الاستثمارات في رأس المال البشري تحقق عوائد اقتصادية مرتفعة طوال مرحلتي الطفولة والشباب. وبما أن نسبة كبيرة من الشباب غير المهرة قد تركت نظام التعليم الرسمي بالفعل وسوف تمثل نسبة كبيرة من القوى العاملة في العقود القادمة، فسوف تحقق الاستثمارات في مهارات هؤلاء الشباب وتنمية القوى…
دييغو ف. إنجل-أوردينولا
بسبب الميكنة والعمل المناخي والتحول الرقمي وأسواق العمل الآخذة في التطور، سيحتاج نحو 1.1 مليار عامل إلى إعادة تدريبهم في العقد المقبل. وسيحتاج العديد من هؤلاء العمال إلى تغيير وظائفهم بشكل متكرر، والاستعداد لعرض مهاراتهم في سوق العمل العالمي، وإعادة تأهيل أنفسهم لحفظ مساراتهم المهنية باستمرار.
وسيتطلب هذا التطور في أسواق العمل أن تصبح أنظمة تنمية المهارات والقوى العاملة أكثر تخصيصاً لاحتياجات العمال، وأن يتم تيسير الوصول إليها (مما يسمح بالتعلم عن بعد والتعلم الهجين)، وأن تستمر طوال الحياة المهنية للعمال، مما يضع نهجاً “يركز على المهارات” في صميم التحولات العالمية الجارية (الشكل 1).
الشكل 1: التعديلات التي تتطلبها أنظمة التعليم والتدريب لمواكبة الاتجاهات العالمية الكبرى
التحول في نماذج تنمية المهارات والقوى العاملة
من شأن الاتجاهات العالمية الكبرى أن تحدث تحولاً في بعض نماذج الأنظمة القائمة لتنمية المهارات والقوى العاملة، ومن أبرزها ما يلي:
سيحقق الاستثمار في الشباب عائداً اقتصادياً أعلى. وتشير دراسة تحليلية تجريبية أجريت مؤخراً إلى أن الاستثمارات في رأس المال البشري تحقق عوائد اقتصادية مرتفعة طوال مرحلتي الطفولة والشباب. وبما أن نسبة كبيرة من الشباب غير المهرة قد تركت نظام التعليم الرسمي بالفعل وسوف تمثل نسبة كبيرة من القوى العاملة في العقود القادمة، فسوف تحقق الاستثمارات في مهارات هؤلاء الشباب وتنمية القوى العاملة عوائد اقتصادية مرتفعة.
ستصبح سنوات الدراسة مؤشراً أقل موثوقية لتطوير المهارات لأنها لا تمثل جودة وأهمية المهارات المكتسبة.
قد تحتل المهارات (والشهادات المثبتة للمهارات) مكانة أبرز من بعض الدرجات العلمية. ولا تزال أهمية التعليم العالي باقية، كما يتضح من المكاسب المرتفعة، ولكن على الصعيد العالمي، بدأت بعض الشركات، وخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في التغاضي عن بعض شروط الحصول على درجات علمية من أجل توسيع مجموعة المواهب لديها.
سيصبح التعليم غير الرسمي بالغ الأهمية لتنمية القوى العاملة. وكثيراً ما يتم تطوير المهارات خارج أنظمة التعليم الرسمي، وخاصة عن طريق التدريب في أثناء العمل، ومن خلال برامج قصيرة الأمد لتنمية القوى العاملة.
سيكون للمؤسسات دور أبرز في التدريب وإعادة التدريب. وأرباب العمل هم من يستهلكون مجموعة مهارات القوى العاملة وهم أيضاً أحد مصادر تنمية المهارات. ومن الضروري أن يؤدي قطاع المؤسسات دوراً أكثر أهمية في توفير فرص تنمية المهارات للقوى العاملة.
سوف تنخفض قيمة المهارات الفنية والمتخصصة بشكل أسرع. ويمكن للوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي وأسواق العمل الآخذة في التطور أن تجعل المهارات الفنية والمتخصصة متقادمة بسرعة. بل على العكس من ذلك، ستصبح المهارات القابلة للنقل، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والقدرة على التكيف، أكثر قابلية للنقل وأكثر مرونة في مواجهة التغيرات في سوق العمل.
ستصبح عمليات الانتقال بين الوظائف أكثر تواتراً. وسيحصل الأفراد على مستوى العالم على وظائف متعددة طوال حياتهم العملية. ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، بإمكان الشباب الذين ينضمون إلى القوى العاملة اليوم أن يتوقعوا الحصول على ما بين 12 إلى 15 وظيفة في المتوسط على مدار حياتهم المهنية (على سبيل المثال، وظيفة جديدة كل 3 إلى 4 سنوات).
سيحتاج العمال إلى تعلم كيفية التعامل مع الوظائف في أسواق العمل غير الرسمية الأكثر تعقيداً. وتعمل نسبة كبيرة من القوى العاملة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في القطاع غير الرسمي، وقد لا يتمكن العديد منهم مطلقاً من الحصول على وظائف رسمية.
من شأن المهارات الرقمية أن تعطي قيمة أعلى. وستصبح المهارات الرقمية حجر الزاوية لنجاح أنظمة التعليم وتنمية القوى العاملة. ويمكن أن توفر التقنيات الرقمية فرصاً للحصول على التدريب، مما يسمح لعدد أكبر من الأشخاص بالتعلم بغض النظر عن مواقعهم أو خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية. غير أن هذه الفرص ليست متاحة لبعض الأشخاص، لا سيما في البلدان النامية، ممن لا يمتلكون إمكانية الاتصال الإلكتروني، ويعانون محدودية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية، وعدم كفاية المهارات الرقمية.
يجب على الأشخاص اكتساب مجموعات شاملة من المهارات وتنميتها من أجل التقدم في حياتهم المهنية.
من أجل تحقيق النجاح في ظل ما يشهده السياق العالمي من مستجدات، سيحتاج الأفراد إلى اكتساب “حزم مهارات” أكثر تعقيداً تتألف من المهارات المعرفية وغير المعرفية. وستكون مهارات التعلم المستقل – بما فيها المهارات التأسيسية والرقمية والاجتماعية والوجدانية اللازمة للتعلم في أثناء العمل وفي التدريب طوال الحياة المهنية – أهدافاً أساسية لبرامج التعليم الرسمي.
كان طلب أصحاب العمل النسبي على المهارات غير المعرفية في ازدياد خلال العقود الثلاثة الماضية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التكنولوجيا حولت العديد من المهام التي يتم توظيف البشر للقيام بها بعيداً عن أن تكون مهاماً روتينية لتصبح مهاماً تتطلب القدرة على حل المشكلات والإبداع والمهارات التحليلية. وتشير البيانات المتاحة إلى أن بعض المهارات مثل التفكير الإبداعي، والتفكير التحليلي، والتعاطف مع الآخرين، والفضول الإيجابي، والقدرة على الصمود تُعد من بين أهم 15 مهارة يطلبها أرباب العمل على مستوى العالم (الشكل 2).
الشكل 2. نسبة المنظمات التي شملها المسح والتي ترى أن أهمية المهارات تزداد أو تتناقص، مرتبة حسب صافي الفرق، نسبة المنظمات التي شملها المسح والتي ترى أن أهمية المهارات تزداد أو تتناقص، مرتبة حسب صافي الفرق، المصدر: تقرير مستقبل الوظائف لعام 2023
دعم عمليات الانتقال الفعال بين الوظائف
وأخيراً، من الأهمية بمكان أن توفر أنظمة التدريب على المهارات الحديثة وتنمية القوى العاملة المهارات التي تلبي متطلبات أصحاب العمل واحتياجات سوق العمل المحلية، بما يضمن قدرة المتدربين على الحصول على فرص العمل. كما أصبحت مساعدة الأشخاص عند الانتقال من مرحلة الدارسة إلى مرحلة العمل وانتقالهم بين الوظائف مكوناً أساسياً لأنظمة التدريب الناجحة. وقد تكون هذه الانتقالات أمراً شاقاً، ولكن مع توفير الدعم المناسب والمعلومات الصحيحة والتوجيه المهني، فيمكن إدارتها بشكل أكثر فاعلية، مما يؤدي إلى اندماج الأشخاص بشكل أسرع وأفضل في سوق العمل.
باختصار، من الضروري أن تضمن أنظمة التعليم والتدريب المواءمة الاقتصادية، وتعزيز المهارات بشكل شامل، وتشجيع المشاركة الاقتصادية، وتدعيم العمال خلال مرحلة التعليم وعند انتقالهم من وظيفة إلى أخرى. وستكون هذه الأعمال الأساسية بالغة الأهمية في مساعدة الأشخاص على التكيف مع البيئات الجديدة، واكتساب المهارات الجديدة، والحفاظ على قدرتهم التنافسية في سوق العمل. ومن المهم للغاية ضمان قيام أنظمة التدريب بإكساب المهارات المدفوعة باعتبارات الطلب والمتوافقة مع متطلبات أرباب العمل وأسواق العمل المحلية.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/development/39147