فشل رجال الأعمال في السلطة

أظهرت خلاصة أبحاث البروفسور ياشا مونك، أستاذ العلوم السياسية في جامعتي هارفارد وهوبكنز، أن ثقة الناس في الديمقراطيات الغربية قد تراجعت بسبب إخفاق أجهزتها في التوصل إلى قرارات مناسبة في الأوقات الحرجة، إقتصاديا وماليا واجتماعيا، مما دفع الرأي العام إلى المطالبة بقادة من طينة مغايرة قادرين على مواجهة المشاكل الاقتصادية خصوصا بسياسات ناجعة.

البحث عن القادة المنقذين اتجه إلى عالم الأعمال لانتقاء المميزين منهم، للاعتقاد أن في إمكان رجل الأعمال الناجح في مؤسسته حل المشاكل التي هي من طبيعة تستعصي على السياسيين التقليديين. وعلى هذا الأساس تم اختيار سيلفيو برلوسكوني في إيطاليا، وبيتزينا إيفانيشفيلي في جورجيا، وسباستيان بينيرا في تشيلي، وتاكسين شينافاترا في تايلاند، ومارك رافالومانانا في مدغشقر، وباتريس تالون في بنين، ومويز كاتومبي في الكونغو، ورفيق الحريري في لبنان، وغيرهم.

من عالم المنافسة إلى المسؤولية

الظن بأن الاستعانة برجال الأعمال هو الحل الأنجع للخروج من الأزمات، يعوزه عمق أكبر في التحليل. ذلك أن الضغوط التي تعمل لإفشال قادة الأعمال في السياسة عديدة ومتنوعة. فالقيادة ليست بالضرورة قابلة للتكرار من شركة إلى أخرى، وتاليا من مجال إلى آخر. وهناك صعوبة بمكان الاقتناع بأن من أمضى حيزا مهما من نشاطه في متابعة مصالح خاصة أن ينقلب بين ليلة وضحاها للعمل في الشأن العام، فقد يكون تدني الكفاءات التشغيلية للحكومة سببا لابتعاد رجل الأعمال عن السلطة إراديا، كما حصل مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “إكسون موبيل”. كذلك تتسع دائرة المصالح المطلوب تلبيتها في العمل السياسي، وتتناقض أحيانا، بعكس الشركات الناجحة، حيث هي غالبا من قبيل الديكتاتوريات.

 

كان إبن خلدون قد حذر باكرا من خطورة اجتماع التجارة والحكم، إذ إن هذا الأمر سيؤدي في نظره إلى فساد الحكم والتجارة معا

 

 

وهناك اختلاف في النظرة إلى الأخطار، فهي فرصة لزيادة الأرباح والتقدم في المنافسة في مجال الأعمال، لكنها مسؤولية في السياسة. أيضا، غالبا ما تكون السلطة أداة لتحقيق منافع خاصة استثنائية لرجال الأعمال على حساب العموم، كالخفوضات الضريبية الكبيرة للرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب عام 2017،  ففوائدها ذهبت إلى الأثرياء وأدت في المقابل إلى زيادة العجز وعدم المساواة وارتفاع معدلات التضخم من دون تحفيز الاستثمار. وكان إبن خلدون قد حذر باكرا من خطورة اجتماع  التجارة والحكم، إذ إن هذا الأمر سيؤدي في نظره إلى فساد الحكم والتجارة معا.

تألق نادر

رجال الأعمال الذين تألقوا في العمل السياسي نوادر، يتقدمهم الملياردير ميكاييل بلومبرغ، عملاق الخدمات المالية والإعلام العالمي، الذي وصفت ولاياته الثلاث كرئيس لبلدية مدينة نيويورك بالناجحة، ونائب رئيس الحكومة الانكليزية ميكاييل هيسلتين. في المقابل، انتهى غالبية رجال الأعمال بالفشل في تحقيق المرتجى من استقدامهم إلى الحكم “فكل ملياردير هو مشروع سياسي فاشل”، بحسب تقرير منظمة “أوكسفام” لعام 2023.

 

أحد نماذج فشل رجال الأعمال الراهنة تجربة الملياردير رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي

 

 

أفضل مثل على ذلك، الملياردير اللبناني (رئيس الحكومة) نجيب ميقاتي الذي استدعي ليترأس حكومة إنقاذ لبلاده من أزمتها المالية العميقة، فكان مشروعه الأولي كارثي، إذ أقدم على شطب الشطر الذي يفوق المئة ألف دولار من كل وديعة مصرفية.

وقد تم تعديل هذا الاقتراح بالشكل لا بالمضمون تحت ضغط الاعتراض عليه، وذلك بطرح تحويل الشطر الآنف الذكر إلى أسهم في مصارف “زومبي” أو سندات تستحق بعد عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن. وكانت هناك اعتراضات منذ البداية على تولي ميقاتي الحكم قبل نحو ثلاث سنوات، فهو يحوز وعائلته مساهمة وازنة في أحد المصارف اللبنانية، وذلك موضوع جدال قانوني أمام القضاء الأجنبي، وكان سبق له ان استفاد والعائلة من قروض سكنية مدعومة لشراء عقارات في أرقى مناطق بيروت.

الوراثة السياسية مع الثروة

طرحت أيضا فكرة استقدام المديرين الكبار في المؤسسات الناجحة بدلا من قادتها عند اتخاذ القرار، اعتقادا بضرورة رفد السياسيين بمهارات من قطاع الأعمال. لكن الإنحسار الأخير والكبير في شعبية حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القادم من مصرف روتشيلد الاستثماري، أثبت عدم صوابية المقولة.

 

يمكن التحوط من أخطار استقدام رجل الأعمال إلى السلطة، بإلزامه إبرام عقد ائتمان، يتنازل فيه عن حقه القانوني لا الاقتصادي، بإدارة واستثمار ذمته المالية إلى مؤتمن معتمد

 

 

وإذا كانت حجج استقدام الرعيل المكافح في تكوين المشاريع الناجحة إلى السلطة لحل الأزمات، مقبولة إلى حد ما، فما هي الحجج التي يمكن سوقها لاستمرار أبنائهم في الحكم في المجتمعات التي تدين الوراثة السياسية والاقتصادية، مع الثروة المالية، خصوصا عندما تثبت الممارسة إخفاقا فاضحا وكارثيا لهؤلاء، كما حصل في لبنان مع مسؤولين سابقين وأبنائهم.

يمكن التحوط من أخطار استقدام رجل الأعمال إلى السلطة، بإلزامه إبرام عقد ائتمان، يتنازل فيه عن حقه القانوني لا الاقتصادي، بإدارة واستثمار ذمته المالية إلى مؤتمن معتمد، على أن يتم إعلان الذمة  لدى هيئة عليا لمراقبة شفافية الحياة العامة، للتأكد من صدقيتها قبل إعلانها للجمهور على النحو المتبع في عدد من الدول المتقدمة. وتتم مصادرة أي تضخم في الذمة المالية يتعدى متوسط معدل النمو العام في الأعمال خلال ولاية الحكم لصالح الدولة.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/322146/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D9%81%D8%B4%D9%84-%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M