ازمة الخطاب العربي وكيفية توظيف الخطاب الحسيني

لا يحتاج الانسان الى كبير عناء ليقتنع بدخول الخطاب الاسلامي المعاصر في أزمة ابستمولوجية (اي معرفية) وايديولوجية، مجرد تصفح في عالم الكتب والمجلات، وأروقة الشبكة العنكبوتية وتتبعها من صفحات التواصل الاجتماعي، وكذلك ما يبثّ في فضاء الفضائيات، كفيل بالاذعان لهذه الازمة.

ولو أردنا التفصيل بعد الاجمال لامكننا تقسيم الخطاب الاسلامي المعاصر الى:

1- الخطاب السلفي:

حيث جعل هذا الخطاب التمسّك الحرفي لما أنتجه السلف شعاراً له لا يتخطّاه مما أوقعه في تخطئة بل تكفير كل من سواه، وهذا الخطاب بدوره ينقسم الى عدة اقسام يبتدأ من المعتدل وينتهي الى التكفيري والجهادي، وافول هذا الخطاب وعدم امكانية تعايشه مع العصر الحاضر لا يحتاج الى بيان، وما نراه اليوم من استمرارية له ليس لجودته او قوّته بل انّما هو حفاظاً على البقرة الحلوب التي قدّر على الدول الامبريالية بالمال والبترول وغيرهما من المصالح.

2- الخطاب العلماني:

وهو خطاب عريض طويل يضم بين دفتيه شرائح مختلفة من طبقات المجتمع، يبدأ من المعترف بالايمان اجمالاً وإن كان بلا حدود، ويمر بخطاب القومي والليبرالي واليساري، لينتهي بالخطاب الالحادي.

وهذا الخطاب رغم بريقه ولمعانه أصبح اليوم خاوياً، يجتر ما أنتجه أسلافه من فلاسفة ومفكري الغرب، ويشكو من فقدان قاعدته الاولى، إذ الغرب عدل عمّا كان عليه من الزهو والغرور نوعاً ما بعدما سمع جرس الانذار يدقّ بين اذنيه بالانهيار، فنهض مسرعاً ينادي بما بعد العلمانية ليفسح مجالاً ولو خجولاً للدين في الفضاء العام بعد أن طرده منه وحبسه في قفص الفضاء الخاص الفردي ليصبح ظاهرة فردية كسائر الظواهر. فالخطاب العلماني الغربي حاول أن يتخلّص بل ويتملص من الازمة التي أصابته حيث هندسها عكسياً فطرح شعار ما بعد العلمانية بعدما فشل في شعار ما بعد الحداثة حيث أراد أن يفرّ من الحفرة فوقع في البئر.

لكن بقي العربي المسكين منهمراً بذلك الخطاب القديم متعايشاً مع ذلك الماضي الغربي الجميل في مخياله، ولنا أن نقول له متسائلين: ألم يأن لك أن تفيق من رقدتك وتحذو حذو سلفك لترى انّ ظمأ الانسان لا يرتوي الّا بجرعات ايمانية متتالية ومتوالية تغمر حياته الفردية والجمعية.

3- الخطاب السياسي:

انّ الخطاب السياسي العربي دخل ازمات متعددة في الفترة الاخيرة سيما بعد ما يسمى بالربيع العربي وما أنتجه هذا الربيع من خريف الفوضى الخلاقة التي طبخت في أروقة الاستخبارات العالمية لتدمّر المنطقة وتفكّكها حيث لا يبقى بالمآل خيار للانسان الّا اللجوء الى أحضان الامبريالية الكبرى والدول المستعمرة بالاستعمار الجديد لتنقذه من الفتن المحدقة، إذ لو لا هذا فله أن يختار إما الذبح على يد الخطاب التكفيري، وإما البقاء تحت نير الحكومات الجائرة، وإما الاستسلام للفساد المتفشي والضعف الساري والتذبذب بين مصالح الاحزاب الحاكمة في الحكومات المدعية للديمقراطية.

هذا يا اخوتي هو المشهد العام للخطاب العربي المعاصر

فهل هناك من حلول؟ أم ان هذا قدرنا المقدّر؟!

نعتقد انّ الخطاب الحسيني مدرسة تحمل بين طياتها منظومة معرفية متكاملة بامكاننا توظيفها وتقديمها للانسانية كي تخرج من أزماتها المتعددة، إذ انّها تعتمد أولاً على ارث الانبياء: (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله..). وثانياً هي الشق الثاني للثقل الذي ينجي من تمسّك به من الضلال بمعناه العام: (اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابداً: كتاب الله وعترتي اهل بيتي).

انّ المسيحية وظّفت ألم المسيح عليه السلام وكوّنت منه منظومة معرفية بنت عليها حياتها العقدية والاجتماعية، وعندما خرجت من هذه المنظومة جرّاء ما حدث في عصر ما يسمّى بالتنوير، اُصيبت بهذه الأزمات التي نشهدها اليوم وقد ضاق الغرب نفسه منها ذرعاً.

فألا يمكننا رسم منظومة معرفية اجتماعية تعتمد على آلام الحسين عليه السلام وخطابه الذي هو عقلاني، انساني، اجتماعي وعاطفي بنفس الوقت، ويتم تعميمه لاستفادة الامة جمعاء، بلغة هادئة وهادفة بعيدة عن التوظيف الطائفي والسياسي والحزبي.

انّ الخطاب الحسيني:

عقلاني: إذ ورث مهام الانبياء الذين كانت مهمتهم اثارة العقول: (فبعث فيهم رسله… ليثيروا لهم دفائن العقول)

انّه انساني: حيث جسّد أرقى قيم الانسانية سيما في واقعة الطف في أمثلة كثيرة أبسطها سقي جيش العدو الذي أشرف على الهلاك والعطب من شدّة العطش.

انّه عاطفي: إذ للحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ أبداً.

وأخيراً انّه اجتماعي إذ يقارع الظلم والجور ويدعو الى الاصلاح: (انّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي).

لو عرفنا كيف تلعب الكرة لأخذنا بزمام الامور من أطرافها ولتفوّقنا على غيرنا، وما زيارة الاربعين الّا خير دليل على ما نقول، حيث ان العالم وقف مذهولاً أمامها، وهو وإن لم يسلط الضوء عليها اعلامياً لكنه بقي مندهشاً متخوّفاً، وقد بدأت أروقة الاستخبارات العالمية برصد هذه الظاهرة للتعرف على كنه الخطاب الحسيني الذي يحدث هذه الثورة في النفوس وفي شرائح مختلفة من المجتمع باختلاف ألسنتهم وألوانهم ومستواهم العلمي والمعيشي.

وهذا ما كشفت عنه دراسة قُدّمت بدعم من الجيش الامريكي وضعت لرصد زيارة الاربعين وكشف الدوافع وذلك عام 2015 م.

انّ معالجة هذا الأمر ومقاربته لاستخلاص النتائج ووضع الخطط والبرامج للحال والمستقبل لا يتم على عجل بل انه يحتاج الى عقد اجتماعات نخبوية للعصف الفكري بغية الوصول الى طرق ومعالجات مستوحاة من هذا الخطاب المبارك.

 

المصدر : https://www.iicss.iq/?id=40&sid=125

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M