خيارات روسيا فى مواجهة التوغل الأوكرانى

في تطور مفاجئ خلال الحرب الروسية الأوكرانية وعلى عكس سير الأحداث الميدانية التي كانت لصالح روسيا مؤخرًا، تفاجأ العالم واستيقظ فجر السادس من أغسطس الجاري على هجوم أوكراني معاكس داخل الأراضي الروسية ولأول مرة منذ بدء تلك الحرب التي اندلعت منذ عامين ونصف العام وتحديدًا في الرابع والعشرين من فبراير 2022، حيث اخترق الهجوم الأوكراني المباغت عمق إقليم كورسك الروسي الاستراتيجي المهم وتوسع خلال أسبوعين ليغطي مساحة ألف كم مربع تقريبًا قابلة لمزيد من التوسع.

ومن اللافت للنظر أنه خلال أسبوعين من الهجوم والاختراق الأوكراني داخل الأراضي الروسية، لم يتم رصد هجوم روسي مضاد للهجوم الأوكراني، مما قد يقود إلى عدم وجود احتياطي استراتيجي روسي مناسب رغم توسيع الجبهة العسكرية الروسية داخل أوكرانيا وشبه جزيرة القرم المحتلة منذ 2014 إلى مواجهة تمتد 1200 كم، سواء لاستنفاد هذا الاحتياطي نتيجة مزيد من التوسع والتمدد الروسي السابق في اتجاه حواف منطقة خاركيف الاستراتيجية الأوكرانية أو عدم بناء وتشكيل احتياطي استراتيجي واحد أو أكثر من احتياطي عملياتي (تعبوي) داخل أوكرانيا.

وفي كلتا الحالتين سيؤثر ذلك على التوازن الميداني الروسي ويحد من قدراته على المناورة، سواء لإيقاف واحتواء الاختراق الأوكراني لكورسك كحد أدنى لرد الفعل، أو محاصرة القوات الأوكرانية في كورسك لطردها أو تدميرها كحد أقصى لرد الفعل الروسي، طبقًا للمقارنة العامة المفترضة لصالح القوات الروسية في مواجهة مثيلتها الأوكرانية.

ولكن لماذا اختار الأوكرانيون كورسك للتغلغل فيها؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نعود إلى نقطتين. الأولى: ميدانية قتالية مرتبطة بتطور الحرب الروسية الأوكرانية ودعم حلف الأطلسي النوعي لأوكرانيا بهدف إضعاف روسيا كهدف إستراتيجي كما أعلن ذلك صراحة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين خلال زيارته الأولى لكييف. بالإضافة إلى الفراغ الميداني الروسي في كورسك والذي لا يحتوي على وحدات وتشكيلات مقاتلة روسية، بل وحدات حراسة ونقاط تفتيش فقط. كما أن منطقة سومي الأوكرانية المهمة تشكل قاعدة مثلث الانطلاق للهجوم الأوكراني إلى كورسك رغم قربه غير المتداخل مع الأراضي البيلاروسية (روسيا البيضاء) المجاورة والحليفة لروسيا.

أما الثانية: فهي طبيعة مسرح الحرب في كورسك وما حولها كجزء من مسرح الحرب الأكبر خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) حيث الهجوم الألماني الكبير ضد الاتحاد السوفيتي الذي توقف قرب موسكو، ثم الهجوم السوفيتي المضاد الأكبر لهزيمة ألمانيا (وضمنها أوكرانيا) ليكون حلفاء الأمس هم أعداء اليوم.

وتشكل كورسك وجارتاها بيلغورود وبريانسك، إقليمًا زراعيًا في معظمه به أنهار فرعية أكبرُها نهر (سيم) الذي قام الطيران الأوكراني بتدمير وإعطاب ثلاثة جسور عليه، لإعاقة تقدم أي قوات روسية إلى عمق كورسك على الأقل خلال الأيام والأسابيع الأولى للقتال. كما توجد مدينة سودجا حيث خط أنابيب الغاز الروسي الوحيد المتبقي لإمداد أوروبا عبر أوكرانيا.

يعكس هذا التطور الميداني والجيوإستراتيجي، أهمية سعي روسيا العاجل لدعم جيشها سواء بقوات نظامية أو غير نظامية (متطوعين)، وهو ما عكسته زيارات الرئيس بوتين مؤخرًا للقوقاز، وخاصة إقليمي كاباردينو وأوسيتيا الشمالية المقتطع من جمهورية جورجيا عام 2008، والزيارة المهمة لجمهورية الشيشان ذات الأغلبية المسلمة، حيث أهدى الرئيس بوتين نسخة مذهبة من القرآن الكريم بعد تقبيلها إلى الرئيس قديروف في دغدغة للمشاعر الشيشانية، حيث سبق للقوات الشيشانية هزيمة الأوكرانيين في معركة مدينة ماريوبول الحصينة. وحينها منح الرئيس بوتين الرئيس قديروف رتبة فريق أول بالجيش الروسي. كما يتردد عن عفو الرئاسة الروسية عن العديد من السجناء الروس ليشاركوا في الحرب مقابل العفو عنهم بنهايتها.

تمضي تلك المحاولات الروسية للحشد، جنبًا إلى جنب مع تطوير الأسلحة الروسية النوعية كمثال اختبار منظومة (بانتسير) المتقدمة المضادة للطائرات خاصة بعد بدء وصول أول ست طائرات أمريكية من طراز إف 16 المتطورة من أصل 45 طائرة من حلف الأطلنطي تصل تباعًا حتى نهاية العام الحالي 2024 من قاعدتي تدريب الحلف في كل من الدنمارك ورومانيا، وهو ما سوف يؤثر على ميزان القوى الروسي الأوكراني خلال المرحلة القادمة من الحرب. كما ستعمل روسيا بكل طاقتها على إنهاء الموقف في كورسك، مع الاحتفاظ بالمقاطعات الأربع داخل أوكرانيا، إضافة لشبه جزيرة القرم، وهو ما سوف تقاومه أوكرانيا بكل طاقتها معتمدة على الدعم النوعي للناتو لتحسين موقفها حالة الوصول إلى تفاوض وحلول سياسية وهو أمر مستبعد الآن في ظل انشغال الولايات المتحدة بأزمة الشرق الأوسط والانتخابات الأمريكية القادمة.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/82276/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M