- جاء توقيت الإعلان عن إعادة علاقات السودان مع إيران متزامناً مع تعاظُم رغبة الجيش السوداني في تعزيز موقفه القتالي، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أغلب ولايات إقليم دارفور، ونجاحها في إبعاد الجيش عن بعض مناطق العاصمة السودانية.
- يُتوقَّع أن يتركز نطاق التعاون الإيراني مع الجيش السوداني، في المدى القريب، على بعض النواحي الاقتصادية والدبلوماسية، إلى جانب ضمان استمرار سيطرة الجيش العسكرية على ساحل البحر الأحمر، وتقليص خسائره الميدانية أمام الدعم السريع.
- فُرص تعميق التعاون العسكري بين إيران والجيش السوداني قد تكون مُقيَّدة نتيجة بعض الحسابات السياسية، لعل من أبرزها احتمالية تسبُّب خطوة كهذه في تقويض علاقات قادة الجيش الخارجية مع أطراف دولية مؤثرة مثل الولايات المتحدة.
بعد مرور عام تقريباً على اتفاق وزيري الخارجية السوداني والإيراني على أهمية استئناف العلاقات بين البلدين «على الفور»، تسَلَّم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البُرهان، في 21 يوليو 2024، أوراق اعتماد حسن شاه حسيني، بصفته أول سفير إيراني لدى السودان، منذ قطع الأخير علاقته مع جمهورية إيران الإسلامية في عام 2016، في خطوة تضامنية مع المملكة العربية السعودية، بعد اقتحام سفارة الأخيرة في طهران من قِبل محتجين إيرانيين.
بورتسودان-طهران: دوافع التقارب وحساباته
بصفة عامة، يمكن اعتبار المُحدد العسكري أحد أبرز محددات اتخاذ القرار لدى قيادة الجيش السوداني، منذ بدء نزاعها المُسلح مع قوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023. وجاء توقيت التقارب مع طهران متزامناً مع تعاظُم رغبة الجيش السوداني في تعزيز موقفه القتالي، بعد سيطرة الدعم السريع على أغلب ولايات إقليم دارفور، ونجاحها في إبعاد قواته عن بعض مناطق العاصمة السودانية.
وفي هذا السياق، أفادت تقارير مختلفة بأن قيادات الجيش السوداني قد تعاونت عسكرياً مع جهات خارجية متنوعة بهدف تعزيز قدراتهم العسكرية، ومن بينها أطرافاً مثل أوكرانيا، وتركيا، كما استطاع الجيش الحصول على مُسيَّرات إيرانية قتالية عبر طرف ثالث بحسب بعض التسريبات، وساعدت هذه المسيرات الجيش في استعادة السيطرة على بعض مناطق العاصمة، خلال شهري فبراير ومارس 2024.
ويبدو أن قادة الجيش السوداني يميلون لتعزيز التعاون العسكري مع طهران على وجه التحديد، لعدة اعتبارات؛ أولها، أنها تمتلك قدرات عسكرية وتكنولوجية أثبتت قدرتها على التأثير في موازين القوى العسكرية لصالحه، كما ترتفع جاذبية الخيار الإيراني بالنسبة للجيش السوداني، بسبب عدم ارتباط طهران بشبكة تحالف إقليمية ودولية قد تدفعها إلى التراجُع عن التعاون معه، وهو العامل الذي قوَّض احتمالات نجاح الجيش السوداني في الحفاظ على استدامة التعاون العسكري مع أطراف مثل أوكرانيا، والتي لم يُرصد لها نشاط في السودان، بعد إبداء قادة الجيش السوداني انفتاحهم على تعزيز التعاون مع روسيا.
من جهته، يملك الجيش السوداني أوراقاً قد تكون جاذبة لطهران، في ظل تصاعُد التوترات التي تجمعها بأطراف إقليمية ودولية مثل واشنطن وتل أبيب، إذ يتمتع الجيش بالسيطرة على ساحل البحر الأحمر السوداني، الذي يبلغ طوله حوالي 650 كم، وتتعاظم أهمية هذه المنطقة عسكرياً مع تصاعُد المناوشات المُسلحة في البحر الأحمر بين جماعة “أنصار الله” الحوثية المتحالفة مع إيران، وتحالف عملية “حارس الازدهار” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وقد توصَّلَت تحقيقات القوات الجوية الإسرائيلية في يوليو 2024 إلى أن أحد المسيرات القتالية التي أُطلِقَت من جانب الحوثيين على إسرائيل قد مرَّت بالمجال الجوي السوداني. ومن شأن تعزيز الحضور الإيراني في منطقة بورتسودان -العاصمة المؤقتة للجيش السوداني-تعظيم القدرات المعلوماتية والاستخباراتية لطهران في منطقة البحر الأحمر.
وعطفاً على ذلك، ربما تُعوِّل قيادة الجيش السوداني على أن التلويح بخيار التقارب مع طهران قد يدفع واشنطن إلى الانحياز لمطالب الجيش التفاوضية، في سياق مبادرات الوساطة التي تقودها الإدارة الأمريكية بين طرفي النزاع السوداني، وذلك بالنظر إلى أن الاستجابة لمطالب الجيش قد تكون خياراً أفضل لواشنطن، من تعزيز النفوذ الإيراني العسكري في مياه البحر الأحمر السودانية. ويبدو أن هذه الحسابات هي ما دفعت الجيش السوداني إلى تكذيب أنباء أفادت برفضه رسو حاملة مروحيات إيرانية بالبحر الأحمر، وذلك قبل أسبوع تقريباً من الإعلان عن اعتماد السفير الإيراني لدى بورتسودان.
كما قد تُمثِّل إيران مصدراً جيداً لاستيراد النفط بالنسبة للحكومة السودانية المحسوبة على الجيش، بعد أن تضررت خطوط الإمداد ومصادر النفط المحلية نتيجة النزاع مع الدعم السريع. وكانت حكومة بورتسودان قد سعت إلى درء الفجوة في إمدادات الطاقة من طريق استيراد الوقود من روسيا، وربما تكون تكلفة شحن النفط الإيراني إلى السودان أقل نسبياً من نظيره الروسي.
اقرأ المزيد من تحليلات «سمير رمزي»: |
آفاق التعاون بين الجيش السوداني وإيران
مع أن بعض المستجدات الإقليمية قد أسهمت في تعزيز فُرص التعاون بين الجيش السوداني وإيران، وخاصة بعد عودة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية مع السعودية، وظهور بوادر تقارب مصري-إيراني؛ إلا أن مساعي تعزيز التعاون العسكري بين بورتسودان وطهران لا تزال تواجه بعض المعوقات التي قد تحول دون تعميق مستوى تعاونهما وتوسيعه.
ولعل أبرز هذه المعوقات يتمثل في احتمال وجود رغبة لدى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في الحفاظ على حالة التحسُن النسبي لعلاقات طهران مع دول الجوار، وهي الحالة التي قد تتضرر إذا ما قاد تعاون إيران العسكري مع الجيش السوداني إلى تمسكُّه بخيار الحسم العسكري للنزاع مع قوات الدعم السريع، وعدم الاستجابة لمساعي وقف إطلاق النار، بينما تحظى دعوات وقف الحرب بدعم أطراف إقليمية رئيسة مثل السعودية والإمارات ومصر. أيضاً، يُعد تَصَدُّر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لمشهد التطبيع السوداني مع إسرائيل أحد العوامل التي قد تجعل طهران متحفظة نسبياً على إمكانية توسيع مظاهر التعاون العسكري مع الجيش.
من جانبهم، قد يُفَضِّل قادة الجيش السوداني الإبقاء على مستوى التعاون مع طهران في الحدود التي لا تثير توترات مع بعض القوى الإقليمية والدولية، إذ يستهدف قادة الجيش الإبقاء على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الخارجية، بغية الحفاظ على اتساع نطاق الاعتراف الدولي بشرعية تمثيله لمؤسسات الدولة السودانية، ما ظهر مع دعوة عبد الفتاح البُرهان لإلقاء كلمة السودان في مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2023.
ويبدو أن الرغبة في عدم تضرُّر علاقة الجيش السوداني ببعض الأطراف الإقليمية هي ما دفعت أحد المسؤولين السودانيين إلى الإدلاء بتصريحات لصحيفة إسرائيلية في يناير 2024، أكدوا فيها أن التعاون العسكري مع إيران جاء بعد فشل الجيش في الحصول على دعم مماثل من قبل أية أطراف إقليمية أخرى.
وتُرجِّح مجمل هذه العوامل احتمالات أن يتركز نطاق التعاون الإيراني مع الجيش السوداني في المدى القريب على بعض النواحي الاقتصادية والدبلوماسية، إلى جانب ضمان استمرار سيطرة الجيش العسكرية على ساحل البحر الأحمر، وتقليص خسائره الميدانية أمام الدعم السريع، وربما تمدُّه طهران ببعض الآليات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، مع مراعاة عدم التمادي في التعاون العسكري بين الجانبين إلى الحد الذي يقود الجيش إلى تفضيل خيار الحسم العسكري للنزاع، نظراً لما قد يثيره ذلك من توترات محتملة بين إيران والأطراف الداعمة لخيار التسوية ووقف الحرب في السودان.
خلاصة واستنتاجات
مع تراجع الوضعية القتالية للجيش السوداني في سياق نزاعه المُسلَّح مع الدعم السريع، سعت قيادته إلى تعضيد قدراتهم العسكرية، عبر تنويع خيارات التعاون العسكري مع الخارج، ومثَّل إعادة العلاقات العلنية مع طهران أحد أبرز الخطوات في هذا الإطار، والتي قد تُمهِّد إلى تعزيز التعاون العسكري بين طهران وبورتسودان، بعد أن أثبتت المسيرات القتالية الإيرانية قدرتها على ترجيح كفة الجيش السوداني القتالية في بعض المواجهات.
كما رمى قادة الجيش من التقارب مع إيران إلى تعظيم استفادتهم السياسية من السيطرة على ساحل البحر الأحمر السوداني، إذ تتيح لهم هذه الورقة محاولة التأثير في خيارات واشنطن حيال طرفي النزاع السوداني، وربما تدفع الأخيرة نحو إبداء استجابة أكبر لمطالب الجيش في أي مفاوضات مستقبلية ترعاها واشنطن بغرض وقف إطلاق النار.
غير أن فُرص تعميق التعاون العسكري بين إيران والسودان، في المدى القريب، قد تكون مُقيَّدة نتيجة بعض الحسابات السياسية، لعل من أبرزها احتمالية تسبُّب خطوة كهذه في تقويض علاقات قادة الجيش الخارجية مع أطراف دولية مؤثرة مثل الولايات المتحدة، وربما تتسبب كذلك في حدوث توترات بين طهران والأطراف الإقليمية الداعمة لخيار وقف القتال في السودان.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/rihanat-albahr-alahmar-dawafie-taqarub-aljaysh-alsuwdani-mae-iran-wafaquh