أصبح الحديث عن ضرورة إيجاد بدائل لانقطاع التيار الكهربائي في مصر هو الشغل الشاغل للمتخصصين والمواطنين على السواء؛ خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي سجلت مستويات قياسية الشهر الجاري فضلًا عن بدء موسم الامتحانات.
تستمر خطة تخفيف الأحمال في مصر والخاصة بقطاع التيار الكهربائي عن مناطق الجمهورية وفق جدول زمني معين لكل منطقة؛ فضلًا عن زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي يوميًا مؤخرًا لتصبح ثلاث ساعات بدلًا من ساعتين وهي الخطة التي تتبناها الدولة لترشيد الإنفاق الدولاري في سعيها لمعالجة أزمة شح الدولار الذي عانى منه الاقتصاد المصري لأكثر من عامين وتحديدًا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
كانت وزارة الكهرباء قد حددت أسباب انتهاج هذه الخطة في أربعة أسباب؛ تضمنت نقص الوقود الوارد لمحطات الإنتاج؛ ما أدى لعدم كفايته في تلبية حاجة المواطنين اليومية من الكهرباء، وزيادة الاستهلاك اليومي من الكهرباء واستخدامها من قبل المواطنين دون حرص؛ مما يؤثر سلبًا على الإمدادات الواصلة من الوقود، سرقات التيار الكهربائي المتعددة، والاستهلاك العالي من الكهرباء في أوقات تنخفض فيها درجات الحرارة وبالتحديد في فصل الشتاء.
بدءًا من السنة المالية ٢٠١٤/٢٠١٥ أعلنت الحكومة المصرية عن خطتها للتخلص من دعم الكهرباء نهائيًا خلال خمس سنوات؛ أي تنتهي في السنة المالية ٢٠١٩/٢٠٢٠ مع تطبيق زيادات تدريجية في أسعار الكهرباء والتي تستمر حتى العام المقبل مع مرور هذه الخطة بتأجيل التطبيق لثلاث مرات بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية على خلفية اشتعال أسعار الطاقة عالميًا والتي وصلت إلى معدل يفوق ١٢٠ دولارًا للبرميل في العام ٢٠٢٢ مع تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية.
بحسب تصريحات لوزير المالية في مايو الماضي فقد تم تخصيص ٢.٥ مليار جنيه لدعم الكهرباء.
ارتفع إنتاج مصر من الكهرباء في يناير الماضي ليصل إلى ١٦،٧٠٠ جيجاوات مقارنة بمعدل ١٦،٥٩٠ جيجاوات سجلت في ديسمبر ٢٠٢٣. وأظهرت البيانات أن أعلى معدل لإنتاج الكهرباء في مصر كان في أغسطس ٢٠٢٣ حين سجل ٢٢،٨٩٩ جيجاوات وهو أعلى معدل للإنتاج على الإطلاق. تعكس الأرقام مدى تأثر البلاد بنقص امدادات الغاز التي تأثرت كثيرا خلال الأشهر الماضية تحديدًا نتيجة تبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفقًا لوحدة أبحاث الطاقة -ومقرها واشنطن- فإن الغاز الطبيعي كمصدر لتوليد الطاقة الكهربائية في مصر وصل لأعلى مستوى على الإطلاق في ٢٠٢٣ بنسبة ٨٣.٨٪ مقابل حوالي ١٦٪ يتم توليدها من أربعة مصادر منها الطاقة الشمسية (حوالي ٧٪). وبالتالي فمع نقص إمدادات الغاز ونقص الموارد الدولارية خلال العامين الماضيين قد أثرا سلبًا على قدرات مصر من إنتاج الطاقة الكهربائية.
البحث عن بدائل
تسعى مصر من خلال رؤيتها “مصر ٢٠٣٠” أن ترفع نسبة الاعتماد على الطاقة النظيفة في توليد الكهرباء إلى ٤٢٪ مع دراسة رفع النسبة المستهدفة إلى ٦٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠ لتتوافق مع مستهدفات التنمية المستدامة عالميًا ومع توجه العالم لزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة للحد من آثار التغير المناخي الكارثية.
وانطلاقًا من ذلك ومع اضطرار الحكومة لتطبيق خطة تخفيف الأحمال التي تؤثر سلبًا بالفعل في حياة المواطنين اليومية؛ فإن البحث عن بدائل لهذه الخطة هو أمر حيوي وأولوية في الوقت الراهن.
نحو مشروع وطني لتوليد الطاقة الشمسية
بالنظر إلى تجربة الدول الأوربية؛ نجد أن مصطلحات مثل “مجتمعات الطاقة” “Energy Communities” ومواطنة الطاقة “Energy Citizenship” أخذت في الانتشار بهذه الدول خلال السنوات القليلة الماضية كإحدى أهم الوسائل التي تكفل استدامة عملية التحول إلى الطاقة النظيفة وترويض أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق نظرًا للتغيرات المناخية وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الاحفورية التي تؤثر بالطبع في احتياطياتها. كما تعني أن يصبح المواطن فاعلًا في خطط التحول الأخضر للدول؛ ومنها توليد الطاقة الشمسية ذاتيًا من خلال العديد من الخطوات؛ منها استخدام أدوات موفرة للطاقة وأخرى تعمد الطاقة النظيفة وكذلك تركيب وحدات الخلايا الشمسية على أسطح المنازل لتوليد الطاقة للاستخدام الشخصي؛ مما يقلل في النهاية من قيمة فاتورة استهلاك الكهرباء الشهرية، أو من خلال بيعها إلى الحكومات في كل بلد، وبالتالي فهي عملية مربحة لجميع الأطراف. هذا التوجه ليس فقط وليد التغيرات المناخية فحسب ولكن وليد تشجيع الاتحاد الأوروبي الدائم لدوله نحو انتهاج توليد الطاقة الشمسية ذاتيًا كأسلوب حياة في هذه الدول.
هذا التوجه كان محركًا قويًا نحو اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة المتجددة من أي وقت مضى؛ للحد الذي شجع هذه الدول على زيادة المستهدف من الاعتماد على الطاقة الشمسية لتصل إلى ٨٧٪.
أظهرت دراسة حديثة أعدها معهد الاستراتيجيات البيئية العالمية “IGES” كيف أن مشاركة المواطن في توليد الطاقة الشمسية -مع دراسة خاصة لحالة دولة النمسا- ساهمت كثيرًا في زيادة الاعتماد على هذا النموذج لتوليد الطاقة الشمسية حيث ساهم هذا التوجه الذي بدأ في ٢٠١٢ في النمسا -وتحديدًا في مدينة فيينا- من تشجيع ١٠ آلاف شخص من استثمار ٣٥ مليون يورو لإنشاء محطات خلايا شمسية لتوليد طاقة قدرها ٥٠،٠٠٠ ميجاوات ساهمت فعليًا في تخفيض الانبعاثات الكربونية بواقع ١٧،٠٠٠ طن خلال خمس سنوات فقط.
هذا النموذج -وفق الدراسة- تغلب على التحديات الرئيسية المتعلقة بنشر الطاقة المتجددة من خلال نموذج مبتكر للاستثمار من خلال تحمل تكلفة إنتاج وحدة الطاقة المحلية بين المواطن وشركة وين انرجي” أكبر مزود للطاقة إقليميًا في النمسا بنسبة متساوية (٥٠٪-٥٠٪) على أن يسترد المواطن كافة ما أنفقه مع انتهاء عمر المحطة المحدد عند ٢٥ عامًا.
الحالة المصرية
وفقًا لبيانات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة المصرية؛ فإن إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح تحديدًا قد زاد بسبعة أضعاف في ٢٠٢١/٢٠٢٢. فضلًا عن أن مصر قد تصدرت العالم العربي في إنتاج الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة بمعدل ٣.٥ جيجاوات تلتها الإمارات العربية المتحدة (٢.٦ جيجاوات) ثم المغرب (١.٩ جيجاوات) ثم الأردن (١.٧ جيجاوات) والسعودية (٠.٧٨ جيجاوات) وفقًا لأحدث تقارير “جلوبال إنيرجى مونيتور” لرصد وضع الطاقة المتجددة في المنطقة العربية.
ليست مصر بعيدة تمامًا عن هذا المشهد حيث اتخذت بالفعل خطوات جادة في هذا الاتجاه؛ إلا أن التحديات الراهنة تتطلب جهدًا أكبر من قبل الحكومة وكافة المعنيين لتبني مشروع وطني حقيقي ينبع من إرادة سياسية حقيقية نحو إشراك المواطن في هذه المسئولية بما يعود بالنفع على جميع الأطراف ويشجع الحكومة أيضًا على دراسة وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال.
فقد خصصت مصر منصة إلكترونية تحت مسمى “منصة مصر للطاقة الشمسية” معنية بتحديد الخطوات التي يجب على المواطن اتباعها لإنشاء وحدته الخاصة من الخلايا الشمسية مدعومة بخريطة الشركات التي تقدم خدمة إنشاء المحطة مع تحديد القدرة المتوقعة للمحطة على توليد الطاقة وكذلك حساب التكلفة التقديرية للمشروع ككل.
وفقًا لبيانات المنصة؛ فإن ١٢٢ شركة في مصر مؤهلة لتنفيذ وإنشاء هذه المحطات أو الوحدات وأن ١٨٣٥ محطة طاقة شمسية ذاتية تم بالفعل إنشاؤها بإجمالي قدرات مركبة ٢٠٦.٨ ميجاوات. كما وفر عدد من البنوك الخاصة في مصر نظمًا للاقتراض لبناء هذه المحطات بشروط ميسرة للغاية.
كيف يمكن البناء على هذا المجهود؟
يمكن بناء مشروع قومي بالبناء على هذه المنصة كقاعدة أساسية لهذا المشروع كالتالي:
** تصميم حملة قومية في جميع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بفكر إبداعي لتشجيع المواطنين على بناء محطاتهم للخلايا الشمسية.
** تتضمن الحملة مزايا بناء هذه المحطات التي تمس الحياة اليومية للمواطن (توفير مصدر أرخص للطاقة وترشيد فاتورة استهلاك الكهرباء الشهرية وكذلك السعي لوقف العمل بخطة تخفيف الأحمال) وربطها بالهدف القومي الأكبر وهو زيادة معدلات توليد الطاقة الشمسية واعتمادها كإحدى أهم وسائل توليد الطاقة بدلًا من الغاز.
** استضافة الخبراء المعنيين بهذا الملف في برامج “التوك شو” واسعة الانتشار لتبسيط عملية إنشاء محطة توليد الطاقة الشمسية للمواطنين وبيان جدواها الاقتصادية على مستوى الفرد والدولة.
** توجيه البنوك؛ خاصة التابعة للدولة؛ بتخصيص برامج إقراض بشروط ميسرة لإنشاء وحدات الخلايا الشمسية.
** التفاوض مع مؤسسات التمويل الدولية؛ ومنها بنك التنمية الجديد التابع لتكتل “بريكس” والبنوك المهتمة بدعم القطاع الخاص كبنك الاعمار الأوروبي ومؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي، لتوفير خطوط ائتمانية لبنوك القطاع الخاص والأجنبية في مصر لتوفير قروض ميسرة مماثلة.
** تقديم حوافز من قبل الحكومة للمواطنين -كتلك التي منحتها للمواطنين ممن حولوا سياراتهم للعمل بالغاز الطبيعي على سبيل المثال- لتشجيعهم على تبني بناء محطات الطاقة الشمسية.
** قد تتضمن هذه الحوافز شراء وحدات الطاقة بأسعار تنافسية من المواطنين بهدف تشجيعهم على إنتاج المزيد من الطاقة الشمسية من هذه المحطات.
** التوسع في توفير الشركات العاملة في بناء وتصميم هذه المحطات في مصر ومنها الشركات الصغيرة والمتوسطة لتشجيع هذه الشركات من جهة وتوفير خطط بأسعار مختلفة تلبي كافة الميزانيات والقدرات الشرائية للمواطنين.
** دمج هذا المشروع ضمن المناهج التعليمية في المرحلة الإعدادية والثانوية على سبيل المثال لنشر الوعي بهذا المشروع وتشجيع المقبلين على سوق العمل للدخول في هذا المجال.
المصدر : https://ecss.com.eg/46549/