة له ولأبناء مجتمعه .
ومن الواضح أن المخاطر المحيطة بإصلاح المجتمع أكبر من المخاطر المحيطة بإصلاح النفس ، لذا تكون الخشية عند العلماء أعلى من الخشية عند العُبّاد .
التأمل الثاني و الاربعون:
المخلوقات ألوان مختلفة من عدة حيثيات ، فالإنسان لون عبادته تختلف عن لون عبادة الحيوانات ، وكلاهما لا يفقه عبادة الآخر ، ولون عِلمِهما مختلف أيضاً ، ولون عزتهما كذلك ، أما الخشية فمختلفة لأنها تكون عند الإنسان مخيرة وعند الحيوانات مجبرة .
وهذا الاختلاف نجده أيضاً بين أفراد البشر ، فألوان العبادة والعلم والعزة مختلفة ، وهذا الاختلاف في هذه الألوان يكون في مستوى الكمية والنوعية ، فبعضٌ كثير العبادة قليل العلم والعزة ، وبعضٌ كثير العلم قليل العبادة والعزة ، وآخرون لا عبادة ولا علم ولا عزة ، وهكذا ، ووفق هذا الاختلاف تكون الخشية على ألوان مختلفة أيضاً ، تختلف شدتها وضعفها بحسب اختلاف مستوى وكيفية العبادة والعلم والعزة والرغبة في المغفرة .
التأمل الثلاث و الاربعون:
من الواضح ربما أن إختلاف ألوان الناس والدواب والأنعام – بمختلف أصنافها – أمر إيجابي ، فالحياة المتشابهة في مفاصلها مُملة وغير مريحة ولا تتيح مجالاً للعطاء ، وما على العبد إلا أن يستثمر هذا الاختلاف لمصلحة المجتمع والبشرية وحتى لمنفعته الخاصة ، فهذا الاستثمار يتطلب منه بلوغ مراتب من العِلم ليعلم أين تكمن نقاط الاختلاف وسُبُل الاستفادة منها ومعرفة آلية الوصول الى ما يتميز به المختلفون عنا وما نتميز به عنهم ليكمل بعضنا الآخر .
هذا إن كان العبد يخشى الله تعالى ويأمل العزة والمغفرة له ولأفراد مجتمعه ، ووفق ذلك نفهم الحديث النبوي ( اختلاف أمتي رحمة ) ، أما إن لم يكن كذلك فسيسعى لتحويل الاختلاف الى خلاف كما يفعل المتطرفون والمتعصبون ، وجعل طلب العلم أداة لاستغلال الاختلاف لمغانم شخصية أو فئوية .
التأمل الرابع و الاربعون:
لا بد أن يتعلّم المسؤولون والمتصدون للحكم في البلاد الإسلامية من قرآنهم الكريم ، فهو حجة عليهم أكثر من غيرهم ، وإلتزامهم به والسير وفق رؤاه وتشريعاته سينعكس إيجاباً وبشكل كبير على المجتمع الإسلامي ، وسَيُرسِل رسائل طيبة الى المجتمعات غير الإسلامية .
فمثلاً رعاية العلماء – وعموم أصحاب الاختصاصات المهمة في المجتمع – لا بد أن تكون لها أولوية خاصة ، فينبغي أن يكونوا أعزاء في بلدانهم ما داموا ملتزمين بقوانين الدولة غير مزعزعين لاستقرارها ، لا يذلهم أحد ، كَبُر مركزه الرسمي أم صَغُر ، كما أن على الدولة أن تتغاضى عن الأخطاء البسيطة التي يمكن أن تصدر من العلماء ، فهم غير معصومين ، وأن يكون ذلك وفق تشريع واضح يحفظ لهم كرامتهم كي يكون ذلك حافزاً لغيرهم ، بحيث يكون توقير العلماء ثقافة عامة تسود المجتمع ، كي لا يفكّر أحد يتصدى لقيادة الدولة بإذلالهم أو إبادتهم .
التأمل الخامس و الاربعون:
لو اهتم المسلمون اهتماماً كبيراً بالقرآن الكريم لَسَعَوا لإعزاز علمائهم وإكرامهم وتقديرهم وتوقيرهم ، وسيتأثر بهذا السعي حكّامهم وسيُجبَرون على رفع مكانتهم – أي مكانة العلماء – وإعلاء شأنهم ، إذ سيكون الجو العام والعرف الاجتماعي والثقافة السائدة هو إجلال العلماء وتعظيم قدرهم . وهذا بالتأكيد لا يشمل كل العلماء ، بل ينحصر بالعلماء الذين ثبتت عبوديتهم لله عز وجل وخشيتهم منه سبحانه من خلال سلوكهم وسيرتهم وأخلاقهم ، سواء كانوا علماء دين أم غيرهم .
وقد نجد هذا الإعزاز والتقدير للعلماء في بعض المجتمعات الإسلامية – وخصوصاً علماء الدين – لكننا لا نجد التجاوز عن أخطائهم اليسيرة التي يمكن أن تصدر من أي إنسان غير معصوم ، وهذا مخالف للتربية القرآنية .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views