بين هاريس وترامب: سياسات المناخ في الولايات المتحدة إلى أين؟

في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، طالب نشطاء المناخ المرشحين الديمقراطيين بشرح كيف يخططون للتعامل مع أعظم تهديد بيئي يواجه الكوكب وهو التغيرات المناخية وتوضيح سياستهم لمواجهة ذلك. ولكن في الأسابيع التي تلت صعود نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى موقع مرشحة الحزب الديمقراطي في انتخابات 2024، لم تذكر تغير المناخ إلا بشكل عابر، ولم تقدم أي تفاصيل حول الكيفية التي ستحد بها من مستويات الاحتباس الحراري الخطيرة ومواجهة تغير المناخ، رغم دعمهما لسياسة الرئيس بايدن للمناخ ومشاركتها في كثير من إجراءات استراتيجية الولايات المتحدة لتغير المناخ ودعمها لتحقيق الأهداف المناخية ومواجهة الاحتباس الحراري العالمي.

جعل الرئيس بايدن من تغير المناخ قضية رئيسية، حيث وقع على قانون بأكبر استثمارات في الطاقة النظيفة في تاريخ أمريكا، فكان أهم إجراء اتخذته إدارة بايدن حتى الآن في مجال المناخ هو توقيع قانون خفض التضخم في أغسطس عام 2022، وهو التشريع المناخي الأكثر شمولًا الذي شهدته الولايات المتحدة على الإطلاق. ويستثمر القانون حوالي 430 مليار دولار في الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية والعدالة البيئية وغير ذلك الكثير.

ولكن تمرير قانون خفض التضخم لم يكن سوى الخطوة الأولى. ففي العامين اللذين انقضيا منذ إقراره، ركزت إدارة بايدن على تطوير إرشادات الائتمان الضريبي وإطلاق برامج لتنفيذ مشروعات متعلقة بالطاقة النظيفة. والتركيز على عشرة أهداف مناخية محددة، من بينها الذي تحقق بالفعل ومنها ما هو قيد التنفيذ ومنها ما هو لا يزال بعيدًا عن مسار التحقق وهذه السياسات والإجراءات هي:

  1. هدف خفض الانبعاثات الكربون بحوالي 50% على الأقل من مستويات عام 2005 بحلول عام 2030.
  2. إقرار حزمة انتعاش اقتصادي كبيرة ذكية مناخيًا بعد كوفيد-19، من بينها قانون خفض التضخم الذي يدعم مجموعة شاملة من الحوافز المتعلقة بالطاقة النظيفة، ومعظمها من خلال الإعفاءات الضريبية التي تستمر لعقد من الزمان بدءًا من المركبات الكهربائية إلى تكنولوجيا التقاط وحجز ثاني أكسيد الكربون.
  3. معالجة الملوثات الخطيرة أو الفائقة، مثل مركبات الهيدروفلوروكربون والميثان والتي تنبعث بكميات أقل من ثاني أكسيد الكربون ولكن أثرها في الاحتباس الحراري وتغير المناخ أعلى بكثير من الانبعاثات الكربونية، وفي عام 2022، أصدرت وكالة حماية البيئة الأمريكية لوائح للحد التدريجي من مركبات الهيدروفلوروكربون، وفقًا لتوجيهات قانون الابتكار والتصنيع الأمريكي الصادر في عام 2020، كما تم إصدار خطة عمل محدثة بشأن الميثان، والتي تتضمن 50 إجراءً محددًا مدعومًا بتمويل قدره 20 مليار دولار من قانون البنية التحتية، وهو أكبر قانون يهدف للاستثمار في مشروعات البنية التحتية في الولايات المتحدة بقيمة تريليون دولار على مدى 5 سنوات من 2022-2026، والذي وافق عليه الحزبان الجمهوري والديموقراطي، وقانون الحد من التضخم والمخصصات السنوية، وكان الرئيس بايدن من بين القادة الذين أطلقوا ” تعهد الميثان العالمي ” في قمة الأمم المتحدة للمناخ 2021، كوب 26.
  4. إلزام جميع المركبات الجديدة التي تباع بعد عام 2035 بإنتاج انبعاثات صفرية. في عام 2021، حدد بايدن هدفًا يتمثل في أن يكون 50% من المركبات الجديدة التي تباع خالية من الانبعاثات بحلول عام 2030 ووقع على أمر تنفيذي يوجه الوكالات الفيدرالية لشراء مركبات خفيفة خالية من الانبعاثات بنسبة 100% بحلول عام 2027.
  5. توسيع نطاق عمليات إزالة ثاني أكسيد الكربون، وتكثيف الجهود لإزالة الكربون الموجود بالفعل في الغلاف الجوي، والاهتمام بالاستثمارات في تكنولوجيا التقاط وتخزين الكربون والحد من حرائق الغابات وغيرها من العمليات.
  6. زيادة مشاركة الكهرباء النظيفة إلى 55% بحلول عام 2025، و75% بحلول عام 2030، و100% بحلول عام 2035، ووقع الرئيس بايدن على أمر تنفيذي يلزم الوكالات الفيدرالية بشراء 100% من الكهرباء الخالية من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030.
  7. وضع معايير للأجهزة والمعدات لاستبدال الوقود الأحفوري بالكهرباء من خلال قانون خفض التضخم، وكذلك حوافز ضريبية واستثمارات لاستخدام أنظمة الطاقة الشمسية والبطاريات واستخدام المضخات الحرارية وتطبيق معايير كفاءة الطاقة.
  8. تحديد معايير أداء الانبعاثات للإسمنت والصلب والبلاستيك. حيث وجهت الإدارة الأمريكية إلى ضرورة خفض الكربون من الصناعات كثيفة الانبعاثات واستخدام الهيدروجين النظيف.
  9. إعادة القيادة الدولية للولايات المتحدة مرة أخرى. حيث انسحب الرئيس السابق دونالد تراب من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ ” إتفاقية باريس” ومنذ تولي الرئيس جو بايدن انضم مجددًا إلى اتفاقية باريس، وشارك بشكل واضح في مؤتمرات المناخ لعام 2021-2022- ووافق على إنشا صندوق الخسائر والأضرار كما وافق في مؤتمر المناخ في عام 2023 على اتفاق “الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، وتسريع العمل في هذا العقد الحاسم، وذلك لتحقيق صافي صفر بحلول عام 2050”.
  10. فرض الضرائب على الانبعاثات ومحاولة الوصول إلى تحديد قانون أو رسوم على الانبعاثات الكربونية في السلع المستوردة التي انبعاثاتها أعلى من المحلية، أو تحديد أهداف لخفض الكربون في قطاعات الاقتصاد.

لم تعلن هاريس عن سياستها المناخية الخاصة بها بعد. ولم يُذكَر الموضوع إلا نادرًا في خطاباتها، ولكن اعتبر البعض أن سياسة الحزب بشأن تغير المناخ ومواقفها السابقة في إدارة بايدن لدعم السياسات المناخية إشارة واضحة لرؤيتها الداعمة لذلك دون التعمق في التفاصيل.

تهدف رؤية هاريس البيئية إلى البناء على الإنجازات المناخية التي حققتها إدارة بايدن. ومن المتوقع أن تتجه سياساتها نحو توجيه الولايات المتحدة نحو مستقبل أكثر استدامة ومرونة. وباعتبارها عضوة في مجلس الشيوخ الأمريكي، شاركت هاريس في رعاية الصفقة الخضراء الجديدة، وهي خطة شاملة تدعو إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. ورغم أن الصفقة الخضراء الجديدة لم يتم إقرارها بعد، فتصر هاريس على أنها لا تزال ملتزمة بمبادئها. وهي تدعم فرض رسوم على الكربون لمحاسبة الملوثين وزيادة الإنفاق الحكومي على العمل المناخي.

لقد دعت هاريس باستمرار إلى فرض قوانين بيئية صارمة. كما دعت إلى فرض “رسوم تلوث المناخ” لمعاقبة الشركات مصدر الانبعاثات. وباعتبارها نائبة للرئيس، عملت هاريس على دمج اعتبارات تغير المناخ في السياسة الخارجية. وفي قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة في دبي عام 2023، أعلنت عن التزام الولايات المتحدة بمضاعفة كفاءة الطاقة وزيادة قدرة الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أمثالها بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت بتقديم 3 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر لمساعدة الدول النامية على التكيف مع تحديات المناخ. وتسلط هذه المبادرات الضوء على إيمانها بالتعاون الدولي ودعم السياسات المناخية العالمية.

لسنوات شكك ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية في الإجماع العلمي على الاحتباس الحراري بسبب حرق الوقود الأحفوري. ومؤخرًا، رفض التهديد المتمثل في ارتفاع مستويات سطح البحر والتغيرات المناخية وتداعياتها المتوقعة. بل إنه وعد بإلغاء اللوائح البيئية وإطلاق العنان لصناعة النفط والغاز. علاوة على ذلك، شكل ناشطون ومسئولون سابقون في إدارة ترامب بناء مشروع مبادرة تسمى مشروع أجندة 2025. ويدعو المشروع إلى إلغاء البرامج الفيدرالية التي تعالج تغير المناخ وإلغاء القوانين التي تدعمها إدارة بايدن والتي تمنح مليارات الدولارات في شكل تمويل وحوافز ضريبية للشركات والمجتمعات لتبني الطاقة المتجددة، وخفض الانبعاثات.

 ويعلن مشروع أجندة 2025، أن الإدارة المحافظة القادمة بحاجة إلى “وقف الحرب على النفط والغاز الطبيعي ودعم سياسة الطاقة “. وتتضمن توصيات الأجندة ما يلي:

  • منع الجهات التنظيمية الفيدرالية من النظر في التأثير الاقتصادي لانبعاثات الكربون.
  • إلغاء مكتب كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة ومكتب برامج القروض التابع لوزارة الطاقة، والذي يمول مشاريع الطاقة والتصنيع المتطورة.
  • إزالة معايير كفاءة الطاقة للأجهزة.
  • إنهاء الدعم للسيارات الكهربائية.
  • انسحاب البلاد من مبادرات الإنتاج الغذائي المستدام.
  • وإلغاء سياسات المناخ من برامج المساعدات الخارجية.
  • إلغاء مبادرات بايدن المناخية: قانون خفض التضخم وقانون الاستثمار في البنية التحتية.

قد يؤدي فوز ترامب بولاية ثانية إلى إبطاء تحول البلاد بعيدًا عن الوقود الأحفوري. ومع ذلك، فإن أي تأخير في الحد من تغير المناخ يشكل تهديدًا عالميًا؛ لأن العالم يحتاج إلى التحرك بشكل أسرع بكثير مما هو عليه الآن للحد من الآثار المتفاقمة للاحتباس الحراري العالمي. كان العام الماضي هو الأكثر سخونة على الإطلاق، ومن المحتمل أن يكون العقد المقبل أكثر سخونة. ويؤدي هذا الاحتباس الحراري إلى موجات حرارة وعواصف وحرائق غابات وفيضانات تؤدي إلى نزوح وإصابة وقتل الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم، فضلًا عن الأضرار الاقتصادية التي تقدر بالمليارات.

وفي النهاية إن إدارة ترامب الثانية إذا استمرت على النهج نفسه للولاية الأولى واستمرار تراجع الإجراءات والسياسات البيئية، فمن المؤكد أن الجماعات البيئية لن توافق على هذه الإدارة، وسيكون من الصعب على ترامب أن يقود أسواق الطاقة الأمريكية في اتجاه مختلف تمامًا، أو أن يغير الطريقة التي تتعامل بها الشركات مع تغير المناخ.

إن انتخابات عام 2024 تشكل منعطفًا حاسمًا لمستقبل سياسة المناخ الأمريكية، وذلك على الرغم أن هاريس لا تذكر توجهها أو سياستها المناخية كثيرًا أو بشكل مفصل في خطابتها ومع ذلك فإن مؤيديها والداعمين لها ونشطاء المناخ راضون عن ذلك، ويتوقعون مستقبلًا داعمًا لحماية الكوكب.

 

المصدر : https://ecss.com.eg/47854/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M