جريمة التهجير والنقل القسري للسكان قطاع غزة نموذجا

تعد الجرائم بصفة عامة من المهددات الخطيرة لحياة الإنسان والدول، ونظرا لتطور العلاقات الدولية وتشابكها ظهرت الجريمة الدولية التي يتجاوز تأثيرها حدود الدولة وتخل بالنظام العالمي ككل ومنها جريمة التهجير والنقل القسري للسكان، فكان أحد أهداف الأمم المتحدة نبذ ومنع كل التصرفات التی من شأنها المساس بهذه الحقوق، إلا أن تناسى هذه الأخيرة وخرقها وعدم وجود ردع مساءلة وعقاب لمنتهكها أفضی إلی أعمال همجية أضرت الضمير العام للإنسانية جمعاء مثل ما تفعله قوات الاحتلال الإسرائيلي حاليا بقطاع غزة

 و يرجع أسباب اختيار جريمة التهجير والنقل القسري للفلسطينيين بقطاع غزة حيث انه     يعد  النموذج التي تم فيه أكثر من صورة من صور الجرائم الدولية فقد مارست قوات الاحتلال العقوبات الجماعية والاعتقالات التعسفية الجماعية وغيرها من الجرائم التي مازالت تُرتكب بقطاع غزه حتي كتابة هذه السطور .
سوف نوضح جريمة التهجير والنقل القسري للسكان بقطاع غزة حيث انه لا يوجد أي سبب أو دافع قانونيا أو مشروع لإجازة مثل هذه التصرفات نظراً لما تتركه من انعكاسات جسيمة على المنقولين لإبعادهم عن ديارهم وفقدان ممتلكاتهم وفقدان أمنهم واستقرارهم ، فنقل السكان المدنيين من أماكنهم المعتادة إلى أماكن أخرى دون مبررات يسمح بها القانون الدولي هو أمر محرم، أيا كان المكان الذى سوف يُنقلون إليه، ويؤدي ذلك إلـى نتـائج خطيـرة تـؤدي إلـى إذابـة الكيـان القـومي للسـكان الأصـليين لقطاع غزة.

من الجدير بالذكر ان المخيمات تحمل رمزية كبيرة بالنسبة لأهل المخيم أنفسهم وبالنسبة للفلسطينيين فالمخيم يمثل شاهد مادي على تهجير شعب وطرده من أرضه ويذكر العالم بمعاناة الشعب الفلسطيني والجرائم التي تم ممارستها بحقهم.

فالإبعاد القسري هو نقل مجموعة كبيرة من السكان بالقوة من منطقة إلى أخرى خارج حدود الدولة.
بينما يقصد بالنقل القسري نقل السكان من منطقة إلى أخرى داخل الدولة نفسها
وبناءً علی ذلك فإن النقل القسري هو جزء من الإبعاد القسري الذی يعد أوسع،
إذ يشمل الإخلاء القسري والترحيل القسري وإجبار السكان عن الابتعاد عن موطنهم وأملاكهم  ، وهو ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي حيث تمارس عدوانها وجرائمها في قطاع غزة  لنقل السكان والضغط عليهم حتي يفرون خارج حدود الدولة.

وقد أدرجت المادة (7 / 1- د) من نظام روما الأساسي النقل القسري للسكان ضمن الأعمال المحظورة.

وتعرف المادة (7/2/د) من النظام الأساسي إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان بأنه          ” نقل الأشخاص المعنين قسراً من المنطقة التي يوجد فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولي “.

وبذلك يخضع هذا الفعل للتجريم ويدخل في اختصاص المحكمة الجائية الدولية حتى بالنسبة للدولة التي تستند إلى قوانين من صنعها أو تحت دواعي الأمن طالما أن الفعل لا یسمح به القانون الدولي.

ولكي يشكل إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان جريمة ضد الإنسانية فلابد من توافر
الأركان التالية: –

  1.  ان يرحل المتهم أو ينقل قسراً شخصاً أو أكثر إلى دولة أخرى أو مکان آخر بالطرد أو بأى فعل قسري آخر لأسباب لا يقرها القانون الدولي.
  2. أن يكون الشخص أو الأشخاص المعنيون موجودون بصفة مشروعة فی المنطقة التي أبعدوا أو نقلوا منها على هذا النحو.
  3. أن يكون مرتکب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت مشروعية هذا الوجود.
  4. أن يرتكب هذا السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.
  5. أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من ھجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوى أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم.

وهوه ما فعلته دولة الاحتلال الإسرائيلي بإبعاد الفلسطينيين عن موطنهم، فالعبرة بإرغام السكان قسراً على نقلهم من مكان لأخر دون رضاهم ويكون الإرغام ليس بالقوة المادية فقط فممكن أن يتخذ أشكالاً أخرى كالتهديد باقتراف أفعال إجرامية ضدهم.

فما تنفذه قوات الاحتلال الاسرائيلي حاليا من تعريض سكان قطاع غزة لظروف معيشية قاسية قد ينطوي على نية القضاء عليها تدريجيا بصفة كلية أو جزئية، أي تعريضهم للموت ببطء،    و يتحقق ذلك بكل التدابير التي تعيق استمرارهم الطبيعي، كأن يفرض عليهم حصار أو يجبرون على العيش في بيئة قاسية تصعب فيها الحياة مما يجبرهم على الفرار من المكان لمكان اخر مما يعد جريمة دولية متمثلة في تهجير وابعاد قسري للفلسطينيين.

يذكر ان قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الصادر في 20 مايو 2024 لم يتطرق لجريمة التهجير و النقل القسري للسكان في قطاع غزة وركز في بيانه على حالات الإبادة             والجرائم ضد الإنسانية الأخرى دون ذكر جريمة النقل والتهجير القسري والتي تعد نتيجة لما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم دولية اخري في قطاع غزة.

وقد صدر بيان عن منظمة الاونروا بتاريخ 28 مايو 2024 يتضمن ان أكثر من مليون شخص فروا من رفح فقط في الأسابيع الثلاثة الماضية ، والنزوح مستمر حتى اليوم وكذلك تم تهجير السكان في رفح عدة مرات بالفعل ، نتيجة القصف العنيف في المنطقة بما في ذلك شمال رفح ، يستمر السكان في التحرك بحثا عن الأمان الذي لا يجدونه أبدا لأن لا مكان آمن في غزة  ولا أحد آمن أو مستثنى ، ومن بين 200 شاحنة تحمل إمدادات إنسانية تم تفريغها على الجانب الفلسطيني في يوم واحد ، تم استلام 30 شاحنة فقط بسبب القيود الشديدة على الحركة والغارات الجوية المستمرة من قبل القوات الإسرائيلية .

كذلك بدأت العائلات النازحة اصلا في النزوح مرة أخرى بسبب انعدام الأمن وأوامر الإخلاء الإسرائيلية، وحتى تاريخ 26 مايو 2024، بلغ العدد التقديري للنازحين من رفح حوالي 945,000 شخص منذ 6 مايو، مع نزوح 100,000 شخص آخر في شمال غزة، وقد تم إخلاء معظم ملاجئ الأونروا في رفح، مع انتقال النازحين إلى خان يونس ودير البلح.

وكذلك يشير بيان صادر عن فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا
“لا تزال التقارير ترد عن وقوع المزيد من الضحايا في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على منطقة مكتظة بالسكان شمال غرب رفح، وكان من بين القتلى أطفال ونساء يعيشون في خيام بلاستيكية مؤقتة. وأصيب العديد منهم. وورد أن آخرين ماتوا حرقا، إن صور الليلة الماضية هي شهادة على كيف تحول رفح إلى جحيم على الأرض، فهو عرض رعب لا نهاية له، إلا أنه حقيقي. وأضاف: مليونان من الناس يعيشون في جحيم هذه هي غزة أمام أنظار العالم”.

وفي بيان آخر لمنظمة الاونروا ان الأيام الـ 100 الماضية، تسبب القصف المستمر في جميع أنحاء قطاع غزة في نزوح جماعي لمجتمع في حالة تغير مستمر، حيث تواصل قوات الاحتلال اجبارهم على مغادرة أماكن معيشتهم ، فقط للانتقال إلى أماكن غير آمنة بنفس القدر وكان هذا أكبر تهجير للشعب الفلسطيني منذ عام 1948 ، وأثرت هذه الحرب على أكثر من 2 مليون شخص أي جميع سكان غزة ، وسيعاني الكثير منهم مدى الحياة، جسديا ونفسيا وتعاني الغالبية العظمى بما في ذلك الأطفال، من الصدمات الشديدة ، ويتم إجبار العائلات على الانتقال بشكل متكرر بحثا عن الأمان ، وفي أعقاب القصف الإسرائيلي المكثف والقتال في خان يونس والمناطق الوسطى في الأيام الأخيرة انتقل عدد كبير من النازحين مرة أخرى إلى الجنوب  .

 

المصدر : https://ecss.com.eg/46142/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M