عدم وجود الأساس القانوني للاعتقال: فيُعد الاعتقال تعسفيا إذا ما عجزت السلطة عن تقديم دليل قانوني يبرر تصرفها، حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا اعتقال إلا مع التقيد باحترام حق المعتقل في الأمن، وفي السلامة الجسدية، وفي المحافظة على كرامته. كما يعد الاعتقال تعسفيا…
الاعتقال التعسفي هو القبض على أشخاص دون سبب مشروع أو دون إجراء قانوني. أو هو قيام السلطة – دولة أو نحوها -بالقبض على شخص – رجلا أو امرأة أو طفلا- من بيته أو من مقر عمله، أو من الشارع أو من أي مكان، وسوقه إلى مكان الاحتجاز معلوما كان أو مجهولا، دون دليل، أو اشتباه معقول، أو دون إتباع الإجراءات القانونية من استخراج إذن السلطات المختصة للتحقيق مع الشخص، أو باستخراج إذن رسمي لكنه دون حق.
تنص المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للاعتقال التعسفي أو حجزه أو نفيه”. وتنص المادة 9 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: “لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه. ولا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الاحتجاز التعسفي. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ووفقا للإجراءات التي ينص عليها القانون”.
ووفقا للفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي (الذي تأسس بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة رقم 1991-1942)؛ الحرمان من الحرية هو إجراء تعسفي إذا كانت وقعت قضية ما ضمن إحدى هذه الفئات الثلاث التالية:
1. عندما يصبح من المستحيل الاستناد بوضوح على أي أساس قانوني لتبرير الحرمان من الحرية (كأن يبقى الشخص قيد الاحتجاز بعد انتهاء عقوبته أو بعد صدور قانون عفو يشمله) (الفئة الأولى)؛
2. إذا كان الحرمان من الحرية ناجما عن ممارسة الحقوق أو الحريات المكفولة في المواد 7 و 13 و 14 و 18 و 19 و 10 و 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وطالما تكون الدول الأطراف معنية بالمواد 12، 18، 19، 21، 22، 25، 26 و 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الفئة الثانية)؛
3. عندما يكون عدم مراعاة بعض أو كل القواعد الدولية المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة -المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الصكوك الدولية ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية- بدرجة من الخطورة بحيث يعطي الحرمان من الحرية طابعا تعسفيا (الفئة الثالثة)
وعلاوة على ذلـك، تؤكـد العديد من قرارات الأمم المتحدة الرأي القانوني المؤيد للطابع العرفي لهـذه القواعـد: أولاً، وجود قرارات تتحدث عن حظر الاحتجاز التعسفي فيما يتعلق بدولة معينة لم تكن وقـت صدور تلك القرارات ملزمة بأي معاهدة تحظر الاحتجاز التعسفي؛ وثانياً، وجود قرارات ذات طابع عام جداً بشأن القواعد المتعلقة بالاحتجاز التعسفي تهم جميع الدول، دون تمييـز. وتبرهن مثل هذه القرارات على توافق الآراء بـأن حظـر الحرمان التعسفي من الحرية حظر ذو طابع ملزم عالمياً بموجب القانون الدولي العرفي. ويعتبر القانون الدولي الاحتجاز أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية جريمة ضد الإنسانية، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين.
ومن الناحية الإسلامية فان الاعتقال التعسفي حرام شرعا؛ سواء صدر من جماعات خارجة عن القانون، أم كان من سلطات الدولة نفسها، لا فرق في هذا بين الحالتين، لأن السلطة -ولو شرعية- لا تخول لأصحابها التعدي على حقوق الإنسان وكرامته التي أقرتها الشريعة، وأن يد الدولة ليست مسلطة تفعل ما تشاء مع الشعب، بل يجب أن تكون مقيدة بقواعد الإسلام والقوانين والأعراف الإنسانية التي استقرت على احترام حقوق الإنسان في العيش بحرية، وأن مساس حرية الإنسان في نفسه أو جسده أو ماله أو عمله دون جريرة أو ذنب اقترفه من كبائر الذنوب، وإن كان ذلك حراما في حق الأفراد والجماعات، فهو في حق السلطة والدولة أشد جرما وأعظم ذنبا؛ إذ حماية الأفراد من واجبات السلطة في الشريعة، فهي بمثابة الحامي للشعب من كل اعتداء وظلم، وأن من واجبات الدولة أن تحفظ على الناس دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، وأموالهم، وحريتهم، وأن تقوم بينهم بالعدل والقسط، على أن هذا لا يمنع الدولة من القيام بالحبس إن كان لمسوغ شرعي مقبول، مع اتخاذ كافة الإجراءات القانونية التي تسمح للمتهم بالدفاع عن نفسه وفق ما هو متفق عليه.
ومن الأدلة على تحريم الاعتقال التعسفي؛ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ وقوله﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، فالحبس التعسفي ينافي الكرامة الإنسانية. وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الله تعالى أنه قال: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا”.
ونخلص مما تقدم يكون الاعتقال تعسفي إذا ما تحقق أحد المعايير الثلاثة، وهي:
1. عدم وجود الأساس القانوني للاعتقال: فيُعد الاعتقال تعسفيا إذا ما عجزت السلطة عن تقديم دليل قانوني يبرر تصرفها، حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا اعتقال إلا مع التقيد باحترام حق المعتقل في الأمن، وفي السلامة الجسدية، وفي المحافظة على كرامته. كما يعد الاعتقال تعسفيا إذا كان جائرا وظالما، ولم يكن معقولا ولا ضروريا.
2. خرق أحد الحقوق الأساسية للإنسان: حيث لا يجوز الاعتقال بسبب ممارسة شخص لأحد حقوقه، ولا يجوز استعمال الاعتقال كوسيلة لحرمان الشخص من أحد حقوقه الأساسية، ومنها حرية التعبير، وحرية التجمع، وحرية التنقل…
3. عدم توفر المحاكمة العادلة: وبالرجوع إلى المواثيق الدولية يتضح أن من بين شروط المحاكمة العادلة هي احترام الإجراءات القانونية قبل المحاكمة وأثناءها وبعدها، وضمانات الحجز والتفتيش، ومدة الحراسة، ومدة الاعتقال الاحتياطي، ومحكمة مختصة وغير استثنائية، محكمة مستقلة ومحايدة، وعلنية الجلسات، وتخصيص الدفاع والترجمان وغيرها.
……………………………………
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات…
المصدر : https://annabaa.org/arabic/rights/39139