«باقٍ ويتمدَّد؟» التحدي الإرهابي المتنامي في منطقة خليج غينيا

  • تزايدت في الآونة الأخيرة وتيرة العمليات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي، وانتقلت تدريجياً إلى إقليم خليج غينيا المطل على المحيط الأطلسي والذي يضم بلداناً ذات موارد نفطية ومعدنية أساسية، فضلاً عن كونه الجسر الرابط بين غرب أفريقيا ووسطها.
  • تهدف الجماعات الراديكالية العنيفة إلى الحصول على مراكز شاطئية في الإقليم تضمن لها توطيد أنشطتها في القرصنة والتهريب، بعد أن سيطرت على مناطق واسعة في الساحل الأفريقي.
  • لا يزال الخطر الإرهابي محصوراً في المناطق الحدودية المحاذية لبلدان الساحل، وتسعى حكومات خليج غينيا لكبح هذا الخطر واحتوائه، وإن كانت فشلت في سياسة التنسيق والتعاون مع الحكومات العسكرية الحاكمة في دول الساحل المركزية.

 

تصاعدت موجة العمليات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي، مع بروز مؤشرات واضحة على انتقال هذا الخطر إلى بلدان خليج غينيا، بما يوفر لهذه الجماعات الراديكالية إطلالة بحرية ويوصلها إلى أواسط القارة الغنية بالموارد النفطية والمعادن الثمينة.

 

خطر الإرهاب في منطقة الساحل ووسط أفريقيا: مؤشرات التنامي وغاياته

على الرغم من المقاربة العسكرية الأمنية الموحدة لدول الساحل الثلاث المركزية (مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر)، والدعم الروسي لها في مواجهة الجماعات الراديكالية المسلحة، تزايدت وتيرة العمليات الإرهابية في المنطقة في الآونة الأخيرة. ومن أبرز المستجدات في هذا السياق:

 

  • عملية تنزواتين قرب الحدود المالية الجزائرية التي ذهب ضحيتها في الأيام الأخيرة من يوليو 2024 عشرات القتلى من الجيش المالي وقوات مجموعة “فاغنر” الروسية الداعمة لها (84 مسلحاً روسياً، و48 جندياً مالياً وفقاً لبيان الحركات المسلحة في شمال مالي). وحسب المعلومات المتوفرة، عقدت الجماعات الانفصالية والحركات المتشددة المسلحة حلفاً مشتركاً لمواجهة القوات المالية الروسية التي هاجمت إقليم أزواد على الحدود المالية الجزائرية.
  • زادت العمليات الإرهابية في منطقة تلابري بالنيجر، وذهب ضحيتها عشرات العسكريين والمدنيين، بما حمل الرئيس الحالي الجنرال عبد الرحمن تشياني إلى اتهام فرنسا بمساعدة الحركات المتشددة لضرب الاستقرار في بلاده وتأجيج الإرهاب والعنف فيها. وشكلت النيجر وحدات مختصة بحراسة المنشآت النفطية والمعدنية الحساسة يصل عددها إلى 10 آلاف فرد.
  • في شمال شرق بوركينا فاسو تزايدت العمليات الإرهابية وتركزت في مدينة مانسيلا وذهب ضحيتها في يونيو الماضي 100 قتيل في صفوف الجيش، في حين تعرَّضت بعض البنايات الحكومية في العاصمة واغادوغو لاستهداف عسكري اعتُقد أنَّه محاولة انقلابية فاشلة مدعومة من الحركات المسلحة.

 

تُمثِّل بلدان خليج غينيا امتداداً جغرافياً طبيعياً واستراتيجياً لإقليم الساحل الأفريقي (Shutterstock)

 

الجديد في الموضوع بروز مؤشرات جلية على حرص جماعة “تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء” (التابع لداعش)، و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (التابعة لتنظيم القاعدة) نقل عملياتهما إلى منطقة خليج غينيا التي هي الامتداد الجغرافي والاستراتيجي لإقليم الساحل الأفريقي. وتضم منطقة خليج غينيا الدول المطلة على الشواطئ الأطلسية في غرب القارة ووسطها، وهي في دلالتها الدنيا: ساحل العاج، وبنين، ونيجيريا، والتوغو، والكاميرون. ومنذ نهاية 2021 تعرَّضت بنين وتوغو لعدة عمليات إرهابية في المناطق الحدودية المشتركة مع بوركينا فاسو، في الوقت الذي تركز نشاط جماعة بوكو حرام في منطقة بحر تشاد الرابطة بين نيجيريا، والنيجر، وتشاد، والكاميرون. ووفق المعلومات المتداولة، تطمح الجماعات الساحلية المتطرفة لنقل عملياتها إلى شمال بنين والتوغو وساحل العاج، من أجل هدفين أساسيين:

 

الأول، الحصول على منافذ بحرية تسهل إجراءات القرصنة والتهريب، التي هي أساس الموارد المادية لهذه الحركات المسلحة.

والثاني، الوصول إلى موارد النفط والمناجم المعدنية في البلدان المذكورة.

 

اقرأ أيضاً:

 

في هذا السياق، ذكرت معلومات إخبارية موثوقة أن جماعة النصرة هاجمت في نهاية شهر يوليو المحمية الطبيعية المجاورة لنهر مكرو في شمال بنين، بما أدى إلى قتل ما لا يقل عن 12 عسكرياً وأمنياً بنينياً. وذكرت بعض المصادر أن المهاجمين استهدفوا مركز اتصال في الإقليم.

 

وكانت صحيفة “لوموند” الفرنسية قد أشارت في يناير 2024 إلى أن السلطات البنينية وضعت استراتيجية جديدة لمواجهة التطرف الراديكالي الذي تزايد منذ سنة 2019، ولهذا الغرض كوَّنت وحدة من 3500 جندي، بالإضافة إلى 1500 عنصر سيلتحقون بهم. وذكرت الصحيفة أن السلطات البنينية تستشعر خطر انتقال التهديد الإرهابي إلى إقليمي أتاكورا واوليبري بما يعرض أمن البلاد واستقرارها لتحديات صعبة.

 

وفي 20 يوليو تعرَّض إقليم كبكباكاندي في شمال توغو لهجوم مسلح من جماعة النصرة، وبلغ عدد قتلى الهجوم 12 جندياً على الأقل بالإضافة إلى عشرات الجرحى. وفق المعلومات التي أوردتها صحيفة “جون افريك”، تحاول حكومة توغو تأمين هذه المنطقة الحدودية المشتركة مع بوركينا فاسو التي تعرضت في مايو 2021 لهجوم مماثل. ووضعت السلطات برنامجاً طموحاً لتعزيز القدرات الأمنية للدولة بتمويل يزيد على مليار يورو، من شأنه أن يزيد من عدد أفراد الجيش إلى أكثر من 22 ألف عنصر.

 

انهيار أحد بلدان الساحل قد يسمح بتشكُّل محور ثابت للإرهاب في الإقليم قابل للتمدد إلى المناطق الحدودية (AFP)

 

وفي ساحل العاج، تركزت العمليات الإرهابية في شمال البلاد في إقليم كوفولو على مقربة من الحدود مع بوركينا فاسو. وأنشأت حكومة أبيدجان لهذا الغرض وحدة خاصة لمواجهة الإرهاب وأكاديمية دولية معنية بالموضوع ذاته، وأوقفت مؤخراً عدة عناصر اتهمتها بتهديد أمن البلاد.

 

وفي نيجيريا، تزايدت وتيرة الإرهاب وتركزت في شمال البلاد، حيث هاجمت جماعات بوكو حرام وتنظيم داعش إقليمي بونو وسوكوتو، مُخلفة عشرات الضحايا من السكان والجنود. وشهد إقليم بورنو في 12 أغسطس 2024 عمليات متواصلة سمحت للجيش النيجري بتصفية عناصر إرهابية في منطقة باما من إقليم بورونو.

 

هذه المعطيات كلها تؤكد حجم الخطر المتزايد التي تتعرض دول خليج غينيا، التي تواجه تنامي التحدي الإرهابي المنتقل عن طريق حدودها المشتركة مع دول الساحل.

 

مستقبل الحالة الإرهابية في منطقة خليج غينيا

بناءً على ما سبق، يمكن استنتاج عدة معطيات:

 

1) فشل استراتيجيات دول الساحل التي تحكمها أنظمة عسكرية انقلابية في القضاء على بؤر الإرهاب التي تتغذى من إشكالات سياسية واجتماعية معقدة لا يبدو أنها قابلة للحل في المدى المنظور.

 

2) لا يبدو أن دول خليج غينيا قادرة على تأمين حدودها المشتركة مع دول الساحل، خصوصاً أن العلاقات متردية ما بين دول خليج غينيا والأنظمة الحاكمة في بلدان الساحل التي تتهم الدول المجاورة لها بالضلوع في مؤامرات تستهدف أمنها واستقرارها.

 

3) لا يزال الخطر الإرهابي في دول خليج غينيا محصوراً في المناطق الشمالية المحاذية لدول الساحل، ولا تزال الجماعات الراديكالية العنيفة عاجزة عن الوصول إلى المدن الشاطئية الرئيسة التي هي محور استهدافها.

 

حتى الآن، فشلت استراتيجيات دول الساحل الأفريقي التي تحكمها أنظمة عسكرية انقلابية في القضاء على بؤر الإرهاب (AFP)

 

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن السيناريو المرجح هو استمرار التهديد الإرهابي في المناطق الحدودية المشتركة مع دول الساحل، وسيتركز في عمليات الخطف والقرصنة واستهداف القرى والتجمعات الصغيرة دون أن يصل إلى المراكز الحضرية الرئيسة. ومن شأن هذا السيناريو أن يفرض على حكومات دول خليج غينيا مضاعفة المخصصات الأمنية والعسكرية لحماية الثغور الهشَّة، وتدعيم التعاون العسكري والأمني مع القوى والمؤسسات الغربية التي تتخوَّف من تمدُّد خطر الإرهاب الساحلي إلى وسط القارة وجنوبها. إلا أن انهيار أحد بلدان الساحل (وهو احتمال قائم وإن كان غير حتمي)، وبصفة خاصة بوركينا فاسو أو النيجر، قد يسمح بتشكُّل محور ثابت للإرهاب في الإقليم قابل للتمدد إلى المناطق الحدودية، بما يزيد من فرص الجماعات الراديكالية العنيفة للانتشار في بلدان خليج غينيا. لكنّ هذا السيناريو لا يزال ضعيفاً في الوقت الحاضر.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/altahadiy-al-irhabi-almutanami-fi-mintaqat-khalij-ghinia

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M