العالم لا يزال بعيدًا جدًّا عن تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة وهو القضاء على الجوع بحلول عام 2030. العالم قد تراجع 15 عامًا إلى الوراء، لا يزال عدد هائل من الأشخاص يعاني انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية مع ثبات مستويات الجوع العالمية للعام الثالث…
عانى شخص واحد من بين 11 شخصًا في العالم الجوع في عام 2023،
وشخص واحد من بين 5 أشخاص في أفريقيا
وفقًا لأحدث تقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم الذي أصدرته خمس وكالات متخصصة تابعة للأمم المتحدة، عانى نحو 733 مليون شخص من الجوع في عام 2023، وهو ما يعادل واحدًا من بين 11 شخصًا في العالم وواحدًا من بين 5 أشخاص في أفريقيا.
ويُحذّر التقرير السنوي، الذي أُطلق لهذا العام في سياق الاجتماع الوزاري لفريق المهام التابع للتحالف العالمي لمجموعة العشرين لمكافحة الجوع والفقر في البرازيل، من أنّ العالم لا يزال بعيدًا جدًّا عن تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة وهو القضاء على الجوع بحلول عام 2030. ويُظهر التقرير أن العالم قد تراجع 15 عامًا إلى الوراء، إذ بلغت مستويات النقص التغذوي معدّلات قريبة مما كانت عليه خلال الفترة 2008-2009.
ورغم إحراز بعض التقدم في مجالات محددة مثل الحدّ من التقزم وزيادة معدلات الرضاعة الطبيعية الحصرية، لا يزال عدد هائل من الأشخاص يعاني انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية مع ثبات مستويات الجوع العالمية للعام الثالث على التوالي، إذ عانى ما بين 713 و757 مليون شخص من النقص التغذوي في عام 2023– بزيادة تقارب 152 مليونًا عن عام 2019 عند اعتبار النطاق المتوسط (733 مليونًا).
وشهدت الاتجاهات الإقليمية تباينًا كبيرًا: ففي أفريقيا، واصلت نسبة السكان الذين يواجهون الجوع ارتفاعها (20.4 في المائة) وظلَّت ثابتة في آسيا (8.1 في المائة) – مع أنّ ذلك ظلّ يمثل تحديًّا كبيرًا إذ يضم الإقليم أكثر من نصف من يواجهون الجوع على مستوى العالم – وأظهرت معدّلات الجوع ارتفاعًا في أمريكا اللاتينية (6.2 في المائة). وفي الفترة من 2022 إلى 2023، ارتفعت معدلات الجوع في إقليمي آسيا الغربية والبحر الكاريبي وغالبية الأقاليم الفرعية في أفريقيا.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية قد حذّرت من أنّه في حال استمرار الاتجاهات، فإنّ نحو 582 مليون شخص، نصفهم في أفريقيا، سيعانون نقصًا تغذويًّا مزمنًا في عام 2030. وتُشبه هذه المستويات المتوَّقعة تلك التي سُجّلت في عام 2015 عندما اعتُمدت أهداف التنمية المستدامة، مما يشير إلى ركود مقلق في التقدم المُحرز.
نتائج رئيسية تتخطّى الجوع
يسلّط التقرير الضوء على أن الحصول على غذاءٍ كافٍ لا يزال أمرًا صعب المنال لمليارات الأشخاص. ففي عام 2023، عانى نحو 2.33 مليار شخص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، وهو عدد لم يتغير كثيرًا منذ أن شهد ارتفاعًا حادًّا في عام 2020 إبّان جائحة كوفيد-19. ومن بين هؤلاء، عانى أكثر من 864 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد، أي أنهم أمضوا يومًا كاملًا، أو أكثر في بعض الأحيان، من دون تناول أي طعام. وظلَّ هذا العدد مرتفعًا منذ عام 2020، ورغم التحسن الذي شهدته أمريكا اللاتينية، لا تزال تحديات أكبر قائمة خاصة في أفريقيا حيث يعاني 58 في المائة من السكان من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد.
وعلاوة على ذلك، يظلُّ عدم القدرة على الوصول الاقتصادي إلى الأنماط الغذائية الصحية مسألة حرجة تؤثر على أكثر من ثلث سكان العالم. ويكشف التقرير، استنادًا إلى البيانات الحديثة عن أسعار الأغذية والتحسينات المنهجية، أنّ أكثر من 2.8 مليارات شخص عجزوا عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2022. ويبرز هذا التفاوت بشدة في البلدان المنخفضة الدخل، حيث إنّ 71.5 في المائة من السكان غير قادرين على تحمل كلفة نمط غذائي صحي مقارنة مع 6.3 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل. ومن اللافت للنظر أن العدد في آسيا وأمريكا الشمالية وأوروبا قد انخفض عن المستويات التي سادت قبل الجائحة، بينما شهد ارتفاعًا كبيرًا في أفريقيا.
وفي حين أُحرز تقدّم في رفع معدلات الرضاعة الطبيعية الحصرية بين الرُضّع إلى 48 في المائة، يظلّ تحقيق المقاصد العالمية الخاصة بالتغذية يُشكّل تحديًّا. واستقرّ معدل انخفاض الوزن عند الولادة عند حوالي 15 في المائة، وتراجعت نسبة التقزم لدى الأطفال دون سنّ الخامسة إلى 22.3 في المائة، ولا تزال هاتان النسبتان أقلّ من الغايات المنشودة. وبالإضافة إلى ذلك، لم يطرأ تحسّن كبير على معدل انتشار الهزال لدى الأطفال، في حين زادت نسبة فقر الدم لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا.
وبالمثل، تُظهر التقديرات الجديدة للسُمنة لدى البالغين زيادة مطردة على مدى العقد الماضي، إذ ارتفعت من 12.1 في المائة في عام 2012 إلى 15.8 في المائة في عام 2022. وتُشير الإسقاطات إلى أن أكثر من 1.2 مليار بالغ سيعانون من السُمنة بحلول عام 2030. كما أن العبء المزدوج الناتج عن سوء التغذية – انتشار نقص التغذية بالتزامن مع انتشار الوزن الزائد والسُمنة – قد شهد ارتفاعًا كبيرًا على مستوى العالم وبين جميع الفئات العمرية. وانخفضت نسبة النحافة ونقص الوزن في العقدين الماضيين بينما ارتفعت نسبة السُمنة ارتفاعًا حادًّا.
وتُشير وكالات الأمم المتحدة الخمس إلى أنّ هذه الاتجاهات تُبرز التحدّيات المعقدة الناتجة عن سوء التغذية بأشكاله كافة والحاجة الماسة أيضًا إلى تدخلات موجَّهة في الوقت الذي ينحرف فيه العالم عن المسار الذي يؤدي إلى تحقيق أيّ من مقاصد التغذية العالمية السبعة بحلول 2030.
ويسجّل تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك التضخم المستمر لأسعار الأغذية الذي يواصل تقويض المكاسب الاقتصادية بالنسبة إلى الكثير من الأشخاص في العديد من البلدان. وباتت العوامل الرئيسية مثل النزاعات، وتغيّر المناخ، وحالات الانكماش الاقتصادي أكثر تواترًا وأشدّ وطأة. وتنشأ هذه التحديات – إلى جانب عوامل كامنة أخرى مثل الأنماط الغذائية الصحية غير الميسورة الكلفة، والبيئات الغذائية غير الصحية، واستمرار عدم المساواة – في آن معًا مما يُضخّم تأثير كلّ واحد منها.
التمويل للقضاء على الجوع
يشدد موضوع التقرير لهذا العام، وهو “التمويل للقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية” على أن تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة يتطلب نهجًا متعدد الأوجه يتضمن تحويل النظم الزراعية والغذائية وتعزيزها، ومعالجة أوجه عدم المساواة، وضمان الأنماط الغذائية الصحية الميسورة الكلفة والمتاحة للجميع. ويدعو التقرير إلى زيادة التمويل وجعله أكثر فعالية من حيث الكلفة، ويضع تعريفًا واضحًا وموحدًّا للتمويل المخصص للأمن الغذائي والتغذية.
ويقول رؤساء الوكالات الخمس، وهم السيد شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة؛ والسيد Alvaro Lario، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية؛ والسيدة Catherine Russell، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة؛ والسيدة Cindy McCain، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي؛ والدكتور Tedros Adhanom Ghebreyesus، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في مقدمة التقرير: “يجب على تقدير الفجوة في التمويل المخصص للأمن الغذائي والتغذية وحشد طرق التمويل المبتكرة لسدّ هذه الفجوة، أن يتصدرا قائمة أولوياتنا. وقد تبلغ كلفة السياسات والتشريعات والتدخلات الرامية إلى القضاء على الجوع وضمان حصول جميع الأشخاص على غذاء آمن ومغذٍ وكافٍ (المقصد 2-1 من أهداف التنمية المستدامة) وإلى القضاء على سوء التغذية بجميع أشكاله (المقصد 2-2 من أهداف التنمية المستدامة)، عدة تريليونات دولارات أمريكية. ولا يشكل تكبّد هذه الكلفة الآن استثمارًا في المستقبل فحسب، وإنما واجبًا علينا الوفاء به أيضًا. ونحن نسعى جاهدين إلى ضمان الحق في الغذاء الكافي والتغذية لأجيال الحاضر والمستقبل”.
وكما جرى التأكيد عليه خلال الحدث الذي انعقد مؤخّرًا ضمن المنتدى السياسي الرفيع المستوى في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، يؤكد التقرير أن اتساع الفجوة في التمويل يتطلب حلولًا مبتكرة وعادلة، لا سيّما بالنسبة إلى البلدان التي تواجه مستويات عالية من الجوع وسوء التغذية التي تتفاقم بفعل آثار تغيّر المناخ.
وتواجه البلدان الأكثر حاجة إلى زيادة التمويل تحدّيات كبيرة في الحصول عليه. فمن بين 119 بلدًا من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي شملها التحليل، كانت فرص نحو 63 في المائة منها محدودة أو متوسطة في الحصول على التمويل. وبالإضافة إلى ذلك، تتأثر غالبية هذه البلدان (74 في المائة) بعامل واحد أو أكثر من العوامل الرئيسية التي تساهم في انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. ويُعدّ تضافر الجهود من أجل مواءمة البيانات، وزيادة القدرة على تحمّل المخاطر، وتعزيز الشفافية ضروريًّا لسد هذه الفجوة وتعزيز أطر الأمن الغذائي والتغذية على الصعيد العالمي.
وقال السيد شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة: “بات تحويل النظم الزراعية والغذائية حرجًا أكثر من أي وقت مضى، إذ نواجه ضرورة تحقيق أهداف التنمية المستدامة في غضون ست سنوات قصيرة. وتبقى منظمة الأغذية والزراعة ملتزمة بدعم البلدان في جهودها نحو القضاء على الجوع وضمان الأمن الغذائي للجميع. وسنعمل يدًا بيد مع جميع الشركاء والنُهج، بما في ذلك التحالف العالمي لمجموعة العشرين لمكافحة الجوع والفقر من أجل التعجيل بإجراء التغييرات اللازمة. ومعًا، ينبغي لنا أن نبتكر ونتعاون لبناء نظم زراعية وغذائية أكثر كفاءة وشمولًا وقدرة على الصمود واستدامة، من شأنها أن تصمد على نحو أفضل أمام تحديات المستقبل من أجل عالم أفضل”.
وقال السيد Alvaro Lario، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية: “لقد ثبت أنّ الطريق الأسرع للخروج من الجوع والفقر هو من خلال ضخّ الاستثمارات في الزراعة في المناطق الريفية. ولكن المشهدين العالمي والمالي قد أصبحا أكثر تعقيدًا بكثير منذ اعتماد أهداف التنمية المستدامة في عام 2015. ويتطلب القضاء على الجوع وسوء التغذية أن نستثمر أكثر- وبذكاء أكبر. ويتعين علينا أن نجلب أموالًا جديدة إلى النظام من القطاع الخاص وأن نعيد إذكاء الرغبة التي سادت خلال فترة الجائحة لإحداث إصلاح مالي عالمي طموح يوفّر تمويلًا أرخص للبلدان التي هي في أمسّ الحاجة إليه”.
وقالت السيدة Catherine Russell، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة: يطال سوء التغذية بقاء الأطفال على قيد الحياة ونموهم البدني وتطورهم الذهني. وقد انخفضت المعدلات العالمية لتقزّم الأطفال بمقدار الثلث أو 55 مليون طفل خلال العقدين الماضيين، ما يشير إلى أنّ الاستثمارات في تغذية الأم والطفل تأتي ثمارها. ومع ذلك، على المستوى العالمي، يعاني طفل واحد من بين كل أربعة أطفال دون الخامسة من العمر من نقص التغذية، ما يمكن أن يؤدي إلى أضرار في الأجل الطويل. ويتعين علينا أن نزيد التمويل على وجه السرعة لوضع حد لسوء تغذية الأطفال. وباستطاعة العالم، لا بل يتوجّب عليه، القيام بذلك. فهذا ليس واجبًا معنويًا فحسب بل أيضًا استثمارًا صائبًا في المستقبل”.
وأشارت السيدة Cindy McCain، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي: قالت السيدة Cindy McCain، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي: “إن بناء مستقبل خالٍ من الجوع هو أمر ممكن إن استطعنا حشد الموارد والإرادة السياسية اللازمة للاستثمار في الحلول الطويلة الأجل المُثبَتة. وإني أدعو قادة مجموعة العشرين إلى أن يقتدوا بالتجربة البرازيلية وأن يمنحوا الأولوية للعمل العالمي الطموح بشأن الجوع والفقر”. وأضافت: “إننا نملك التكنولوجيات والمعارف اللازمة للقضاء على انعدام الأمن الغذائي– لكننا بحاجة ماسّة إلى الأموال من أجل الاستثمار فيها على نطاق واسع. وإنّ برنامج الأغذية العالمي مستعدّ لتعزيز تعاوننا مع الحكومات والشركاء من أجل التصدّي للأسباب الجذرية للجوع، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعية، ودعم التنمية المستدامة لكي تعيش جميع الأسر بكرامة”.
وقال الدكتور Tedros Adhanom Ghebreyesus، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: إنّ ما أحرزناه من تقدم لخفض التقزم وتحسين الرضاعة الطبيعية الخالصة يظهر أنّ التحديات التي نواجهها يمكن التغلب عليها. ويجدر بنا الاستفادة من هذه المكاسب كحافز لتخفيف معاناة ملايين الأشخاص حول العالم الذين يعانون الجوع وانعدام الأمن الغذائي وأنماط غذائية غير صحية وسوء التغذية. وإنّ الاستثمارات الكبرى اللازمة لأغذية سليمة وآمنة ومنتجة بصورة مستدامة أقلّ بأشواط من التكاليف المترتبة على الاقتصادات والمجتمعات إذا ما بقينا مكتوفي الأيدي”.
رسم مسار أقوى
ويشير التقرير إلى أن تعاريف التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية، والاختلافات في ما بينها، تؤدي إلى تقديرات غير متسقة، ممّا يتسبب في حدوث مشاكل في تحديد المجالات التي تعاني من نقص التمويل، وفي ضمان المساءلة وتتبع آثار التدخل. ولذلك، هناك حاجة ماسة إلى تعريف مشترك وخرائط مشتركة، كون الجهود الحالية تفتقر إلى الاهتمام والوضوح الكافيين.
وأشار السيد شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة)، في رسالة فيديوية، إلى أن هناك حاجة إلى تمويل أكبر وأفضل استهدافًا وأقل تجنّبًا للمخاطر لجعل العالم أقرب إلى هدف استئصال الجوع.
وأضاف المدير العام أن البلدان لم تتمكّن من تعبئة الموارد الكافية لتمويل السياسات والبرامج والتدخلات اللازمة.
كما أن الفشل في سدّ الفجوة في التمويل ستكون له عواقب ستبلغ أيضًا كلفتها عدة تريليونات من الدولارات الأمريكية. وقال “إنّ تمويل القضاء التام على الجوع اليوم هو استثمار في مستقبل أفضل غدًا”. وأشار السيد شو دونيو إلى أن تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2024 يوضح أن البلدان التي تعاني من أعلى مستويات الجوع هي البلدان الأقل قدرة على تأمين التمويل، ما يسلّط الضوء على الحاجة إلى حلول مبتكرة وشاملة ومنصفة لزيادة الاستثمارات في تلك المناطق.
كما أن هيكل التمويل الحالي للأمن الغذائي والتغذية غير فعّال بسبب تشتته، والافتقار إلى الإجماع على الأولويات، وظهور العديد من الجهات الفاعلة التي تنفّذ في الغالب مشاريع صغيرة وقصيرة الأجل. ويمكن تحقيق نجاح أكبر في توسيع نطاق التمويل لهذه المناطق من خلال تحسين التوافق والتآزر بين مصادر التمويل المختلفة. ونظرًا إلى الطبيعة المعقّدة والمتعدّدة القطاعات للأمن الغذائي والتغذية، يجب أن يبتعد المشهد المالي عن النهج التقوقعي وأن ينتقل إلى منظور شامل أكثر. ووفقًا لما ذكره السيد Maximo Torero Cullen، رئيس الخبراء الاقتصاديين في المنظمة، الذي استعرض تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في الحدث الذي أُقيم في نيويورك، فهذا من شأنه أن يمكّن أصحاب المصلحة المالية من دمج أهداف الأمن الغذائي والتغذية في تدفقات التمويل والاستثمارات الأوسع نطاقًـا.
وسعيًا إلى تعبئة المزيد من الموارد واستخدامها بشكل أفضل، يكشف تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم عن تعريف جديد لقياس حجم الموارد المالية المخصّصة للأمن الغذائي والتغذية. ويعكس هذا التعريف المشهد القائم ويحلّ محل مجموعة كبيرة من المفاهيم غير المتطابقة التي تؤدي في بعض الأحيان إلى تناقضات هائلة في تدفقات التمويل التي يجري قياسها وتعيق قدرات الاستهداف الأمثل، فضلًا عن حجب المساءلة والقدرة على التتبع اللازمتين لقياس فعالية الاستثمارات. ويعكس التعريف بشكل أفضل أيضًا فهمنا الجماعي للدوافع الحالية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله، وكيف أن معالجة مشاكل اليوم والغد، بطريقة مستدامة، تتطلّب تجاوز المنظورات الضيّقة للإنتاج الزراعي أو لتوزيع الأغذية.
ويشير التعريف الجديد إلى الموارد المالية العامة والخاصة، المحلية والأجنبية على السواء، المخصصة لضمان توافر الأغذية المغذّية والآمنة وإمكانية الوصول إليها واستخدامها واستقرارها، والممارسات التي تشجّع على اتباع أنماط غذائية صحية، فضلًا عن خدمات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية التي تمكّن ذلك.
ويشمل ذلك الموارد المالية الهادفة إلى تعزيز قدرة النظم الزراعية والغذائية على الصمود ومعالجة الدوافع الرئيسية التي تعرّض هدف القضاء التام على الجوع للخطر، ألا وهي استمرار عدم المساواة، وعدم تيسّر الحصول على أنماط غذائية صحية والقدرة على تحمّل كلفتها، والنزاعات المتزايدة، والاتجاهات المناخية، وحالات التباطؤ الاقتصادي.
ويكشف هذا النهج أنّ معظم المساعدات الإنمائية الرسمية التي تساعد البلدان على التصدي لتحديات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية تتدفق لدعم استهلاك الأغذية، بينما يُخصّص قدر أقل نسبيًا لمعالجة الدوافع الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، بل ويُخصّص قدر أقلّ أيضًا للحالة الصحية.
وتُظهر دراسة حالة عُرضت في تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2024 أن الحكومات في البلدان المنخفضة الدخل لديها قدرة منخفضة على الإنفاق خاصة في ما يتعلق بمعالجة الدوافع الرئيسية الكامنة وراء الجوع، وأن حوالي ثلث إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية فقط يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في هذ المسعى.
ويقدّم التقرير أيضًا نهجًا لرسم خرائط المخصصات المالية التي تسهّل الانتقال من الحدود النمطية المحددة للقطاعات في مجال الزراعة والتغذية إلى معالجة الطبيعة المتعددة الأبعاد لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. كما أن فهم نطاق التمويل الإنمائي وشكله أمر ضروري لضمان دوره المناسب كوسيلة من وسائل التنفيذ من أجل تحقيق الأهداف المتفق عليها.
والهدف هو مراعاة النطاق الشامل للحلول الفعالة المحددة النتائج. وعلى سبيل المثال، قد يؤدي توسيع نطاق الوصول إلى الطاقة في المناطق الريفية إلى تحسين الإنتاجية الزراعية من خلال الوصول إلى الكهرباء لأغراض الري والمعدات الآلية، وكذلك لمرافق التخزين وتنظيف الأغذية.
وعلى نحو مماثل، فإن توفير خدمات الصحة الحيوانية المجتمعية وتلقيح الماشية يمكن أن يوفر، كما ثبت في مناطق النزاع في جنوب السودان والسودان، مدخلًا فعّالًا لإعادة إرساء الحوار بين المجتمعات المحلية، ممّا يفضي إلى إبرام اتفاقيات سلام محلية تؤثر في عمق الركائز الأساسية للأمن الغذائي.
وعلى الرغم من وجود فجوات كبيرة في البيانات يتعيّن سدّها من أجل تطبيق التعريف الجديد على المستوى العالمي، فإن هذا التعريف لا يساعد في إطلاق العنان للتمويل الجديد فقط، بل يساعد كذلك في تحسين استخدام التمويل الحالي.
ثلاث توصيات
ويوصي تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2024 بأن المنح والقروض الميسّرة هي الأداة الأكثر ملاءمة للبلدان ذات القدرة المحدودة على الوصول إلى التدفقات المالية، في حين يمكن للبلدان ذات القدرات المتوسطة زيادة عائدات الضرائب المحلية وربط الضرائب بنتائج الأمن الغذائي والتغذية. ويمكن للبلدان ذات القدرة العالية على الوصول إلى التمويل أن تدمج أهداف الأمن الغذائي والتغذية في السندات الخضراء والاجتماعية والمرتبطة بالاستدامة والأدوات المماثلة.
واقترح المدير العام للمنظمة السيد شو دونيو في الملاحظات التي ألقاها ثلاثة مواضيع رئيسية يمكن أن تعمل على تحسين إنتاجية تمويل التنمية.
أولًا، التنسيق والتوافق في الآراء – شدّد السيد شو دونيو على أهمية تحديد أهداف أفضل للأشخاص الأكثر حاجة.
وثانيًا، ينبغي أن يصبح المانحون وسائر الشركاء العالميون أكثر قدرة على تحمّل المخاطر وأن يشاركوا في أنشطة إزالة المخاطر. وأشار إلى أن هذا يتناسب مع طبيعة النظم الزراعية والغذائية نفسها، التي تعمل في ظل المخاطر وأوجه عدم اليقين المتزايدة بشكل مطرد.
وأخيرًا، هناك حاجة إلى مزيد من التمويل المختلط، لأن نطاق المشكلة التي يتعين معالجتها يتجاوز قدرات القطاع العام. كما أن الشراكات التعاونية التي تعتمد على نهج التمويل المختلط، والتي لا تزال تشكّل اليوم عنصرًا مساهمًا متواضعًا في تمويل التنمية، يمكن أن تقلّل المخاطر المالية التي غالبًا ما تجعل لولا ذلك الوصول إلى الموارد مكلفًا للغاية.
وقال المدير العام “إذا اتخذنا إجراءات بشأن هذه الدعوات الثلاث، فسوف ندنو بقدر أكبر من تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة”.
وجدير بالذكر أنّ تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم هو تقرير سنوي رئيسي تصدره منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة. وسوف يصدر التقرير في 24 يوليو/تموز خلال الاجتماع الوزاري لفريق المهام التابع للتحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر في بلدان مجموعة العشرين.
ربع أطفال العالم يواجهون الفقر الغذائي
وفي سياق متصل قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن ما يقرب من 181 مليون طفل – أي واحد من كل أربعة أطفال حول العالم – يعانون من فقر حاد في الغذاء، مما يعرضهم لخطر الهزال، وهو شكل من أشكال سوء التغذية الذي يهدد حياتهم.
ويحلل تقرير أصدرته الوكالة الأممية للمرة الأولى تأثيرات الحرمان الغذائي وأسبابه بين اليافعين في ما يقرب من مائة بلد، وعبر فئات الدخل. ويعرف الأطفال الذين يعانون من فقر الغذاء بأولئك الذين لا يطعمون سوى مجموعتين أو أقل من المجموعات الغذائية الثماني المحددة.
من جانبها، أشارت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، إلى أن الأطفال الذين يستهلكون مجموعتين غذائيتين فقط في اليوم، على سبيل المثال الأرز وبعض الحليب، “أكثر عرضة بنسبة تصل إلى 50 في المائة للإصابة بأشكال حادة من سوء التغذية”.
وقالت: “الأطفال الذين يعيشون في فقر غذائي حاد هم أطفال يعيشون على حافة الهاوية. في الوقت الحالي، هذا هو الواقع بالنسبة لملايين الأطفال الصغار، ويمكن أن يكون لذلك تأثير سلبي لا رجعة فيه على بقائهم على قيد الحياة ونموهم وتطورهم الدماغي”.
حذر التقرير المعنون “فقر الغذاء لدى الأطفال: الحرمان من التغذية في مرحلة الطفولة المبكرة” من أنه بينما لا تزال البلدان تتعافى من الآثار الاجتماعية والاقتصادية لجائحة كوفيد-19، فإن آثار تزايد عدم المساواة والصراعات وأزمة المناخ أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف المعيشة إلى مستويات قياسية.
ومن بين 181 مليون طفل يعيشون في فقر غذائي حاد، يعيش 65 في المائة منهم في 20 دولة فقط. ويوجد حوالي 64 مليون طفل متأثر في جنوب آسيا، و59 مليون طفل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وفي الوقت نفسه، أشارت البيانات التي جمعتها اليونيسف إلى أن 9 من كل عشرة أطفال في قطاع غزة يعانون من فقر غذائي حاد، حيث أدت الأعمال العدائية والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية إلى انهيار النظم الغذائية والصحية، مما كان له عواقب كارثية على الأطفال وأسرهم.
وخلص التقرير إلى أن 46 في المائة من جميع حالات الفقر الغذائي الشديد لدى الأطفال تقع بين أسر فقيرة حيث من المرجح أن يكون الدخل المحدود محركا رئيسيا لذلك، في حين أن 54 في المائة – أو 97 مليون طفل – يعيشون في أسر أكثر ثراء نسبيا، حيث تعد البيئات الغذائية السيئة وممارسات التغذية هي الدافع الرئيسي للفقر الغذائي في مرحلة الطفولة المبكرة.
وقالت اليونيسف إن عدة عوامل تؤدي إلى تأجيج أزمة الفقر الغذائي لدى الأطفال، بما في ذلك النظم الغذائية التي تفشل في تزويد الأطفال بخيارات مغذية وآمنة ويمكن الوصول إليها، وعدم قدرة الأسر على تحمل تكاليف الأطعمة المغذية، وعدم قدرة الوالدين على تبني ممارسات تغذية إيجابية للأطفال والحفاظ عليها.
وقالت الوكالة الأممية: “في العديد من السياقات، يتم تسويق الأطعمة عالية المعالجة والمشروبات المحلاة بالسكر الرخيصة وغير الصحية والتي تفتقر للمغذيات، بقوة للآباء والأسر، وهي الوضع الطبيعي الجديد لتغذية الأطفال”.
وشددت اليونيسف على أن إنهاء الفقر الغذائي لدى الأطفال يتطلب تحويلا عاجلا للنظم الغذائية لتوفير خيارات أفضل، وتفعيل الحماية الاجتماعية لمعالجة فقر الدخل. كما دعت إلى الاستفادة من النظم الصحية لتقديم الخدمات الأساسية للوقاية من سوء التغذية وعلاجه في مرحلة الطفولة المبكرة.
مسرد المصطلحات الأساسية
جودة النمط الغذائي (أو الأنماط الغذائية الصحية) تتألف من أربعة جوانب رئيسية هي: التنوع (ضمن المجموعات الغذائية وفي ما بينها)، والملاءمة (كفاية المغذيات أو المجموعات الغذائية مقارنة بالمتطلبات)، والاعتدال (الأغذية والمغذيات المرتبطة بمخرجات صحية سيئة)، والتوازن (الطاقة والمغذيات الكبيرة في الأغذية المتناولة). وتُشكّل سلامة الأغذية جانبًا آخر مهمًا من جوانب الجودة.
بيئات الأغذية: بيئة الأغذية هي السياق المادي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي ينخرط فيه المستهلكون مع النظم الزراعية والغذائية لاتخاذ قرارات بشأن الحصول على الأغذية وإعدادها واستهلاكها.
الجوع: هو شعور جسدي غير مريح أو مؤلم سببه عدم استهلاك طاقة غذائية كافية من النمط الغذائي. ومصطلح الجوع في هذا التقرير هو مرادف للنقص التغذوي المزمن ويقاس بمعدل انتشار النقص التغذوي.
سوء التغذية: حالة فسيولوجية غير طبيعية يسببها نقص المغذيات الكبيرة و/ أو المغذيات الدقيقة أو عدم توازنها أو الإفراط في تناولها و/ أو مرض يؤدي إلى نقص الوزن. ويشمل سوء التغذية نقص التغذية (التقزم والهزال لدى الأطفال، ونقص الفيتامينات والمعادن) فضلًا عن الوزن الزائد والسمنة.
انعدام الأمن الغذائي المعتدل: يُشير إلى مستوى شدة انعدام الأمن الغذائي الذي يواجه عنده الأفراد عدم يقين إزاء قدرتهم على الحصول على الأغذية ويضطرون معه، في أوقات معيّنة من السنة، إلى خفض جودة و/ أو كمية الأغذية التي يتناولونها بسبب نقص الأموال أو سواها من الموارد. ويُشير إلى عدم الحصول بشكل مستمر على الأغذية، مما يُقلِّص جودة النمط الغذائي ويُخلّ بالأنماط المعتادة لاستهلاك الأغذية. ويُقاس استنادًا إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، ويُساهم في تتبع التقدّم المحرز لتحقيق المقصد 2-1 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة (المؤشر 2-1-2).
انعدام الأمن الغذائي الشديد: هو مستوى شدة انعدام الأمن الغذائي الذي تنفد عنده، في بعض الأوقات من السنة، إمدادات الأفراد من الأغذية أو يعانون عنده من الجوع أو، في أشد الحالات، يقضون يومًا أو أكثر من دون غذاء. ويُقاس استنادًا إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، ويُساهم في تتبع التقدّم المحرز لتحقيق المقصد 2-1 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة (المؤشر 2-1-2).
النقص التغذوي: هو الحالة التي يكون فيها استهلاك الأغذية المعتاد للفرد غير كافٍ لتوفير كمية الطاقة الغذائية اللازمة للحفاظ على حياة طبيعية موفورة النشاط والصحة. ويستخدم معدل انتشار النقص التغذوي لقياس الجوع والتقدّم المحرز لتحقيق المقصد 2-1 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة (المؤشر 2-1-1).
المصدر : https://annabaa.org/arabic/economicreports/39560