- قرَّر الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في سياسته تجاه سورية، نتيجة ضغوط متزايدة من دول أعضاء تُطالب بوضع سياسة جديدة تتماشى مع التغيرات الكبيرة التي شهدتها سورية منذ عام 2017.
- أهم دوافع مراجعة السياسة الأوروبية تجاه دمشق، تتمثل في: تراخي الضغط الأمريكي عن حكومة دمشق بعد موقفها “الحيادي” حيال حرب غزة؛ وحاجة أوروبا إلى مجاراة التحركات العربية والتركية التي أطلقت “ديناميكية إقليمية جديدة”؛ وتعزيز النفوذ السياسي الأوروبي في سورية.
- يُرجَّح أن تؤدي حالة السيولة التي تشهدها المنطقة بعد حرب غزة والتحولات الإقليمية الموازية إلى تحقيق مراجعة جزئية للسياسة الأوروبية تجاه سورية، لكن هذه المراجعة ستظل محدودة بالتسويات التي ستتم بين الدول الأوروبية، وبالسقف الذي تسمح به واشنطن، وبما ستكون دمشق مُستعدةً لتقديمه.
قرَّر الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في سياسته تجاه سورية، التي صيغت عام 2017، نتيجة ضغوط متزايدة من دول أعضاء، وبالأخص إيطاليا والنمسا ورومانيا وجمهورية التشيك، تُطالب بوضع سياسة جديدة تتماشى مع التغيرات الكبيرة التي شهدتها سورية منذ عام 2017.
تستعرض هذه الورقة السياسة الأوروبية الحالية تجاه سورية، ثم تناقش العوامل التي تدفع نحو مراجعتها، وتستشرف الملامح المحتملة لسياسة أوروبية جديدة.
السياسة الأوروبية الحالية تجاه سورية
بينما أدت دول أوروبية أدواراً عسكرية وأمنية وسياسية مهمة في محاربة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، شكَّل الاتحاد الأوروبي رأس الحربة في الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الانتقال السياسي في سورية. لكن المشروع الأوروبي حيال سورية تعرَّض لضربة حاسمة جراء التدخل العسكري الروسي في سبتمبر 2015. في العام التالي، فقدت الدول الأوروبية أهم استثماراتها على الساحة السورية، جراء إخلاء مجموعات المعارضة المسلحة من القسم الشرقي لمدينة حلب. وبذلك، ما خسرت الدول الأوروبية دعامة أرضية مهمة لسياستها السورية فحسب، بل إن تركيا انقلبت على تعاونها مع بروكسل وأحلَّت مكانه تنسيقاً عالي المستوى مع موسكو حول الأزمة السورية. وعقد الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان صفقة، في خلال قمتهم بسانت بطرسبرغ في أغسطس 2016، سمحت للأتراك بإطلاق عملية درع الفرات شمالي سوريا، مقابل إعادة توحيد حلب من قبل الحكومة السورية، وإخلاء المعارضة منها إلى معاقلها شمالي المدنية.
رد الأوروبيون بالتمسك بموقف دبلوماسي متشدد حيال سورية، حيث دانوا استرجاع الحكومة السورية مدينة حلب، لكنهم أدركوا أنهم فقدوا التأثير على الأزمة السورية. وفي أعقاب معركة حلب، صاغ القادة الأوروبيين سياستهم الجديدة في أبريل 2017، والتي دعت إلى إنهاء الحرب عبر انتقال سياسي حقيقي انسجاماً مع القرار 2254، وربط مشاركة الاتحاد الأوروبي بعملية إعادة الإعمار ومراجعة عقوباته على سورية، بسريان انتقال سياسي شامل وحقيقي متفاوض عليه بين الأطراف السورية. واظب الاتحاد الأوروبي على سياسته هذه، على الرغم من تغيير الأوضاع داخل سورية، سواء عقب استعادة الحكومة السورية السيطرة على جنوب البلاد وغوطة دمشق الشرقية وريف حمص الشمالي وعودتها إلى جامعة الدول العربية. مع ذلك بذل موظفون داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ودول أعضاء فيه مثل إيطاليا، بين عامي 2018 و2020، مساعي من أجل تخفيف حدة السياسة الأوروبية، بما يُسهل فتح ثغرات في حائط الأزمة السورية المسدود.
وقفت العوامل الآتية وراء تلك المساعي:
أولاً، الحاجة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية في سورية، نظراً لما يرتبه تدهورها من فرار السوريين من بلادهم إلى دول الجوار ومنها إلى أوروبا.
ثانياً، الاعتراف الواقعي بانتصار معسكر نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.
وأخيراً، مجاراة الدول العربية التي افتتحت مسارات تطبيع مع الحكومة السورية.
إلا أن تلك المساعي الأوروبية فشلت. وحتى أواسط العام 2023، لم يكن الاتحاد الأوروبي قد اقتنع بضرورة تغيير نهجه السياسي حيال دمشق، مع العلم أن الأزمة السورية لم تعد على رأس أولويات الدول الأوروبية التي تصب تركيزها على مواجهة روسيا في أوكرانيا منذ فبراير 2022. وعلى هامش مؤتمر بروكسل السابع حول مستقبل سورية المنعقد في يونيو 2023، كان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيف بوريل واضحاً عندما أعلن أن الشروط اللازمة لتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سورية لم تتحقق بعد، وذكر أن “تطبيع العلاقات مع النظام [السوري].. من دون إحراز تقدّم ملموس في تنفيذ القرار 2254 ليس خياراً للاتحاد الأوروبي”، وحمَّل روسيا مسؤولية مماطلة حكومة دمشق عن التقدم نحو الحل السياسي.
إلا أن حرب إسرائيل في غزة خلطت الأوراق على مستوى المنطقة. وقفت الحكومة السورية على الحياد حيال الحرب، ما عزز الانفتاح السعودي عليها، وربما أيضاً غيَّر النظرة الأمريكية إليها. من جهة أخرى، هناك حالة من عدم اليقين بشأن استمرار وجود القوات الأمريكية في شرقي سورية والعراق خاصة في ضوء المفاوضات العراقية الأمريكية واحتمال فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل. تلمست روسيا طريقها نحو إحياء مفاوضات التقارب السوري التركي، ودعمتها إيران، بعد مناورات،في مسعاها، بينما بدَّلت أنقرة موقفها من الدور الإيراني في تطبيع علاقاتها بدمشق لتدعو طهران إلى التعاون لإنجاز هذا التطبيع. شكَّل ذلك في مجموعه إشارات على إمكانية عودة سورية إلى السياسات الإقليمية، على الأقل بعد أن تضع الحرب أوزارها.
العوامل الدافعة وراء مراجعة السياسة الأوروبية
في مؤشر على تغيير الأوضاع السياسية في سورية بعد حرب غزة، زار رئيس المخابرات الروماني دمشق، حاملاً رسالة مشتركة من إيطاليا وقبرص واليونان تُشير إلى حرص هذه الدول على إعادة الاتصال مع الحكومة السورية بسبب قلقها من موجات اللاجئين والخوف من الإرهاب. وكلَّف مجلس أوروبا وزير الدولة لشوؤن الخارجية التشيكي راديك روبش، بنقل رسالة إلى الرئاسة السورية في خلال زيارته دمشق في أبريل الماضي، تتعلق بتسهيل انتخاب رئيس لبناني جديد. واللافت أن فرنسا وألمانيا لم تعترضا على تسليم وزير الخارجية السوري فيصل المقداد رسالة مجلس أوروبا. ولاحقاً، استضافت رومانيا اجتماعاً أوروبياً بمشاركة بيدرسون، بشأن سورية، لإيجاد طرق ملموسة لدفع الحل السياسي للأزمة السورية. وتسرَّبت أنباء عن زيارة رئيس المخابرات الإيطالية الجنرال جاني كارفيللي لدمشق أواخر شهر مايو الماضي، حاملاً عرضاً برفع بعض العقوبات الأوروبية والأمريكية عن سورية، مقابل توفير الحكومة السورية ضمانات إنسانية تتيح حل الأزمة، وإنشاء منطقة آمنة في ريف حمص بالتنسيق مع لبنان وقبرص، لإعادة اللاجئين إليها برعاية أممية، وذكر أن بلاده مع دول شركائه في الاتحاد الأوروبي تتواصل بشكل مستمر مع الإدارة الأمريكية لإيجاد صيغ مشتركة لحل الأزمة السورية، وهي تحتاج لوقت، خاصة أن المنطقة منشغلة بالحرب الدائرة في قطاع غزة.
وجد بعض الدول الأوروبية، وتحديداً النمسا وكرواتيا وقبرص والتشيك واليونان وإيطاليا وسلوفاكيا وسلوفينيا، في الواقع الجديد بعد حرب غزة فرصة لتحريك الجمود داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، حيث وعد بوريل باتباع “نهج براغماتي” حيال سورية. وقادت إيطاليا الجهود الساعية إلى إعادة النظر في السياسة الأوروبية عبر رسالة مع شركائها أرسلتها إلى بوريل، لعدة أسباب سياسية واقتصادية وداخلية في أوروبا. فيما يتعلق بالأسباب السياسية هناك ثلاثة:
أولهما، تراخي الضغط الأمريكي عن حكومة دمشق بعد موقفها حيال حرب غزة (عدم تمرير قانون مكافحة التطبيع مؤشر لذلك)؛
والثاني، حاجة أوروبا إلى مجاراة التحركات العربية والتركية التي أطلقت “ديناميكية إقليمية جديدة” خصوصاً أنها تُوفر الأرضية الضرورية لإطلاق عملية إنعاش الاقتصاد السوري، وذلك في ظل تعثر العملية السياسية التي يتولى تيسيرها المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، وأن الحل السياسي وفقاً للقرار 2254 “بات بعيد المنال”.
أما السبب الثالث، فيتمثل في موازنة النفوذين الروسي والإيراني في السياسة السورية، من أجل “تعزيز النفوذ الأوروبي السياسي“. واللافت أن إيطاليا وغالبية الدول الموقعة معها، احتفظت بوجودها الدبلوماسي في دمشق وباتصالاتها مع السلطة السورية، حتى في أحلك الظروف. وخشيت تلك الدول أن التطورات المتسارعة حول سورية قد تسبقها، وتتيح للعرب وإيران وتركيا وروسيا قطف ثمار سياساتها السورية، بينما تُحرَم هي منها، بالرغم من نهجها المنفتح على دمشق.
وتعد الحسابات والمصالح الاقتصادية، الدوافع الأكثر أهمية، التي تقف وراء تحرك الدول الأوروبية الساعية إلى سياسة جديدة للاتحاد الأوروبي حيال سورية. فإيطاليا ودول أوروبا الشرقية، لها صلات قوية بالاقتصاد السوري قبل أن تخسرها بسبب الأزمة السورية وقطع أوروبا علاقاتها التجارية بالحكومة السورية. كانت إيطاليا قبل العام 2011، تتولى عمليات استيراد النفط والقمح السوريين وتصنيعهما وإعادة بيعهما داخل الاتحاد الأوروبي. وتستفيد إيطاليا ورومانيا من وجودهما الدبلوماسي داخل سورية، حالياً، حيث تشتريان الفوسفات السوري سواء من الحكومة السورية أو من الشركات الإيرانية التي تستخرجه بموجب اتفاق مع دمشق. أما بالنسبة للدول الأوروبية الواقعة شرقي القارة (سلوفينيا، التشيك، رومانيا وسلوفاكيا)، فقد أدت إبان العهد الشيوعي دوراً مهماً في تأسيس البنية التحتية السورية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. وتخشى هذه الدول على مصالحها الاقتصادية السابقة من المنافسة الروسية والصينية، التي فتحت شركات وقد تنطلق مستفيدةً من الأموال العربية في مرحلة إعادة الإعمار.
ولعبت الدول الأوروبية بقيادة إيطاليا، في رسالتها إلى بوريل، على وتر السياسة الداخلية الأوروبية. تُشكل غالبية الدول الأوروبية الموقعة على الرسالة دولاً حدودية للاتحاد الأوروبي تستقبل اللاجئين الوافدين أول دخولهم للقارة، مثل قبرص واليونان وإيطاليا، ولذلك يحتل ملف اللاجئين أولوية لديها. نبَّهت الدول الموقعة إلى المخاطر المرتبطة بتفاقم تدفقات الهجرة إلى أوروبا، وما يتسبب به من اضطرابات داخل الدول الأوروبية، إذ إن “السوريين يغادرون بأعداد كبيرة (من سورية)، مما يزيد من الضغوط على الدول المجاورة، في فترة يتصاعد فيها التوتر في المنطقة، ما ينذر بخطر موجات جديدة من اللاجئين”. كما أن غالبية هذه الدول تُحكم من قبل قوى اليمين (إيطاليا، والنمسا، والتشيك)، والتي تركز في أجندتها الوطنية على مخاطر اللاجئين ومكافحة الإرهاب، حيث أثنَت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا مليوني عندما كانت في صفوف المعارضة عام 2019 على جهود الحكومة السورية وحلفائها الروس والإيرانيين، في محاربة “داعش” والإرهاب. وحتى في دولة مثل ألمانيا التي تحكم من قبل تحالف ليبرالي، فقد أعلن المستشار الاتحادي الألماني أولاف شولتس في يوليو الماضي، أن بلاده عازمة على تنفيذ عمليات ترحيل الأشخاص المجرمين والخطيرين إلى سورية وأفغانستان.
من جهة أخرى، يمكن تفسير تحركات إيطاليا بشأن سورية بالمنافسة التقليدية بينها وبين فرنسا على النفوذ في البحر الأبيض المتوسط، حيث تسببت السياسة الفرنسية في خسارة روما لموقعها التقليدي في ليبيا عام 2011. وفي هذا السياق، أتت خطوة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، في 72 يوليو الماضي، بتعيين مبعوث بلاده إلى سورية ستيفانو رافانيان سفيراً إيطالياً في دمشق، فيما عَدَّهُ معلقون إيطاليون “ثورة دبلوماسية صغيرة” توحي برغبة إيطاليا في “كسر العزلة الدولية” لحكومة دمشق، وتفتتح “مسار التطبيع الأوروبي” مع الرئيس السوري بشار الأسد بالمرحلة المقبلة.
ملامح سياسة أوروبية جديدة
في ضوء التحولات الإقليمية التي أحدثتها حرب غزة، وتعزز المسار العربي السوري، ومساعي روسيا إطلاق مسار التطبيع السوري التركي بمباركة عربية وإيرانية، من المشكوك فيه استمرار سياسة الاتحاد الأوروبي الحالية تجاه دمشق. وقد يؤدي تمسك باريس وبرلين بالسياسة الحالية إلى ظهور توترات بينهما وبين الكتلة الداعية إلى المراجعة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، وقد تدفع دولها إلى ممارسة سياسة أكثر استقلالاً عن المؤسسات الأوروبية وبعيداً عن مصالحهما. ثم إن النقاش حول إعادة صياغة السياسة الأوروبية قد انطلق بالفعل على مستوى مجموعات العمل في مقر المفوضية الأوروبية بالعاصمة البلجيكية بروكسل، حيث كلَّف بوريل دائرة العمل الخارجي الأوروبي بـ “دراسة ما يمكن القيام به، وتقديم خيارات للقادة الأوروبيين“.
لكن لا يُتوقع أن تقود هذه المراجعة إلى تغييرات كبيرة في السياسة القائمة؛ نظراً لرفض برلين وباريس إدخال تعديلات جوهرية على سياسة الاتحاد الأوروبي، خصوصاً فيما يتعلق برفع لعقوبات والتطبيع، وعدم وجود مؤشرات مُشجِّعة من قبل واشنطن، التي سبق ورفضت صراحة دعم التطبيع بين الأتراك والحكومة السورية. وإيطاليا التي أعلنت تعيين أول سفير لها في سورية منذ سحبه مطلع الأزمة، لم ترسله إلى الآن، كما لم تتخذ خطوات جديدة في هذا الصدد.
من جهة أخرى، لن تتمكن الكتلة الأوروبية الداعية إلى مراجعة السياسة الأوروبية من ضمان تجاوب دمشق مع مساعيها، سواء نتيجة رضوخ الحكومة السورية لضغوط حلفائها الروس الرامية إلى منعها من التجاوب مع الأوروبيين الداعمين لأعدائهم الأوكرانيين، أو إصراره على مطالب الحد الأقصى. وبحسب عدة دبلوماسيين أوروبيين مطلعين على لقاءات أوروبية عُقِدَت في بيروت وقبرص وبرلين، لبحث مطالب الكتلة الداعية إلى المراجعة، فإن إيطاليا وشريكاتها لم تتمكن من تقديم سياسة واضحة وخطوات محددة لاستبدال السياسة الحالية.
وبالتركيز على التحديات التي تواجه الدول الأوروبية ومنبعها سورية، وبالأخص تدفق اللاجئين، فإن رفع الاتحاد الأوروبي بعض عقوباته لن يكون وحده قادراً على تغيير الواقع الاقتصادي الصعب في سورية، والذي نتج عن سنوات الحرب، وسوء الإدارة الاقتصادية، وانهيار الاقتصاد اللبناني. من جهة أخرى، لم تثبت دمشق بعد جديتها في ملف إعادة للاجئين، على الرغم من مرور أكثر من عام على اتفاقها مع الدول العربية على بدء عودتهم في مايو 2023، حيث لا تزال العقبات أمام عودتهم قائمة، وبالأخص إجراءات السلطات السورية ضدهم. أما بالنسبة للتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب الذي تنشده الدول الأوروبية من دمشق واستقبال المرحَّلين من السوريين، فإن الحكومة السورية تربطه بعودة العلاقات الدبلوماسية وتعيين سفراء لها في دمشق.
وأخذاً بالاعتبار هذه التعقيدات، قد توافق الدول الأوروبية على زيادة حصة المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية من مشاريع الاتحاد الأوروبي الإنسانية ومشاريع التعافي المبكر، على صعيد البنية التحتية، الرامية إلى المساعدة في توفير البيئة المناسبة اقتصادياً ومعيشياً لعودة اللاجئين، ورفع القيود عن الدعم الأوروبي لمؤسسات الأعمال والقطاع الخاص ومشاريع حماية التراث الثقافي داخل تلك المناطق. ومن المرجح أن تدعم السياسة الجديدة في حال إقرارها إنشاء حوار قوي مع جامعة الدول العربية بشأن سورية، وربما نقل البعثة الإنسانية الأوروبية العاملة حول سورية من بيروت إلى دمشق، وإعادة افتتاح المفوضية الأوروبية في العاصمة السورية، وإصدار دليل عمل للمصارف الأوروبية والدولية لمنع الامتثال المفرط للعقوبات الذي يؤثر في الشعب السوري ليس فقط داخل سورية وإنما خارجها، وحتى على العمليات الإنسانية. لكن، وكما أثبت تعاطي الدول الأوروبية مع الغزو الروسي لأوكرانيا، فلا يمكن التوصل إلى إجماع أوروبي حاسم من دون دعم واشنطن النشط.
وعلى الأرجح، فإن السياسة الجديدة ستزيد هامش المناورة أمام الدول الأوروبية الراغبة في السير أبعد في طريق التواصل مع حكومة دمشق، إذ قد تسمح لها بإجراء حوار دبلوماسي مع الدول العربية وتركيا بهدف توحيد الجهود حيال التطبيع مع حكومة الرئيس الأسد، كما قد توفر لها الشرعية اللازمة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وتعيين السفراء وتبادل الزيارات رفيعة المستوى، أو على الأقل فتح مكاتب تمثيل اقتصادي في العاصمة السورية، وتكثيف التبادل التجاري مع المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وإن من طريق وسطاء، والانفتاح على أجهزة الأمن السورية لتبادل المعلومات الأمنية حول اللاجئين والإرهابيين.
خلاصة
حرَّكت رسالة إيطاليا وشريكاتها المياه الراكدة داخل الاتحاد الأوروبي حول سورية، وأعادت الملف السوري إلى مدار البحث الأوروبي بعد سنوات من تراجُعِه عن سُلَّم أولويات الاتحاد الأوروبي. ويُرجَّح أن تؤدي حالة السيولة التي تشهدها المنطقة بعد حرب غزة، والتحولات الإقليمية السارية، إلى تحقيق مراجعة جزئية للسياسة الأوروبية حيال دمشق، لكنها ستظل محدودة بالتسويات التي ستتم ما بين الدول الأوروبية، وبالسقف الذي تسمح به واشنطن، وما يتيحه الصراع في أوكرانيا من مرونة ممكنة للحكومة السورية المتحالفة مع موسكو، وأخيراً بما ستكون السلطة في دمشق جاهزةً لتقديمه لقاء سياسة أوروبية أكثر تقبلاً لمصالحها.