بعد أدائه المتواضع في مناظرته الأخيرة مع دونالد ترمب يوم 27 يونيو/حزيران 2024، بات عمر الرئيس جو بايدن وقدراته الذهنية حديثا شاغلا في الإعلام الأميركي. وفي العشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، سيحتفل الرئيس الأميركي بعيد ميلاده الثاني والثمانين. وفي حال فوزه بولاية ثانية سيغادر البيت الأبيض وهو في السادسة والثمانين من عمره ليصبح الرئيس الأكبر عمرا في تاريخ الولايات المتحدة. وللمقارنة، كان رونالد ريغان الأكبر سنا بين الرؤساء عندما غادر الحكم وهو في السابعة والسبعين من عمره سنة 1989، أي في عمر دونالد ترمب اليوم. وقال كثيرون يومها إن عمره المتقدم يجعله “غير مناسب” لقيادة دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة.
منذ انتخابه رئيسا، تلكأ جو بايدن في خطاباته مرارا، وكثيرا ما كان ينطق جملا غير مفهومة، أو يمد يده لمصافحة أشخاص غير موجودين، ومؤخرا نادى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باسم عدوه اللدود فلاديمير بوتين، وتعثر باسم نائبته كامالا هاريس، وناداها “نائب الرئيس ترمب” ما جعله عرضة للسخرية من الجمهوريين من أنصار دونالد ترمب. وفي الثامن من شهر يوليو/تموز الجاري، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس بايدن التقى بطبيب أعصاب ثلاث مرات منذ توليه الحكم سنة 2021، نافيا إصابته بمرض باركنسون.
جو بايدن ليس الرئيس الأكبر سنا في عالمنا اليوم، ويتقدم عليه كل من بابا الفاتيكان، ورؤساء كاميرون وأيرلندا وفلسطين. ولكن عالمنا هذا قد أصبح عالما فتيا، فيه 1.8 مليار شخص تتراوح أعمارهم ما بين 15-29، مع زعماء أصغر من بايدن بكثير، مثل رئيس وزراء فرنسا غابريل أتال (35 عاما)، ورئيس الإكوادور دانيال نوبوا (36 عاما)، والرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (37 عاما). أما أكبر الرؤساء سنا ومن دون منازع فهو رئيس الكاميرون بول بيا، الذي تولى الحكم وهو في التاسعة والأربعين من عمره سنة 1982 وما يزال في منصبه حتى اليوم بعد بلوغه 91 عاما في شهر فبراير/شباط الماضي، أي إنه يكبر جو بايدن بتسع سنوات.
وفي عالمنا العربي شهدت القصور الرئاسية حالات مماثلة من تقدم في سن الرؤساء، دون إثارة أي من الجدل الذي يثيره عمر بايدن اليوم في أميركا. هناك الكثير من الرؤساء تخطوا عتبة الثمانين من العمر، بعد أن شبوا في الحكم وشابوا، دون التفكير بإفساح المجال لغيرهم. بعضهم انتخب بطريقة ديمقراطية، وجاء آخرون بانقلابات عسكرية، وهو ما لا ينطبق على الملوك الذين تقضي أعرافهم وأنظمتهم أن يبقوا على العرش مدى الحياة، مثل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية التي توفيت عن عمر ناهز 96 عاما سنة 2022.
في هذه التغطية تستعرض “المجلة” أكبر الرؤساء العرب سنا في القرن العشرين، سواء عند انتخابهم، أو يوم مغادرتهم الحكم، في معظم الأحيان مجبرين. بعضهم سقط بانقلاب عسكري، ونُحي الآخرون بانقلاب طبي.
الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة (1903-2000)، زعيم تاريخي في تونس، قادها نحو الاستقلال عن فرنسا، وانتخب كأول رئيس للجمهورية سنة 1957، وبقي في الحكم حتى عام 1987
الرئيس السوري هاشم الأتاسي (1873-1960)، انتخب رئيسا مرتين، كانت الثانية سنة 1949 ولكنها قطعت بسبب انقلاب عسكري في نوفمبر/تشرين الثاني 1951. وعاد إلى الحكم لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية في الأول من مارس/آذار 1954 وكان في الحادية والثمانين من عمره، قبل أن يعتزل السياسة نهائيا في شهر سبتمبر/أيلول 1955. وعلى الرغم من تقدمه في السن، كان الأتاسي رجلا صلبا في مواجهة مطامع العسكريين، لم يدخل المستشفى قط أثناء وجوده في الحكم، ولم يحتج لأية مساعدة طبية في الاجتماعات. كان لا يشرب، ولا يدخن، ويكثر من الجري في الطبيعة، وقد بقي ذهنه صاحيا حتى النهاية، ولكنه في المقابل لم يسافر خارج سوريا أثناء ولايته.
أ ف ب
الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في مقره في إحدى ضواحي الجزائرالعاصمة في 10 أبريل 2016
الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة (1903-2000)، زعيم تاريخي في تونس قادها نحو الاستقلال عن فرنسا، وانتخب كأول رئيس للجمهورية سنة 1957، وبقي في الحكم لغاية عام 1987. اشتد المرض على الرئيس بورقيبة نهاية السبعينات، وأصبحت تصرفاته انفعالية، يأمر بعزل المسؤولين بعد ساعات أو أيام قليلة من تعيينهم. بدأت الذاكرة تخونه، وصار ينسى الأحداث القريبة، ويجد صعوبة في تذكر الأسماء والوجوه، ما جعل خصومه وحلفاءه معا يقولون إنه فقد الأهلية الذهنية للحكم. طُلب فريق طبي لمعاينته، وأصدروا حكما بأنه لا يصلح للبقاء في الرئاسة، ما جعل رئيس الوزراء زين العابدين بن علي يقوم بانقلاب “طبي” عزل بموجبه الحبيب بورقيبة في 7 نوفمبر 1987. دخل بورقيبة القصر وهو في الرابعة والخمسين من العمر، وغادره عجوزا- على مضض- وهو في الرابعة والثمانين، قبل وفاته عن 96 عاما سنة 2000.
الرئيس المصري حسني مبارك (1928-2020)، رابع رؤساء جمهورية مصر العربية الذي أطاحت به ثورة يناير سنة 2011 وهو في الثالثة والثمانين من عمره. مثله مثل بورقيبة من قبله، لم يتنح طوعا، وكان ينوي الترشح لولاية دستورية سادسة، بعد أن كان قد خدم في الرئاسة المصرية منذ سنة 1981. قبل ستة أشهر من سقوطه ، نُشرت أخبار بأن الرئيس يعاني من مرض السرطان، وهو ما نفته أجهزة الإعلام الحكومية نفيا قاطعا، ليتبين بعد خروج مبارك من الحكم أنه فعلا مصاب بسرطان المعدة. أغضب الرئيس مبارك المصريين بإطلاق يد زوجته سوزان وتحضير ابنه جمال لخلافته، ولكن عمره المتقدم بقي المشكلة الأكبر بالنسبة لبلد فتي مثل مصر، فيه 17 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 10-19 سنة، وتسعة ملايين بين 20-24. شكل هؤلاء الشباب عصب الثورة المصرية سنة 2011، وكان مبارك عند استقالته الأكبر سنا في تاريخ الجمهورية. الرئيس محمد نجيب كان في الرابعة والخمسين عند الإطاحة به سنة 1954، وكان الرئيس جمال عبد الناصر في الثانية والخمسين عند وفاته عام 1970. أما الرئيس أنور السادات فكان في الثانية والستين من عمره عند اغتياله في أكتوبر/تشرين الأول 1981.
الرئيس اللبناني ميشال عون (1933-)، ضابط سابق، ورئيس حكومة، انتخب رئيسا للبنان وهو في الثالثة والثمانين من عمره في شهر أكتوبر 2016. قبلها بسنتين، أشيع أنه تعرض لجلطة دماغية، وأصر حلفاؤه في “حزب الله” على جعله رئيسا خوفا من وفاته قبل تحقيق حلم حياته. كانت رئاسة ميشال عون مضطربة، تخللها انهيار اقتصادي ومصرفي سنة 2019، مع تداعيات وباء كورونا والانفجار الكبير في مرفأ بيروت في شهر أغسطس/آب 2020، الذي راح ضحيته أكثر من 200 شخص، ودمر على أثره جزء من العاصمة اللبنانية. سقط الجنرال عون أمام الكاميرات خلال القمة العربية المنعقدة في الأردن سنة 2017 وفي احتفالات عيد الجيش اللبناني عام 2018، تحدث عن “القرود” بدلا من “الجرود”. قيل إن دوامه اختصر إلى ساعتين يوميا، وبأن معظم شؤون الدولة انتقلت إلى صهره وخليفته جبران باسيل. مع ذلك، بقي ميشال عون في منصبه حتى اللحظة الأخيرة من ولايته الدستورية، ليغادر قصر بعبدا وهو في التاسعة والثمانين من عمره.
الرئيس اللبناني ميشال عون (1933-)، ضابط سابق، ورئيس حكومة، انتخب رئيسا للبنان وهو في الثالثة والثمانين من عمره في شهر أكتوبر 2016
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (1937-2021)، كان حاد الذكاء، وبارعا في التوازنات الإقليمية عند انتخابه رئيسا للجزائر وهو في الثانية والستين من العمر سنة 1999. قاد بلاده إلى أن بدأت صحته تتراجع، وأدخل إلى المستشفى في فرنسا لمدة ثلاثة أسابيع في نوفمبر 2005. عدل الدستور من أجل البقاء في الحكم، على الرغم من إصابته بسرطان في المعدة، وفي شهر أبريل 2013 تعرض لجلطة دماغية جعلته يغيب تماما عن المشهد. ثم عاد وفاجأ الجميع بإعلان ترشحه لولاية رئاسية خامسة في فبراير 2019. كان بوتفليقة قد بلغ الثانية والثمانين من عمره، وكان مقعدا على كرسي متحرك، لا يستطيع المشي والكلام أو حتى السمع. انفجرت مظاهرات عارمة أجبرته على الاستقالة في شهر أبريل 2019، وتوفي بعدها بسنتين عن عمر ناهز 84 عاما.
أ ف ب
الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في مؤتمر صحافي أثناء زيارة إلى ايطاليا في 11 سبتمبر 2003
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (1935)، هو الأكبر سنا بين الرؤساء العرب اليوم، يبلغ التاسعة والثمانين من العمر. انتخب رئيسا في مايو/أيار 2005 خلفا للرئيس ياسر عرفات، وعلى الرغم من تقدمه في السن، لا يزال أبو مازن حاد الذكاء ومتمتعا بكل قواه العقلية والجسدية، يقرأ كثيرا، ويسافر كثيرا لحضور الاجتماعات والقمم العربية. وفي سبتمبر الماضي كانت له كلمة مباشرة وعنيفة في الأمم المتحدة، حمّل فيها إسرائيل مسؤولية كل ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، قبل أسبوعين فقط من اندلاع الحرب في غزة. لا شيء كان يقف في وجهه، لا إسرائيل ولا سنواته التسع والثمانون.
الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي (1926-2019)، جاء إلى الحكم نهاية عام 2014 طاعنا في السن وهو في الثامنة والثمانين من عمره، وله يعود الفضل في الانتقال الديمقراطي في تونس. كان وزيرا للخارجية في عهد بورقيبة ورئيسا انتقاليا للحكومة بعد سقوط زين العابدين بن علي سنة 2011. أعلن نيته عدم الترشح للرئاسة مجددا، ولكنه توفي وهو في سدة الحكم عن عمر ناهز 93 عاما سنة 2019.
المصدر : https://www.majalla.com/node/321046/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%88%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%B1%D8%A4%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A