أردوغان والسيسي… محطة جديدة في “التطبيع الإقليمي”

في الرابع من سبتمبر/أيلول، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأول زيارة رسمية له إلى تركيا منذ توليه السلطة، وكان في استقباله في مطار أنقرة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي رحب به بحرارة، ووصفه بعبارة “أخي الموقر”.

ترأس الزعيمان الاجتماع الافتتاحي لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى المعاد هيكلته، وهو هيئة أنشئت خلال زيارة أردوغان للقاهرة في فبراير/شباط ، وشكلت خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية بعد سنوات من العلاقات المتوترة.

كانت العلاقات بين تركيا ومصر قد تدهورت بشكل حاد، منذ عام 2013، حين تبنى الرئيس أردوغان موقفا صارما ضد الرئيس السيسي، ورفض التعامل معه في المحافل الدولية. وفعل السيسي الأمر نفسه تجاه أردوغان. واتهمت مصر تركيا بالتدخل في شؤونها الداخلية، وتلى ذلك تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 عندما أعلنت مصر أن السفيرَ التركي في القاهرة “شخص غير مرغوب فيه”، ما جعل أنقرة تتصرف بالمثل.

غير أن سنوات من العزلة الإقليمية دفعت تركيا إلى تغيير نهجها الدبلوماسي، بعد توتر علاقاتها مع جميع القوى المؤثرة في المنطقة تقريبا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فقررت الاستدارة الكاملة في دبلوماسية الرئيس أردوغان، وبدأت جهود التطبيع مع مصر والدول الإقليمية الأخرى، بدءا من عام 2020. وكجزء من هذه العملية، رُفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مرة أخرى إلى مستوى السفراء بعد انقطاع دام 10 سنوات وقام الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية إلى مصر في 14 فبراير 2024.

ووقع البلدان أمس في أنقرة، 17 اتفاقية، بما فيها اتفاقيات في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والسياحة. وفي المؤتمر الصحافي الذي أعقب اجتماعهما، أكد الرئيسان على العلاقات التاريخية بين بلديهما وشددا على أهمية وإمكانات التجارة والاقتصاد، فضلا عن السياحة. وأكدا على أنهما يبغيان رفع حجم التجارة بينهما إلى 15 مليار دولار، في مقابل 6 مليارات دولار عام 2023.

ومعروف أن كلا من تركيا ومصر من الوجهات السياحية المفضلة في العالم، ويمكن دعم السياحة في البلدين وزيادة حصتيهما في سوق السياحة العالمية من خلال عروض حزم سياحية جذابة تدمج الوجهتين في رحلة واحدة، كما كانت الحال قبل انهيار العلاقات.

 

معروف أن كلا من تركيا ومصر من الوجهات السياحية المفضلة في العالم، ويمكن دعم السياحة في البلدين

 

 

ومن ناحية أخرى، تُظهر كل من تركيا ومصر اهتماما كبيرا بجذب الاستثمارات الأجنبية، ولكن هذا التوجه قد يحمل طابعا تنافسيا أكثر من كونه تعاونيا.

وأبدى الجانبان اهتمامهما بالتعاون في مجال الدفاع، إلا أنهما لم يوقعا على أي اتفاق عسكري، ولا يعني هذا بالضرورة عدم وجود اهتمام مشترك في قضايا الدفاع، بقدر ما يعني أن الأمور بحاجة إلى مزيد من النضج.

 

أ ف ب أ ف ب

الوفدان المصري والتركي أثناء المحادثات في المجمع الرئاسي التركي في أنقرة في 4 سبتمبر 

وفي مجال الطاقة، كان هناك اتفاق بين تركيا ومصر لاستكشاف إمكانيات التعاون في المستقبل.

وفيما يتصل بالقضايا الإقليمية والدولية، هيمن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني كما هو متوقع على مناقشات الزعيمين، وخاصة تصرفات إسرائيل الأخيرة في غزة والضفة الغربية. وكانت تصريحات الرئيسين بشأن هذه القضية متوقعة إلى حد كبير.

وتدرك تركيا الموقف الفريد لمصر في هذا الصراع بسبب قربها من غزة، ودورها المركزي في العالم العربي، وعلاقاتها الراسخة مع إسرائيل. والمعروف أن المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المساعدات من تركيا، تُرسل إلى غزة عبر مصر، التي تعمل أيضا كوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، في حين تحرص تركيا على تعزيز التعاون مع مصر، فإن ثمة اختلافات ملحوظة في نهجهما تجاه “حماس”، حيث يبدي الرئيس أردوغان تعاطفه مع الحركة، وهو الموقف الذي يختلف فيه على نطاق واسع مع الكثيرين في المنطقة، وخاصة في مصر.

صحيح أن الرئيسين أردوغان والسيسي أعلنا أن لتركيا ومصر موقفا مشتركا بشأن القضية الفلسطينية، ولكن إذا استثنينا الدعوة المشتركة لإنهاء العدوان الإسرائيلي ودعم حل الدولتين والجهود المبذولة لإرسال المساعدات الإنسانية دون عوائق، فإنه لا ينبغي توقع الكثير بشأن تعاون تركي مصري أعمق في هذا المجال.

وفي ما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية الأخرى، أشار الزعيمان إلى ليبيا وسوريا والقرن الأفريقي والسودان وأكدا على أهمية العمل المشترك ومنع الأزمات الإنسانية.

تُعَد مصر الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا، وتتقاسم الدولتان الكثير من المصالح السياسية والأمنية، مما يوفر فرصا للتعاون أحيانا والتنافس في أحايين أخرى. وكانت ليبيا إحدى المناطق الرئيسة للصراع في الماضي، حيث وجدت تركيا ومصر نفسيهما على جانبين متعارضين حتى بدأت العلاقات في التطبيع. والآن، في هذه المرحلة الجديدة من علاقتهما، لديهما القدرة على التعاون في تحقيق الاستقرار في ليبيا، التي لا تزال تشهد توترات دورية.

وفي منطقة القرن الأفريقي، تتقاطع مصالح تركيا ومصر، وخاصة في إثيوبيا والصومال وأرض الصومال. وفي حين تحافظ الدولتان على علاقات إيجابية مع الصومال، تظل علاقات مصر مع إثيوبيا متوترة بسبب النزاع الطويل الأمد حول سد النهضة الإثيوبي الكبير. ويمكن لتركيا، التي سهلت المفاوضات بين إثيوبيا والصومال في الماضي، أن تلعب دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا إذا كانت القاهرة منفتحة على مثل هذا الدور.

ومن الجدير بالذكر أن الرئيسين أردوغان والسيسي لم يجيبا على أسئلة الصحافيين خلال المؤتمر الصحافي المشترك، وقد يُعزى هذا الإجراء غير المعتاد إلى رغبة الجانبين في تجنب الكشف عن خلافات قد تؤثر على أجواء العلاقات الإيجابية التي ما زالت في طور التكوين.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/322114/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D8%B7%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M