طريقة ميلوني لمواجهة الهجرة تكتسب مؤيدين جددا

في وقت تكافح فيه أوروبا للتعامل مع الهجرة غير الشرعية، يثير النهج الصارم الذي تتبناه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في معالجة هذه القضية اهتماما واسع الانتشار.

وليست ميلوني وحيدة في ذلك، إذ يتضح أن تحدي التعامل مع الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يسعون لتحقيق حياة أفضل في البلدان الأوروبية المزدهرة يشكل عبئا كبيرا بالنسبة لعدد من القادة الأوروبيين البارزين. ففي ألمانيا على سبيل المثال، يتعرض ائتلاف يسار الوسط بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتز لتهديدات جمة بسبب الشعبية المتزايدة للأحزاب اليمينية، مثل حزب “البديل من أجل ألمانيا” الذي حقق مكاسب بارزة في الانتخابات الإقليمية الأخيرة في شرق ألمانيا.

كما يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تهديدا مشابها من قبل حزب “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبان، التي اقتربت من الفوز بأغلبية برلمانية في الانتخابات الأخيرة.

أما في المملكة المتحدة، فقد أثبت التحدي الذي تفرضه موجة المهاجرين غير الشرعيين الذين يواصلون خوض الرحلة الخطرة عبر القناة الإنكليزية أنه لا زال يشكل صداعا لحكومة حزب “العمال” الجديدة بزعامة رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر بقدر ما كان الحال بالنسبة للإدارة المحافظة السابقة.

 

هنري نيكولاس- أ ف ب هنري نيكولاس- أ ف ب

مهاجرون عبروا القناة الانكليزية من فرنسا في 16 اغسطس 2013 

كان من أول الإجراءات التي قام بها ستارمر، إثر فوزه في الانتخابات العامة في يوليو/تموز، التخلي عن مخطط رواندا المثير للجدل الذي ابتكره رئيس الوزراء المحافظ السابق ريشي سوناك، والذي يقضي بترحيل المهاجرين الذين يثبت أنهم دخلوا المملكة المتحدة بشكل غير قانوني إلى الدولة الواقعة في وسط أفريقيا. ولكن ستارمر يقع الآن تحت ضغط متزايد للتوصل إلى خطة بديلة خاصة به لمعالجة قضية المهاجرين، بعد أن ألغى خطة الحكومة البريطانية السابقة، وهي خطة تضع حدا فعالا لعمليات تهريب المهاجرين الخطيرة عبر القناة الإنكليزية.

وقد برز جليا حجم المشكلة التي تواجه سلطات المملكة المتحدة في نهاية الأسبوع الماضي عندما شق أكثر من ألف مهاجر غير شرعي طريقهم عبر القناة إلى المملكة المتحدة، قتل منهم ثمانية مهاجرين، عندما اصطدم قاربهم المطاطي بالصخور قبالة الساحل الفرنسي، ما سلط الضوء على الطبيعة الغادرة لهذه المعابر.

 

تحدي التعامل مع الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يسعون لتحقيق حياة أفضل في البلدان الأوروبية المزدهرة يشكل عبئا كبيرا بالنسبة لعدد من القادة الأوروبيين البارزين

 

 

ومع سعي القادة الأوروبيين الدؤوب من لندن إلى برلين لإيجاد حل لهذه القضية، وهو حل من المحتمل أن يسبب لهم أضرارا سياسية جسيمة، فإن السياسات الأخيرة التي اعتمدتها إيطاليا تجتذب اهتماما واسع النطاق. ذلك أن إيطاليا شهدت على أثرها انخفاضا كبيرا في أعداد المهاجرين الذين يشقون طريقهم من شمال أفريقيا إلى الساحل الإيطالي.
ولا ريب في أن نجاح ميلوني في تولي منصب رئيسة وزراء إيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول 2022 يعود إلى حد بعيد إلى موقفها المتشدد حيال قضية الهجرة، مع إيطاليا التي تكافح للتعامل مع القوارب المحملة بالمهاجرين غير الشرعيين الذين يسافرون إليها على الدوام من دول مثل ليبيا وتونس. ولا عجب، إذن أن نجاحها في تنفيذ مجموعة من السياسات التي أفضت إلى انخفاض عدد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا بنسبة 60 في المئة أثار إعجاب القادة الأوروبيين الآخرين، ومن بينهم ستارمر، الذي سافر إلى إيطاليا هذا الأسبوع للقاء رئيسة الوزراء الإيطالية شخصيا في قمة جمعت الزعيمين.
ويرجع نجاح ميلوني في معالجة قضية المهاجرين بشكل كبير إلى الدعم الذي تلقته من أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، التي أشرفت على صياغة اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتونس، حيث تتلقى الدولة الواقعة شمال أفريقيا ملايين اليوروهات لمنع قوارب المهاجرين من المغادرة، إضافة إلى الاستثمار في الأعمال التجارية والتعليم الرامي إلى ردع الهجرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يعكس الاتفاق مع تونس ترتيبا مشابها أبرم مع ليبيا في عام 2017، يوفر التمويل اللازم لتجهيز وتدريب خفر السواحل الليبي لمنع الأشخاص من مغادرة الساحل الليبي، والذي يُنسب إليه أيضا الفضل في الحد من تدفق المهاجرين.
وقد حملت ميلوني على عاتقها مهمة التأكد من تنفيذ تلك السياسات، فسافرت إلى كل من تونس وليبيا هذا العام للضغط على قادة البلدين لتعزيز تلك الاتفاقيات وكبح الهجرة غير النظامية بشكل واضح وفوري.
وتصاعدت رغبة ميلوني في إيجاد حلول لهذه المعضلة في سبتمبر/أيلول الماضي عندما وصل أكثر من 11 ألف مهاجر إلى جزيرة لامبيدوسا الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي قوض وعودها الانتخابية بكبح جماح الهجرة.
وبمعزل عن الضغط على دول شمال أفريقيا لوقف تدفق المهاجرين، أقرت أيضا إجراءات تمدد الفترة الزمنية التي يمكن فيها احتجاز الأشخاص في مراكز الترحيل إلى 18 شهرا، في حين أمرت ببناء مراكز احتجاز جديدة.

زكريا عبداللطيف- أ ف ب
مهاجرون في جزيرة لامبيدوزا في ايطاليا في 18 سبتمبر 2023

كما توصلت إيطاليا إلى اتفاق مع ألبانيا يُنقل بموجبه الرجال الذين يصلون في قوارب من شمال أفريقيا إلى مراكز في تلك الدولة المجاورة لمعالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم.
وكانت الخطوة الأخرى المثيرة للجدل التي تبنتها حكومة ميلوني هي فرض إجراءات ضد السفن الخيرية العاملة في البحر الأبيض المتوسط، حيث يواجه القباطنة غرامات ضخمة إذا نفذوا أكثر من عملية إنقاذ في المرة الواحدة.
وفي حين أثار نهج ميلوني انتقادات عدة، وليس من جانب المنظمات الإنسانية وحسب، فإن النجاح الذي حققته إيطاليا في خفض تدفق المهاجرين حظي بالفعل بإعجاب عدد من القادة الأوروبيين، المتحمسين للبحث عن إمكانية تبني تدابير مماثلة.

 

يرجع نجاح ميلوني في معالجة قضية المهاجرين بشكل كبير إلى الدعم الذي تلقته من أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية

 

 

وقد تمثل الغرض الرئيس من زيارة ستارمر لإيطاليا، على سبيل المثال، في معرفة ما إذا كان يمكن استخدام إجراءات مماثلة لوقف تدفق المهاجرين من خلال معابر القناة، على الرغم من أن رغبته في توثيق علاقته مع اليمينية ميلوني قد أثارت عدة انتقادات من السياسيين اليساريين في المملكة المتحدة.
وخلال زيارته، أشاد ستارمر، زعيم حزب “العمال” البريطاني من يسار الوسط، بميلوني، وهنأها على تحقيق “تقدم ملحوظ” في معالجة قضية الهجرة.

دان كيتوود- غيتي
أدوات قوارب مطاطية ومحركات خارجية يُعتقد أن المهاجرين استخدموها لعبور القناة الإنكليزية من فرنسا في مجمع تابع لوزارة الداخلية البريطانية في دوفر، في 17 سبتمبر 2024

مع ذلك، علينا أن ننتظر كي نرى ما إذا كان نهج ميلوني المتشدد سيكون صالحا لتهتدي الحكومة البريطانية الجديدة بهديه، ولاسيما أن مبادرات رئيس الوزراء البريطاني تجاه رئيسة الوزراء الإيطالية أثارت بالفعل انتقادات من قبل عدد من أعضاء حزب “العمال”. أحد أكثر منتقديه صراحة كانت النائبة العمالية اليسارية المتشددة ديان أبوت التي غردت قائلة: “لماذا يلتقي ستارمر مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وهي فاشية بكل معنى الكلمة، كي يناقش معها قضايا الهجرة؟ ما الذي يأمل أن يتعلمه منها؟”.
كما عبرت نائبة أخرى من حزب “العمال”، وهي كيم جونسون، عن استيائها عندما قالت لصحيفة “الغارديان” إنه لمن “المقلق” رؤية ستارمر يسعى إلى تعلم الدروس من إيطاليا.
ومع ذلك، ففي الوقت الذي يواجه فيه الكثير من القادة الأوروبيين ضغوطا سياسية شديدة لحل أزمة المهاجرين، فإن النجاح الملموس الذي حققته ميلوني بفضل نهجها سوف يمنحهم مادة دسمة كي يفكروا فيه بجدية عندما يقيّمون كيفية التعامل مع التحديات الداخلية التي يواجهونها.

 

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M