أمريكا والتصعيد الإقليمى: إدارة الأزمة لا حلها

لا تزال إدارة الرئيس بايدن تتعامل مع قضية التصعيد الإقليمى من منظور إدارة الأزمة وليس حلها، وهو ما أدى إلى تعقيد الأوضاع فى المنطقة، سواء فى استمرار الحرب فى غزة وعدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق لتبادل الرهائن والمحتجزين، ووقف إطلاق النار أو مع توسع التصعيد الإقليمى، خاصة بين إسرائيل وحزب الله مؤخرا وأبرزها تفجير أجهزة البيجر التى تستخدمها عناصر حزب الله مما أدى إلى وقوع آلاف المصابين وعشرات القتلى واغتيال 20 من وحدة الرضوان بالحزب، وعلى رأسهم إبراهيم عقيل، وهى ضربة اعترف رئيس الحزب حسن نصر الله بأنها غير مسبوقة فى تاريخ المقاومة.

الإدارة الأمريكية للأزمة، سواء الحرب فى غزة أو التصعيد بين إسرائيل ومحور المقاومة الذى تقوده إيران، لم يسهم فى حل الأزمة لعدة أسباب:

أولا: الجمع بين المتناقضات، فالسياسة الأمريكية المعلنة طوال الفترة السابقة هى العمل على وقف الحرب والتوصل لاتفاق لإطلاق النار، والوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى، والعمل على منع التصعيد الإقليمى وتوسع الحرب، وقام وزير الخارجية بلينكن بعشر جولات فى المنطقة لكنها جميعها لم تحدث أى اختراق حقيقى، سواء فى غزة أو مخاطر التصعيد الإقليمى، وذلك بسبب الفجوة بين الأقوال والأفعال الأمريكية على أرض الواقع، فالخطاب الأمريكى يدعو إلى التهدئة ويسعى لوقف الحرب وقدم بايدن خطته فى نهاية مايو الماضى للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، ومع ذلك فالأفعال على الأرض أمر مختلف، حيث تقدم أمريكا الدعم العسكرى والسياسى والاقتصادى الكامل لإسرائيل وتستخدم حق الفيتو لحمايتها فى مجلس الأمن، كذلك الدفاع عنها ضد أى محاكمات لقادتها، سواء فى المحكمة الجنائية الدولية أو منع قرارات لإدانتها فى محكمة العدل الدولية، إضافة إلى تبرير ما تقوم بها إسرائيل من جرائم ضد الفلسطينيين، كما أن أمريكا تلعب الوسيط فى المفاوضات وهى تجلس دائما فى المقعد الإسرائيلى، وترفض ممارسة أى ضغوط حقيقية على حكومة نيتانياهو لدفعها للتوقف عن سياسة التعنت والمراوغة ووضع الشروط التعجيزية لمنع التوصل إلى اتفاق، وركزت إدارة بايدن فقط على ضرورة ممارسة الضغوط على حماس لقبول الاتفاق. وهذا الموقف الأمريكى هو ما شجع حكومة نيتانياهو على التعنت والمضى قدما فى الحرب، خاصة أن نيتانياهو يعرف أن إدارة بايدن أصبحت كالبطة العرجاء ولا تستطيع ممارسة ضغوط حقيقية على حكومته لاعتبارات انتخابية، وعدم الإضرار بموقف كامالا هاريس. كما أن نيتانياهو فى كل الأحوال ضامن للدعم الأمريكى الكامل له عسكريا وسياسيا فى حال اندلاع أى مواجهة شاملة مع إيران وحلفائها.

ثانيا: رغم أن الخطاب الأمريكى يرتكز على منع التصعيد الإقليمى ومنع اندلاع حرب شاملة، سواء بين إسرائيل وحزب الله أو بين إسرائيل وإيران، إلا أن السياسة الأمريكية على الأرض لا تقود لهذا المسار، بل تسهم أيضا فى مخاطر توسع الحرب الإقليمية. فهناك تنسيق وتعاون عسكرى ولوجيستى كامل بين إسرائيل وأمريكا، ولا تقوم حكومة نيتانياهو بأى تحرك، سواء فى غزة أو تجاه حزب الله وإيران والحوثيين، إلا بضوء أخضر أمريكى بل وبدعم لوجيستى واستخباراتى. كما أنه فى كل مرة تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات لإيران وحلفائها، نجد الجانب الأمريكى يتحرك لمنع أى رد مضاد من جانب هذا المحور حتى لا يكون مبررا لحكومة نيتانياهو للرد مرة أخرى، بينما لا يتحرك من البداية للضغط على حكومة نيتانياهو لعدم التصعيد. كما نجد الارتباط بين جولات بلينكن فى المنطقة والتصعيد الإسرائيلى، فقبل جولته التاسعة قامت إسرائيل بالتصعيد ضد حزب الله واغتيال القائد البارز فى الحزب فؤاد شكر وقامت باغتيال إسماعيل هنية فى طهران، وحاولت جر أمريكا لمواجهة شاملة مع إيران، لكن أمريكا تدخلت وضغطت على الجانب الإيرانى لعدم الرد الموجع. ومع الجولة العاشرة قامت إسرائيل بالتصعيد ضد حزب الله وتفجير أجهزة البيجر التى يستخدمها الحزب واغتيال عدد من قادته، وبالتالى بدا أن هناك تبادل وتكامل أدوار بين إسرائيل وأمريكا، حيث تقوم إسرائيل بالتصعيد وتوجيه الضربات للمقاومة الفلسطينية ولمحور إيران، وتقوم أمريكا بدور المطافئ للحرائق التى تشعلها إسرائيل، وتقدم لها الدعم الكامل وترسل حاملات الطائرات والغواصات النووية وتزودها بالأسلحة لردع خصومها.

ثالثا: السياسة الأمريكية تقوم على معالجة العرض وليس المرض، فهى تركز على منع التصعيد الإقليمى ومحاولة وقف الحرب فى غزة، لكنها لا تعالج المرض الأساسى المتسبب فى استمرار وتصاعد بيئة العنف والصراع فى المنطقة. وهذا المرض يتمثل فى استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية واستمرار الحرب فى غزة وغياب أفق التسوية السياسية وتحقيق السلام العادل. وبالتالى فجولات العنف الدموية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومخاطر توسع الصراع الإقليمى، هى نتاج لغياب السلام العادل والدائم المتمثل فى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967، والتى تضم الضفة الغربية وقطاع غزة، فى إطار حل الدولتين. ولو أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قامت بدورها الفاعل، كراع رسمى لعملية السلام، فى تنفيذ حل الدولتين على أرض الواقع لما وصلت المنطقة إلى هذه الحالة من الصراع والعنف، والمرشح أن يتزايد ويتوسع خلال الفترة المقبلة فى ظل توجهات اليمين الدينى المتطرف الحاكم فى إسرائيل ومشروعه فى القضاء على مقومات الدولة الفلسطينية، وإشعال الحرائق فى المنطقة وقيادتها نحو الهاوية.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M