الأمن والدفاع الأوروبي بين المهددات والمواجهة

منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، اختلفت الاهتمامات الأوروبية فيما يتعلق بمصالح القارة كثيرًا عن السابق، فقد كان الاهتمام منصبًا على الارتقاء بالوضع الاقتصادي وكذلك مكافحة معضلة الهجرة التي كانت ولا تزال من أكبر التحديات الأوروبية، ولكن حرب روسيا وأوكرانيا أعادت خلط الأوراق، وجعلت الأمن والدفاع الجماعي المستقل هما الخط الفاصل الجديد عبر السياسة الأوروبية، في ظل احتمالية انسحاب الدور الأمريكي من المشهد الدفاعي الأوروبي.

أولويات القارة الأوروبية بين الماضي والحاضر

في بداية عام 2009، ظهرت أكبر الأزمات الاقتصادية في أوروبا وخاصةً في الجنوب بصورة أكبر من الوسط والشمال، وكانت من أبرز سماتها ارتفاع معدل البطالة والدين العام، وأُطلق عليها اسم “الديون الأوروبية”، واتسمت هذه الفترة بمعارك سياسية كبيرة بين الدول الأوروبية كان المال محورها الأساسي، وكانت أبرز الدول التي عانت هي اليونان، وأيرلندا، والبرتغال، وإسبانيا، وقبرص. ومن خارج منطقة اليورو مناطق مثل المجر ورومانيا ولاتفيا.

ولكن مع بداية عام 2015، تعافت تقريبًا جميع البلدان الأوروبية من أزمة ديونها – عدا اليونان- بعد القيام بإصلاحات اقتصادية والحصول على حزم مالية للإنقاذ، وظهرت أزمة جديدة إثر فرار مئات الآلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء من عدة أماكن أبرزها سوريا والعراق وكوسوفو وأفغانستان نحو أوروبا، بأعداد فاقت أعداد الفارين إليها منذ الحرب العالمية الثانية، وظهر إلى السطح ملف “الهجرة” واللجوء كمعضلة رئيسية في أوروبا فاقت الأزمة المالية، وهذه الأزمة قسمت القارة الأوروبية إلى الشرق المناهض للهجرة والغرب الأكثر تقبلًا لإنقاذ المهاجرين من الاضطهاد.

وحاول الاتحاد الأوروبي سن بعض التدابير لمعالجة المشكلة، بما في ذلك توزيع اللاجئين بين الدول الأعضاء، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة في بلدان المهاجرين الأصلية، وتبسيط عمليات الترحيل، ولكن كانت للأزمة عواقب سياسية كبيرة في أوروبا، حيث أظهر الأوروبيون في الداخل قلقًا تجاه التدفق المفاجئ للمهاجرين، وغالبًا ما عبروا عن مخاوفهم بشأن الخطر المتصور على القيم الأوروبية عبر الاحتجاجات المناهضة للهجرة، كما زاد الاستقطاب السياسي من قبل اليمين المتشدد الذي أصبح بفضل هذا الملف أكثر شعبية، وانخفضت الثقة إلى حد كبير في الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تشديد العديد من البلدان قوانين اللجوء الخاصة بها.

وفي عام 2022، وتحديدًا في الرابع والعشرين من فبراير، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية على أعتاب أوروبا، والتي هددت ولا تزال تهدد باستهداف البنى التحتية الأوروبية والتأثير على مصادر الطاقة، وجعلت هذه الحرب أولويات أوروبا تتغير مجددًا نحو الاتحاد لحماية أمن القارة، وإعادة تقييم التكامل الأوروبي للدفاع عن البلدان الأوروبية تحت مظلة “حلف شمال الأطلسي”، أو تحت عضوية الاتحاد الأوروبي، نظرًا لوجود دول عدة داخل الاتحاد الأوروبي غير منضمة للناتو، والعكس صحيح.

كما نجد أن أغلب الدول الأوروبية، وخصوصًا المتاخمة لروسيا وأوكرانيا، وتشهد بأم أعينها ويلات هذه الحرب، أصبحت أكثر ميلًا لاستمرار بلادها داخل عضوية الاتحاد الأوروبي وكذلك تجديد الثقة في الناتو، وهذا يمكن ترجمته بالنظر إلى تراجع تقدم اليمين المتشكك في أوروبا في تلك البلدان، على عكس الدول الواقعة في الغرب كفرنسا وألمانيا، حيث جاءت الأحزاب المتطرفة في المركزين الأول والثاني على التوالي في الانتخابات الأخيرة، وأيضًا فوز يمين الوسط في الانتخابات الأوروبية في يونيو الماضي.

الوضع الحالي للأمن والدفاع في أوروبا

بالرغم من عودة ملف الأمن والدفاع كأولوية أوروبية، إلا أن السياسات الدفاعية الأوروبية قد ظهر بها صدع يتمحور حول الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة كأكبر مدافع عن القارة الأوروبية، كما سلطت الحرب الروسية الأوكرانية الضوء أيضًا على التراجع الملحوظ للجيوش الأوروبية والصناعات الدفاعية بعد عشرات السنوات من السلام.

وبالنظر إلى مقدرات الدفاع الأوروبي الحالية، نجد أنه للوهلة الأولى أن أوروبا تمتلك ما يكفي من المقومات للدفاع عن نفسها، فالناتج المحلي الأوروبي أكبر بنحو 10 مرات من الناتج المحلي لروسيا، ويأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، كما أنفقت دول الاتحاد أعلى نسبة على الدفاع بزيادة 32% في عام 2023، بالرغم من الخلافات الكبيرة بين الدول الأوروبية.

ووفقًا لتقديرات حلف شمال الأطلسي وبيانات الدفاع، بلغ إجمالي نفقات الدفاع 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي، أي حوالي 240 مليار يورو بزيادة تقدر بنحو 150 مليار يورو مقارنة بعام 2014، كما تعتبر قواتهم العسكرية المجمعة أكبر من قوات روسيا أو الولايات المتحدة، فضلًا عن إنتاج صناعات دفاعية واستثمارات تقدر بنحو 58.1 مليار يورو وخاصة الأسلحة الأكثر تقدمًا، مع وجود ست دول أوروبية من بين أكبر 10 دول مصدرة للأسلحة في العالم.

وعلى صعيد المعدات والمنصات وجاهزيتهما، تشير البيانات إلى أن الدول الأوروبية تحتاج بشدة الآن إلى إعادة بناء، خاصة في المجالين البري والجوي، إذ يتعهد الحلفاء باستثمار ما لا يقل عن 20% من الميزانية المخصصة للدفاع. وبالرغم من أن الجدول أدناه يشير إلى أن الأعداد كبيرة في أوروبا بأكملها، إلا أن هناك خلل كبير في المعدات والمنصات التي تمتلكها البلدان المختلفة، فعلى سبيل المثال، لا تمتلك 12 دولة أوروبية أي دبابات، ولا تمتلك 14 دولة طائرات مقاتلة، مما يعني أنها لا تستطيع المساهمة في المهام الأساسية، فضلًا عن وجود منصات إطلاق قديمة أو تحتاج إلى صيانة. بينما يؤدي حلفاء الناتو الأوروبيون غير المنتمين إلى الاتحاد الأوروبي أداءً أفضل في هذا الصدد، حيث تمتلك النرويج وتركيا والمملكة المتحدة كميات كبيرة من المعدات في العديد من المجالات. وبالمقارنة بالمخزونات الروسية والأمريكية، فإن العدد المطلق للمنصات الكبرى في أوروبا قد لا يكون سيئًا للغاية، ولكن عددًا قليلًا منها لديه المستوى المناسب من الجاهزية.

وعن الصناعات الدفاعية، فمنذ بداية الحرب الأوكرانية، زادت صناعة الدفاع الأوروبية من قدرتها على إنتاج الذخيرة بنسبة 50% مع وضع هدف مليوني ذخيرة سنويًا، وهو ضعف القدرة في عام 2022، اتحدت الدول الأوروبية حول هدف واحد وهو تحويل الاقتصاد الأوروبي إلى “اقتصاد حرب” بحيث تتم إعادة تكوين الهياكل الاقتصادية الوطنية لإعطاء الأولوية لتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية ومعالجة العجز العسكري. ووُضعت “استراتيجية صناعية دفاعية أوروبية” ، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجال الدفاع وتشجيع المشتريات المشتركة، وتقوية قاعدة التصنيع الدفاعي الأوروبية، وخفض الاعتماد على الواردات العسكرية من خارج الاتحاد الأوروبي، والذي من شأنه سد الفجوة في الفترة بين 2025-2027 بمبلغ 1.5 مليار يورو، مع النداء بضرورة زيادة الإنفاق على الدفاع ليصل إلى 500 مليار يورو، بجانب زيادة نسبة مشتريات الأسلحة بشكل جماعي من قبل الدول الأعضاء من 40% بحلول عام 2030 إلى 60% بحلول عام 2035.

أما على صعيد القدرات العسكرية للدفاع، فبسبب الميزانية المحدودة والاعتماد على أمريكا وتخطي فترة الحرب الباردة، تحولت العديد من الجيوش الأوروبية إلى قوات محدودة بدلًا من قوات ضخمة جاهزة للقتال، واستمر هذا الوضع لأكثر من عقدين من الزمان، دون وضع احتمالات لاندلاع صراع كبير في أوروبا، حيث يبلغ عدد الجنود في دول الناتو الأوروبية حوالي 1.9 مليون جندي، وهو عدد يكفي لتلبية متطلبات الحلف في حالة السلم وليس الحرب، وهو ما جعل الحلف يدعو إلى جعل أكثر من 300 ألف جندي متاحين في حالة الطوارئ في غضون 30 يومًا، وهذا يعني أن التوسع العام والهائل للقوات المسلحة الأوروبية ليس ضروريًا، بشرط أن تزيد الدول الأوروبية بشكل كبير من جاهزية قواتها القتالية لتمكينها من الردع والدفاع ضد أي طارئ كبير في أوروبا.

مهددات الأمن الأوروبي

  • تهديدات خارجية
  • توسع رقعة التهديد الروسي

ربما لم يكن القصور في الدفاع الأوروبي ضد التهديد الروسي اكتشاف الحرب الأخيرة، بل يعود إلى ما قبل ذلك، وتحديدًا عام 2008، عندما غزت روسيا جورجيا، وضمت شبه جزيرة القرم وبدأت صراعها المطول في دونباس عام 2014. ولكن حرب 2022 أثبتت أن روسيا تعتزم تشكيل جيش قوي قادر على اختبار عزم وتماسك وقدرة الدفاع الأوروبي من جديد، وأن أوكرانيا ليست بالضرورة نقطة النهاية لمطامع روسيا في الغرب.

ووفقًا لاستطلاع رأي أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في مايو 2024، اعتقد عدد كبير من المشاركين من 14 دولة أوروبية أنه من المرجح أن تهاجم روسيا دولة أوروبية أخرى خلال العامين المقبلين، وكانت أبرز تلك الدول بلغاريا والبرتغال، خاصة مع إعلان أوكرانيا بدءها في استخدام الأسلحة الغربية لمهاجمة الأهداف داخل الأراضي الروسية، وهو ما قوبل بتهديد روسي بتوسيع رقعة الصراع وتحويل المشهد إلى حرب عالمية ثالثة.

  • احتمالية تراجع الالتزام الأمريكي بالدفاع عن أوروبا

كشفت الحرب في أوكرانيا مدى اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في عملية الدفاع عن القارة الأوروبية، حيث لا توجد عاصمة قادرة على جمع الأوروبيين معًا مثل واشنطن، كما أن الأمريكيين يقدمون حصة الأسد من “الممكنات الاستراتيجية” التي يعتمد عليها الأمن والدفاع الأوروبي، بجانب ما يتم تقديمه لأوكرانيا، حيث أن إنفاق الولايات المتحدة على التقنيات الدفاعية الجديدة لا يزال أعلى بأكثر من سبع مرات من إنفاق جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجتمعة، هذا بجانب الضمان النووي الأمريكي الذي يشكل تأمينًا للحياة الأوروبية ضد التهديدات الروسية. ومن المتوقع إلى حد كبير أن تحافظ هاريس، المرشحة الديمقراطية للرئاسة، على دعم أوكرانيا والعلاقات الوثيقة مع الشركاء الأوروبيين إذا فازت في الانتخابات.

على الصعيد الآخر، هناك مخاوف من استمرار الاعتماد على الولايات المتحدة مع اقتراب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” من الفوز بالانتخابات، خاصة وأن لترامب رأيًا مختلفًا بشأن الالتزام بحلف شمال الأطلسي، إذ يعتقد أنه لم تعد أوروبا مسرحًا للأحداث بالشكل الذي يحدد أولويات التخطيط الدفاعي الأمريكي ويتلقى أكبر مخصصات من الموارد، حيث خصص البنتاجون للعام المالي 2024 نحو 3.6 مليار دولار من ميزانيته لمبادرة الردع الأوروبية.

ولهذا اقترح ترامب في فبراير 2024 تقليل أو إزالة الدعم الأمريكي لأوروبا وخاصة لأوكرانيا، حال التخلف عن الإنفاق الدفاعي المتفق عليه، فضلًا عن إشارته لعلاقته الوطيدة ببوتين والتي قد تتعمق أكثر حال فوزه بالانتخابات، الأمر الذي تراه القارة الأوروبية تهديدًا لها. ويرى مراقبون أن تهديدات ترامب ليست فارغة، حيث تحمل في طياتها سيناريوهات عدة، فقد يعمل ترامب على أن تبتعد الولايات المتحدة عن الحلف وتصبح “شريك صامت” به، خاصة وأنه يعتقد أن دعم أوكرانيا بتلك التكلفة العظمى لا يعود بمنفعة وطنية حيوية على الولايات المتحدة، بجانب اعتقاده من الأساس أن روسيا لا تمثل تهديدًا مهيمنًا في أوروبا مقارنة بالصين، وبالتالي زيادة احتمالية تخلي الولايات المتحدة عن القارة الأوروبية باعتبارها أولوية للأمن القومي.

وتأتي فكرة الشريك الصامت في أن تكون الولايات المتحدة هي الملاذ الأخير، بحيث لا تشكل العمود الفقري للدفاع المتقدم على الجناح الشرقي للحلف، وعليه سيتعين على أوروبا بناء بنية أمنية لا تتمركز حول الولايات المتحدة، وعليه أيضًا، فمن غير الممكن أن يسعى الحلف إلى التوسع الإقليمي، وإنما سيحافظ على الهياكل التنظيمية التي قد تكون ضرورية ويتم تفعيلها في حالة اندلاع حرب كبرى.

وهذا يعني أن الأوروبيين سيتعين عليهم ردع العدوان الروسي وحدهم، وبدلًا من تقاسم العبء بين الولايات المتحدة وأوروبا، سنشهد تسليم أو تحويل الأعباء الأمريكية بالكامل، وهذا المفهوم بالفعل يحظى بشعبية كبيرة في الداخل الأمريكي لدى الجمهوريين والديمقراطيين، وخاصة بين المتشككين في زيادة التدخل العسكري الأمريكي لصالح التغلب على التقدم الصيني، والذين يريدون أن تصبح الالتزامات الأمريكية تجاه السياسة الخارجية أكثر شرطية.

فوفقًا لاستطلاع رأي أُجري في فبراير الماضي تزامنًا مع تصريحات ترامب، ومع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، وبعد انضمام “فنلندا والسويد” للتحالف، فقد أراد 47% من الأمريكيين أن تحافظ الولايات المتحدة على التزامها الحالي تجاه حلف شمال الأطلسي، في حين يرى 20% أن دعم التحالف ينبغي أن يزيد، بينما يرى 16% أن الولايات المتحدة ينبغي أن تقلص التزامها تجاه الناتو، ويفضل 12% أن تنسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي بالكامل. واستنادًا لاستطلاع آخر أجراه مركز بيو للأبحاث في يوليو، فإن 50% من الأمريكيين “قلقون للغاية” من أن الحرب في أوكرانيا قد تستمر لعدة سنوات أخرى، ويعتقد 42% أنها قد تؤدي إلى حرب أمريكية مع روسيا.

هناك علامة أخرى تدل على نية تراجع التواجد الأمريكي في أوروبا، والذي بات مقترنًا فقط بالحرب الروسية على أوكرانيا. فبالنظر إلى ذروة الانتشار الأمريكي في أوروبا، نجد أن عدد الجنود الأمريكيين كان حوالي 430 ألف جندي متمركزًا في أوروبا في خمسينيات القرن الماضي. وفي عام 1989 انخفض الرقم إلى 248 ألف جندي، وبحلول عام 2021، انخفض الرقم إلى 64 ألفًا، ليرتفع ببدء الحرب بين 85-100 ألف، مع العلم أن هذا التراجع قد رافقه انخفاض في عدد المنصات والمعدات القتالية الأمريكية، وكذلك الأسلحة النووية المخصصة للقيادة الأمريكية في أوروبا.

ومع هذه التخبطات، اكتشف الأوروبيون مدى اعتمادهم على الأصول الأمريكية في مجالات عدة مثل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، بما في ذلك الأنظمة غير المأهولة والقدرات الفضائية؛ الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل؛ قدرات الضربة الدقيقة بعيدة المدى؛ والجسر الجوي الاستراتيجي والتزود بالوقود جوًا. وبالتالي فإن الانسحاب الأمريكي سيكشف عن خلل المنظومة الأوروبية الدفاعية بشكل كبير.

  • التوترات الخارجية وتنافس القوى العظمى

أدى تجدد القتال بين حماس وإسرائيل، وعودة تهديد الصواريخ الحوثية، والتهديد النووي الإيراني، وتصاعد التوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والقطب الشمالي، والاضطرابات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إلى جانب حرب روسيا على أوكرانيا، إلى خلق بيئة أمنية شديدة التقلب بالنسبة لحلف شمال الأطلسي وأوروبا، وكذلك نجد أن هجوم السابع من أكتوبر قد فرض على عدة دول أوروبية بجانب الولايات المتحدة الالتزام بأمن إسرائيل، الأمر الذي قد يتطلب المزيد من الإنفاق الدفاعي لتلبية حاجات إسرائيل في الشرق الأوسط، وهذا يشكل ضغطًا على الموارد الدفاعية الأوروبية التي تعاني بالفعل.

ووسط كل ذلك، هناك قوى أخرى تحاول إثبات نفسها على المسرح العالمي، كالصين وكوريا الشمالية -بجانب روسيا- اللتين تشكلان تهديدًا لا يمكن الاستهانة به للقدرات الدفاعية الأوروبية، وبالرغم من قوة الاتحاد الأوروبي اقتصاديًا وتكنولوجيًا وتجاريًا، إلا أنه لا يشكل قوة عظمى قائمة بذاتها. فهو يفتقر إلى الإرادة السياسية المتجانسة والقدرات العسكرية التي تستند إليها القوة الجيوسياسية الحقيقية، ولهذا تحاول الدول الغربية تحقيق التوازن بين تركيزها مع التوترات السابقة وبين مصالحها الاستراتيجية التي تحركها التجارة إلى حد كبير مع الأطراف والقوى العظمى.

  • تهديدات داخلية
  • تصاعد اليمين المتطرف داخل الأوساط الأوروبية

مع تطور المنافسة بين القوى العظمى، نجد أن العديد من الحكومات الأوروبية التي شهدت صعودًا لافتًا لليمين المتطرف، المتشكك بالأساس في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، باتت تنادي بأهمية التخلي عن أوكرانيا، أو الانسحاب من الاتحاد وتقليص صلاحياته، بجانب إظهارها رغبة واضحة في إقامة علاقات دفاعية ثنائية ومتعددة الأطراف قد تشكل تهديدًا لمستقبل الناتو الدفاعي أو تشكل تهديدًا لدول أوروبية بعينها.

كما تشير الدلائل إلى أن التركيز في العديد من الدول الأعضاء بات ينصب على القضايا الداخلية أكثر، كالهجرة والأزمات الاقتصادية، الأمر الذي جعل فكرة “العبء الدفاعي” تنتشر في الأوساط الأوروبية إلى حد كبير، بذريعة أن دعم أوكرانيا من شأنه إطالة أمد الحرب، وهو أمر تستغله الأحزاب اليمينية لاستمالة الجمهور المناهض للمشروع الأوروبي، ومن أجل تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل، وإذا توسعت تلك المكاسب في عدة دول، فستتزايد الدعوات إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي أو على الأقل إضعافه بشكل كبير.

  • الخلافات الأوروبية حول التمويل

ظهرت انقسامات عديدة حول كيفية تعزيز سياسة الدفاع للاتحاد الأوروبي في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ تطالب دول مثل بولندا ودول البلطيق بزيادة الإنفاق العسكري وبناء جيش أوروبي مشترك، بينما تفضل دول أخرى، مثل ألمانيا وهولندا، نهجًا أكثر دبلوماسية وتركيزًا على التعاون مع الناتو، وتعكس هذه التحفظات صعوبة توسيع القدرات العسكرية لأوروبا في ظل الضغوط المالية العامة والانقسامات حول مزايا تمكين بروكسل في مجال السياسة الدفاعية.

وعلى الرغم من الطموحات الأوروبية التي تنادي بضرورة زيادة حصة ميزانية الاتحاد الأوروبي المخصصة للدفاع لتصل إلى 500 مليار يورو، وفقًا لتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لقادة الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، مع السعي إلى تحقيق الاستقلالية في مجال الأمن والدفاع، إلا أن الدول الأوروبية لا تتفق على كيفية جمع الموارد المالية المطلوبة، والتي تتمثل حتى الآن بإنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.

وعلى الرغم من أنه خلال الحرب الباردة، كانت تلك الدول تنفق أكثر من 3% من الناتج المحلي، إلا أن بعض الدول الأوروبية اتجهت نحو تخفيض هذه النسبة تحديدًا بعد انضمامها لحلف شمال الأطلسي، بينما تعهدت دول أوروبية أخرى بزيادة الإنفاق الدفاعي عن النسبة المطلوبة باستثمار 657 مليار دولار مع كندا منذ عام 2014، ونتيجة لذلك، ارتفع عدد البلدان التي تجاوزت نسبة الـ 2% من سبعة بلدان إلى 30 بلدًا.

ومع ذلك، لم تكن هذه الزيادة كافية على الإطلاق بالمقارنة بالدول الأخرى، فقد نما الإنفاق الدفاعي الروسي منذ عام 2000 وحتى عام 2022 بنسبة 360%، بينما توسع الإنفاق الدفاعي الصيني بنسبة 596%، وخلال نفس الفترة، نجد أن النمو الأوروبي لم يرتفع إلا بنسبة 50% فقط بسبب الزيادات التي حدثت منذ عام 2015، وبالطبع في عام 2022.

وبالرغم من وضع خطة الدفاع الصناعية الأوروبية لتجديد المجمع الصناعي العسكري في الاتحاد، إلا أن الأموال المخصصة له 1.5 مليار دولار متواضعة للغاية، حيث لا تمثل 0.2% من إجمالي المطلوب للدفاع، مما يشير إلى أن الصناعة الأوروبية لا تزال تكافح في ظل استمرار الحرب وشدة حاجة أوكرانيا للذخائر، حيث أنه وبعد عام من وعد الدول الأعضاء بالاتحاد بإرسال مليون ذخيرة لأوكرانيا في غضون عام، لم يتم تسليم سوى نصف هذه الكمية، الأمر الذي أثبت أنه توجد صعوبة في إقناع جميع الدول الأعضاء بالانضمام إلى هذه الاستراتيجية، وأن إعادة بناء وتوسيع مخزونات الذخيرة والمعدات لأوكرانيا وتلبية متطلبات القدرة المتزايدة المرتبطة بالبيئة الأمنية داخل الدول الأوروبية هي عملية بطيئة ومعقدة، مما يعكس أهمية الحاجة إلى تمويل إضافي لجعل الصناعة قادرة على تلبية احتياجات الحرب.

 ولهذا نجد أن العديد من الدول الأوروبية اتجهت إلى حلول خارج أوروبا، مما زاد من الاعتماد على دول ثالثة وأضعف قاعدتها الصناعية للدفاع، حيث تظهر الأرقام الصادرة في سبتمبر 2023 أن الدول الأعضاء أنفقت أكثر من 100 مليار يورو على عمليات الاستحواذ الدفاعية، و78% منها تم إنفاقها على المشتريات خارج الاتحاد الأوروبي، 63% منها في الولايات المتحدة.

  • أعداد القوات العسكرية

نظريًا، يبلغ عدد قوات الحلفاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي 1.9 مليون جندي، وهو بالمناسبة عدد يبدو كافيًا لمواجهة روسيا (1.1 مليون جندي و1.5 مليون جندي احتياطي)، ولكن في الواقع، ستواجه قوى حلف شمال الأطلسي الأوروبية صعوبة بالغة في إرسال أكثر من 300 ألف جندي إلى أي صراع مستقبلي، وحتى في هذه الحالة، فإن هذا سيستغرق شهورًا من التحضير.

ووفقًا لأرقام القوات من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، يبلغ عدد القوات العاملة في الجيش الألماني على سبيل المثال 181 ألف جندي، بعجز لا يقل عن 20 ألف جندي تحتاج إليهم ألمانيا للوفاء بالتزاماتها، ولكن هذا ليس العجز الوحيد، فالمملكة المتحدة فشلت أيضًا في تحقيق أهدافها السنوية للتجنيد العسكري على مدى العقد الماضي، وفي عام 2023، فقدت قواتها البرية 4 آلاف جندي، ليصل عدد الجنود الحالي إلى 138 ألف جندي بنسبة انخفاض 19% مقارنة بعام 2013، وكذلك فرنسا، فبالرغم من أن قواتها تبلغ تعدادها 203.8 ألف رجل وامرأة، إلا أنها أقل من الأعداد المطلوبة، وفي إيطاليا، تقلص حجم الجيش من 200 ألف قبل عقد من الزمان إلى 160.9 ألف اليوم.

وهذا الانخفاض يعكس أن الدول الأوروبية خلال عقدين من الزمن قد ركزت بشكل كبير على الميزانيات وبرامج الدفاع دون التركيز على التحدي الأكثر صعوبة المتمثل في تجنيد المزيد من المواطنين للقتال إلى جانب جيوشهم وتوفير عائد مادي مغرٍ لهم، وخاصة الذين يشغلون وظائف حرجة كالطب والاتصالات والهندسة والأمن السيبراني، وهي الأدوار التي تحتاج إليها الجيوش الأوروبية على وجه السرعة.

كيف ستتعامل أوروبا مع التحديات السابقة؟

  1. تقليل الاعتماد على الدعم الأمريكي للأمن الأوروبي

وذلك بتيقن أنه بصرف النظر عما قد يحدث في نوفمبر القادم، فستحتاج أوروبا إلى تحديد مصالحها الجماعية في الشراكة عبر الأطلسي، وتحديد ما تريد حمايته وما تتوقعه من الولايات المتحدة، مع العلم أن التزام الولايات المتحدة بالأمن الأوروبي سوف يظل مستقرًا في أفضل الأحوال عند المستوى الحالي، مع وضع كافة الاحتمالات بالتراجع أو الاختفاء خلال السنوات المقبلة، ولهذا ستحتاج أوروبا إلى أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها بأقل قدر من الاعتماد على أمريكا.

ولهذا نجد أن الاتحاد بالفعل وضع أولويات لتطوير القدرات الدفاعية لسد الثغرات في قدراتها، وذلك تحت رعاية وكالة الدفاع الأوروبية (EDA) وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، والتي بالمناسبة تتداخل إلى حد كبير مع المجالات ذات الأولوية التي تعتمد أوروبا على الولايات المتحدة في توفيرها، ويمكن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تتعاون مع حلفاء وشركاء آخرين في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا.

إلى جانب ذلك، يمكن اتباع استراتيجية بها عدد قليل من المهام المشتركة بين أوروبا والولايات المتحدة، كالعمل معها لردع روسيا وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، والاستمرار في تقديم المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، وتهيئة الظروف المناسبة للتوصل إلى حل دبلوماسي للحرب، والحصول على ضمانات بأن واشنطن لن تتجاهل المصالح الأمنية الأوروبية، والتي تشمل دعم تطلعات أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، هذا إلى جانب الدفاع عن الرخاء الأوروبي وحرية العمل في خضم التنافس بين الولايات المتحدة والصين، والانخراط مع واشنطن في معالجة التحديات العالمية، وهذه أفضل طريقة لتقاسم المسؤوليات مع الولايات المتحدة، كما أنها السبيل الوحيد الذي يمكن للأوروبيين من خلاله تجنب استغلال دولة من دول الاتحاد الأوروبي ضد دولة أخرى والتعامل مع حالة عدم اليقين في السياسة الأمريكية.

  • استمرار دعم أوكرانيا بما يضمن عدم انتصار روسيا

نظرًا لاحتمالية تراجع أو اختفاء الدعم الأمريكي لأوكرانيا وللجهود الدفاعية الأوروبية بعد الانتخابات الأمريكية القادمة، فسيعمل الأوروبيون لا شك على استمرار تنظيم المساعدات المالية والعسكرية متوسطة وطويلة الأجل لأوكرانيا، وسيتم ذلك من خلال وضع خطة طوارئ مشتركة بين الدول الأوروبية تدور حول:

  • استمرار الدعم المالي لأوكرانيا، عبر توفير تمويل أساسي، وتوفير مستويات مستدامة من المساعدة الأمنية، بالإضافة إلى الملايين التي تعهدت بها دول التحالف بشكل ثنائي لدعم كييف.
  • ضمان تدفق ثابت من الذخيرة للحفاظ على خط المواجهة الأوكراني، وهذا يتحقق الآن بالفعل بفضل ارتفاع إنتاج الذخائر، ومن الضروري العمل على خطة طويلة الأجل لتحفيز القدرة الإنتاجية في أوروبا للحفاظ على هذه الدفعة المرغوبة للدفاعات الجوية والصاروخية الأوكرانية ومنع حدوث عجز جديد.
  • تعزيز الدفاع الجوي والصاروخي الأوكراني لحماية المدن والبنية الأساسية، وهذا يتحقق بفضل جهود الحلفاء المشتركة لإرسال أنظمة الدفاع الجوي باتريوت إلى أوكرانيا، بقيادة ألمانيا، وهذا من شأنه أن يشجع الحكومات على تحرير المزيد من الأسلحة الموجودة حاليًا في المخزون والتي قد تحدث فرقًا في المجهود الحربي.
  • التركيز على الدعم وقطع الغيار للحفاظ على المعدات الغربية التي يتم التبرع بها، حيث من الممكن أن يخدم إنشاء مركز مشترك لإصلاح وصيانة المعدات المعقدة هذا الغرض، على أن يكون هذا المركز مفتوحًا أمام جميع البلدان التي تبرعت بمعدات لأوكرانيا.
  • زيادة ميزانية الاتحاد الأوروبي المخصصة للدفاع

إن زيادة الإنفاق الدفاعي ممكنة إلى حد كبير بموارد الدول الأوروبية المالية، التي تعد من أكثر الدول تطورًا اقتصاديًا في العالم. إلى جانب ذلك، يدعم الجمهور الأوروبي بشكل متزايد إنفاق المزيد على الدفاع، وخاصة في شمال وشرق أوروبا. ووفقًا لاستطلاع رأي أجراه حلف شمال الأطلسي في ديسمبر 2023، فقد وافق 77% من المشاركين على أن الدول الأوروبية يجب أن تنفق المزيد على الدفاع أو تحافظ على الإنفاق الدفاعي الحالي، مع وجود احتمال استخدام الأموال الروسية في الاتحاد الأوروبي لزيادة الإنفاق على الدفاع.

ولهذا، فإن المساهمة الأكثر أهمية التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقدمها لحلف شمال الأطلسي الأكثر أوروبية تتلخص في إلزام الدول الأعضاء بالاستثمار بشكل أكبر وأكثر ذكاءً في قدراتها الدفاعية وفي التقنيات المبتكرة، مع العلم أن زيادة الإنفاق لن تكون حلًا بدون إعادة تنظيم الهياكل والعمليات القائمة، خاصة وأن هناك مخاوف تثار من أن يؤدي تحويل صناعة الأسلحة الأوروبية إلى “اقتصاد حرب” إلى عواقب بعيدة المدى تتمحور حول التحول إلى سباق تسلح جديد في أوروبا.

  • الاستعداد العددي والعسكري للجيوش الأوروبية

إن الاستعداد القتالي يتطلب بذل أكبر قدر من الجهد، وتحتاج الدول الأوروبية إلى زيادة حجم القوات القتالية الجاهزة المتاحة في غضون مهلة قصيرة لملء نموذج قوة حلف شمال الأطلسي وتمكينه والاتحاد الأوروبي من مواجهة مجموعة أكبر من الأزمات المحتملة دون الاعتماد بشكل مفرط على التعزيزات الأمريكية، وذلك من خلال:

  • تنظيم المزيد من التدريبات المنتظمة والواسعة النطاق للأفراد والمقرات.
  • الحصول على قطع الغيار والذخيرة، وزيادة توافر المعدات الرئيسية.
  • توفير الخدمات اللوجستية والدعم لنقل القوات والمعدات لمسافات كبيرة، وتحسين البنية الأساسية ذات الصلة، بما في ذلك الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والطرق والأنفاق والجسور، وكذلك الدعم الطبي.
  • معالجة الحواجز الإدارية أمام النشر السريع للأفراد والمعدات في جميع أنحاء أوروبا.
  • جعل الحياة المهنية العسكرية أكثر قيمة وجاذبية للمتطوعين.

وإذا لم يختر المزيد من الأوروبيين العمل في المهن العسكرية، فقد تسعى حكوماتهم إلى إيجاد طرق أخرى لتسجيلهم إجباريًا في الخدمة العسكرية، وهذا يظهر في “النموذج الإسكندنافي” للتجنيد الإجباري، والذي تتبعه كل من ألمانيا وهولندا، ففي ألمانيا التي تعتزم إرسال استبيان إلى كل الذكور الألمان الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا ـ نحو 400 ألف شاب سنويًا ـ لاستقصاء مدى استعدادهم لأداء فترة من الخدمة العسكرية ومهاراتهم، ومن ثم تعيين نحو 40 ألف شاب منهم سنويًا. كما طرحت هولندا مؤخرًا فكرة نموذج التجنيد الهجين، وهو عبارة عن تسجيل 2000 شخص ذي مهارة عالية من خلال استبيان إلزامي موجود ترسله إلى الشباب عندما يبلغون السابعة عشرة من العمر.

وفي النرويج والسويد، أثبتت “نماذج التجنيد الشامل الانتقائي” نجاحها الكبير، ففي النرويج، لا يلتحق بالخدمة العسكرية سوى 14% من المؤهلين، وفي السويد لا يتجاوز عدد المؤهلين 4%. والواقع أن الانتقائية الشديدة التي تتسم بها عملية التجنيد زادت من هيبتها، ما جعل الخدمة العسكرية تشكل نتيجة تنافسية يتطلع إليها العديد من الشباب.

  • جعل الناتو أكثر أوروبية

وذلك بتوحيد الجهود المشتركة بين الناتو والاتحاد الأوروبي، فالبيئة الأمنية الجديدة واحتمال تراجع التدخل الأمريكي في أوروبا سيتطلبان إعادة التفكير في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، والتي تعترف بالدور القيادي والتخطيطي الذي يلعبه الناتو والدور الجديد للاتحاد الأوروبي كلاعب أمني، وخاصة في سياق أوكرانيا وما يقدمه من أدوات تنظيمية ومالية. ويمكن أن يتم ذلك عبر:

  • التنسيق بشكل أوثق بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل المعايير والابتكار والتنقل العسكري والأمن السيبراني.
  • مواءمة جهود تطوير القدرات بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى أقصى حد ممكن لضمان التماسك بين جهود الاتحاد الأوروبي وأولويات التخطيط الدفاعي لحلف شمال الأطلسي.
  • التخفيف من مخاوف الدول التي ليست أعضاء في المنظمتين من خلال تسهيل مشاركتها قدر الإمكان، ومنح صفة المراقب أو الشريك للدول غير الأعضاء الراغبة في المشاركة في أكبر عدد ممكن من صيغ الدفاع.
  • تنظيم تبادل أكثر سلاسة للمعلومات (بما في ذلك من خلال الترتيبات الأمنية التي تسهل تدفق المعلومات السرية).
  • تنظيم آليات منتظمة لتبادل الموظفين بين المنظمتين لتطوير التفاهم المتبادل.
  • تحسين مفهوم الركيزة الأوروبية لحلف شمال الأطلسي، والتي تجمع بين تقاسم الأعباء وتقاسم المسؤوليات.
  • مراجعة هيكل قيادة حلف شمال الأطلسي، فضلًا عن الأعلام المخصصة للمناصب العليا المختلفة.
  • مواءمة التدريبات التي يجريها حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي فضلًا عن القوات الاحتياطية لتعزيز الجاهزية.
  • الاستفادة الكاملة من انضمام فنلندا والسويد من خلال دمجهما بالكامل في خطط وقوات وهياكل القيادة.
  • تعزيز قدرات الردع النووي

إن تطوير ركيزة أوروبية أقوى في حلف شمال الأطلسي سيتطلب مساهمة أوروبية كبيرة في الردع النووي، مع العلم أن الحكومات الأوروبية لديها مجموعة متنوعة من وجهات النظر فيما يتعلق بهذه المسألة، حيث يشارك عدد قليل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل النمسا وأيرلندا، بنشاط في معاهدة حظر الأسلحة النووية، بينما يتفق جميع حلفاء الناتو على أنه “طالما أن الأسلحة النووية موجودة، فإن الناتو سيظل تحالفًا نوويًا”.

تستفيد أوروبا من وجود الأسلحة النووية الأمريكية من خلال حلف الناتو، ويشارك جميع حلفاء الناتو -عدا فرنسا- في التخطيط النووي للمنظمة، كما أن هناك دولتين أوروبيتين بالحلف تمتلكان أسلحة نووية، المملكة المتحدة وفرنسا التي تُعتبر ثالث أكبر قوة نووية في العالم، والدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لديها ردع نووي.

وفي هذه البيئة المعقدة ينشأ “نقاش كبير” في مختلف أنحاء أوروبا، حيث يدعو البعض إلى إنشاء “قنبلة أوروبية” وتقويض التواجد النووي الأمريكي، ويرغب آخرون في تعزيز الوجود النووي الأمريكي، بينما يفضل آخرون الوضع الراهن، مع العلم أن سحب الولايات المتحدة للردع النووي أو إضعافه احتمال لا يزال قائمًا.

لكن يبدو أن الأوروبيين في حاجة إلى خوض نقاش واقعي حول الكيفية التي يمكنهم بها الحفاظ على الردع وتعزيزه، دون الانخراط في مقترحات غير واقعية أو مضللة، مثل القنبلة الأوروبية، أو الردع الأوروبي المتميز، أو تمويل الردع الفرنسي فقط، أو مقترحات لاستبدال الردع البريطاني أو الفرنسي بالردع الأمريكي الموسع، أو حتى تقويض الضمان النووي الأمريكي، كما عليهم الأخذ في الاعتبار احترام مبدأ “عدم الإضرار”، لأن أي اقتراح يُنظر إليه على أنه مثلًا يقوض الضمان النووي الأمريكي قد يشكل أيضًا خطرًا استراتيجيًا على الأمن الأوروبي، كما أنه قد يورط أوروبا مجددًا في الاعتماد المفرط على حليف منفرد آخر ويكرر سيناريو الاعتماد على الولايات المتحدة.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/82283/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M