استجابات الداخل الإسرائيلي للرد الإيراني المرتقب: آفاق التصعيد الإقليمي

بعد واقعتي اغتيال فؤاد شكر القيادي العسكري البارز في حزب الله اللبناني، ثم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، زادت التوقعات الدولية بأن تقوم إيران بالرد على عمليات الاغتيال السابقة، خاصة بعد اغتيال هنية في أحد مقرات الضيافة الموجودة في مجمع مغلق يتبع للحرس الثوري الإيراني في قلب العاصمة طهران. وأُثيرت المخاوف الداخلية والدولية أيضًا من أن يؤدي الرد الإيراني المرتقب إلى الدخول في حرب كبرى وجر المنطقة لصراع أوسع، مما يعني شل كافة المصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وانهيار كافة الجهود المبذولة لإحلال السلام في المنطقة، وأيضًا توسيع رقعة الصراع لتشمل مناطق ودولًا خارج المعادلة الإسرائيلية- الإيرانية.

وتأتي التوقعات السابقة في ظل تحذير الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله من أن رد الحزب على إسرائيل آتٍ وسيكون فاعلًا ومؤثرًا، وأن الحزب يمتلك التصميم والقرار والقدرة على الرد، ومؤكدًا أن الرد كذلك سيأتي من إيران واليمن وأن تل أبيب تترقب وتحسب كل صيحة هي الرد. وقوبلت هذه التصريحات بحالة تأهب قصوى إسرائيلية من الناحية العسكرية والمدنية، للتعامل مع ضربة محتملة من قبل إيران أو حزب الله اللبناني سواء بشكل منفرد أو مشترك، وسط مطالبات وضغوطات دولية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والضغط على إسرائيل من أجل التوصل بشكل عاجل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، لمنع توسيع رقعة الصراع في المنطقة.

وتجلى هذا الهدف في البيان المشترك للوسطاء عن مصر والولايات المتحدة الأمريكية وقطر الذي يؤكد أن الوقت قد حان لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى والمحتجزين، وشدد على أنه يجب ألا يُضيع مزيد من الوقت وألا تكون هناك أعذار لمزيد من التأجيل، مؤكدين أنهم كوسطاء مستعدون إذا اقتضت الضرورة لطرح مقترح نهائي لتسوية الأمور المتعلقة بالتنفيذ. والذي يعكس اعتزام الوسطاء الضغط على كل من حماس وإسرائيل من أجل التوصل بشكل عاجل لاتفاق، في محاولة لاحتواء التصعيد المرتقب في المنطقة.

وفي ذلك الإطار، من المهم تسليط الضوء على تعاطي الداخل الإسرائيلي مع الرد الإيراني المرتقب حتى يتسنى قراءة المشهد الإقليمي الحالي، مع التركيز على أهم الاعتبارات التي لا يمكن إغفالها، ومنها دور الوسطاء في تحجيم التصعيد المرتقب، وخاصة الدور الأمريكي وأهم دوافعه، وأيضًا الضغط الداخلي الإسرائيلي على المستوى السياسي والأمني من أجل إما الحل السياسي وعدم التصعيد أو الرد الاستباقي على إيران أو حزب الله أو كليهما معًا.

أولًا: السيناريوهات المحتملة للتصعيد الإيراني:

من المهم الإشارة إلى أن هناك مجموعة من العوامل التي تحدد شكل الرد الإيراني المرتقب خلال أيام، من بينها الوضع الإقليمي، والظروف الداخلية في إيران، والموقف الدولي خاصة الأمريكي، وجولة المفاوضات المرتقبة في الخامس عشر من أغسطس الجاري. ويمكن تلخيص السيناريوهات المتوقعة للرد الإيراني المرتقب في نقطتين رئيسيتين هما؛ الرد المباشر على إسرائيل، والرد غير المباشر من خلال دعم الوكلاء. وفيما يلي أبرز السيناريوهات المطروحة حاليًا من قبل المحللين:

  1. سيناريو الرد المباشر:

وفقًا للتحليلات والدراسات التي ترجح سيناريو الرد المباشر، هناك مساران متوقعان قد تلجأ إليهما إيران، وهما إما الرد المحدود عن طريق استهداف قادة إسرائيليين أو مواقع عسكرية محددة في إسرائيل بأسلوب مشابه للهجمات التي نُفذت سابقًا في أبريل الماضي، أو استخدام استراتيجية “وحدة الساحات” عن طريق تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة من قبل القوات الإيرانية وقوى محور المقاومة في المنطقة، بما في ذلك الجماعات المسلحة العراقية وحزب الله والحوثيين في آن واحد.

  • سيناريو الرد غير المباشر:

يرى مؤيدو هذا السيناريو أن الأجنحة العسكرية للجماعات الموالية لإيران في المنطقة ستقوم بإطلاق هجمات من حزب الله على تل أبيب، مع إمكانية أن يفتح الحوثيون جبهة نيران من اليمن، والفصائل المسلحة في العراق أيضًا، مما يتيح لإيران إعلان أنها قامت بالرد عبر الوكلاء دون تدخلها المباشر.

  • سيناريو التهدئة وإرجاء الرد:

مع اقتراب موعد جلسة المفاوضات المرتقبة في 15 أغسطس، يرى مؤيدو هذا السيناريو أن التركيز على وقف إطلاق النار ووقف الحرب في قطاع غزة هو الحل الأمثل للتهدئة بين إيران وإسرائيل، وذلك في ظل الضغوط الإقليمية والدولية للتوصل إلى اتفاق عاجل بين إسرائيل وحماس ووقف إطلاق النار، مما قد يؤثر على خطط الرد الإيرانية، ويستند هذا السيناريو إلى تصريحات إيرانية تشير إلى أن التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة هو “أولوية” لإيران، مع التأكيد على حقها في الرد على اغتيال هنية.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول بأن الهجوم الإيراني والرد على عمليات الاغتيال في بيروت وطهران “حتميان”، لكن الجدل الحالي يدور حول “شكل الرد”، وما إذا كان سيكون محدودًا أم موسعًا، وأيضًا هل سيتم بشكل عاجل أم سيتم تأجيله إلى ما بعد المفاوضات المرتقبة في 15 أغسطس. ويبدو أن سيناريو الرد المباشر والمحدود في الوقت الحالي هو الأكثر احتمالية للحدوث، خاصة وأن إيران حاليًا منشغلة بالترتيبات الداخلية المتعلقة باستقالة محمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني مسعود بزكيشان، ولذلك من المتوقع أن يتم إما قصف أحد القواعد العسكرية الإسرائيلية أو إطلاق صواريخ بأسلوب مشابه للهجمات التي نفذت سابقًا في أبريل 2024، ولكن يبقى سيناريو الحرب الموسعة والشاملة احتمالًا واردًا لكنه بعيد في الوقت الحالي، في ظل عدم رغبة الطرفين في التورط في صراع إقليمي قد يدمر كافة المصالح الأخرى لكلتا الدولتين.

ثانيًا: الموقف الإسرائيلي من تهديدات إيران بالرد على عمليات الاغتيال الأخيرة

في ظل تعدد السيناريوهات التي تتوقع ردًا إيرانيًا خلال أيام بل يمكن القول خلال ساعات، رفعت إسرائيل مستوى التأهب إلى أقصى درجاته، ويعيش حاليًا الداخل الإسرائيلي وخاصة على المستوى السياسي والأمني حالة من الاستنفار، ويظهر ذلك في تصريحات المسؤولين وأيضًا من خلال التجهيزات الأمنية الجارية في إسرائيل خلال الأيام الماضية، حيث بشكل استباقي فتحت السلطات المحلية في عدة مدن إسرائيلية الملاجئ، وتم تجهيز مستشفى تحت الأرض للعمل في مدينة حيفا يضم مئات الأسرّة وجدير بالذكر أن هذا المستشفى قد تم إنشاؤه بعد حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل. وعلى جانب الولايات المتحدة، فقد جددت الإدارة الأمريكية التزامها بحماية أمن إسرائيل وحشدت المزيد من السفن الحربية والطائرات المقاتلة لحماية تل أبيب من التهديدات الإيرانية والفصائل المرتبطة بها.

وتعكس التجهيزات السابقة أن حالة الغموض حول موعد الرد الإيراني تُثير حالة من القلق الكبير لدى الداخل الإسرائيلي، خاصة وأن التقارير الإعلامية في الأيام الماضية قد توقعت أن الرد سيكون قبل المفاوضات. ويظهر التوتر في الموقف الإسرائيلي من خلال تصريحات مسؤوليها على المستوى السياسي والأمني، وظهور بعض المطالبات الشعبية بأن تقوم إسرائيل بهجمة استباقية، لكن يبقى هذا المطلب بعيدًا عن الواقع في ظل عدم رغبة إسرائيل في الدخول في حرب مباشرة.

وعلى المستوى الأمني، فقد عبر يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلي عن قلقه من إمكانية تصعيد التوترات في المنطقة بسبب ردود الفعل الإيرانية المحتملة. وتناول جالانت في تصريحاته قدرة إيران على استخدام وكلائها في المنطقة، مثل حزب الله وحماس وغيرهما، لتوجيه ضربات ضد إسرائيل. كما أشار إلى استعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة أي تهديدات محتملة قد تنشأ عن هذه الأحداث. ولذلك يمكن اعتبار مواقف جالانت تعكس استعداد إسرائيل للرد بقوة على أي تصعيد محتمل من الجانب الإيراني أو الأذرع الإيرانية في المنطقة أو من الفصائل الفلسطينية.

كما تواصل يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلي مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 12 أغسطس للحديث عن الرد الإيراني المرتقب، وعكست تصريحاتهما توافقًا في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإسرائيل حيال التهديدات الإيرانية، ما يعزز من التعاون الأمني بين البلدين في مواجهة أي تصعيد محتمل. وتشير تصريحات جالانت إلى أن إسرائيل تستعد بقوة للدفاع عن نفسها ضد أي تصعيد من جانب إيران أو حلفائها في المنطقة. وفي الوقت نفسه تعكس النقاشات المخاوف من قدرة إيران على استخدام وكلائها للقيام بأعمال ضد إسرائيل، وتشير هذه المخاوف أيضًا إلى أن التوترات لن تقتصر على الساحة الفلسطينية، بل قد تؤثر أيضًا على استقرار دول أخرى في المنطقة.

ومن ناحية أخرى، يشار إلى أن إسرائيل في حالة تأهب واستنفار استعدادًا لسيناريو خطر التدهور إلى هذا الحد، لذلك أعلنت عن أكبر حالة استنفار منذ الرد الإيراني على اغتيال محمد زاهدي بدمشق في أبريل الماضي، ونشر الجيش الإسرائيلي بطاريات القبة الحديدية ومقلاع داوود وبطاريات الدفاع الجوي لمواجهة هجوم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك العاصمة تل أبيب، وألغت إسرائيل الإجازات في الجيش وبقية الأجهزة الأمنية وقلصت من حجم حركة الطيران المدني وأصدرت أوامر إغلاق عشرات المصانع التي توجد فيها مواد خطيرة قرب الحدود اللبنانية على مسافة تصل حتى 40 كيلومترًا داخل إسرائيل. كما قررت تكثيف الدوريات الحدودية مع الضفة الغربية وقطاع غزة واتخذت إجراءات غير معلنة للجبهة الداخلية ولقوات سلاح الجو.

وعلى المستوى السياسي، هدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالرد القاسي على أي تهديدات قد تواجهها إسرائيل. وأكد على استعداد القوات الإسرائيلية لمواجهة جميع السيناريوهات المحتملة، مشيرًا إلى أن بلاده ستتصدى لأي اعتداء. وهدد بأن أي عدوان على إسرائيل سيكبد المعتدين ثمنًا باهظًا. كما أعاد التأكيد على أن النزاع سيستغرق وقتًا ويتطلب الصبر، مشيرًا إلى أن ما يجري هو معركة ضد ما يعتبره محور “الشر الإيراني” حسب وصفه. وقال إن إسرائيل قد وجهت في الأيام الأخيرة ضربات ساحقة للعديد من الأطراف المعنية، بما في ذلك حماس والحوثيون وحزب الله.

وعلى المستوى الشعبي؛ أظهر استطلاع رأي نشرته إذاعة 103FM، أن 48% من الإسرائيليين يؤيدون توجيه ضربة استباقية إلى حزب الله وإيران لمنع ردهما على الاغتيالات في طهران وبيروت، وجاء في الاستطلاع أن 34% من الإسرائيليين يعارضون هجومًا كهذا، ويقولون إن على إسرائيل أن ترد فقط في حال شنت إيران وحزب الله هجومًا. وهناك 62% من ناخبي أحزاب الائتلاف اليميني، وحوالي 36% من ناخبي أحزاب المعارضة يؤيدون هجومًا إسرائيليًا استباقيًا. ومن ناحية أخرى، تشير صحف عبرية إلى أن المسؤولين الإسرائيليين أكدوا على أن الضربة الاستباقية مطروحة بقوة على جدول أعمال الجيش، وفي حال توفرت لإسرائيل معلومات استخباراتية مؤكدة حول عزم إيران وحزب الله مهاجمة إسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلي سيشن هجومًا استباقيًا، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة ودول أوروبية.

وتعكس التصريحات الأمنية والسياسية والاستطلاعات على المستوى الشعبي العديد من الدلالات على النحو الآتي:

أولًا: التخوف الشديد في الداخل الإسرائيلي: تُظهر التصريحات عن فتح الملاجئ وتجهيز مستشفى تحت الأرض في حيفا القلق الكبير الذي يسيطر على المستوى الأمني في إسرائيل. كما أن إمكانية استخدام إيران لوكلائها في المنطقة، مثل حزب الله وحماس، تشير إلى أن الخطر لا يقتصر فقط على الهجمات المباشرة من إيران، بل يمتد ليشمل توجيه ضربات من قبل فصائل مسلحة مرتبطة بها، وهو ما يثير مخاوف المستوى الأمني أيضًا.

ثانيًا: أن الرد الإيراني سيعيد تشكيل الموقف الإسرائيلي في الفترة القادمة: قد يحدث الرد الإيراني تغييرًا في الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية، حيث كان هناك تهديد حقيقي مقترن بالرد الإيراني، فقد تُجبر إسرائيل على إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والهجومية، مما قد يؤدي إلى زيادة العمليات العسكرية أو تبني خطط أكثر استباقية. وقد يؤدي الرد الإيراني إلى تغيير الديناميكيات السياسية الداخلية في إسرائيل، حيث قد يُستخدم الموقف الأمني سياسيًا لتعزيز أو تقويض سلطات الحكومة الحالية، والذي بدوره سيؤدي إلى فتح المجال لقوى سياسية جديدة إذا شعر المواطنون بعدم كفاية الرد الحكومي.

ثالثًا: تصاعد التوتر الإقليمي: يعكس استعداد إسرائيل ورفع مستوى التأهب حالة من التصعيد المحتمل في العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية، وتشير التحذيرات من احتمال تصعيد التوترات إلى أن الصراع قد يمتد تأثيره إلى دول أخرى في المنطقة، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي بشكل عام.

باختصار، يمكن أن يلعب الرد الإيراني دورًا مفصليًا في تشكيل السياسات الإسرائيلية والمواقف الشعبية في المستقبل القريب، مما قد يؤدي إلى تغييرات ملحوظة في الاستراتيجيات العسكرية والعلاقات الدولية.

ثالثًا: البيان الثلاثي المصري القطري الأمريكي ودور الوسطاء في تحجيم الرد الإيراني:

في 8 أغسطس 2024، أصدر الوسطاء في مفاوضات وقف إطلاق النار – الولايات المتحدة ومصر وقطر – بيانًا مشتركًا هو الأول من نوعه، دعا فيه كلاً من إسرائيل وحركة حماس إلى استئناف المحادثات بشكل عاجل في 15 أغسطس، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين. وأكد البيان على أهمية عدم إضاعة المزيد من الوقت وعدم قبول المزيد من الأعذار للتأجيل.

ورغم أهمية البيان ودعمه من العديد من الدول الإقليمية والدولية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، لا تزال مواقف الأطراف المعنية غير واضحة. فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن إرسال مفاوضين للمشاركة في الاجتماع، مع التأكيد على مطالبها التي عرقلت المفاوضات سابقًا، ومن بينها السيطرة على محور فيلادلفيا، وآليات منع عودة المسلحين إلى شمال القطاع، وزيادة عدد الأسرى المفرج عنهم. بينما تستمر إسرائيل في تصعيد عملياتها، كان آخرها اغتيال القيادي في حماس سامر الحاج في 9 أغسطس في مدينة صيدا اللبنانية.

في الجهة المقابلة، طالبت حركة حماس الوسطاء الثلاثة بتقديم خطة تنفيذية بناءً على ما تم الاتفاق عليه في 2 يوليو 2024، استنادًا إلى خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن المعروضة في 31 مايو وقرار مجلس الأمن الدولي 2735، بدلاً من مجرد الدخول في المزيد من جولات التفاوض أو الاقتراحات الجديدة.

وبالعودة إلى البيان يمكن القول بأنه يُظهر رغبة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والدول العربية (مصر وقطر) في إنهاء الحرب في قطاع غزة وتقليل مخاطر التصعيد في الأوضاع المحيطة. لكن من ناحية أخرى تواجه الجهود الثلاثية للوصول إلى اتفاق وتحجيم التوترات الحالية العديد من الصعوبات، على رأسها اعتزام حزب الله، على سبيل المثال، الرد على اغتيال شكر بغض النظر عن المفاوضات الرامية لوقف القتال في غزة، وفي الوقت نفسه هناك تصريحات إيرانية تؤكد أن الأولوية في الوقت الحالي ستكون للمفاوضات، وبالتالي قد يعكس ذلك انعدام التنسيق بين هذه الجبهات. ومع ضبابية النتائج المتوقعة من الاجتماع المقترب غدًا الخميس، فإن هناك قلقًا من أن البيان قد يُنظر إليه كفرصة أخيرة، مما يعرض مصير الحرب في غزة ولبنان لمزيد من الخطر إذا لم تُستثمر هذه الفرصة بشكل صحيح. لذلك على الرغم من الجهود الواضحة للضغط على الأطراف لوقف النزاع، يبقى الوضع مهددًا، وقد يفلت من سيطرة الوسطاء إذا تصاعدت الأحداث بشكل غير متوقع.

وفي ذلك الإطار يمكن تسليط الضوء على دلالات هذا البيان وتأثير الرد الإيراني على مسار المفاوضات:  

أولاً: يعكس البيان السابق الإرادة السياسية الجادة للوسطاء في التوصل إلى صفقة عاجلة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإنهاء الحرب، والذي بدوره سيؤدي إلى احتواء التوترات المتصاعدة بين إيران وحزب الله مع إسرائيل، وكما سبق الذكر يعد البيان الثلاثي الأخير الأول من نوعه، خاصة وأنه لم يسبق أن كانت هناك إرادة قوية خاصة من الجانب الأمريكي لوقف الحرب مثل إرادتها في الوقت الحالي، وهو ما يعني إدراك الولايات المتحدة لحجم التهديدات المرتقبة، وأيضًا رغبتها في احتواء توترات الشرق الأوسط مع اقتراب الانتخابات الأمريكية.

ثانيًا: يمثل البيان الثلاثي محاولة للضغط على إيران ووقف التصعيد، وفي الوقت نفسه يعكس إدراك الولايات المتحدة لقوة الردع الإيرانية وقدرتها على التأثير في الوضع الإقليمي، وقد يُفهم البيان على أنه محاولة لإبقاء الأمور تحت السيطرة ودفع مسار المفاوضات، ولكن من المهم الإشارة إلى أن تعقيدات الوضع تجعل من الصعب التنبؤ بالنتائج المرتقبة من اجتماع 15 أغسطس المقبل.

ثالثًا: هناك مخاوف من أن يؤدي تنفيذ إيران للرد أو الانتقام إلى تصعيد أكبر في الصراع الإسرائيلي الإيراني، مما قد يؤثر على الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غزة. لذلك، قد تكون إيران في وضع يتطلب منها التفكير في جدوى الانتقام مقابل المخاطر المحتملة. وبالنظر إلى الوضع الإقليمي والتعقيدات المطروحة، فإن البيان الثلاثي قد يعكس رغبة أمريكا في تكثيف الضغط الدبلوماسي على إيران، ولكنه قد لا يكون كافيًا لتغيير مسار الأحداث. وفي حال استمرت مجريات الأحداث في التصعيد، قد تجد إيران نفسها مضطرة للرد بشكل فوري وعاجل، مما قد يزيد من تعقيد الأوضاع ويؤدي إلى تصعيد أكبر.

رابعًا: يظهر موقف حماس من البيان الثلاثي للوسطاء أنها ترى أن الجهود المبذولة لإحياء محادثات وقف إطلاق النار قد تستخدمها إسرائيل لتجنب ردود فعل عنيفة من إيران وحزب الله، مما يعني أن حماس غير مطمئنة لموقف نتنياهو وتعتقد أنه غير جاد في جدولة المفاوضات.

خلاصة القول؛ بقراءة المشهد الإقليمي الحالي، يبدو أن مسار التصعيد يتخذ منحنى تصاعديًا في الوقت الراهن، ويومًا بعد يوم تتزايد الاحتمالات بأن سيناريوهات توسيع رقعة الصراع واحتدام العلاقات الإسرائيلية الشرق أوسطية بشكل عام ليست ببعيدة على الرغم من أن الأطراف لا تسعى لذلك، لكن قد تجد نفسها أمام واقع يفرض نفسه على أولويات جميع الأطراف، خاصة في ظل ضبابية النتائج المرجوة من جولة المفاوضات المرتقبة في 15 أغسطس، والعراقيل التي ستظهر في حال فشلت الجولة في الوصول إلى تهدئة.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/82204/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M