جيبوتي… القاعدة الصينية تُوتر العلاقات مع واشنطن

تؤكد التوترات المتزايدة في البحر الأحمر بعد الغارة الإسرائيلية على ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون في اليمن، الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لجيبوتي كقاعدة عسكرية للقوى العالمية الكبرى التي تراقب المنطقة.

وقد شنت إسرائيل هجوما على قواعد الحوثيين في الحديدة ردا على تورط الحوثيين المفترض في هجوم بمسيرة على مدينة تل أبيب الإسرائيلية، أودى بحياة مدني إسرائيلي.

وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد أطلقت المسيرة المستخدمة في الهجوم من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وهي على الأرجح من طراز “صامد-3” إيرانية الصنع، بعد أن أدخلت عليها تعديلات لتوسيع مداها. وقد اعترض الإسرائيليون مسيرة أخرى خارج المجال الجوي الإسرائيلي شرقا في وقت هجومها نفسه.

وردت إسرائيل بشن هجمات على قواعد الحوثيين- وهي المرة الأولى التي تشن فيها إسرائيل هجمات على اليمن- مستهدفة على نحو رئيس المنشآت النفطية في الميناء. وبحسب مسؤولين يمنيين، فقد قُتل في الهجوم عدد من الأشخاص وأصيب عشرات آخرون.

وتزايدت التوترات بين الحوثيين وإسرائيل باطراد عقب الهجوم العنيف، الذي شنته “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وبدأت تلك التوترات بعد إعلان الحوثيين الحرب على إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني، دعما لـ”حماس” التي تتمتع مثلهم بدعم إيران، وكلاهما حليف وثيق لإيران في المنطقة.

وقد تسبب الحوثيون منذ ذلك الحين في إحداث اضطراب كبير في طرق الملاحة الرئيسة في البحر الأحمر، إذ شنوا سلسلة من الهجمات على السفن التجارية التي يزعمون أنها على صلة بإسرائيل. وكان أن دفعت هجماتهم المستمرة القوى الغربية كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى شن سلسلة من الضربات على مواقع الحوثيين بهدف الحد من قدرتهم على استهداف الملاحة في البحر الأحمر.

وكانت حاجة القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة لمراقبة التطورات في المنطقة، سببا في زيادة الأهمية الاستراتيجية والحيوية لدولة جيبوتي، هذا البلد الساحلي الأفريقي الصغير في القرن الأفريقي، الذي تحول إلى مركز عسكري رئيس تستخدمه مجموعة مذهلة من القوى العالمية.

 

وصول الصين إلى جيبوتي- التي أنشأت فيها الآن قاعدتها الأولى في القارة الأفريقية- جزء من استثمار بكين في “مبادرة الحزام والطريق”

 

 

وتعطي الجغرافيا جيبوتي، التي تقع على فم البحر الأحمر، إضافة لقربها الجغرافي من مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر، دور المضيف لثماني قواعد عسكرية أجنبية. فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة العربية السعودية، أنشأت قواعد عسكرية في المنطقة، بهدف تحسين قدرة هذه الدول على مراقبة وحماية طرق الملاحة الحيوية في المنطقة، فضلا عن مراقبة أنشطة المتشددين الإسلاميين، مثل تنظيم “القاعدة” و”داعش”، في شبه الجزيرة العربية، وجماعات مثل “حركة الشباب” في دول مثل الصومال.
ولروسيا والهند أيضا مصالح قوية في إقامة قواعد عسكرية هناك.
وظل معسكر ليمونييه الذي تديره الولايات المتحدة، القاعدة العسكرية الأهم طيلة سنوات في جيبوتي، وقد غدا مركزا رئيسا لعمليات أميركا في مكافحة الإرهاب بالمنطقة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
واستخدمت أميركا معسكر ليمونييه لجمع معلومات استخباراتية حيوية عن خلايا “القاعدة” وتنظيم “داعش” في كل من أفريقيا ومنطقة الخليج. وهذا المعسكر هو القاعدة العسكرية الأميركية الوحيدة في أفريقيا، ويضم 4500 عسكري أميركي. كما أصبح يوفر أيضا، بعد أن خضع مؤخرا لعملية تحديث بقيمة 1.4 مليار دولار، قاعدة حيوية للقوات الأميركية الخاصة والطائرات المقاتلة والمروحيات، فضلا عن كونه مركزا رئيسا لعمليات المسيّرات في اليمن والصومال.
ولكن بعد أن توصل الرئيس إسماعيل عمر جيلي، رئيس جيبوتي، منذ فترة طويلة، إلى اتفاق مع بكين لإنشاء قاعدة منافسة لها على مقربة من الأميركيين، بات دور جيبوتي في استضافة منشأة أميركية كبرى مصدرا للجدل. فبعد أن اعتمد جيلي إلى حد كبير على المساعدات الأميركية والأوروبية لإبقاء بلاده على قدميها، تحول إلى الصين بعد تعرضه لانتقادات شديدة من إدارة أوباما بسبب حكمه الاستبدادي. فردّ زعيم جيبوتي على ذلك بالتفاوض على تحالف استراتيجي جديد مع بكين، سمح لها بالحصول على حصة بقيمة 185 مليون دولار في الميناء الذي يتمتع بأهمية استراتيجية، وعلى مقربة من معسكر ليمونييه.
ويأتي وصول الصين إلى جيبوتي- التي أنشأت فيها الآن قاعدتها الأولى في القارة الأفريقية- كجزء من استثمار بكين في “مبادرة الحزام والطريق”، وهو مشروع استثماري واسع النطاق يركز في المقام الأول على البنية التحتية في آسيا وأفريقيا.
ولتطوير الشبكة، قدمت الصين قروضا للدول الأفريقية، وهي قروض تدعي الولايات المتحدة أن الصين تستخدمها لتوسيع مجال نفوذها العسكري والمالي والسياسي في القارة.

 

بعد أن توصل الرئيس إسماعيل عمر جيلي، إلى اتفاق مع بكين لإنشاء قاعدة منافسة على مقربة من الأميركيين، بات دور جيبوتي في استضافة منشأة أميركية كبرى مصدرا للجدل

 

 

سميت المنشأة الصينية في جيبوتي في القرن الأفريقي، “قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي”، وهي أول قاعدة عسكرية للجيش الصيني خارج الصين تديرها القوات البحرية الصينية، وتكلف بناؤها 590 مليون دولار أميركي.
ولا مناص من أن يؤدي إنشاء القاعدة الصينية إلى حدوث احتكاك بين واشنطن وجيبوتي، غير أن اعتماد حكومة جيلي على الدعم المالي الصيني جعلها ترفض انتقادات واشنطن التي ترى أن جيبوتي تميل نحو بكين على حساب تحالفها الراسخ مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى.
علاوة على ذلك، فإن إصرار جيلي على الحفاظ على استقلال بلاده دفعه إلى التلميح بأنه يفكر في أن يسمح لروسيا، التي تسعى إلى بناء قاعدة بحرية في مدينة بورتسودان السودانية القريبة، بتأسيس وجود عسكري دائم لها في جيبوتي، وهو تطور سيضيف دولة أخرى إلى مجموعة الدول المفرطة العدد، التي تتنافس على النفوذ في هذا الميناء الأفريقي الصغير.
إلا أن وجود هذا العدد من الدول القوية على مقربة من بعضها البعض، أثار عددا من الأسئلة حول قدرة جيبوتي على الحفاظ على استقلالها السيادي، ولا سيما أنها تعتمد في دعمها المالي على بكين إلى حد كبير. واعتماد جيبوتي المتزايد على القروض الصينية، مثلا، قد يؤدي إلى تدخل بكين مباشرة في الشؤون الداخلية للبلاد وفي علاقاتها الدولية، إلى حد قد ينتهي بجيبوتي إلى أن تغدو دولة تابعة للصين في القرن الأفريقي، وهو تطور ستكون له آثار عميقة على استمرار عمل معسكر ليمونييه وعمل القواعد العسكرية الغربية الأخرى.
ولعل رغبة جيبوتي في أن تستخدم كقاعدة استراتيجية رئيسة لبعض أقوى دول العالم، قد ساعدت نظام جيلي على البقاء في السلطة، إلا أن هذا ينطوي مع ذلك على خطر المساس باستقلال جيبوتي السيادي.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/321763/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AC%D9%8A%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%8F%D9%88%D8%AA%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M