“تشابهار”… بوابة الهند الجديدة نحو النفوذ الإقليمي

ردا على سؤال طرحه أحد المراسلين عن الاتفاق الهندي الإيراني الذي أبرم في مايو/أيار 2024، والذي يمنح الهند عقدا يمتد عشر سنوات لإدارة “ميناء تشابهار” في جنوب إيران، قال د. سوبرامنيام جاي شنكار، وزير الشؤون الخارجية الهندي، “ذلك يعود بالفائدة على الجميع، وأعتقد أن على الناس ألا ينظروا إليه من منظور ضيق … لو فكرت في موقف الولايات المتحدة الأميركية نفسها تجاه “تشابهار” في الماضي، تجد أنها كانت تدرك أن له أهمية كبيرة”.

وأضاف الوزير أن هذا الاتفاق الذي تبلغ قيمته 370 مليون دولار سيفتح المجال أمام استثمارات جديدة في عمليات الموانئ بعدما أصبح ممكنا أخيرا بوصفه عقدا طويل الأجل – كان الجانب الهندي يدير الميناء بموجب سلسلة من الاتفاقات القصيرة الأجل – وسيعود ذلك بالفائدة على المنطقة بأكملها.

فما هي الدول التي ستستفيد من هذا التطور الجديد، إلى جانب الدول المعتادة وهي الهند وإيران وروسيا؟

 

ميناء تشابهار نقطة اتصال رئيسة تربط ساحل بحر البلطيق الروسي بالموانئ الهندية على بحر العرب على طريق يبلغ طوله 7200 كيلومتر سمّي ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب

 

 

ميناء تشابهار نقطة اتصال رئيسة تربط ساحل بحر البلطيق الروسي بالموانئ الهندية على بحر العرب على طريق يبلغ طوله 7200 كيلومتر سمّي ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، الذي وقعت اتفاقيته بين روسيا وإيران والهند في سنة 2000. وقد وُسعت اتفاقية ممر النقل الدولي لاحقا لتشمل تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأرمينيا وبيلاروس وطاجيكستان وقيرغيزستان وعمان وأوكرانيا وسوريا، بالإضافة إلى بلغاريا بوصفها مراقبا.

تشير تحليلات مختلفة تقارن طرق التجارة الهندية الأخرى إلى الغرب بممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب إلى أن الأخير أرخص بنسبة 30 في المئة وأقصر بنسبة 40 في المئة من الخيارات القائمة حاليا. فطريق قناة السويس يستغرق 45-60 يوما مقارنة بممر النقل الدولي الذي يُقدر وقت عبوره بـ 25-30 يوما فقط.

 

أ.ف.ب. أ.ف.ب.

ميناء تشابهار البحري خلال الاحتفال بالافتتاح وتحرك أول ناقلة بضائع في اتجاه الهند، 25 فبراير 2019. 

وللانتقال من ميناء بندر عباس الإيراني إلى ميناء تشابهار ميزات إضافية – الأخير أقرب إلى الهند بأكثر من 600 كيلومتر وهو ميناء بحري عميق، مما يعني أنه يمكن استيعاب حاويات كاملة الحجم. وتهدف استثمارات الهند في محطة الشهيد بهشتي في تشابهار إلى جعلها أكثر كفاءة، ومن ثم تحقيق تلك الوفورات في الوقت والمال للهند والدول الأخرى المهتمة باستخدام الميناء.

الدول غير المطلة على البحر

إلى جانب كل ميزات التجارة الأسرع، يمنح ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب أيضا أهمية جيوسياسية إستراتيجية للهند، إذ يسمح لها بتجنب باكستان وموازنة نفوذ الصين في المنطقة.

 

منحت إيران أرمينيا إمكان الوصول إلى مينائي تشابهار وبندر عباس لتسهيل التجارة مع الهند، وتتنافس أرمينيا على ما يسمى “المسار الغربي” للممر مع خصمتها الإقليمية أذربيجان، التي تقدم طريقا بريا أسرع إلى روسيا

 

 

يُمكن القول إن أكبر اهتمام بالممر في المنطقة يأتي من دولتين غير مطلتين على البحر – أرمينيا وأفغانستان – إذ ربما يعود عليهما بفائدة كبيرة.

في يناير/كانون الثاني 2024، منحت إيران أرمينيا إمكان الوصول إلى مينائي تشابهار وبندر عباس لتسهيل التجارة مع الهند. وتتنافس أرمينيا على ما يسمى “المسار الغربي” للممر مع خصمتها الإقليمية أذربيجان، التي تقدم طريقا بريا أسرع إلى روسيا.

اهتمام أرمينيا

غير أن الأمين العام لوزارة الاقتصاد في جمهورية أرمينيا هايكاز ناسيبيان، واثق من أن لدى بلاده ما تقدمه إلى ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب. وقال في مقابلة أجريت معه أخيرا: “تستطيع أرمينيا أن تصبح من المشاركين المهمين في تشكيل طريق شحن بديل وتنفيذه، وتوفير ممر بديل لربط الهند وإيران بأوروبا عبر جورجيا والبحر الأسود، وربط أوروبا بالهند. ويمكن أن يشكل الممر صلة وصل برية بالاتحاد الروسي. وفي هذه العملية، تكتسب أرمينيا أهمية كبيرة بوصفها الدولة الوحيدة الموقّعة اتفاقية الشراكة الشاملة والموسعة مع الاتحاد الأوروبي والعضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”.

تحتاج البنية التحتية في أرمينيا وأذربيجان إلى تحديث ليتمكن أحد المسارين من العمل بكامل طاقته. وقد شهدت العلاقات الهندية الأرمنية تحسنا في الفترة الأخيرة بعقد صفقات رئيسة في مجال الدفاع، في حين أن أذربيجان لا تزال حتى الآن شريكا تجاريا أكبر للدولة صاحبة النفوذ الكبير في جنوب آسيا. وهي، بالإضافة إلى ذلك، تقع أيضا على المسار الحالي الذي يربط الهند بروسيا ويمر عبر البحر من مومباي إلى بندر عباس في إيران، ثم من طهران إلى بندر أنزلي بالقطار، ومن هناك إلى أستراخان في روسيا من طريق السكك الحديد عبر أذربيجان أو من طريق البحر. غير أن هناك مخاوف في نيودلهي في شأن الشراكة المتنامية بين أذربيجان وباكستان، وهو ما ظهر أخيرا في اجتماع مغلق بين أذربيجان وباكستان وتركيا في 3 يوليو/تموز في أستانا، خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون. وقد يكون تحويل الطريق إلى أرمينيا ذا أهمية إستراتيجية لنيودلهي.

 

التزمت أفغانستان الاستثمار في ميناء تشابهار. وتعهدت حكومة “طالبان” بتقديم نحو 35 مليون دولار للمبادرة، مما يبرز أهميته لديها

 

 

في غضون ذلك، التزمت أفغانستان الاستثمار في ميناء تشابهار. وتعهدت حكومة “طالبان” بتقديم نحو 35 مليون دولار للمبادرة، مما يبرز أهميتها لديها. وتعتمد أفغانستان حاليا على باكستان للوصول إلى الأسواق العالمية عبر موانئ كراتشي وغيرها. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن أفغانستان زادت تجارتها مع الهند بنسبة 43 في المئة لتصل إلى 570 مليون دولار في سنة 2023، وقد يكون السماح لباكستان باكتساب قدرة على التأثير على هذه الشراكة الحيوية محفوفا بالأخطار. ومع أن نيودلهي لا تعترف رسميا بحكومة “طالبان”، فإن الآلة الاقتصادية الهندية مستعدة على ما يبدو للعمل مع أي أحد في كابول ما دام لا يقترب كثيرا من إسلام آباد.

آسيا الوسطى

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، زار المسؤول الأفغاني الملا عبد الغني برادر أخوند الميناء وحث الجانب الإيراني على التحرك بسرعة، قائلا: “إن الاتصال بميناء تشابهار سيمنح أفغانستان إمكان الوصول إلى الأسواق في أوروبا والشرق الأوسط والهند والصين، مما يعزز العلاقات العالمية لأفغانستان. فميناء تشابهار يقدم طريقا أكثر كفاءة، لكونه أقرب من بندر عباس بعشرات الكيلومترات وأقصر بمئات الكيلومترات من الطريق إلى كراتشي، مما يؤدي إلى انخفاض غير مسبوق في تكاليف الصادرات وأوقات العبور”.

تفتقر كل الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى إلى إمكان الانخراط في التجارة البحرية مباشرة. ومع أن كازاخستان وتركمانستان تقعان على ساحل بحر قزوين، فإنه ليس إلا بحيرة كبيرة.

في أبريل/نيسان 2024، عقدت كازاخستان وتركمانستان اجتماعا ثلاثيا، ضم أفغانستان أيضا. وصرح نائب رئيس الوزراء الكازاخستاني سيريك جومانغازين والمدير العام لوكالة النقل والاتصالات في أوزبكستان مامتخان تشاكاييف بأن هذا “المسار الشرقي” من ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب يتيح إمكانات كبيرة لمنطقتهما. وتشكل السكة الحديد بين تشابهار وسرخس على الحدود الإيرانية التركمانية جزءا حيويا من هذا الطريق.

 

إذا استخدمنا ميناء تشابهار، فسيلزم تسليم البضائع من الهند إلى قيرغيزستان وآسيا الوسطى أسبوعين. أما اليوم، فإنه يستغرق 30-45 يوما عبر موانئ مختلفة ودول أخرى

 

أسين إيساييف، السفير القيرغيزي لدى الهند

ومع أن قيرغيزستان دولة صغيرة، فإنها لا تقل اهتماما بالتطورات في شأن ميناء تشابهار. وكان السفير القيرغيزي لدى الهند، أسين إيساييف، قال في سنة 2022: “إذا استخدمنا ميناء تشابهار، فسيستغرق تسليم البضائع من الهند إلى قيرغيزستان وآسيا الوسطى أسبوعين. أما اليوم، فإنه يستغرق 30-45 يوما عبر موانئ مختلفة ودول أخرى”. ولكي تصل البضائع إلى قيرغيزستان عبر إيران، يجب أن تعبر تركمانستان وأوزبكستان أيضا.

وقال فرهود أرزييف، سفير أوزبكستان لدى الهند، في مقابلة قبل سنوات: “نرى أن لمشروع تشابهار قيمة عملية كبيرة، ولا شك في أن آفاق وفرص الهند وأوزبكستان وآسيا الوسطى بأكملها ستتوسع مع اكتمال تنفيذه، ولن يكون له إلا دور إيجابي”.

 

أ.ف.ب. أ.ف.ب.

شاحنة نقل بضائع قادمة من أفغانستان لتصديرها إلى الهند عبر ميناء “الشهيد بهشتي” في مدينة تشابهار الساحلية جنوب إيران عند الخليج العماني، 25 فبراير 2019. 

وكان الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضياييف قام بزيارة تاريخية لإيران في سنة 2023، هي المرة الأولى لرئيس من تلك الدولة  منذ 20 عاما.

هكذا يتضح أن عددا كبيرا من اللاعبين في المنطقة سيستفيدون من زيادة ارتباط الهند بميناء تشابهار، بالإضافة إلى الهند وإيران وروسيا. وما من شك في أن الأنظار ستتركز على شاشات التلفزة عندما يزور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي موسكو للمرة الأولى منذ غزو أوكرانيا. وقال الكرملين إن “جميع القضايا مطروحة على جدول الأعمال” وسيكون تشابهار واحدا منها حتما.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/320941/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M