واشنطن وطهران تستخدمان محادثات غزة للمماطلة

منذ عملية الاغتيال المزدوجة التي استهدفت القائد العسكري البارز في “حزب الله” فؤاد شكر في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في إيران، زادت أهمية محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وعُلقت الآمال على إمكان التوصل إلى اتفاق يمنع انتقام “محور المقاومة” من خلال منح إيران و”حزب الله” مكسبا دبلوماسيا، يمكن أن يكون بمثابة حفظ لماء الوجه وتجنب الرد على هذه الاغتيالات البارزة التي تجاوزت الخطوط الحمراء الموضوعة سابقا.

ومع استئناف هذه المحادثات الحاسمة في 15 أغسطس/آب، تلقى المسؤولون الأميركيون، بمن فيهم الرئيس جو بايدن، معلومات مضللة بشكل منهجي حول فرص تحقيق انفراجة، ما أدى إلى خلق سردية تتناقض بشكل صارخ مع الواقع على الأرض. في الوقت نفسه، استمرت “حماس” وإسرائيل في تبادل الاتهامات بشأن الطرف الذي يعرقل التوصل إلى اتفاق. ومع ذلك، فإن ما جرى التغاضي عنه هو كيفية استخدام هذه المفاوضات كتكتيك للمماطلة وكسب الوقت، ليس فقط من قبل الولايات المتحدة، بل من قبل إيران أيضا.

إن الفكرة الأميركية التي ترى أن التوصل إلى اتفاق يمكن أن يمنع هجمات محتملة بقيادة إيران على إسرائيل ليست بلا أساس. إذ صرح ثلاثة مسؤولين إيرانيين كبار في مقابلة مع “رويترز” نُشرت في 13 أغسطس بأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هو السبيل الوحيد لمنع إيران من الرد المباشر على إسرائيل. وردا على ذلك، كثفت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق بسرعة.

وعلى الرغم من أن هذه الجهود لم تثمر عن نتائج ملموسة، استمر المسؤولون الأميركيون في نشر تفاؤل مضلل بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق وشيك. فعلى سبيل المثال، قال الرئيس بايدن بعد يومين من المفاوضات التي دعمتها الولايات المتحدة في قطر: “نحن أقرب مما كنا عليه في أي وقت مضى”، قاصدا وقف إطلاق النار في غزة. لكن هذا التفاؤل لم يلقَ صدى لدى الأطراف الأخرى. حيث قال مسؤول كبير في “حماس” لـ”بي بي سي” إنه لم يحدث أي تقدم في محادثات وقف إطلاق النار، وأن الولايات المتحدة “تبيع الأوهام”. ومن اللافت أن المسؤولين الإسرائيليين عبروا عن الشكوك نفسها، مؤكدين أنه لم يجر إحراز أي تقدم حقيقي.

 

“حماس”: لم يحدث أي تقدم في محادثات وقف إطلاق النار… والولايات المتحدة “تبيع الأوهام”

 

 

وكما هو الحال مع الولايات المتحدة، يبدو أن إيران وحلفاءها راضون أيضا عن استخدام محادثات وقف إطلاق النار كغطاء لعدم اتخاذ أي إجراء. وعلى الرغم من أن التوصل إلى اتفاق يبدو غير محتمل بالنظر إلى مواقف الأطراف المتفاوضة الحالية، فإن إيران و”حزب الله” مترددان في الوفاء بوعود الانتقام، على الرغم من الرد المحدود الذي نفذه “حزب الله” في 25 اغسطس. وهذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع التهديدات السابقة من المسؤولين الإيرانيين الذين حذروا من شن هجوم مباشر، إلى جانب حلفائهم مثل “حزب الله”، إذا فشلت محادثات غزة أو إذا تبين لهم أن المفاوضات تُستخدم كتكتيك للمماطلة.
ومن المثير للاهتمام أن المسؤولين في “الحرس الثوري” الإيراني حاولوا تبرير عدم تحركهم بتصويره كجزء من استراتيجية لإبقاء خصومهم في حالة توتر، واصفين التأخير بأنه شكل من أشكال العقاب. ومع ذلك، وبغض النظر عن كيفية تبريرهم لذلك، فإن كلا من إيران و”حزب الله” يجدان نفسيهما عالقين بين المطرقة والسندان. فهم في مأزق سواء تحركوا أم لم يتحركوا، ما قد يفسر ميلهم للاقتناع بالوهم الذي يبيعه المسؤولون الأميركيون، على الرغم من معرفتهم بأنه خيالي تماما.
إن التفاوض لمجرد التفاوض ليس ظاهرة جديدة على الولايات المتحدة أو منطقة الشرق الأوسط. وخير مثال على ذلك هو المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة في جنيف. فبالرغم من أن اللجنة الدستورية، التي تشكل جوهر هذه العملية، لم تجتمع منذ أكثر من عامين، لا يزال الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة، يتظاهرون بأن عملية التفاوض لا تزال حية ونابضة بالحياة.
لكن المشكلة في تكتيكات المماطلة، مثل مفاوضات وقف إطلاق النار، هي أنها تقدم صورة مشوهة للوضع. وبينما قد يأمل البعض أن يستمر الشعور المؤقت بالراحة الذي توفره هذه المفاوضات إلى الأبد، إلا أن الواقع مختلف تماما. ففي نهاية المطاف، يتلاشى هذا الإحساس الزائف بالأمان، مما يترك الأطراف غير مستعدة للألم الحتمي الذي سيتبع ذلك بمجرد أن يتلاشى هذا الوهم.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/322000/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86-%D9%88%D8%B7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%B7%D9%84%D8%A9

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M