أي دور للدول العربية في توسيع “بريكس”

قبل أكثر من 15 عاما، اجتمع قادة البرازيل وروسيا والهند والصين في يكاترينبورغ لتأسيس مجموعة “البريك”، وقال الرئيس الروسي في ذلك الوقت، دميتري ميدفيديف: “إن وتيرة تطور اقتصاداتنا ستؤثر في النهاية على تطور العديد من العمليات الاقتصادية في العالم، وهي عامل محدد أيضا للإمكانات الصناعية والأمن العالمي إلى حد كبير. لذا يظل هدفنا ثابتا – نريد تقوية الأسس الجماعية والقانونية للحياة الدولية.” وانضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة بعد عام وبقيت “بريكس” على حالها إلى حد كبير بعد ذلك.

في سبتمبر/أيلول 2023، ترأس سيريل رامافوزا، رئيس جنوب أفريقيا، القمة الخامسة عشرة لمجموعة “البريكس”، وقال فيها: “بريكس بحد ذاتها مجموعة متنوعة من الأمم. وهي شراكة متساوية بين دول ذات وجهات نظر مختلفة، ولكنها تشترك في رؤية واحدة لعالم أفضل. وقد اتفقنا نحن الدول الخمس الأعضاء في البريكس على المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات الخاصة بعملية توسيع البريكس، بعدما خضعت لمناقشة لمدة طويلة. لدينا توافق في الآراء حول المرحلة الأولى من عملية التوسعة، وستتبعها مراحل أخرى”. واختتم بالدعوة لأن تصبح الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أعضاء كاملة العضوية.

كيف ستؤثر الدول الأربع من الشرق الأوسط على “بريكس”؟

 

واجه التوصل إلى اتفاق في شأن خطوات ملموسة، لا سيما إنشاء صندوق النقد التابع لـ”بريكس” وبنك التنمية، صعوبة بالغة

 

باولو نوغويرا باتيستا جونيور، خبير اقتصادي برازيلي

عندما أُعلنت مجموعة “البريك” للمرة الأولى، كانت العبارة الرئيسة التي تصدرت عناوين الأخبار هي “الحاجة إلى عملة عالمية جديدة”. وفي سياق العقوبات المفروضة على روسيا بعدما غزت أوكرانيا، أصبح الكرملين أكثر اهتماما من أي وقت مضى بالحد من انتشار الدولار الاميركي. وفي مايو/أيار 2024، أعلن بوتين أن 90 في المئة من المدفوعات بين روسيا والصين تتم الآن بالروبل أو اليوان.

وقال في أثناء مفاوضاته مع الرئيس الصيني شي جينغ بينغ: “معا ندفع قدما مبادئ العدالة والنظام العالمي الديمقراطي، التي تعكس الواقع المتعدد الأقطاب وتستند إلى الحقوق الدولية والعدالة في العالم”، مما يوضح أن هذه القرارات الاقتصادية مرتبطة أيضا بالطموحات السياسية لتحقيق مكانة متساوية على الساحة العالمية.

.إ.ب.إ .إ.ب.إ

اجتماع رؤساء وكالات الفضاء للدول الأعضاء في “بريكس” في موسكو، 23 مايو 2024.لقد أثارت طريقة تجميد احتياطات الدولار الروسية في الولايات المتحدة بعد غزو أوكرانيا قلق الدول الأخرى في الواقع. فهل يمكن أن يحدث لها الأمر نفسه إذا تدهورت علاقاتها مع الغرب في أي وقت في المستقبل؟

خفض الاعتماد على الدولار 

لذا، هل ستسرع إضافة الدول الجديدة الأخرى إلى المجموعة الخطى نحو خفض الاعتماد على الدولار؟ يشكك معظم المحللين في ذلك. فبالإضافة إلى الجوانب السياسية لهذه العملية وكيف ستحاول الولايات المتحدة منعها، هناك عدة اعتبارات أخرى طرحها الاقتصادي البرازيلي باولو نوغويرا باتيستا جونيور، “واجه التوصل إلى اتفاق في شأن خطوات ملموسة، لا سيما إنشاء صندوق النقد التابع لـ”البريكس” (ترتيب احتياطي الطوارئ) وبنك التنمية، صعوبة بالغة، حتى عندما كان هناك خمس دول فقط حول الطاولة”، مما يشير إلى أن الاختلافات في التوقعات والمصالح الوطنية لدول المجموعة تجعل أي خطوات كبيرة نحو خفض الاعتماد على الدولار عملية معقدة للغاية. وأشار أيضا إلى نقص المواهب والكفاءة التقنية في دول “بريكس” عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات وتطوير الآليات المالية ذات الصلة بخفض الاعتماد على الدولار.

 

لدى إيران خبرة واسعة في هذا المجال، نظرا إلى العقوبات الغربية. وفي العقد الماضي، أنشأت آلية للتجارة مع الهند بالروبية وعملت مع تركيا لتسوية المدفوعات باليورو والذهب

 

 

وكانت المملكة العربية السعودية أبدت اهتماما بخفض اعتمادها على الدولار الاميركي. ففي قمة دافوس 2023، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، “لا توجد مشاكل في مناقشة كيفية تسوية اتفاقاتنا التجارية سواء كانت بالدولار الأميركي أو اليورو أو الريال السعودي”. وقد انتهى اتفاق البترودولار بين الولايات المتحدة والسعودية في يونيو/حزيران 2024، مما يعزز طموحات مجموعة “البريكس” إلى خفض الاعتماد على الدولار. ومع أن نحو 80 في المئة من تجارة النفط العالمية لا تزال بالدولار، فإنه لا يوجد ما يضمن أن تبقى المستويات مرتفعة على هذا النحو. وما من شك في أن الخطوات المقبلة للمملكة سيكون لها دور كبير في هذا الصدد.

في سنة 2019 أيضا، أطلق البنك المركزي السعودي والبنك المركزي لدولة الإمارات مشروعا مشتركا يسمى “عابر”، يسعى إلى إنشاء عملة رقمية ثنائية الإصدار للمعاملات بين البنوك التجارية في بلديهما.

.أ.ف.ب .أ.ف.ب

من اليسار إلى اليمين، رئيس البرازيل لولا دا سيلفا، رئيس الصين شي جينغ بينغ، رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال قمة “بريكس” في جنوب أفريقيا، 23 أغسطس 2023.كما أن لإيران خبرة واسعة في هذا المجال، نظرا إلى المدة الطويلة التي قضتها تحت العقوبات الغربية. وفي العقد الماضي، أنشأت آلية للتجارة مع الهند بالروبية وعملت مع تركيا لتسوية المدفوعات باليورو والذهب.

آلية إماراتية هندية

اتخذت دولة الإمارات أيضا بعض الخطوات الجريئة بعيدا من الدولار الأميركي؛ في يوليو/تموز 2023، وقعت اتفاقا مع الهند لإنشاء آلية للتجارة الثنائية بالعملات المحلية، وعمدت شركة النفط الهندية بالدفع لشركة بترول أبو ظبي الوطنية “أدنوك” بالروبية الهندية للمرة الأولى.

 

إذا أخذنا الأعضاء الجدد في الحسبان، فستشمل دول “البريكس” نحو 45% من عدد المشاريع المنفذة في هذه المجالات في العالم في 2024، وربما يصل هذا الرقم إلى 65-70% في سنة 2030

 

ميخائيل خاتشاتوريان، خبير في اقتصادات “بريكس”

بدأت مصر أيضا باتخاذ خطواتها الأولى، ونقلت “رويترز” في العام الماضي عن وزير التموين المصري السابق على المصيلحي قوله، “هناك مناقشات حتى نتمكن من التجارة بالعملات المحلية لدول مثل الهند أو روسيا أو الصين”. ويبلغ حجم التجارة بين مصر ودول مجموعة “البريكس” نحو 46 مليار دولار أميركي ويشكل ذلك أكثر من ثلث تجارتها الخارجية الإجمالية.

آفاق جديدة

في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي ذكرت الوزيرة السابقة للتخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر هالة حلمي السعيد، في ندوة حول الأمن الغذائي، أن “البرازيل وروسيا من المصدرين الرئيسيين للحبوب، ومصر من المستوردين الرئيسيين على مستوى العالم. ومع احتمال انضمام دول جديدة مثل مصر والامارات العربية المتحدة والسعودية وغيرها، سيساعد ذلك كثيرا في سلسلة الإمداد والتعاون في مجالات مختلفة – في الزراعة الرقمية، والبحوث الزراعية، والتكيف الزراعي مع تغير المناخ”. ويمكن أن يعود موقع مصر الجيوستراتيجي المهم، بما في ذلك قناة السويس بوصفها طريقا تجاريا بارزا، بفائدة كبيرة على دول “بريكس” الأخرى.

لقد كانت “بريكس” مجموعة ذات قدرات هائلة في تطوير التكنولوجيا الجديدة لوجود الصين والهند، لكن السعودية ودولة الإمارات تضيفان شيئا مميزا إلى المزيج. فهاتان الدولتان تستثمران كثيرا من الأموال في الروبوتات والتكنولوجيا الحيوية وغيرها من المجالات المتقدمة.

وقال الخبير في اقتصادات “بريكس” ميخائيل خاتشاتوريان، “إذا أخذنا الأعضاء الجدد في الحسبان، فستشمل دول البريكس نحو 45 في المئة من عدد المشاريع المنفذة في هذه المجالات في العالم في سنة 2024، وربما يصل هذا الرقم إلى 65-70 في المئة في سنة 2030”.

 

دول “بريكس” لديها ناتج محلي إجمالي يتجاوز 27 تريليون دولار وتعداد سكاني يزيد على ثلاثة مليارات نسمة

 

 

ومن الواضح أن دولة الإمارات لديها الكثير مما تقدمه للآخرين والكثير مما تكسبه، مع أن لديها أصغر تعداد سكاني في مجموعة “بريكس” الموسعة. وقال بال كريشن، رئيس مجلس إدارة “سنتشري فايننشال” ورئيسها التنفيذي في مقابلة في سنة 2023 في أعقاب قمة مجموعة “بريكس” الخامسة عشرة، “من الفوائد البارزة لانضمام دولة الإمارات إلى بريكس فرصة الوصول الموسع إلى سوق كبيرة ومتنامية”.

“دول “البريكس” معا لديها ناتج محلي إجمالي يتجاوز 27 تريليون دولار وتعداد سكاني يزيد على ثلاثة مليارات نسمة، مما يفتح قاعدة عملاء أوسع للسلع والخدمات الإماراتية”.

الفوائد لإيران

تأتي الفوائد الرئيسة العائدة على إيران على شكل تخفيف للعبء الاقتصادي للعقوبات وسوق متنامية لبيع النفط والغاز. ليس من الواضح إلى أي حد سيكون الأعضاء الجدد سعداء بالتعامل مع إيران، نظرا إلى العواقب المحتملة للعقوبات الغربية، لكن الصين والهند وروسيا أرسلت إشارات قوية بأنها منفتحة على استكشاف سبل تقوية العلاقات الاقتصادية، حتى الآن، وذلك أكثر من كافٍ لطهران. وادعى بوتين أخيرا أيضا أنه ألغى التعامل بالدولار في التجارة مع إيران.

ومع أن هناك حديثا كثيرا عن الطبيعة السياسية لعضوية “بريكس” ودورها في عالم جديد “متعدد الأقطاب”، فإن بعض القوى مثل الهند تسعى لتقليل أهمية هذا الجانب والتركيز على الاقتصاد والتجارة فحسب، وهي الطريقة التي ترغب في اتباعها لتحقيق التوازن في التواصل في شأن إيران.

 

“كان وزن المرشحين وأهميتهم ومكانتهم الدولية العوامل الرئيسة بالنسبة لنا”. ومن دون السعودية، سيكون هذا “الوزن” الاقتصادي أقل إثارة للإعجاب بشكل كبير

 

سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي

السعودية مهتمة بالدعوة… لكنها متريثه

مع أن المحللين متفقون على كيفية الاستفادة الهائلة لمجموعة “بريكس” من دخول المملكة العربية السعودية، فإن صناع القرار في المملكة ليسوا مستعدين بعد لاتخاذ الخطوة في شأن النهج الذي سيسلكونه.

في 1 يناير/كانون الثاني 2024، أصبحت مصر وإثيوبيا وإيران ودولة الإمارات أعضاء رسميين في المجموعة، في حين رفضت الأرجنتين الدعوة بعد تغيير السلطة في البلاد. وفي غضون ذلك، لم تقبل السعودية الدعوة رسميا بعد، على الرغم من أنها أعربت عن اهتمامها بوضوح.

لا تخفي دول “بريكس” الأصلية رغبتها في رؤية السعودية بين صفوفها. وقد قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عند إعلان التوسعة للمرة الأولى: “كان وزن المرشحين وأهميتهم ومكانتهم الدولية العوامل الرئيسة بالنسبة لنا”. ومن دون السعودية، سيكون هذا “الوزن” الاقتصادي أقل إثارة للإعجاب بشكل كبير.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/321606/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A3%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%B9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M