تداعيات محتملة: مخاطر اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله

منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023، تصاعدت الهجمات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل، على الحدود شمال إسرائيل وجنوب لبنان. وقصفت إسرائيل بشكل متكرر مواقع بعيدة في الشمال في بعلبك والهرمل في وادي البقاع، وقرب صيدا على الساحل. وأطلق حزب الله هجماته على منطقة في إسرائيل تمتد لنحو 10 كم جنوب الحدود، كما أطلق صواريخ في مناطق أبعد جنوبًا مثل نهاريا ومرتفعات الجولان. ووصلت هجمات حزب الله بالمسيرات إلى طبريا على بعد 35 كم من الحدود، بما نتج عنها تدمير نحو 6 آلاف مسكن في لبنان، وأكثر من ألف مسكن في إسرائيل. واستخدم الحزب أسلحة حديثة مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدروع، والمسيّرات الهجومية، وصواريخ الدفاع الجوي.

مؤخرًا ارتفعت وتيرة التوترات بين الطرفين، والتصريحات الإعلامية بتوسع نطاق الحرب على الجبهة اللبنانية ارتباطًا باستمرار الحرب في غزة، وعدم التهدئة من الجانب الإسرائيلي. فضلًا عن أن الجهود الدبلوماسية المبذولة برعاية أمريكية أو فرنسية للتهدئة بين حزب الله وإسرائيل، لم تفلح في تحقيق أهدافها في الوقت الحالي من حيث انسحاب حزب الله إلى حوالي 30 كيلومترًا شمال الحدود، ونشر القوات المسلحة اللبنانية مع طرح فكرة ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، ورفض حزب الله أي اتفاقات إلى أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة. ومن ثم باتت الأوضاع أكثر خطورة بما يُنذر بحرب أوسع نطاقًا في ظل عدم التوافق بين الطرفين، والإصرار الإسرائيلي على انسحاب قوات حزب الله إلى جنوب نهر الليطاني، ونقل قواته إلى مسافة أبعد عن الحدود الإسرائيلية- اللبنانية، وتنفيذ القرار 1701 الذي يحدد الخط الأزرق كمنطقة فاصلة بين القوات الإسرائيلية والقوات المسلحة اللبنانية وأن تكون المنطقة الممتدة من الخط الأزرق إلى جنوب نهر الليطاني خالية من الوجود العسكري لحزب الله بما يضمن تحقيق الأمن الإسرائيلي على الحدود الشمالية، في المقابل يتمسك حزب الله بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا، وقرية الغجر والجولان.

ضمن هذا السياق، يناقش التحليل العوامل المحفزة للطرفين حول الدفع بسيناريو الحرب الشاملة، والتداعيات الخطرة التي ترتبها على المستوى الإقليمي والدولي. 

تتصاعد التهديدات المتبادلة بين الطرفين بتوسعة نطاق الصراع، واندلاع الحرب الشاملة، وإشعال الجبهة اللبنانية. وفي خطوة لاستعراض قدرات حزب الله أرسل طائرة بدون طيار “الهدهد” بتحليقها فوق ميناء حيفا الإسرائيلي في 18 يونيو الماضي، ونشر فديو وصور للبنية التحتية العسكرية في حيفا كخطوة تدلل على قدراته باختراق أنظمة الدفاع الجوية، والوصول إلى عمق إسرائيل. في المقابل وفي تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” في 18 يونيو الماضي حذر من حرب شاملة وشيكة قائلًا: “الخطط العملياتية للجيش للهجوم في لبنان تمت الموافقة عليها”.

بالرغم من استمرار الهجمات بين حزب الله وإسرائيل خلال الأشهر الماضية، حافظ الطرفان على ردود فعل محسوبة كشكل من أشكال الردع، لكن في سياق الحرب الإعلامية والنفسية بين الطرفين بالرد والرد المضاد في حال إشعال الحرب في لبنان، يبدو أن الأوضاع تتجه إلى مزيد من التصعيد، خاصة في ظل العوامل المحفزة لذلك، إذ يدعم اليمين المتطرف الإسرائيلي الحرب على لبنان، ويحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” على البقاء في السلطة، وعدم سقوط حكومته. كذلك تمثل تصريحات المسئولين الأمريكيين عن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حال اشعال الحرب على الجبهة اللبنانية، والتحركات الأمريكية بزيادة الدعم العسكري والموافقة على صفقة أسلحة تتجاوز 18 مليار دولار لإسرائيل – عوامل محفزة في هذا السياق.

وربما ما يحفز الطرف الإسرائيلي على التصعيد في الجبهة اللبنانية الاعتبارات السياسية للائتلاف الإسرائيلي الحاكم والبقاء في السلطة، وأهداف نتنياهو بالإصرار على إشعال جبهة لبنان في الوقت الراهن، في ظل عدم تحقق هدفه من استمرار الحرب في غزة، بالقضاء على قادة حماس والإفراج عن جميع الرهائن، بالإضافة إلى إدراك نتنياهو لخطورة إنهاء الحرب في غزة في ضوء محاسبته داخليًا على الإخفاق الاستخباراتي والسياسي وخارجيًا على الجرائم المرتكبة في حق الفلسطينيين.

يُعد سيناريو الحرب الشاملة الأكثر خطورة خاصة أن قدرات حزب الله الحالية تختلف عن قدراته في حرب لبنان 2006. كذلك يختلف حزب الله عن حماس في القدرات التسليحية والتنظيمية، إذ يمتلك نحو 120 إلى 200 ألف صاروخ باليستي موجه قصير المدي، وأخرى باليستية قصيرة ومتوسطة المدى وغير موجهة، بالإضافة إلى صواريخ قصيرة وطويلة المدى غير موجهة. ويمتلك الحزب قوة قتالية من 30 ألف مقاتل ونحو 20 ألف جندي احتياطي، ولديه قدرة على تدمير البنية التحتية في إسرائيل ومصافي النفط، والقواعد الجوية، ومفاعل ديمونا الخاص بالأبحاث النووية.

من ناحية أخرى، تمثل جغرافية جنوب لبنان عنصرًا مهمًا لحزب الله يمكن استغلالها في حربه مع إسرائيل، وتتكون المنطقة عبر الحدود الإسرائيلية المباشرة من التلال الصخرية، وقد سبق واستخدم مقاتلو حزب الله في حرب 2006 الكهوف والأشجار والمباني على طول سفوح التلال، لإخفاء تحركاتهم وإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على المواقع الإسرائيلية على الحدود. وكانت البنية التحتية عاملًا مساعدًا للحزب لإخفاء مراكز القيادة بدلًا من التحصينات العسكرية. ويستخدم حزب الله الأنفاق والمخابئ لمهاجمة القوات الإسرائيلية. كما أن الخبرة القتالية التي يمتلكها في سوريا تمنحه القدرة على القتال البري، ومن ثم يُعد الحزب أكبر حجمًا، وأفضل تسليحًا، وأكثر خبرة. بالإضافة إلى أن للحزب قدرة على استهداف منصات استخراج الغاز من الحقول البحرية الإسرائيلية. فقد سبق وحذر “نصر الله” في العام الماضي بأنها ضمن بنك أهداف المقاومة. مع احتمالية أن يكون مطار رفيق الحريري الدولي أحد أهداف إسرائيل إذا اندلعت الحرب كما حدث في حرب 2006، من ناحية ثانية قد يكون مطار بن جوريون الدولي في تل أبيب أحد أهداف حزب الله في حال تصاعد الحرب.

يُنذر اشتعال الحرب على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية بكارثة إنسانية واقتصادية إقليميًا ودوليًا، خاصة أن استمرار الهجمات منذ السابع من أكتوبر 2023، قادت إلى عدم الاستقرار الأمني، وتهديد الأمن المجتمعي في الداخل اللبناني والإسرائيلي، ونزوح أكثر من 150 ألف مدني على جانبي الحدود الإسرائيلية- اللبنانية بنحو 80 ألفًا من شمال إسرائيل و75 ألفًا من جنوب لبنان، الأمر الذي يخلق مزيدًا من الضغوط على الحكومات لتغيير الأوضاع الأمنية حتى يتمكن المدنيون من العودة إلى منازلهم. في هذا السياق يتم توضيح التداعيات الخطرة التي يرتبها سيناريو الحرب الشاملة على النحو الآتي:

  1.  التداعيات الإنسانية:

ترتب المواجهة الشاملة بين حزب الله ولبنان خطر تزايد أعداد اللاجئين اللبنانيين إلى الدول المجاورة، فضلًا عن استضافة لبنان لنحو 1.5 مليون لاجئ سوري، بما يقود إلى هجرتهم إلى دول أخرى، أو ترحيلهم. الأمر الذي يفاقم من مشاكل الهجرة على المستوى الإقليمي والدولي، نتيجة موجة نزوح جديدة، يضاف إلى ذلك التكلفة المرتفعة لإعادة الإعمار بعد اندلاع الحرب في لبنان في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة بالفعل.

كما أن اندلاع حرب شاملة يزيد من الضغوط على المنظمات الدولية لمواجهة التداعيات الإنسانية، والتي تواجه تحديات في تقديم المساعدات للاجئين والنازحين في دول أخرى. من ناحية أخرى ترتب موجات النزوح واللجوء في حال اندلاع الحرب إلى زيادة حجم الضغوط على الدول الأوروبية نظرًا للقرب الجغرافي بما يتطلب زيادة حجم الطاقة الاستيعابية، ورفع عمليات الإنقاذ البحري إلى أوروبا، ولا سيما قبرص واليونان لكونها وجهة للنازحين جرّاء الحرب للهروب عن طريق البحر أو البر إلى سوريا.

  1.  التداعيات الاقتصادية: 

من شأن حرب أوسع نطاقًا بين إسرائيل ولبنان تعرض لبنان للتدمير كونه يعاني أزمة اقتصادية حادة، وأوضحت التهديدات والتصريحات الإسرائيلية تعرض لبنان لضربة شديدة إذ اتسعت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل. الأمر الذي يرتب تدمير البنية التحتية اللبنانية وارتفاع تكاليف إعادة الإعمار في حال توسع الحرب. فعلى مدار الأشهر الماضية وفي ضوء المواجهات المستمرة بين حزب الله وإسرائيل، لحقت أضرار جسيمة بممتلكات المدنيين، وأغلقت المدارس في لبنان، ودمرت المساحات الزراعية والغابات. وبحسب تصريحات رئيس الوزراء اللبناني “ميقاتي” في 4 أبريل الماضي، أعلن عن نيته بإعلان جنوب لبنان منطقة طوارئ زراعية، حيث خسر 75% من المزارعين اللبنانيين دخلهم.

  1.  التداعيات الإقليمية والدولية:

 تنذر الحرب بين حزب الله وإسرائيل بالتوسع إقليميًا، وتدخل وكلاء إيران في الجبهات الأخرى لدعم حزب الله، وقد نجحت إيران عقب الحرب في سوريا منذ عام 2011 في إنشاء جسر بري وجوي ينقل الأسلحة من العراق إلى سوريا ثم إلى حزب الله في لبنان، ولن ترغب طهران في إضعاف حزب الله في حربه مع إسرائيل بما يُقوض النفوذ الجيوسياسي الإقليمي لطهران فهو أحد وأهم وكلائها في الإقليم. على الجانب الآخر تقع إيران على مضيق هرمز الذي يعد نقطة الدخول إلى الخليج العربي، وفي حال توسع الحرب إقليميًا فإنه من المحتمل إغلاق إيران للمضيق بما يعني رفع أسعار النفط عالميًا. كذلك يضر اتساع نطاق الحرب بالمصالح الغربية في المنطقة حيث الأهداف الاقتصادية التجارية وحركة تدفق النفط والتأثير في سلاسل الإمداد، وأسعار الطاقة، وقطاعات الاستثمار والتجارة. كذلك يُنذر إشعال الحرب في لبنان بتصعيد في شرق المتوسط، واستهداف خطوط نقل النفط والغاز، بما يشبه ما فعله الحوثيون في البحر الأحمر باستهداف حركة مرور السفن والتجارة في البحر الأحمر، بما فرض تأثيرات على حركة التجارة الدولية.

ومن ناحية أخرى تُنذر الحرب الشاملة بدخول قوى دولية في ظل الدعم المعلن بإرسال حاملة الطائرات “أيزنهاور” إلى البحر الأبيض المتوسط، ومغادرة البحر الأحمر، بالإضافة إلى زيادة عدد القوات الأمريكية في الأردن من 2936 جنديًا إلى 3813 جنديًا بهدف تعزيز الجبهة الشرقية لإسرائيل. أيضًا تفاقم الحرب في لبنان من وتيرة الهجمات من جانب وكلاء إيران على إسرائيل والولايات المتحدة، وليس من المستعبد تدخل المليشيات في العراق وسوريا واليمن لدعم حزب الله في حربه مع إسرائيل، إذ حذر “قيس الخزعلي” زعيم مليشيا عصائب أهل الحق، بأن دعم الولايات المتحدة لهجوم إسرائيلي على لبنان، يضع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وخاصة في العراق كهدف من أهدافها. خاصة في ظل وجود القوات الأمريكية في العراق وسوريا، بما قد يرتب تعرض القوات الأمريكية لضربات وربما انخراطها في دائرة الصراع الإقليمي.

ختامًا، على الرّغم من الحرب الإعلامية المتصاعدة بضرب لبنان بما يُفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، لكن تظل الأوضاع مرهونةً بمدى الرشادة الدولية والضغوط والجهود المبذولة والداعمة لتجنب إشعال جبهة جنوب لبنان، في ظل ارتفاع تكلفة الحرب بها، وتداعياتها الخطرة على المستوى الإقليمي والدولي، بما يقود إلى مضاعفة هذه الجهود للتهدئة وخلق مساحات للتوافق بين الأطراف المختلفة.

 

المصدر :  https://ecss.com.eg/46710/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M