ما المقصود باستثمار القيمة .. وهل يعود للواجهة بعد غيابه منذ الأزمة المالية؟

لا شيء يدوم إلى الأبد في الأسواق المالية، الشيء الوحيد الذي يمكن للمستثمر التأكد منه هو طبيعتها التي تشبه البندول في حركته المتأرجحة يمينًا ويسارًا، فأمور مثل الدورة الاقتصادية، والتقييمات، وأساليب الاستثمار، كلها تنحسر ثم تنشط من جديد.

فقط إذا استطاع الإنسان التنبؤ بموعد حدوث الحركة المعاكسة، ستكون الحياة أسهل بكثير في الأسواق، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، وقد ضاع الكثير من الأموال التي حاول أصحابها توقع مستويات الذروة والقاع.

لهذا السبب يقبل المستثمرون الذين يتحلون بالتعقل بالطبيعة البطيئة والهادئة للوقت بدلًا من المحاولات المثيرة للقفز عليه وتوقع موعد التحولات في السوق، والتي ثبت أنها عادة ما تكون مكلفة للغاية، لذا فإن البندول بداخل رؤوس هؤلاء المستثمرين لا يتأرجح بين التوقع وعدم التوقع.

ويميل أولئك المستثمرون إلى الاختيار بين طريقتي الاستثمار السائدتين، وهما النمو والقيمة، وانتقاء إحداهما على حساب الأخرى حدد مدى نجاح الاستثمارات بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية، لكن المحللين يعتقدون أن الاختيار الأربح في طريقه للتبدل خلال العقد المقبل.

الفرق بين الأسلوبين

– المقصود بأسهم النمو، هي تلك الشركات التي يُتوقع أن تحقق أرباحًا متزايدة بغض النظر عما يحدث في الاقتصاد الأوسع، وغالبًا ما تكون الشركات التي تبيع منتجات أو خدمات لا يمكن الاستغناء عنها، مثل أدوات النظافة الشخصية والجوالات الذكية والمشروبات.

– نظرًا للموثوقية الكبيرة في المبيعات والأرباح، فإن المستثمرين يكونون على استعداد لدفع سعر مرتفع مقابل هذه الأنواع من الأسهم، وعادة ما تزداد رغبتهم في الشراء إذا كانت توقعات النمو الاقتصادي ضعيفة، لذا فهي رهان رابح في كثير من الأحيان.

– أما أسهم القيمة، فهي لتلك الشركات غير المفضلة لعامة المستثمرين والتي تتداول بثمن بخس مقابل تاريخها الخاص ومقارنة بأسهم النمو معتدلة الأداء، إنها غير صالحة للرهان، إما لأنها تواجه مشكلات خاصة بها أو لأن البيئة الاقتصادية تعمل ضدها، وربما كلاهما.

– لا تحتاج أسهم القيمة إلى الكثير من التغيرات في البيئة الخارجية حتى يدرك أنه تم المبالغة في العمليات البيعية عليها وأنها باتت جذابة للمستثمرين، وبالتالي فإنها تضمن تحقيق نتائج جيدة عندما تبدأ الظروف الاقتصادية في التحسن، أو ببساطة مع توقف الانهيار الداخلي.

– يُطلق على هذا الأسلوب أحيانًا اسم “جد الأنماط الاستثمارية”، إذ يرجع تاريخه إلى أعمال “بنيامين غراهام” و”ديفيد دود” في الثلاثينيات والأربعينيات، في أعقاب الكساد العظيم، حيث وضع هذان المستثمران الأساس لنهج أكثر صرامة ومحافظة للاستثمار، والذي لا يزال يستخدم حتى الآن.

النهج السائد منذ الأزمة

– من أشهر أتباع مدرسة “غراهام” و”دود” مليارديرات أمثال “وارن بافيت” و”سيث كلارمان” و”هوارد ماركس”، كما باتت تعد مبادئ الاستثمار في القيمة أساسية لجزء كبير من صناعة إدارة الأصول العالمية.

– في حين أن هناك طرقا عديدة لقياس القيمة وأساليب الاستثمار فيها، فإن الأمر يتوقف ببساطة على اقتناص الأسهم التي تحظى بتقدير وأسعار منخفضة بشكل غير عادل، وقد وجد الأكاديميون أن الأسهم ذات نسب السعر إلى الأرباح (أو السعر إلى القيمة الدفترية) المنخفضة، يمكنها بمرور الوقت التفوق على السوق من حيث الأداء.

– لم تكن السنوات العشر اللاحقة للأزمة المالية وقتًا جيدًا بالنسبة لمستثمري القيمة، فالانتعاش الطويل البطيء منذ عام 2008 دفع المستثمرين نحو السلع الاستهلاكية وأسهم التقنية، التي كانت قادرة على توفير أرباح متنامية.

– في غضون ذلك، أصبحت أسهم النمو أكثر تكلفة من أي وقت مضى، في حين أصبحت أسهم القيمة أرخص بكثير، واتسعت فجوة التقييم بين الفئتين، وتسارع هذا الاتجاه على مدى العامين الماضيين بفعل الرياح المعاكسة التي تهب على الاقتصاد العالمي.

– ووفرت الحرب التجارية ورغبة الاحتياطي الفيدرالي في إعادة سياسته النقدية إلى طبيعتها، بيئة مواتية للنمو، وحتى صغار المستثمرين ضخوا أموالهم بكثافة في صناديق النمو خلال السنوات الأخيرة، وحصلوا على مكافآت قيّمة نظير ذلك.

البندول يعود في الاتجاه المعاكس

– منذ أغسطس عام 2007، حقق مؤشر “إس آند بي 500” عائدات نسبتها 175%، مقارنة بعائد إجمالي قدره 120% لأسهم القيمة الأمريكية، في حين تفوقت أسهم النمو على نظيرتها وعلى السوق ككل بتحقيقها عائدات نسبتها 235%.

– هذا الاختلاف لم يكن ظاهرة أمريكية، رغم أن الولايات المتحدة سيطرت على حركة السوق الصاعد منذ الأزمة، حيث حقق مؤشر “إم إس سي آي” لأسهم النمو العالمية عائدة نسبته 140% خلال نفس الفترة، وهو ما يعادل ضعف مكاسب مؤشر “إم إس سي آي” للقيمة.

– مع ذلك، فإن طول مدة الضعف الكبير الذي أصاب أسهم النمو خلال هذه الفترة، إلى جانب الدلائل على أن النمو الاقتصادي العالمي في طريقه إلى الاستقرار، يدفع الآن إلى إعادة التفكير، خاصة بعدما بلغ عائد أسهم القيمة الأمريكية 10% منذ بداية سبتمبر، وهو 3 أمثال عائد أسهم النمو.

– تحسنت أرباح الشركات بأكثر من المتوقع، ومن المرجح أن تواصل هذا التحسن، مع استعداد “دونالد ترامب” لانتخابات العام المقبل، حيث يعتقد أنه سيميل لتهدئة النزاع التجاري مع الصين، علاوة على الدفعة التحفيزية من الفيدرالي بخفض الفائدة 3 مرات هذا العام.

– مع التغيرات في سوق السندات، أصبحت البنوك على وجه التحديد، قادرة على الاقتراض بسعر رخيص ومنح الإقراض بسعر أعلى يمكنها من تحقيق الأرباح.

نهج القيمة سيسود لسنوات

– إذا ثبت أن التغيرات الداعمة لهذا التحول الأخير مستدامة، سيكون هناك بعض الآثار الهامة، أولها تحسن النظرة المستقبلية لأسهم القيمة، وهو ما يعني أخبارًا جيدة للسوق ككل، إذ يظهر التاريخ أن أفضل فترات المستثمرين كانت تلك التي تفوقت فيها أسهم القيمة على النمو.

– الأمر الثاني هو؛ من المحتمل أن تستغرق حركة البندول القادمة عدة سنوات، فكما كان النمو هو النمط المهيمن لمدة منذ الأزمة المالية، كانت القيمة هي النهج المهيمن أيضًا بعد انفجار فقاعة “دوت كوم” عام 2000.

– يقول “كليفورد أسنس” مؤسس “إيه كيو آر كابيتال مانجمنت” إنه حان الوقت للعودة إلى أسهم القيمة، وكذلك محللو “جيه بي مورجان” و”مورجان ستانلي”، كما يعتقد 34% من مديري الصناديق في مسح أجراه “بنك أوف أمريكا” أن أسهم القيمة ستتفوق على النمو، مقارنة بـ13% قبل شهر.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M