الموانئ التجارية الإسرائيلية: نجاح محلي وتعثر إقليمي

الموانئ البحرية التجارية هي العمود الفقري لحركة تجارة البضائع الإسرائيلية مع العالم الخارجي، حيث تتحمل تلك الموانئ التجارية مهمة تداول 98% من إجمالي صادرات وواردات البلاد سنويًا، وهذا ما دفع حكومة إسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي إلى إجراء تطويرات متوالية على تلك الموانئ، وذلك لتعظيم إمكاناتها اللوجستية بما يتلاءم مع نمو حجم التبادل التجاري الإسرائيلي.

حاولت إسرائيل على مدار العقد الماضي تشييد مشروعات لوجستية غير مسبوقة بتلك الموانئ، أملًا في تحويلها لنقاط محورية على طرق التجارة الإقليمية والعالمية، لكن العديد من العثرات وقفت حائلًا دون تنفيذ الكثير من طموحات دولة إسرائيل في هذا الصدد.

ويلقي التقرير التالي الضوء على ثلاثة محاور رئيسية متعلقة بصناعة الشحن البحري الإسرائيلية؛ أولها: حجم التجارة الإسرائيلية المتداولة عبر الموانئ البحرية، وثانيها: توصيف لنشاط الموانئ التجارية والتخصصية الإسرائيلية، فيما يقف المحور الأخير عند مشروعات التطوير التي سعت إسرائيل لتدشينها على مدار العقد الماضي وحالة النجاح المحققة من كل مشروع.

تشير التقارير الدولية إلى تمكن إسرائيل على مدار عقد “2012-2022” من رفع قيمة تجارتها الدولية بنسبة تقارب على 25% لتقفز من 136 مليار دولار في 2012 إلى 180 مليار دولار في 2022 -انظر الشكل التالي رقم 3-، كما أنها وسعت من دائرة علاقاتها التجارية العالمية حتى جاوز عدد الدول التي تتعامل معها المائة وأربعين دولة بمختلف قارات العالم، ويتباين حجم العلاقات التجارية بين تلك الدول وبين إسرائيل، فبعض العلاقات لا تزال محدودة القيمة أو في طور النمو، فيما تتميز العلاقات التجارية مع دول أخرى حتى أنها ارتقت إلى مستويات استراتيجية، ونجد من أبرز أمثلة تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وألمانيا وغيرها (انظر الشكل التالي رقم 2).

وتتنوع البضائع التي تتداولها إسرائيل مع مختلف الشركاء الدوليين بين مواد خام ومواد غذائية ومنتجات تامة الصنع، ونجد من أبرز تلك البضائع التي يتم استيرادها من الخارج الإلكترونيات والأجهزة العاملة بالطاقة الكهربائية والآلات الميكانيكية والسيارات وقطع الغيار والحديد والصلب، فيما تُصدر إسرائيل منتجات أخرى أغلبها مُصنعة وعالية التقانة مثل المعدات الطبية والبصريات والمنتجات الدوائية والكيميائية، كما تصدر أيضًا منتجات خام ومنتجات معالجة بعمليات صناعية غير معقدة مثل الوقود ومشتقاته والأسمدة والمخصبات الزراعية والمنتجات المعدنية والبلاستيكية –أنظر الجدول التالي رقم 3-.

تمتلك إسرائيل ثلاثة موانٍ تجارية مطلة على البحرين المتوسط والأحمر وهم ميناء حيفا وميناء إسدود وميناء إيلات، وتسهم تلك الموانئ في تداول ما وزنه 60 مليون طن متري من البضائع سنويًا، والتي يُشحن 47% منها باستخدام 3.1 ملايين حاوية مكافئة سنويًا، وتمتلك إسرائيل إلى جانب تلك الموانئ التجارية ما عدده ثلاثة موانٍ تخصصية وعدد آخر من المراسي الصغيرة -انظر الخريطة التالية رقم 4-، وستقوم الفقرات التالية بإعطاء نبذة عن طبيعة كل ميناء ومهام تشغيله.

خريطة 4: الموانئ الإسرائيلية التجارية والتخصصية والمراسي المطلة على البحرين المتوسط والأحمر

  1. ميناء حيفا:

بدأ اسم حيفا في الظهور كميناء تجاري عام 1905، حينما تم تكريسه لاستيراد لوازم تشييد وتشغيل خط سكك حديد الحجاز، وظل معروفًا بضحالة مياهه وضعف بنيته التحتية حتى نفذ البريطانيون مشروعًا تطويريًا شاملًا عليه عام 1933 تحت اسم ميناء حيفا الجديد، وهو ما أسهم في توسعة مساحته الإجمالية لمليون ونصف المليون متر مربع، وأضاف البريطانيون إليه في إطار هذا المشروع التطويري أرصفة حديثة وساحات ومستودعات تخزين وأحواض للبترول ونهايات لخطوط السكك الحديدية، هذا ما أهله لمنافسة موانٍ بحرية إقليمية مناظرة مثل ميناء يافا الفلسطيني القديم وميناء بيروت اللبناني وميناء بورسعيد المصري.

ولقد تميز ميناء حيفا الجديد بوقوعه على رأس خطوط أنابيب النفط القادمة من كركوك وخطوط السكك الحديدية المتجهة إلى مصر والحجاز، فضلًا عن قربه من الطرق البرية الرابطة مع الأردن وسوريا والعراق وإيران، هذا ما جعل منه حلقة واعدة لتحقيق اتصال بري بحري نشط بين الهند والشرق الأقصى من ناحية وبين أوروبا من ناحية أخرى، وذلك إلى الجانب من قناة السويس، كما تم استخدام جزء من الميناء في رسو وإيواء السفن الحربية، لتكون حيفا بذلك واحدة من أهم القواعد البحرية للأسطول البريطاني على ساحل شرق المتوسط حتى منتصف عام 1948 حينما تخلى البريطانيون عن إدارتها لدولة إسرائيل المعلنة حديثًا.

تسببت التوترات السياسية والعسكرية التي واكبت وتلت حرب فلسطين عام 1948 في تقزيم الدور الإقليمي لميناء حيفا، حيث اقتصرت أنشطته على خدمة الاقتصادي الإسرائيلي فقط، لكن هذا الأمر لم يمنعه من تبوء مكانة متقدمة بين عموم الموانئ الإسرائيلية البحرية، حيث يستحوذ الميناء على قرابة 50% من جملة التجارة المتداولة سنويًا بين إسرائيل ومختلف دول العالم عبر البحر، ويعود هذا النجاح إلى عدة عوامل؛ منها أفضلية الموقع الجغرافي للميناء، حيث تحفه من جانبه الجنوبي سلسلة تلال تحمي السفن الراسية من هبوب الرياح الجنوبية الغربية، كما يمتد موقع الميناء على شاطئ طولي منبسط يسمح ببناء وإطالة الأرصفة وحواجز الأمواج.

كما لم تتوانَ السلطات من جانبها عن العناية والاهتمام بتطوير القدرات الفنية للميناء، هذا ما دفعها لتشييد وتحديث مختلف المرافق والبنى التحتية الخادمة لمنظومة الميناء، الذي يحتوي اليوم على محطتين للحاويات تبلغ أطوال أرصفتهما 1660 مترًا وتتراوح أعماقهم من 14.5 إلى 16.2 مترًا، ورصيفين للبضائع العامة والصب الجاف بطول 1319 مترًا وبعمق 10 أمتار، علاوة على محطة لسفن الرورو والعبارات السياحية بطول 765 مترًا، ومحطة للحبوب بطول يقارب على 800 متر، وأيضًا ثلاثة أرصفة صغيرة؛ أحدهم للمواد البترولية والاثنين الآخرين للمواد الكيمياوية، وموقع لصيانة السفن والوحدات البحرية وحوض للدوران وسلسلة من حواجز الأمواج التي تقارب أطوالها الإجمالية على ستة كيلو مترات –انظر الخريطة التالية رقم 5-.

اهتمت سلطات ميناء حيفا أيضًا بتطوير المنظومات اللوجستية التي من شأنها تسهيل حركة التداول داخل الميناء وذلك لتحقيق أكبر قدر من السرعة والسلاسة في استلام وتسلم البضائع. حيث طورت موقعًا إلكترونيًا يمكنه مساعدة العملاء على حساب تكلفة استخدام مرافق الميناء لشحن منتجاتهم سواء كانت في صورة حاويات أو بضائع عامة أو صب، ورسوم إرشاد ورسو السفن بالميناء، فضلًا عن عرض جداول وصول ومغادرة السفن التجارية والسياحية وتتبع مستجدات تخليص البضائع جمركيًا وإداريًا.

كما دعمت أرصفة الميناء وحوضه بأكثر من عشرين رافعة جسرية وعددًا آخر من الرافعات المتحركة التي تتلاءم مع نقل الحاويات والبضائع العامة ومنقولات الصب ورافعات خاصة بالحبوب، بالإضافة إلى زوارق قطر وقوارب إرشاد. ولتسهيل خروج ودخول الشاحنات الناقلة للبضائع قامت إدارة الميناء بتشييد بوابة مميكنة بها 17 مسارًا متوازيًا تتيح إمكانية التعرف على بيانات الشاحنات الواردة وتحديد وزنها وفحص حمولتها أمنيًا في أثناء مرورها من البوابات، وهو ما يقلص زمن إجراءات الدخول والخروج من الميناء لأقل وقت ممكن ويقلل من التكدسات المرورية، وأضيف للميناء حتى عام 2019 مساحات تخزينية تكفي لاحتواء 32 ألف حاوية مكافئة، ومحطة لتداول البضائع بالسكك الحديدية.

أسهم كل ما سبق في تميز ميناء حيفا عن بقية موانئ إسرائيل البحرية، حيث قدرت إحصاءات عام 2019 أن مدة رسو سفينة الحاويات على أرصفة حيفا لا تزيد عن الأربعة وعشرين ساعة، وهو ما يقل عن مدة رسو ذات النوع من السفن في ميناء إسدود المناظر بنسبة 42%، كما لم تزد مدة رسو سفن البضائع العامة عن 62.7 ساعة لتتفوق حيفا على إسدودبذات النسبة السابقة تقريبًا، هذا ما ساعد بدوره على تداول 29.53 مليون طن بضائع فضلًا عن 1.4 مليون حاوية مكافئة، لترتفع إيرادات الميناء بنسبة 16.48% خلال خمس سنوات –انظر الشكل التالي رقم 6-، ولقد أهلت التطويرات المستمرة أيضًا ميناء حيفا لكي يحصل على لقب أكثر موانئ إسرائيل كفاءة، فضلًا عن حصوله من قبل على المركز الرابع من بين موانئ الحاويات الأكثر فاعلية عالميًا.

* ملاحظة: بلغ متوسط سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الشيكل الإسرائيلي خلال الفترة 2015-2019 ما يعادل 1 دولار لكل 3.74 شياكل.

  • ميناء إسدود:

سعت دولة إسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي إلى توسيع وتقوية علاقتها الاقتصادية مع مختلف دول العالم خاصة الدول الغربية منها، هذا ما أوضح الحاجة إلى تشييد ميناء جديد مطل على المتوسط بالقطاع الأوسط من البلاد، كبديل لميناءي يافا وتل أبيب المتقادمين، وكمساعد لميناء حيفا البحري الواقع في الشمال، لذلك وقع الاختيار على أحد المواقع شمال مخر السيل المعروف باسم وادي صقرير والذي تم تحويل اسمه فيما بعد لنهر لخيش، حيث تميز هذا الموقع بوقوعه على شبكة السكك الحديدية الفلسطينية وقربه من مناطق الثقل السكاني ونطاقات الإنتاج الزراعي للموالح والحبوب والخضراوات في مرج بن عامر وسهل غزة وسهل يافا والرملة، فضلًا عن ترابطه البري مع مناطق التنمية الصناعية والاستخراج المنجمي والبترولي بالقدس وتل أبيب وعسقلان وبئر السبع ومحيط تلال قرية كرنب ومدينة ديمونة.

بدأ العمل على هذا الميناء في 1961 وانتهى تشييد المراحل الأولى منه خلال أربع سنوات، وذلك بعد تحدي عدد من الصعوبات التصميمية والهندسية نظرًا لبنائه في منطقة مفتوحة على البحر وليس داخل مسطح مائي محمي طبيعيًا كالخلجان والشروم البحرية، هذا ما دفع بالمهندسين إلى تشييد حاجز الأمواج البالغ طوله كيلو مترين، أولًا بهدف تأمين الحماية الكافية للأعمال الإنشائية والتشغيلية للميناء، وتلاها تشييد أول رصيفين للبضائع، لتدشن السلطات باكورة أعمال ميناء إسدود في عام 1965 بتداول بضائع الصب والمنتجات الزراعية.

شهد الميناء على مدار العقود اللاحقة وحتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة تطويرات متتابعة مثل إضافة عدد من المرافق المتخصصة في تداول المستخرجات التعدينية والفحم، وتوسيع شبكة السكك الحديدية داخل الميناء، وزيادة أرصفة السفن التي وصل عددها إلى عشرة في 2005، ثم تلتها توسعات إضافية مع افتتاح الميناء الملحق المسمى “هايوفيال ” عام 2006، والذي قُدرت تكلفته الإنشائية الإجمالية 2.5 مليار دولار أمريكي، حيث احتوى هذا الميناء على ثلاثة أرصفة تقارب أطوالها من 2000 متر، ويجاوز عمقها الستة عشر مترًا كي تستقبل السفن من طراز Post-panamax، ومحطة ملحقة لتداول الحاويات والبضائع على مساحة 1.3 مليون متر مربع.

قامت سلطات الميناء أيضًا بمد حاجز الأمواج أمام الميناء ليصبح طوله الإجمالي 3150 مترًا –انظر الخريطة التالية رقم 7، كما عمقت بعضًا من مناطق حوض الميناء لتتراوح غواطس أرصفته بين 6 أمتار وأربعة عشر مترًا، وزيد عدد أحواض الدوران إلى اثنين، فيما جرت العناية بمنطقة المخطاف الخارجي الذي تراوح غاطسه بين 22 مترًا إلى 29 مترًا، وكان للشركات الاستثمارية –إلى جانب سلطات الميناء- دور في زيادة عدد المرافق والمحطات اللوجستية داخل ميناء إسدود، حتى وصل عددها وفق أحد التقارير الدولية إلى خمس عشرة محطة ومرفقًا، كان من بينها صوامع للغلال ومخازن للبضائع وساحات لتداول المركبات.

حاول ميناء إسدود أن يميز نفسه عن بقية الموانئ التجارية الإسرائيلية من خلال تبني تقنيات تدريبية وتشغيلية بها قدر من الحداثة، مثل إدارة محاكي التدريب على أعمال تشغيل الرافعات الجسرية Gantry cranes simulator، والذي يعتبر الوحيد من نوعه في إسرائيل، وميكنة اثنتين وثلاثين بوابة لمرور شاحنات البضائع، فضلًا عن استخدام خمسة زوارق قطر اثنين منهم بقوة سبعين طنًا، وتدشين بعض الأنظمة الإلكترونية لإدارة ومتابعة أعمال الميناء مما يساهم بدوره في تقليص الوقت والجهد المستغرق من على عاتق المسئولين والعملاء على حد سواء، كما انخرطت سلطات ميناء إسدود في مشروع على مدار الأعوام الأخيرة بهدف الاستفادة من قدرات وخبرات رواد الأعمال في عملية رقمنة وتطوير أشغال الميناء، وذلك في محاولة منها للتلاقي مع المتغيرات المتسارعة بعالم اللوجستيات والنقل البحري.

كان لموضع إسدود الجغرافي المتركز بوسط البلاد ولإمكاناته الفنية دور في تأهله لمنافسة ميناء حيفا، حيث ينشط الميناء في تداول العديد من أنواع البضائع العامة مثل الأجهزة الإلكترونية والأخشاب والمعادن والحبوب، والتي يصل وزنها الإجمالي إلى أكثر من أربعة وعشرين ألف طن سنويًا، فيما تميز الميناء بتداول المركبات والحاويات، حيث أظهرت التقارير الإسرائيلية سيطرة إسدود على 47% من جملة المركبات المتداولة عبر موانئ إسرائيل خلال 2019، لتتفوق بذلك على كل من ميناءي حيفا وإيلات، كما نجحت إسدود في تداول ما قارب على 1.6 مليون حاوية مكافئة خلال العام التالي 2020، وهو ما ساعدها على تحقيق إيرادات جاوزت قيمتها المليار شيكل.

  • ميناء إيلات:

عملت إسرائيل منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي على استغلال واجهتها الساحلية الصغيرة المقدر طولها بأقل من 12 كيلو متر على خليج العقبة بهدف تداول البضائع، وكانت هناك طموحات بأن يسهم هذا الميناء في تنمية الإقليم الصحراوي الجنوبي من دولة إسرائيل علاوة على تعزيز الاقتصاد القومي، لذلك أنشأت السلطات الإسرائيلية أول ميناء بحري في المنطقة عام 1955، ولم تمضِ عشر سنوات حتى عادت السلطات لتبني ميناء آخر حديث بذات المنطقة، لكن التوترات العسكرية المتعاقبة التي أشعلتها إسرائيل في الشرق الأوسط كانت سببًا في تعطل أعمال التشغيل بهذا الميناء.

حاولت إسرائيل تنشيط الميناء خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لذلك أجرت عددًا من التطويرات على بنيته التحتية مثل تشييد ساحات للمركبات المستوردة –انظر الخريطة التالية رقم 8- وتدعيمه بمعدات لتداول بضائع الصب غير النظيف ورافعات للبضائع العامة والحاويات، لكن الميناء واجه العديد من المعوقات الداخلية والخارجية التي قلصت من حجم أعماله، والتي هي بالأساس معوقات مبنية على أسس جغرافية وسياسية، حيث يخدم الميناء بشكل أساسي الإقليم الجنوبي الشاسع ذا الكثافة السكانية المنخفضة والتي لا تمثل سوى 14% من إجمالي تعداد سكان دولة إسرائيل المقدرة بقرابة 10 ملايين نسمة، فضلًا عن عدم ارتباط الميناء بشبكة السكك الحديدية الإسرائيلية؛ مما يضعف مكانته بسلاسل الإمداد الخادمة للسوق المحلية، كما لا تزال عملية تداول البضائع العربية عبر هذا الميناء من الأمور المستبعدة نسبيًا نظرًا لاكتفاء مصر والأردن والسعودية بموانئهم المطلة على خليج العقبة وعلى ساحل البحر الأحمر.

خريطة رقم 8: ميناء إيلات البحري والساحات اللوجستية التابعة

ملاحظة: النطاق المرمز برقم 1 يشير لرصيف الميناء ومرافق تداول البضائع العامة وبضائع الصب والحاويات، فيما تشير النطاقات المرمزة بالأرقام 2 و3 و4 و5 إلى الساحات اللوجستية التابعة للميناء والتي غالبًا ما تستخدم في تخزين المركبات المستوردة.

أدى ضعف نشاط ميناء إيلات إلى تحديد أغلب البضائع المتداولة من خلاله في نوعين؛ أولهما: المستخرجات المعدنية التي يفوق حجمها مليوني طن سنويًا والتي يكون أغلبها مُصدرة من مناجم القطاع الجنوبي، وثانيهما: المركبات المستوردة من مختلف أنحاء العالم خاصة من دول شرق آسيا، حيث تعتبر ميناء إيلات ثاني موانئ إسرائيل في مجال تداول المركبات بعد إسدود وتبلغ حصتها السوقية في هذا المجال 36%، فيما يتداول الميناء عددًا محدودًا من الحاويات التي يُقدر عددها بحوالي خمسين ألف حاوية سنويًا، وقرابة مائتي ألف طن من البضائع العامة.

  •  محطات الخضيرة وعسقلان وإيلات

تعد محطة الخضيرة الواقعة إلى الشمال من مدينة ناتانيا وإلى الشمال الغربي من مدينة الخضيرة أحد الموانئ التخصصية الثلاث المملوكة لدولة إسرائيل، حيث تقوم الخضيرة بتداول الفحم والوقود، وذلك لخدمة منشأة أوروت رابين لإنتاج الطاقة الكهربائية، ويعود تاريخ تشييد محطة الخضيرة للعام 1982 حينما لم تجد شركة الكهرباء الإسرائيلية سعة بالموانئ الإسرائيلية لتخزين الكميات المطلوبة من الفحم والتي تصل إلى 3.3 ملايين طن سنويًا، فضلًا عن عدم وجود أرصفة بالموانئ الإسرائيلية المطلة على المتوسط مثل حيفا وإسدود لاستقبال سفن نقل الفحم التي تستوعب حمولات ساكنة تتراوح ما بين 140 و170 ألف طن، لذلك تبتعد الخضيرة عن أي منافسة محلية أو إقليمية في مجال الموانئ البحرية، فهي منشأة ذات مهمة محددة وأعمالها محتكرة من قبل كيان إنتاجي واحد فقط.

فيما تنشط محطتا عسقلان وإيلات البتروليتان في مجال تداول النفط الخام والغاز المسال والوقود، حيث تتصل كل محطة منهما بمجمع مصاف نفطية تابع لشركة أنابيب نفط عسقلان إيلات، وتعد محطة عسقلان أهم محطة لتداول النفط في إسرائيل نظرًا لحجم مصافي النفط التابعة، والتي يمكن أن تستوعب 1.9 مليون متر مكعب من النفط الخام، وأربعمائة ألف متر من المنتجات البترولية، وقرابة ثمانية آلاف طن من الغاز المسال، فضلًا عن إمكانية استقبال سفن نقل الفحم لخدمة محطة كهرباء روتنبرج المجاورة.

ويغذي مجمع مصافي عسقلان ثلاثة خطوط لنقل النفط بأطوال إجمالية تقارب على 750 كيلو متر، أولهم: خط مصافي حيفا وثانيهم: خط مصافي إسدود، فيما يرتبط الخط الثالث مع مصافي ومحطة إيلات –انظر الخريطة التالية رقم 9- التي يمكنها استيعاب 1.36 مليون متر مكعب من النفط الخام، وتركز أعمال المحطتين بذلك على التداول الداخلي للمنتجات النفطية علاوة على تصدير واستيراد مختلف أنواع المحروقات الخام والمعالجة التي قدرت قيمة تداولها في 2022 بأكثر من 14.6 مليار دولار أمريكي.

خريطة رقم 9: خط الأنابيب الواصل بين مصافي ومحطات النفط في عسقلان وإيلات

  • الموانئ القديمة ومراسي اليخوت

تمتلك إسرائيل تسعة من المراسي والمواني القديمة المطلة على البحر المتوسط، وجميعها غير مستخدمة في أعمال التبادل التجاري، حيث يقتصر نشاطها على خدمة قوارب الصيد والزوارق واليخوت السياحية، ونجد من أبرز الموانئ القديمة في إسرائيل ميناءي عكا ويافا التاريخيين، وأيضًا ميناء تل أبيب القديم الذي أغلق في العام 1965 ويستخدم الآن كواجهة سياحية.

كما نجد من مراسي اليخوت والصيد مرسى شافيط المجاور لميناء حيفا، ومرسى هرتزليا لليخوت شمال تل أبيب الذي يعد الأكبر من نوعه في إسرائيل حيث يستوعب 800 يخت كما يمكنه خدمة اليخوت الضخمة، وأيضًا مرسى تل أبيب القريب من وسط العاصمة، ومرسى إسدود الذي يعد واحدًا من أحدث مراسي اليخوت في إسرائيل، ومرسى عسقلان الواقع في شمال قطاع غزة، ومرسى قرية ميخموريت للرياضات المائية، فيما تمتلك إسرائيل مرسى واحدًا لليخوت على خليج العقبة وهو مرسى إيلات.

الحرص الذي أبدته بعض الدول الإقليمية المطلة على شاطئ شرق المتوسط وشمال البحر الأحمر خلال العقد الماضي بشأن تطوير موانئها التجارية سعيًا وراء اجتذاب أكبر قدر ممكن من العملاء دفع بالسلطات الإسرائيلية إلى القيام بتحركات مماثلة، حيث فتحت أبواب البلاد أمام الاستثمار الخارجي الراغب في تشييد مشروعات لوجستية كبرى داخل موانئها التجارية الرئيسية الثلاثة، وذلك لضمان الحفاظ على حصة معقولة في سوق النقل البحري الإقليمي، ولقد كانت أبرز المشروعات في هذا الصدد ما يلي:

  1. ميناء حيفا

تعاونت السلطات الإسرائيلية مع شركة شانغهاي الدولية للموانئ Shanghai International Port Group في 2018 بهدف تشييد محطة حاويات قادرة على تداول 1.1 مليون حاوية مكافئة سنويًا بالطرف الشمالي الشرقي من ميناء حيفا -انظر الخريطة التالية رقم 11-، ولقد تم تقدير مدة بناء المشروع بثلاث سنوات، كما بلغت تكلفته الإنشائية 1.7 مليار دولار أمريكي، وروعي في تصميمها زيادة الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية أو الأتمتة بهدف تحقيق الكفاءة التشغيلية، فضلًا عن الاعتبار لمعايير الاستدامة البيئية، كما بنيت أرصفته بطول 1.5 كيلو وعمق 17.3 مترًا لاستقبال ناقلات الحاويات الضخمة التي تبلغ حمولاتها 18 ألف حاوية مكافئة، ولقد كان مؤملًا أن يساهم مشروع محطة حاويات خليج حيفا فور تشغيله في زيادة طاقة ميناء حيفا في مجال تداول الحاويات بنسبة 79% حتى تبلغ 2.5 مليون حاوية سنويًا، لكن الضغوط السياسية كانت حائلًا دون فتح مزيد من الآفاق أمام الصين لتطوير مشروعاتها اللوجستية بميناء حيفا، حتى لا تكون داعمًا لمبادرة الحزام والطرق.

خريطة رقم 11: موقع محطة حاويات خليج حيفا المملوكة للصين داخل حوض ميناء حيفا

حولت السلطات الإسرائيلية اهتماماتها بعد ذلك إلى مشروع آخر ترعاه الولايات المتحدة والهند وهو المعروف باسم المحور الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، والذي سيكون في شكل طريق متعدد الوسائط يعبر بعدد من الدول بداية من الهند مرورًا بالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وصولًا لإسرائيل حيث يلعب ميناء حيفا دورًا محوريًا في هذا الممر التجاري العالمي على اعتبار أنها آخر نقطة لوجستية قبل الوصول إلى سواحل أوروبا –انظر الخريطة التالية رقم 12-، وتوقع الساسة الإسرائيليون أن يجعل المشروع من إسرائيل مركزًا لوجستيًا إقليميًا، وهو ما قد يؤهلها لمنافسة بقية القوى الإقليمية النشطة في مجال تشغيل الموانئ البحرية، لكن طرح المشروع في حد ذاته يثير العديد من التساؤلات الفنية، مثل كيفية وآلية تمويله؟، والجداول الزمنية المحتملة لإنهاء عمليات تشييده؟، والجدوى الاقتصادية المتوقعة من تشغيله؟، وأفضليته العملياتية على طريق قناة السويس التقليدي؟ وغيرها من عديد التساؤلات.

خريطة رقم 12: مسار المحور الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي

  • ميناء إسدود

حاولت إسرائيل استنساخ نموذج مشروع محطة حاويات خليج حيفا داخل ميناء إسدود عن طريق التعاون مع إحدى الشركات الأوروبية، حيث شيدت تلك الأخيرة في 2021 محطة حاويات الجنوب Hadarom Container Terminal بتكلفة 3.5 مليارات شيكل إسرائيلي، لتضيف لميناء إسدود أرصفة بطول 1.3 كيلو وعمق 17.3 مترًا وهو ما أتاح الفرصة لاستقبال سفن الحاويات من حمولات 18 ألف حاوية مكافئة، كما عززت المحطة الجديدة من الطاقة التداولية لإسدود عن طريق زيادة 1 مليون حاوية مكافئة، لتبلغ الطاقة الاستيعابية الإجمالية للميناء أكثر من 2.6 مليون حاوية مكافئة سنويًا.

خريطة رقم 13: موقع محطة حاويات الجنوب المملوكة للصين داخل حوض ميناء إسدود

  • ميناء إيلات

أعلنت السلطات الإسرائيلية خلال العقد الماضي عن اعتزامها تنفيذ مشروعات جديدة بهدف تعزيز مكانة ووجود ميناء إيلات محليًا وإقليميًا، ولقد كان من بين تلك المشروعات المطروحة بناء خط سكك حديدية سريع يصل مدينة إيلات بالمنطقة الوسطى من دولة إسرائيل، لينتهي هذا الخط عند مدينة وميناء إسدود على ساحل المتوسط، ولقد سعت إسرائيل في ذلك الإطار إلى جذب استثمارات صينية وإسبانية لتمويل مشروعها الضخم الذي كان يعول عليه لمنافسة قناة السويس من خلال اجتذاب السفن المارة بالقناة ونقل حمولاتها عبر القطارات من ميناء إيلات إلى ميناء إسدود والعكس، لكن الطموح لم يكتمل بسبب علو تكاليف المشروع المالية في مقابل عوائده. ولقد عادت السلطات الإسرائيلية في منتصف العام الماضي 2023 لطرح الفكرة ذاتها دون أن يتم تنفيذ خطوات فعلية على الأرض.

كما فكرت إسرائيل في شق قناة مائية منافسة لقناة السويس المصرية، وذلك لعبور السفن من البحر الأحمر إلى المتوسط، ولقد خططت السلطات الإسرائيلية في هذا الصدد لأن يكون مدخل القناة عند مدينة وميناء إيلات في شمال خليج السويس وإلى الغرب من خط الحدود الدولية مع الأردن، على أن تكون القناة في صورة ممرين متوازيين للذهاب والإياب على عكس قناة السويس التي كانت لا تزال في صورة ممر أحادي، علاوة على اتساع عرض الممرات في تلك القناة الإسرائيلية المقترحة بأربعة أضعاف عن نظيرتها المصرية؛ مما يحقق عبور السفن الكبيرة لكن المشروع كان مصيره كمصير سابقه لصعوبة تنفيذه نظرًا لعبوره بطبيعة تضاريسية وجيولوجية قاسية يصعب شقها، فيما أغلقت الدولة المصرية الباب أمام هذا المقترح حينما شرعت منذ 2015 في تنفيذ مشروع مرحلي لازدواج وتعميق كامل قناة السويس.

المراجع العربية

  • ميناء حيفا الفلسطيني في الاستراتيجية البريطانية 1923 -1933م، محمود عبد الله، الجزء الثاني، العدد الثامن والخمسون، مجلة بحوث الشرق الأوسط، نوفمبر 2020.
  • موسوعة حرب أكتوبر 1: كتاب حرب الإستنزاف.. الطريق إلى نصر أكتوبر، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، القاهرة، 2024.
  • موسوعة حرب أكتوبر 2: كتاب ملحمة العبور.. النصر العسكري، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، القاهرة، 2024.
  • تقرير مشروع الممر الهندي الأوروبي: النشاء والتطور والدور الإسرائيلي، ربيع محمد يحيى، مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، لندن، أكتوبر 2023.

 

المصدر : https://ecss.com.eg/47116/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M