معنى كلام الإمام الحسين ان (التعاسة هو أن تعيش مع الظالم)، لأن الظالم هو طاغوت يسلب منك كل المعنويات التي تحتاج ان تتحلى بها، وكل القيم الإنسانية التي تؤمن بها في داخلك، فيجعلك الطاغوت هيكلا خاليا من المعاني، فتكون مجرد شكل لإنسان، كالشجر الميت الخالي من الحياة…
عظم الله اجورنا واجوركم بمصاب الامام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من السائرين على دربه والمنتهجين نهجه.
يقول الإمام الحسين (عليه السلام) في إحدى كلماته عندما خرج إلى كربلاء، قال:
(ألا ترون الحقّ لا يُعمل به، والباطل لا يُتناهى عنه؛ ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً)(1).
نحاول في هذا الوقت القصير أن نلقي الضوء على هذه الكلمة المهمة جدا في هذا الحديث الشريف التي لم تنل الاهتمام الكافي من قبل الباحثين، وهي كلمة (برما) وما علاقة هذه الكلمة بالسعادة، ولماذا يرى الإمام الحسين عليه السلام في الموت سعادة، وهي رؤية نقيض لرؤية الناس في الدنيا، فالناس يرون في الحياة السعادة، الحياة التي تعني عندهم الرفاه والملذات والعيش اللذيذ.
فكيف يرى الإمام الحسين عليه السلام في الموت سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما؟
مفهوم السعادة
مفهوم السعادة وضده الشقاء، يعني تحقيق الانسجام بين الأبعاد الثلاثة عند الإنسان، البعد الجسمي متمثلا بالجسد، البعد النفسي متمثلا بالنفس، والبعد الفكري الذي يكون في القلب أو الذهن، وذلك من خلال بناء التوازن بين هذه الأبعاد الثلاثة فيتحقق التكامل بينها، وعندما تكون متكاملة فيما بينها تتحقق السعادة.
التوازن يحقق الانسجام مع الكون وقوانينه وسننه، فينبثق من ذلك العمل الصالح الي يؤدي الى تحقيق الحياة الصالحة المتوافقة مع الغايات الإلهية.
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) طه 123.
إذا كان جسم الإنسان صحيحا سليما، ولكن نفسه مريضة، بالغل والحسد والكراهية، أو بالكآبة والهمّ والغمّ والقلق، أو يوجد عنده في أفكاره مشكلة عقائدية، يعيش الشك والتشكيك والريب والاوهام، وعند إشكالات وشبهات عقائدية لم يحلها، هذا الإنسان لن يكون سعيدا حتى وإن كان جسمه ممتلئا بالعضلات، ممتلئ بالصحة والعافية والسلامة ويتناول أفضل الغذاء.
وعن الإمام علي (عليه السلام): (خلو الصدر من الغل والحسد من سعادة العبد)(2).
هذا الإنسان ما دامت نفسه مريضة في الواقع، سوف يمرض جسمه، وإن كانت نفسه صحيحة، لا يعاني من الهم والغمّ والكآبة والقلق، ولكن كان عقله أو ذهنه أو عقائده فيها مشكلات، سوف يؤثر ذلك على نفسه وعلى جسمه، كذلك لا يمكن للإنسان أن تكون نفسه سليمة وجسمه مريض أو عقائده فيها إشكال.
ولا يمكن للإنسان إن كانت عقائده سليمة ونفسه غير سليمة أو جسمه غير سليم، لابد من تكامل هذه الأبعاد، والا فإن اختلال أحد الابعاد الثلاثة يؤدي الى الشقاء والتعاسة.
فالإنسان الذي يحقق التوازن في هذه الأبعاد الثلاثة فهو سعيد في حياته بسبب امتلاكه الوعي في بناء التوازن بين الابعاد الثلاثة، وهؤلاء الذين وصلوا إلى مرحلة عالية من التفكير والوعي والإدراك يدركون هذه الأبعاد الثلاثة، ويحاولون أن يحققوها في حياتهم من خلال الوعي بالتوازن والاعتدال المنهجي والسلوكي.
الملل في الحضارة المعاصرة
هذه المقدمة هي لفهم معنى (برما)، وهي تعني الضجر والسأم والملل الذي يصيب الإنسان.
وفي اللغة: البَرِم بكسر الراء: الضَجِر، بَرِم بالشيء يبرَم بَرَما وتبرّم به: سَئِمه وضَجِر منه فهو بَرِمٌ. ومعنى ضَجَر: شُعورٌ بوَحْشة وفَراغ، تَعَبٌ مَعْنَويّ يُسبِّبه تعطُّلٌ عن العمل أو رَتابةٌ وقِلَّةُ تنوُّع وعدمُ مُتْعة. الضَّجِر: المتبرّم، ضَجِر من الشيء، يضجَر ضَجَرا وتضجِّر: ضاق وتبرّم، واغتمّ منه وقَلِق، فهو ضَجِرٌ ومتضجّر. والضَجُور: الكثير الضَجَر. وفي الحديث ومن ضجر لم يصر الى حق. والملل ناجم عن شعور داخلي بالعجز والفراغ اي انعدام الطاقة، والضجر ناجم عن شعور بالغضب بسبب العجز، أي أن الطاقة موجودة ولكن ليس لها اتجاه أو هدف او صبر وتأني.
وهذه الضجر والملل نراه اليوم أحد أهم المشكلات الكبيرة في حياتنا المعاصرة، إنه يسمى بعصر الملل، سابقا كان الناس يعيشون في الصحراء والبساتين والحقول الزراعية والجبال، ولم يكن لديهم ما يملئ فراغهم كالإنترنيت مثلا أو التلفاز أو الميديا، حتى لم تكن عندهم كتب ومكتبات.
فكان لديهم فراغ كبير، لكنهم كانوا سعداء في حياتهم، ولكن نلاحظ أن الإنسان مع توفر كل أدوات الرفاهية والمتعة يعيش حالة الملل والضجر، لماذا؟
هذا يرتبط بالأبعاد الثلاثة التي ذكرناها سابقا، وما فهمناه من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام)، فلا سعادة مع وجود الضجر والملل.
السعادة ضد الملل
وهنا يتبادر هذا السؤال: إذا كان الشقاء ضد للسعادة، فلماذا ذكر الامام الحسين (عليه السلام) الملل والضجر (برم) مقابل السعادة؟
والجواب:
1- ان الشقاء هو بعد ظاهري يمكن ان يتشكل من خلال الوجود الخارجي، ولكن الضجر والملل هو الشقاء في بعده الخفي الذي لايظهر بشكل واضح، فالذي يعيش الملل والضجر ولايظهر عليه مظاهر الشقاء قد يكون اكثر شقاء وتعاسة من الآخرين، كما نرى ذلك في الحياة المادية المعاصرة حيث وصل الكثير من الناس مستوى عالي من الرفاه والسعادة المادية لكنهم غير راضين عن حياتهم يعيشون الملل المميت في دواخلهم لذلك تراهم يسقطون في فخ الخمور والمخدرات والانحرافات الجنسية بحثا عن لذة تشبع مللهم وتزيل ضجرهم.
2- ان التفكير الاجتماعي العام قد يتصور ان البقاء حيا ولو كان بلا حرية او حركة هو حياة، حيث يشتري الحاكم المستبد الظالم حرياتهم وكرامتهم مقابل توفير الامن والرفاه لهم. لكن الامام (عليه السلام) ينقض هذا المعنى ويشير الى مفهوم اجتماعي عميق وهو الموت الاجتماعي بالملل وضياع الاعمار وفناء الأرواح، فالذين يعيشون في هكذا مجتمعات يتحولون الى مجرد أجساد فارغة لا قيمة لها كما سنشير الى ذلك لاحقا. فالبقاء حيا تحت مظلة الظالمين هو موت، والموت مع الحرية هو حياة.
فماهي الأسباب التي تؤدي الى البرم والملل والسأم والضجر؟
أولا: التعايش مع الظالمين
إن الإنسان الذي يتعايش مع الظالمين هو الإنسان الذي تكون حياته فيها ملل، فمن يتعايش مع الظالم هذا يعني إنه يقبل بالخنوع، ويرضى بالاستعباد، يقبل بان تكون روحه مسلوبة فكره تابعا للآخرين، حياته لا قيمة لها، فالإنسان اليوم يعيش هكذا، واذا ذهبنا إلى دولة نظامها دكتاتوري، حتى لو كانت متوفرة فيها كل وسائل الرفاهية والعيش لكن تراهم يعيشون الضجر والملل، لأن الإنسان في هذه الحالة لا قيمة له، لأنه لا يستطيع أن يفكر كما يريد متنعما بحريته، ولا يستطيع أن يعبر عن رأيه، ولا توجد عنده حرية تعبير عن وجوده الخاص، لا يستطيع أن ينمو ويتكامل، بل يعيش حالة الضجر والملل والجمود.
فمعنى كلام الإمام الحسين (عليه السلام) ان (التعاسة هو أن تعيش مع الظالم)، لأن الظالم هو طاغوت يسلب منك كل المعنويات التي تحتاج ان تتحلى بها، وكل القيم الإنسانية التي تؤمن بها في داخلك، فيجعلك الطاغوت هيكلا خاليا من المعاني، فتكون في هذه الحالة مجرد شكل لإنسان، كالشجر الميت الخالي من الحياة.
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون 3-4. وفي آية أخرى: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) الحاقة 7.
لابد أنكم رأيتم أشجارا ميتة، فترى الشجرة منتصبة وتقف باستقامة إلى الأعلى ولكن هي في داخلها فارغة، وليس في داخلها حياة، بل هناك خواء في داخل هذه الشجرة، وهذا معنى الخواء في الإنسان الذي يعيش تحت ظل المستبد، هيكل بلا روح، وظاهر بلا معنى.
ولكن التعايش مع الظالم ليس فقط قضية استلابية، غيرية، وإنما هي قضية استلابية ذاتية، بمعنى الإنسان هو الذي يسلب نفسه حريته ومعناه، ويقدم نفسه للظالم ويخضع له ويتطبع بسلوكه ويصبح ظالما مثله، لذلك هو يبقى تعيسا وضجِرا وملولا في حياته فاقدا للغايات الحيوية.
(وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) هود 113.
ثانيا: التعايش مع الباطل
هذه الكلمة للإمام الحسين (عليه السلام) جاء فيها مع الحياة بالظلم، القبول بالباطل والتعايش مع المعاصي وعدم التناهي عنه، خصوصا ما نراه اليوم في عصر الانفتاح المنفلت والاستهلاك الاعمى، الذي جعل البعض من الناس يتعايش مع الانحرافات، فأصبحت تدريجيا شيئا طبيعيا عند الإنسان فيتطبع مع المعاصي والذنوب، بعنوان الانفتاح على الجديد، والملل من القديم، أو بعنوان ملء الفراغ الذي لا يمتلئ بسبب التذمر والتبرم من عدم الاشباع بعمق.
لذلك نلاحظ دائما إنه كلما يتمتع الإنسان في الدنيا يزداد ضجرا، ويزداد مللا، وكلما يذهب نحو المعاصي يزداد مللا، ولن تشبعه هذه الملذات، لأن المعصية هي انحراف والانحراف لا يمكن أن يعطي للإنسان الراحة في حياته.
لذلك قال الإمام الحسين عليه السلام: (ألا ترون الحق لا يُعمَل به، والباطل لا يُتناهى عنه)، وكذلك ما ورد عن الإمام علي عليه السلام: (لا يسعد امرء إلا بطاعة الله سبحانه، ولا يشقى امرء إلا بمعصية الله)(3)، فالشقاء في الباطل والمعاصي، والسعادة في الحق وطاعة الله سبحانه وتعالى، وعن الامام علي (عليه السلام): (في لزوم الحق تكون السعادة)(4)، وهذا الأمر يعود إلى المقدمة التي بدأنا بها، بناء التوازن بين الأبعاد الثلاثة في الإنسان.
إياكم من الضجر والكسل
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
(علامة الصابر في ثلاث: أولها أن لا يكسل، والثانية أن لا يضجر، والثالثة أن لا يشكو من ربه عز وجل، لأنه إذا كسل فقد ضيع الحقوق، وإذا ضجر لم يؤد الشكر، وإذا شكا من ربه عز وجل فقد عصاه)(5). فعندما يركز الانسان حياته على الاغتراف المادي والاستعجال الدنيوي يصبح عنده الملل ظاهرة مرضية تؤدي به الى ارتكاب المزيد من المنكرات، وتتوسع دوامة التعاسة التي هيمنت عليه.
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (وإياك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقا)(6).
فالضجر يبدأ من استعجال الانسان في حصد المكاسب بسرعة وان أدى ذلك الى الانحراف والخروج من طريق الاستقامة وترك العمل الصالح، وهذا ما نراه في السلوك النفسي المرضي عند الفاسدين فانهم لايرتوون ولايشبعون من المال الحرام ابدا.
ومن هنا لابد على كل فرد منا وخصوصا الشباب أن يضع لنفسه برنامجا، كي لا يقع في مصيدة الضجر، ومن ثم الملل والكسل. فبعض الشباب على سبيل لتقريب المعنى له رغبة أو عادة الذهاب إلى المطاعم والمقاهي بكثرة، أو التمتع من خلالها. ولا بأس بذلك، ولكن هذه الحالة يجب أن لا تصبح ظاهرة، ولا أن يتحول إلى سلوك مستمر، ويبقى في حالة رغبة مستمرة، لأنه لا يشبع في الحقيقة، حيث تنتهي لذة الطعام، ولا تعطي للروح لذة خاصة بها، فيزداد فراغا ومللا ومن ثم ضجرا وفقدانا للغايات المجدية.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (إياك والكسل والضجر، فإنهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤد حقا، ومن ضجر لم يصبر على حق)(7)، فالزاوية التي ينظر بها الإنسان كي يشبع حاجات جسده عليه أيضا أن يفكر كذلك في اشباع روحه وفكره.
وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): (من استولى عليه الضجر، رحلت عنه الراحة)(8)، كما يمكن ملاحظة الكلام الدارج بين الأجيال الجديدة، خصوصا المراهقين، حيث يقول بعضهم لبعض، هذه الجملة (والله ملل) ويعني ذلك أنهم غير مرتاحين.
إن شبكات التواصل الاجتماعي وسيطرة الحياة المادية وارتفاع مستوى التوقعات الكمالية، تسلب الراحة من الإنسان خصوصا عندما تتم المقارنة مع الآخرين في مستوى الحياة المادية، وعن الإمام علي (عليه السلام): (هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهوينا والبطالة)(9)، فالإنسان الذي يسكن إلى البطالة والعيش المضجر والممل حيث يسير بشكل بطيء في مسيرة الحياة. ومواصلة الحياة بشكل بطيء تعني عدم وجود السعي وعدم حب العمل، وانعدام الحركة والخمول، بل فقط البحث عن الملذات والرغبات المادية، وهذا كله يؤدي إلى التعاسة وسلب السعادة.
كيف نصنع السعادة الحقيقية؟
عندما نلاحظ مضمون خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) سنجد أن الغاية تدور حول مسألة كيف يعرف الإنسان قيمة نفسه، لأن معرفة قيمة الإنسان لنفسه هي التي تعطيه تلك القدرة على أن يحقق التوازن بين الأبعاد الثلاثة.
والمعرفة أولا للإنسان بنفسه، أي أنه يجب أن يعرف قيمة نفسه، وأن يحقق القيمة والمكانة الجيدة لكرامته الانسانية.
وفي القرآن تبدأ المعرفة بقيمة الذات: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) التوبة 111. وأن أعظم قيمة للإنسان هي الجنة، والذي يرى في قيمته ان نفسه تساوي الجنة، لا يبيعها لأي أحد أو ظالم أو طاغية أو مسؤول أو مدير، فلا ثمن لنفسه أعظم من الجنة.
مثل هذا الإنسان المؤمن لا يُشترى، لأن الله سبحانه وتعالى أعطاه وعدًا، وهذا هو الوعد العظيم الكبير الذي وعد به الله سبحانه وتعالى المؤمنين.
وعن الإمام علي (عليه السلام): (وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً)(10)، فقضية الفساد في بعض الحكومات والمجتمعات تعبر عن التجارة الخاسرة التي يضع الفاسد فيها نفسه، فهذه الأموال التي حصل عليها قليلة كانت أو كثيرة، إلى ماذا يريد أن يصل بها؟، هل يريد أن يتمتع بها، وكيف يستفيد منها، ولأنه لا يعرف قيمة نفسه، فهو يستمر في الخسارة والاضمحلال، فعقدة النقص التي يعيشها تستولي على كيانه وتستعبده في رق وعبودية مؤبدة.
لذلك يؤكد الامام علي (عليه السلام) على: (إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا)(11)، فمعرفة قيمة النفس هو تحرر من الظلم والظالمين وسعادة حقيقية وانفلات من تعاسة الملل والضجر التي يستكين اليها الكثير من الفاشلين الذين اعتادوا العيش تحت مظلة الظالمين، (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الأنعام 135.
معرفة الامام الحسين (عليه السلام)
عند إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) وممارسة الشعائر الحسينية لابد أن يكون كل واحد منا (عارفا بحقه)، وعن الامام جعفر الصادق (عليه السلام): (من أتى قبر الحسين (عليه السلام) عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)(12)، فعليه أن يعرف حق الإمام الحسين (عليه السلام)، ولابد أن يتعلم ويحصل على هذه المعرفة.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديا في حالين: إما عالما أو متعلما، فإن لم يفعل فرط، فإن فرط ضيع، فإن ضيع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمدا بالحق)(13)، وهذه الرواية وفي هذا التسلسل المذكور فيها وربطها بكلمات الامام الحسين (عليه السلام) وبالروايات التي ذكرنها في المقال، نصل الى هذه الاستنتاجات:
1- لابد لكل واحد منا أن يكون عالِمًا ومتعلمًا، عليه أن يمتلك هاتين الحالتين، وإذا لم يكن عنده هاتين الحالتين، فاذا لم يكن في احد الحالتين فانه يضيع حياته ومن يضيع حياته يدخل في عالم المعاصي.
2- ان عدم التعلم والتعليم يضع الانسان في فراغ واسع يؤدي به الى الجهل، فمهما اتسعت نشاطات الانسان غير التعليمية تبقى مجرد نشاطات جسدية او نفسية خالية من المعرفة التي تضع الانسان في اطار الغايات التي تحقق له الانسجام والسعادة.
3- ان عدم المعرفة يعني العيش بالفوضى وهو ما ينطبق عليه الضجر والملل والتعاسة والركون إلى الظالمين، وحيث يؤدي ذلك الى ان يبيع الانسان نفسه بثمن بخس.
4- ان معرفة الامام الحسين (عليه السلام) معرفة حقة ستقودنا الى تحقيق التوازن في الابعاد الثلاثة، ومن ثم تعطينا المعرفة العميقة بمفهوم الحياة وكيفية العيش الصحيح، ومن يتعلم كيف يعيش هو الذي يعيش سعيدا وفائزا ومفلحا ومنتصرا في الدنيا والآخرة.
(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) الفتح 1-3.
نسأل الله سبحانه وتعالى من الذين يعرفون الامام الحسين (عليه السلام) المعرفة الحقة فنفوز بالسعادة، ويوفقنا الى إحياء ذكرى عاشوراء، فقد: (سعد من والاكم، وهلك من عاداكم، وخاب من جهلكم، وضل من فارقكم، وفاز من تمسك بكم، وأمن من لجأ إليكم، وسلم من صدقكم، وهدي من اعتصم بكم).
المصدر : https://annabaa.org/arabic/ashuraa/39475