مصير المفاوضات النووية الإيرانية في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية

على الرغم من توقف المفاوضات الخاصة ببرنامج إيران النووي في فيينا منذ حوالي عامين، إلا أن الجهود الأمريكية والغربية لتقييد الأنشطة النووية الإيرانية لم تنقطع. إذ جرت بوساطة إقليمية خلال الأشهر الماضية مباحثات غير معلنة بين الأمريكيين والإيرانيين من أجل إيقاف عجلة التقدم النووي الإيراني؛ خاصة بعد وصول طهران إلى حد تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% واقترابها بالتالي من “العتبة النووية” التي تعني إمكانية تصنيعها سلاحًا نوويًا.

وفي الوقت نفسه، قادت جهود الحزب الديمقراطي الأمريكي وإدارة “بايدن – هاريس” في الولايات المتحدة، الرامية لضمان الفوز بولاية رئاسية ثانية، إلى عدم دخول واشنطن في مفاوضات علنية مباشرة أو اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن المفاوضات النووية مع إيران، بل تم تعليق هذه المباحثات منذ سبتمبر 2022 وحتى الآن والاكتفاء بالاجتماعات أو الرسائل غير المباشرة. وهو وقت وظفته طهران جيدًا لصالح أنشطتها النووية.

وفي الواقع، لا تزال الإدارة الأمريكية حذرة في التعامل مع هذا الملف وحسمه؛ ذلك لأن توصل واشنطن لاتفاق نووي مع إيران بالصيغة التي تم التوصل إليها في عام 2022 ومع منحها امتيازات لطهران لن يخدم أجندة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، كما أن ترك الملف النووي الإيراني بشكل كامل دون حتى الانخراط في مفاوضات غير مباشرة أو الإدلاء بتصريحات مضادة أو فرض عقوبات جديدة في هذا الصدد سوف يضر أيضًا بالأهداف الانتخابية للحزب الديمقراطي وسيكون هدية ثمينة للمرشح الجمهوري المنافس دونالد ترامب.

لذا، فقد تُرك هذا الملف داخل الولايات المتحدة إلى حين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الستين التي ستُعقد في 5 نوفمبر 2024.

وقد صيغت هذه المعادلة الراهنة في ظل انفتاح إيراني واضح وإقبال على الانخراط مجددًا في المفاوضات النووية مع الغرب مع تولي حكومة جديدة من الإصلاحيين الحكم في البلاد، وتولي الدبلوماسي والمفاوض النووي البارز عباس عراقجي حقيبة الخارجية، وتأكيده على انفتاح بلاده على هذا الأمر، وذلك قبل منح المرشد الأعلى، علي خامنئي، يوم 27 أغسطس الماضي الضوء الأخضر للحكومة الجديدة للبدء في المفاوضات مرة أخرى.

وفي ضوء ذلك، نتطرق فيما يلي لمستقبل هذا الملف مع الأخذ في الحسبان احتمالات فوز أحد المرشحَين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطية نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس.

عودة لسياسة الضغط القصوى: مستقبل المفاوضات النووية الإيرانية في ظل احتمالية فوز ترامب

عبر المرشح الجمهوري الأمريكي، الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، في أكثر من مناسبة مؤخرًا عن رغبته في إحياء المفاوضات النووية وقال إنه لا يسعى إلى “معاداة” طهران ولكنه لن يسمح لها بـ “امتلاك سلاح نووي”، موضحًا أن هذا الأمر “خط أحمر” لإدارته المحتملة.

وفي الواقع، لا يرفض ترامب التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يحد من أنشطتها ذات الصلة ويمنع توصلها إلى سلاح نووي، حسب تأكيداته، إلا أنه لا يقبل في الوقت ذاته ما يسميها الشروط والامتيازات الإيرانية في مثل هذه المفاوضات. إذ كان الدافع الرئيس وراء خروج ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018 رؤيته له أنه يخدم إيران وأن “الصفقة ضعيفة” ولم تؤد إلى “جلب الهدوء والسلام” وأنها منحت إيران الحق في التخصيب النووي والوصول لاحقًا إلى مستويات أكبر.

لقد انتقد ترامب أغلب بنود الاتفاق التي ربطها أيضًا بحالة الاستقرار الأمني والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، التي قال بشأنها إن الاتفاق النووي منح إيران مليارات الدولارات لاستخدامها في دعم وكلائها ودعم قواتها العسكرية وبالتالي تعزيز الحضور الإقليمي.

وبعد ذلك، لجأ الرئيس الأمريكي السابق إلى فرض أكبر سلسلة من العقوبات الاقتصادية الأجنبية في تاريخ إيران فيما سُمي بـ “سياسة الضغط القصوى” التي لم تثمر على الأرض عن النتائج المرغوبة، بل قادت إلى حالة من الأمر الواقع “De Facto” الجديد تمثل في دخول البرنامج النووي الإيراني مرحلة جديدة متطورة للغاية يجري فيها تخصيب كميات من اليورانيوم بنسبة لم يسبق لها مثيل وصلت إلى 60% بعد أن كانت 3.67% طبقًا للمنصوص عليه في الاتفاق النووي لعام 2015، فضلاً عن استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً وعدداً.

وعند الحديث عن مستقبل المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب في حالة فوز ترامب بالرئاسة مرة ثانية، فإننا يمكننا القول بوضوح إن ترامب يعتزم تكرار سياسة الضغط القصوى تجاه إيران، ليس لرفضه التوصل إلى اتفاق نووي، بل لرغبته في إبرام اتفاق نووي بشروطه ورؤيته الخاصة التي تحاول منح أقل عدد من الامتيازات لطهران وفي الوقت نفسه تحجيم نشاطها العسكري في الإقليم وقدراتها العسكرية الداخلية، وهي أمور لا يُتوقع أن تقبل بها إيران.

فقد دعا ترامب كثيرًا إلى إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران يشمل برنامجها الصاروخي وأنشطتها العسكرية الإقليمية، علاوة على برامج المسيرات مؤخرًا، أي أن الرئيس الأمريكي السابق يريد اتفاقًا شاملًا وليس فقط اتفاقًا نوويًا مع طهران؛ إذ أن الضغوط والعقوبات الاقتصادية الجمة التي فرضتها الإدارة الجمهورية السابقة في الولايات المتحدة لم تكن تهدف فقط لكبح الجماح النووي الإيراني، بل للحد من قدراتها العسكرية بما تشمله من برامج المعدات العسكرية والحضور الإقليمي ودعم الوكلاء في المنطقة.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، فإن إبرام اتفاق نووي بين إيران، التي تسعى للتوصل إلى ذلك خاصة مع تولي الإصلاحيين الحكم والضوء الأخضر من جانب خامنئي، والولايات المتحدة في عهد ترامب المحتمل، سيمر بعقبات وعوائق كثيرة قد تجعل في برهة من الوقت إمكان عقد مثل هذا الاتفاق أمرًا غير ممكن.

اتصالاً بذلك أيضًا، فإن الحرب الجارية في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 وتصاعد المواجهة الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل ودخولها مسارًا غير متوقع من الصدام المباشر واتهام إسرائيل أيضًا طهران بدعم الوكلاء المنخرطين في حرب ضد إسرائيل منذ أشهر طويلة، كل ذلك سوف يعيق أكثر من إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي في عهد ولاية جديدة محتملة لترامب؛ لأنه سوف يضفي المزيد من التوترات بالأساس على العلاقات والتفاعلات الإيرانية الأمريكية.

وفي إطار مثل هذا السيناريو، المتمثل في المزيد من التوتر في العلاقات بين طهران وواشنطن وعدم التوصل لاتفاق نووي في ظل تقدم ملموس في البرنامج النووي الإيراني، قد تتمكن إسرائيل من تحقيق هدفها المنشود من وراء التصعيد الاستراتيجي الأخير مع طهران والذي بدأته بتوجيه ضربات وهجمات مباشرة للأراضي الإيرانية كان أولها مهاجمة القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل 2024 ومن ثم توجيه ضربات عسكرية للداخل الإيراني في 19 أبريل 2024، وهو توجيه ضربات مباشرة للقدرات النووية والصاروخية الإيرانية داخل الأراضي الإيرانية نفسها بالتعاون مع الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

وعليه، يبقى التساؤل هنا بشأن طريقة تعاطي إيران المحتملة مع هذا السيناريو، وهو سؤال قد نجد له جوابًا في تأخر الرد الإيراني حتى الآن على العملية التي نسبت طهران تنفيذها لإسرائيل واغتيل خلالها رئيس المكتب السياسي السابق لـ “حماس”، إسماعيل هنية، في قلب طهران.

حيث قد تقبل إيران أو تتوصل إلى حل وسط مع إدارة محتملة لترامب؛ وذلك قبل يوم 18 أكتوبر 2025 لعدم عودة إعمال آلية الزناد في التعامل مع طهران، والتي تعني فرض العقوبات الدولية تلقائيًا على طهران، وهو أمر قد تحاول إيران تجنبه لعدم تأثيره على حالة اقتصادها الذي يعاني المشكلات وبالتالي لعدم تأثيره على مدى الاستقرار السياسي في الجمهورية الإسلامية التي تعيد الآن ترتيب البيت الداخلي انتظارًا لعهد جديد بات من المعروف أنه يحمل اسم “مرحلة ما بعد خامنئي”.

مستقبل أكثر تفاؤلاً: المفاوضات النووية الإيرانية في ظل احتمالية فوز هاريس

وعلى النقيض من ترامب، يُتوقع أن يصبح مستقبل المفاوضات النووية الإيرانية مع الولايات المتحدة والغرب أكثر تفاؤلاً إذا فازت المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. إذ تبدي هاريس آراء متشابهة إلى حد كبير مع الإدارات الديمقراطية السابقة ومع الرئيس الحالي جو بايدن، وخاصة فيما يتعلق بنهجه إزاء البرنامج النووي الإيراني.

ويرجح إذن أن تنخرط إدارة محتملة لهاريس في مفاوضات جدية مع إيران هدفها منع طهران من صنع السلاح النووي على غرار ما أعلنه بايدن في بداية ولايته الرئاسية في 2021 وقبل ذلك خلال حملته الانتخابية. وقد تعزز فرص التوصل لاتفاق نووي في عهد هاريس إقبال إيران بالأساس على هذا الأمر وإعلان خامنئي الصريح المشابه الذي أعطى الضوء الأخضر للمفاوضات، وهي تصريحات شبيهة بتلك التي أدلى بها قبل التوصل لاتفاق 2015 ودفعت الحكومة الإصلاحية السابقة للانخراط الجاد في المباحثات النووية مع الغرب بغية التوصل لاتفاق نووي.

ومع ذلك، تطرح حرب غزة والتصعيد الإيراني الإسرائيلي معادلة صعبة وقد تضع ضغوطًا على إدارة هاريس المحتملة فيما يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران، ولكن مثل هذه العوائق ستكون أقل تأثيرًا في عهد هاريس عند مقارنتها بعهد ترامب، كما أن سعي هاريس لمنع امتلاك إيران سلاحًا نوويًا سيمثل نتيجة مرضية لإسرائيل وللدول الأوروبية الأخرى أيضًا التي بات قلقها ظاهرًا للغاية خلال الأشهر الأخيرة إزاء التطورات النووية في إيران.

الاستنتاج

على الرغم من حالة التفاؤل المتوقعة حيال التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية إذا فازت هاريس بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلا أن التحول في استراتيجية الصراع الإسرائيلي الإيراني مؤخرًا يطرح نفسه بقوة أمام أي احتمالات للتوصل إلى اتفاق نووي. فعلى ما يبدو، باتت إسرائيل تضع خيار التعامل العسكري مع البرنامج النووي الإيراني كأولوية أولى أو ربما وحيدة وهي تسعى إلى خلق حالة وظروف إقليمية يصبح فيها تعامل القوى الدولية عسكريًا مع البرنامج النووي الإيراني الخيار المفضل أو “الخيار الإجباري”.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/82374/

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M