ثلاثي التطرف الإسرائيلي إلى أين؟

بعد انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين التي حصلت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تم تشكيل الحكومة السابعة والثلاثون التي تعد أكثر الحكومات بتاريخ إسرائيل تطرفًا برئاسة بنيامين نتنياهو وتشكيل الائتلاف الحكومي اليميني الصهيوني المتطرف، من كتلة “الصهيونية الدينية” برئاسة عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش الذي أصبح فيما بعد وزير المالية، والوزير الثاني في وزارة الحرب الإسرائيلية، وكتلة “عوتصما يهوديت” برئاسة عضو الكنيست إيتمار بن غفير الذي شغل منصب وزير الأمن القومي بنفس الحكومة التي تم الإعلان عن تشكيلها في 29كانون الأول/ديسمبر2022.

وأصبحت الحكومة مكونة من مثلث التطرف والإرهاب، الذي يقوده نتنياهو ومعه في تنفيذ مخططات إسرائيل الكبرى في المنطقة كل من بن غفير وسموترتش، وهؤلاء الثلاثي السرطاني مجتمع على إنهاء القضية الفلسطينية، وهذا ما اعترف به نتنياهو بأنه على مدار ثلاثة عقود وهو يمنع ويحبط إقامة دولة فلسطينية؛ وهي الحكومة التي قامت في إعادة الاستيطان من خلال قرار الكنيست بإلغاء فك الارتباط الذي نفذه رئيس الوزراء أرئيل شارون عام 2005 في شمال الضفة، ولكن عملت الحكومة الإسرائيلية على قرار العودة إلى مستوطنات الشمال في آذار/مارس 2024، وهذه الحكومة فتحت المجال لعودة المستوطنة الأولى “حومش” المقامة على أراضي قريتي برقة وسيلة الظهر في شمال الضفة، كما تعمل على إعادة المستوطنات الأربع المتبقية، كما شرعت عشرات البؤر الاستيطانية ومنحت المستوطنين الحرية المطلقة باستهداف الشعب الفلسطيني من خلال القتل، حيث استشهد أكثر من عشرين مواطن فلسطيني على يد المستوطنين، وتم حرق قرى (حوارة وترمسعيا وجيت والمغير وغيرها) بحماية الجيش الإسرائيلي.

فهذه الحكومة ذات الرؤوس الثلاث تعمل على مبدأ المصالح السياسية الحزبية، وهذا ما يتأكد من موقفهم من الحرب على القطاع منذ أكثر من335 يومًا؛ ورفضهم إتمام الصفة، فنتنياهو يريد الاستمرار في الحرب لمصالحه السياسية المتمثلة في البقاء على رأس الائتلاف الحكومي الذي يضمن له عدم المحاكمة على الملفات الجنائية القديمة ما قبل السابع من أكتوبر، وعلى كل ملفات الفشل في السابع من أكتوبر والخسائر البشرية والمادية الكبيرة. وكل من سموترتش وبن غفير يريدان تنفيذ خططهم في الضفة وبالتحديد بالقدس والاستيطان وتعذيب وقتل الأسرى الفلسطينيين وصولًا لترحيل الشعب الفلسطيني من الضفة.

فهدف رأس هذه الحكومة واليمين تطبيق فكرهم الأيدلوجي باحتلال القطاع والضفة وإعادة الاستيطان والعودة إلى ما قبل 2005 مع عدم تحمل أعباء الشعب في القطاع والضفة (التعليم والصحة وغيرها)؛ مع حكم مدني أقل من حكم ذاتي، وهذا ما تأكد في نهاية آب/أغسطس 2024، من خلال تعزيز السيطرة الإسرائيلية على غزة، عبر تعيين مسؤول عن الإدارة المدنية للقطاع بقيادة العميد إلعاد غورين، وهذا يعني أن إسرائيل تنصلت من اتفاقية أوسلو وتحولت في سياستها في القطاع والضفة إلى السيطرة المباشرة وغير المباشرة مما يحد من صلاحيات السلطة ويعزز الهيمنة الاحتلالية على مناطقA؛ مما سيؤدي إلى تداعيات عميقة على الحقوق السياسية والاقتصادية وينهي خيار الدولة الفلسطينية المستقبلية. مما لا شك فيه أن خطاب نتنياهو في 2أيلول/سبتمبر2024، الذي عرض فيه خارطة بلا الضفة الغربية وشطب مناطق السلطة الفلسطينية عن الخارطة يعني تم شطب أوسلو وجميع تسميات مناطق ” أ و ب ” وهذه الخطوة الأولى العلنية بضم الضفة لحين قدوم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب لتنفيذ ذلك فعليًا؛ وفي 4أيلول/سبتمبر 2024، في مؤتمره الصحفي عندما عرض الخارطة الجديدة وقال حدود إسرائيل من النهر إلى البحر.

أما الرأس الثاني، المتجسد في المتطرف سموتريتش الذي يعيش هو نفسه في مستوطنة بالضفة المحتلة ويعتنق نظرية النقاء اليهودي بين النهر والبحر، هو المسؤول الثاني عن الدمار الحاصل في الضفة؛ فمنذ أن أصبح وزيرًا للمالية في حكومة الحرب على الشعب الفلسطيني عمل على إقرار العديد من القوانيين التي تجرد السلطة الفلسطينية من أموال المقاصة، فقد أقر قانونًا خطيرًا في حزيران/يونيو 2024، يفتح المجال أمام عائلات القتلى الإسرائيليين برفع دعاوى تعويض من أموال المقاصة؛ وقررت الحكومة الإسرائيلية أنه يحق لكل قتيل إسرائيلي عشرة مليون شيقل وكل جريح نصف المبلغ. وهناك ما يقارب من مئتي عائلة إسرائيلية ترفع دعاوى بمعنى أن جميع الأموال المحتجزة من قبل إسرائيل لا تغطي هذا التعويض. فهذا الاقتطاع الأخير سبقه اقتطاع الأموال المخصصة من الحكومة الفلسطينية لقطاع غزة ففي تشرين الأول/أكتوبر 2023، تم إقرار هذا القانون وحتى منتصف السنة الجارية تجاوزت هذه الاقتطاعات ملياري شيقل؛ بالإضافة إلى الأموال المخصصة لأسر الشهداء والأسرى والجرحى منذ شباط/فبراير 2019 وحتى آب/أغسطس 2024 ما يقارب من أربع مليار شيقل؛ مع العلم أنه هناك العديد من القوانين شرعت للاقتطاعات وحجز الأموال وحتى العملاء تم اقتطاع تعويض لهم من أموال المقاصة وتم حجز جميع عائدات المعابر ليصل حجم الاقتطاع والحجز الكلي للأموال ما يقارب من اثني مليار دولار؛ كل ذلك يلغي حتى فكرة السلام الاقتصادي، أي لا سلام ولا اقتصاد ولا سلطة فلسطينية.

وتأسيسًا على ذلك يأتي دعمه اللامحدود للاستيطان، يمكن القول بأنه يصب جل جهوده لتطبيق أيدولوجيته التوراتية في السيطرة الكاملة والشاملة على فلسطين وبالتحديد الضفة حيث صرح أنه ينوي إقامة مستوطنة مقابل كل اعتراف في الدولة الفلسطينية، وقد عمل مع العديد من الوزراء على تشريع العشرات من البؤر الاستيطانية ودعوا المستوطنين إلى حرق حوارة وغيرها من القرى الفلسطينية وهذا ما حصل ومازال يحصل يوميًا ويدعوا للقيام في مجازر للضغط على الفلسطينيين للهجرة من الضفة.

ولابد من الإشارة إلى أن سموتريتش وخلال لقاء مع مجموعة من المستوطنين في 9 حزيران/يونيو 2024، قال إن “حكومة بنيامين نتنياهو منخرطة في خطة سرية لتغيير الطريقة التي تحكم بها الضفة، لتعزيز سيطرة إسرائيل عليها بشكل لا رجعة فيه، بدون اتهامها بضمها رسميا”، والهدف الرئيسي لهذه الخطة هو منع الضفة من أن تصبح جزءا من الدولة الفلسطينية. ويتضح من هذا التسجيل الصوتي لسموتريتش أنه وضع خطة واضحة لانتزاع السيطرة على الضفة بالتدريج من أيدي الجيش الإسرائيلي وتسليمها إلى موظفين مدنيين يعملون تحت إمرته في وزارة الحرب، وتم بالفعل نقل بعض السلطات إلى المدنيين.

والرأس الثالث، والمتمثل في رأس الإرهاب بن غفير، وهو أحد المستوطنين في الخليل، وهو يدعوا علنيًا إلى تشجيع الاستيطان في غزة والضفة، ويطالب الفلسطينيين بالهجرة الطوعية وهذا صدر عنه في حزيران/يونيو 2024، وهذا التصريح ليس الأول والأخير بهذا الخصوص. فثلاثتهم يدلون دائمًا بتصريحات بشأن منع قيام دولة فلسطينية وهذا ما فعله نتنياهو منذ سنة الـ 1996 حيث عطل أوسلو وأوقف المفاوضات وتنصل من جميع الاتفاقيات حتى وصلنا اليوم إلى سلطة فلسطينية بلا سلطات.

ففي 30حزيران/يونيو 2024، دعا بن غفير بإعدام الأسرى الفلسطينيين بإطلاق الرصاص على رؤوسهم، وتمرير قانون “عوتسما يهوديت” لإعدام الأسرى بالقراءة الثالثة في الكنيست، “وحتى ذلك الوقت سنعطيهم القليل من الطعام للعيش”؛ وجدد دعوته في الأول من أيلول/سبتمبر2024، وطالب “زيادة نشر الحواجز في الضفة وتقييد حركة الفلسطينيين، لأن حق الحياة للإسرائيليين أهم من حق التنقل للفلسطينيين” وهو من استهدف الأسرى في السجون واقتحم العديد من السجون بمشاهد تنم عن تصرفات الزعران.

ولابد من التأكيد على أنه جدد في 26 آب/أغسطس 2024 الدعوة لصلاة اليهود في المسجد الأقصى، بل ذهب إلى حد القول إنه يريد إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى، وكان رئيس الشاباك رونان بار، قد بعث برسالة لنتنياهو، قال فيها إن “الجريمة القومية التي يرتكبها المستوطنين تتقدم في الاتجاه الذي سيؤدي إلى إراقة الدماء وتغيير وجه البلاد إلى درجة لا يمكن التعرف عليها”، حيث انسحب في حينه بن غفير من الجلسة، مطالبًا بإقالة رئيس الشاباك وبمزيد من الدعم للمستوطنين، حيث شهدت الضفة المحتلة تصاعدا كبيرا بعمليات اعتداءات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية؛ فالحكومة هي التي تعمل على حماية وتسليح هؤلاء المستوطنين، مما دفعهم وشجعهم في التمادي بجرائمهم ضد الفلسطينيين، حيث وصل عدد الشهداء الذين تم قتلهم على أيادي المستوطنين أكثر من عشرين فلسطينيًا وحرق أكثر من أربعة قرى فلسطينية. ويذكر أن بن غفير هو صاحب فكرة تسليح المستوطنين، حيث سلح ثلث المستوطنين في الضفة الغربية ومازال مستمرًا بعملية التسليح ويدعم المستوطنين ومعه سموتريتش في القيام بمجازر ضد الفلسطينيين ويعلنون ذلك بكل وضوح على الإعلام وبدعم صامت من نتنياهو وفي ظل عجز وتواطؤ عربي وصمت دولي ودعم أمريكي وبريطاني منقطع النظير.

وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الرؤوس الثلاث لهذه الحكومة يعملون في انسجام تام في تحقيق أهداف كل منهم التي تعد هدفًا واحدًا، وهو تحقيق الحلم الصهيوني بدولة إسرائيل الكبرى وسحق أي نوع من الحقوق السياسية والوطنية الفلسطينية مع التخلص التدريجي من الشعب الفلسطيني في الضفة أولا ومن ثم إعادة الاستيطان للقطاع؛ ولعل قرار الثلاثي المضي قدمًا في – التطرف الديني والقومي والسياسي وحتى القانوني- مخططهم في الضفة على الرغم من التحذيرات المتكررة من رئيس الشاباك رونين بار الذي حذّر نتنياهو من تصاعد الإرهاب اليهودي في الضفة، بالإضافة إلى رئيس الموساد ديدي بارنيع ووزير الحرب يوآف غالانت الذين يطالبون بإتمام الصفقة ووقف القتال وعدم تفجير الضفة، لكنهم ماضون في نهجهم ويسعون إلى إحداث زلزال في المنطقة غير مكترثين بالتحذيرات سابقة الذكر؛ وكل ذلك يصب في وجهة النظر التي تقول أن التحالف الثلاثي متين ولا يمكن المساس به مادام الثلاثة متفقين على نفس الهدف وهو المضي قدمًا في إنهاء الوجود الفلسطيني وصولًا إلى تنفيذ أكبر عملية ترانسفير “ترحيل” قادمة، بظل الدعم الغربي اللامحدود والتخاذل العربي الذي يصل لحد التآمر على القضية الفلسطينية والمقاومة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M