وصول شخصية محسوبة على التيار الإصلاحي محاولة شعبية قد تكون معضدة بقرارات رسمية تكشف عن خطورة المرحلة القادمة، ويرى البعض بأنها محاولة لتبادل الأدوار بسبب تأزم الوضع الداخلي والخارجي، وهم -أي القيادة الإيرانية- ينحنون حتى تمر العاصفة، وبالتالي فإن صعود شخصية إصلاحية قد تمثل محاولة جادة…
ذهب القرار الإيراني الرسمي الى اجراء الانتخابات الاستثنائية بعد حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في ظروف غامضة على الحدود الإيرانية الأذربيجانية في ضوء المحددات الدستورية المعمول بها في ايران، وقد تنافس في الانتخابات الرئاسية مجموعة مرشحين هيمن عليها المرشحون المحافظون بعد ان قرر مجلس تشخيص مصلحة النظام رفض عدد من المرشحين ابرزهم السيد احمدي نجاد الرئيس الإيراني الأسبق.
وبعد ان افرزت الجولة الأولى من الانتخابات منافسة حادة بين مرشح التيار المحافظ السيد سعيد جليلي والمرشح القريب على التيار الإصلاحي السيد مسعود بزشكيان، كانت نتيجة التصويت في الجولة الثانية لصالح بزشكيان، هو كان قد عمل مع احد ابرز رموز التيار الإصلاحي في ايران، ورئيس ايران الأسبق السيد محمد خاتمي، ويعمل جراحا للقلب، ويبلغ من العمر 69 عاما، وقد حصل في الجولة الثانية من الانتخابات على 16.3 مليون صوت ليتغلب على سعيد جليلي الذي حصل على 13.5 مليون صوت، وبلغت نسبة المشاركة نحو 50 بالمئة، أي أعلى بنحو 10 نقاط نسبية عن الجولة الأولى، مع إدلاء نحو 30.5 مليون ناخب بأصواتهم، بحسب وزارة الداخلية الإيرانية.
من هنا يضع هذا الانتصار دلائل واستفهامات عديدة حول دلائل هذا الانتصار أولاً وعلى ضوء تحديد مسارات السياسة الإيرانية داخلياً وخارجياً مع ان هناك سلطة اعلى تتمثل بالمرشد الأعلى للنظام الإسلامي الايراني غالباً ما تكون صاحب الكلمة الفصل في رسم شكل العلاقة لكن من دون شكل فإن مؤسسة الرئاسة قادرة على تحديد أولوياتها امام المرشد لاسيما وان الرئيس الإيراني الإصلاحي المنتخب جاء برغبة شعبية عارمة.
عموماً فإن هناك دلائل عديدة عن فوز السيد مسعود بزشكيان ان هناك من يعد هذا الانتصار بمثابة ضربة للتيار المحافظ في المؤسسة الحاكمة في إيران وانتصار كبير للمعسكر الإصلاحي المعتدل نسبيا، الذي تم تهميشه خلال السنوات القليلة الماضية، وهناك مؤشرات أخرى تدلل على ان وصول شخصية بزشكيان وزير الصحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي يعني اتباع نهج تصالح حواري داخلياً وخارجياً وبالتالي فإن المؤسسة الإيرانية العليا قد ترغب في هذه المرحلة في قيادة إيرانية تنفيذية على مستوى الرئاسة تقود ايران للخروج من سيناريوهات خارجية خطيرة، ومن ذلك سيناريو رجوع الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب مرة أخرى الى سدة البيت الأبيض، لذا فإن وجود شخصية من تيار وسطي يحظى بمقبولية كبيرة في الغرب قد يمثل حلاً في هذه المرحلة بالنسبة لإيران لاسيما وان وجود شخصية من التيار المحافظ سيجعلها في تصادم مع الشارع وهذا ما لا تريده ايران، ومن المعروف ان السيد مسعود بزشكيان دعا إلى سياسات معتدلة في الداخل وتحسين العلاقات مع الغرب.
الدلالة الثالثة يعد السيد مسعود بزشكيان شخصية تنحدر من أصول اذربيجانية، وهذه المجموعة ترى المؤسسة الإيرانية بأنها أصبحت في الفترة الأخيرة محل تأثير من قبل قوى خارجية ومن ذلك إسرائيل فالتالي فإن وجود تمثيل عالي المستوى لها على مستوى سدة الرئاسة قد يمثل احتواء لها مع ان المرشد الأعلى نفسه ينحدر من أصول اذربيجانية، إضافة الى مشاكل داخلية أخرى قابلة للانفجار في أي لحظة منها الازمات الاقتصادية في ايران، فوجود شخصية مقربة على التيار الإصلاحي قد يضمن احتواء لجمهور هذا التيار في المرحلة القادمة.
وقد يشترك بكل المنطلقات التي اهلت السيد مسعود بزشكيان للفوز بالرئاسة الإيرانية جانب من المحافظين أيضا الذين يفترض انهم يرجحون كفة المرشح المحافظ لكن يبدو ان هناك تحفظات على نهج وسلوك السيد جليلي الذي عده البعض على انه متشدد وقد يقود ايران الى مزيد من التوتر مع الغرب في وقت ايران محتاجة في المرحلة القادمة الى المزيد من الانفتاح.
اما عن مسارات السياسة الإيرانية داخليا وخارجيا بعد فوز السيد مسعود بزشكيان قد لا نجد معيار محدد تعامل معه اقطاب التيار الإصلاحي وقد تكون بعض مراحل التيار الإصلاحي في الرئاسة اسوأ واكثر تشددا أزمات حتى من نهج التيار المحافظ نفسه، وقد يبدو العكس صحيحا أيضا ومن ذلك مقارنة فترة رئاسة الشيخ حسن روحاني المحسوب على التيار الوسطي او الإصلاحي التي شهدت عقلانية وبراغماتية كبيرة في التعامل مع المشاكل والأزمات الداخلية والخارجية.
عموماً يمكن رسم بعض المشاهد للسياسة الإيرانية في المرحلة القادمة في ظل رئاسة السيد بزشكيان ومن تلك المشاهد:
اولاً: مشهد تصفير المشاكل مع الغرب
لا تزال علاقة ايران مع الغرب متوترة في ضوء مجموعة مسائل أهمها الملف النووي ونفوذها الإقليمي وقد شهد هذا الملف غلياناً كبيراً في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب ومن المرجح عودته مرة أخرى مع رجوع ترامب المفترض لإدارة البيت الأبيض بعد ان شهد تراجعاً في عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وقد يؤثر هذ الملف على علاقة ايران بالغرب مرة أخرى اذا ما فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية بعد اقل من عام فإنه يؤثر على الداخل الإيراني أيضا لاسيما وان من اجندات ترامب ضرب النظام وإضعافه، من هنا من أولى اجندات الرئيس الإيراني الحالي قد تبدو معالجة مثل هكذا ملفات مع انها ليس بسهلة خصوصا بعد تعثر سابقيه مع التوصل الى حلول مقبولة للجانب الإيراني بكل تعقيداته.
ثانياً: مشهد معالجة المشاكل في الداخل
ظلت ايران طوال السنوات الماضية غير قادرة على معالجة الملفات الداخلية وبالتالي شهدت حركة احتجاجية شبه مستمرة فضلا عن الخروقات المستمرة التي تتعرض لها من اطراف خارجية وبمساندة داخلية ومن ذلك ضرب منشئات وشخصيات إيرانية من قبل حكومة الكيان الإسرائيلي وقد تمثل اجندات الرئيس الإيراني المقبلة انفراجا لعدد من الازمات والمشاكل الداخلية، لاسيما وان الشعب الإيراني شهد في فترة رئاسة السيد محمد خاتمي ازدهارا كبيرا وطالما كان السيد مسعود احد اهم اقطابها فمن المرجح ان يكون هناك برنامج مشابها لرئاسة السيد محمد خاتمي في معالجة المشاكل الاقتصادية المتفاقمة وملفات خدمية وصحية وتعليمية ومعاشية وما الى ذلك.
ومما تقدم نخلص الى ان وصول شخصية محسوبة على التيار الإصلاحي محاولة شعبية قد تكون معضدة بقرارات رسمية تكشف عن خطورة المرحلة القادمة، ويرى البعض بأنها محاولة لتبادل الأدوار بسبب تأزم الوضع الداخلي والخارجي، وهم -أي القيادة الإيرانية- ينحنون حتى تمر العاصفة، وبالتالي فإن صعود شخصية إصلاحية قد تمثل محاولة جادة في معالجتها وادارتها بشخصية منتخبة من الداخل وتحظى بشعبية كبيرة ومقبولية من الخارج كونها تمثل اتجاهاً معتدلاً بالقياس الى شخصيات التيار المقابل في ايران.
ومن دون شك فإن مشاهد المرحلة القادمة داخليا وخارجيا تفرض ان تكون هناك مسارات تحدد شكل السياسة الإيرانية في المرحلة القادمة لاسيما مع استمرار التوتر بين الكيان الإسرائيلي وحلفاء ايران في المنطقة ومن ذلك في غزة وجنوب لبنان فضلا عن مواقع أخرى مثل اليمن والعراق.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/39518