يوآف غالانت… “الحطّاب” الذي استعصى على نتنياهو

عندما اندلع الصراع في غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، والذي أدى إلى قتل 1200 إسرائيلي واختطاف 240 شخصا في أكثر الأيام دموية في تاريخ إسرائيل، بدأ وزير الدفاع يوآف غالانت، البالغ من العمر 65 عاما، بارتداء اللون الأسود فقط، وهو لون الحداد. وبعد يومين من هجوم “حماس” على جنوب إسرائيل، في 9 أكتوبر، حذّر غالانت من أن غزة ستدفع ثمنا هائلا، “سيغير الواقع الراهن لأجيال”. ثم بدأت إسرائيل بفرض حصار كامل منع دخول الغذاء والوقود.

كان غالانت، وهو الآن عضو في مجلس الحرب التابع لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزب “الليكود” المحافظ، على خلاف متكرر مع نتنياهو. وفي العام الماضي، عارض غالانت رئيسَ الوزراء خلال الاحتجاجات ضد خطة للحد من سلطة القضاء. وعندما دعا غالانت علنا إلى وقف هذه الإصلاحات، أعلن نتنياهو عن إقالته، لكنه تراجع عن القرار بعد اندلاع احتجاجات جماهيرية واسعة في جميع أنحاء إسرائيل.

وفي بيان بمناسبة مرور 100 يوم على حرب إسرائيل ضد “حماس”، اتفق غالانت مع نتنياهو على أن الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لتدمير “حماس” وتحرير الرهائن، بيد أنه أعرب لاحقا عن إحباطه من غياب خطة واضحة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة. وفي مايو/أيار، تحدى غالانت نتنياهو علنا في خطاب متلفز، مشددا على ضرورة اتخاذ قرار سياسي بشأن مستقبل غزة بعد انتهاء الصراع. وأعلن أنه لن يدعم حكما عسكريا إسرائيليا مفتوح المدة على غزة، وكشف عن خطة قدمها لإنشاء إدارة فلسطينية جديدة غير مرتبطة بـ”حماس” بعد وقت قصير من بدء الصراع في أكتوبر، إلا أن هذا الاقتراح قوبل بالصمت من قبل الدوائر الحكومية الإسرائيلية.

ومنذ ذلك الحين، اشتبك غالانت مرارا مع نتنياهو في جدال علني شكّل اختبارا لوحدة مجلس الوزراء حتى نقطة الانهيار على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية.

 

كان من المقرر أن يصبح غالانت رئيسا لأركان الجيش عام 2010، لولا اتهامه بالاستيلاء على أراض عامة، وقد تقاعد من الجيش عام 2011 برتبة لواء

 

 

وعلى مدار الثمانية عشر شهرا الماضية، وقعت مواجهات متكررة بين نتنياهو وغالانت، أثرت على وحدة مجلس الوزراء الإسرائيلي. ويصر نتنياهو على أن الرجلين يمكن أن يعملا معا “ما دامت الثقة موجودة بينهما”، شريطة أن يلتزم جميع الوزراء بقرارات مجلس الوزراء. وأردف في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا: “هذا هو الشيء الرئيس الذي يتم اختباره الآن”، رافضا دعوات غالانت وآخرين في المؤسسة الأمنية لقبول انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة الحدود الجنوبية لقطاع غزة كثمن لاتفاق وقف إطلاق النار مع جماعة “حماس” الإسلامية المسلحة.
ولد غالانت في يافا عام 1958 لأبوين مهاجرين من يهود بولندا، وكان والده مايكل قد قاتل في الحرب العالمية الثانية في أوروبا ثم في عملية يوآف في صحراء النقب خلال حرب 1948 العربية الإسرائيلية. وأطلق عليه والده اسم “يوآف” تخليدا لذكرى تلك المعركة. وأمضى غالانت الصغير سنواته الأولى في كنف جديه داخل شقة صغيرة في يافا.

 

دي بي أي دي بي أي

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في مقر الجيش الإسرائيلي 

وفي عام 1976، جُند غالانت في الخدمة العسكرية الإلزامية في إسرائيل، وخدم في وحدة الكوماندوز في “الأسطول-13” التابع للبحرية الإسرائيلية. وبعد ست سنوات، ذهب إلى ألاسكا وعاش فيها عامين، عمل خلالهما في تحطيب الخشب، قبل أن يعود إلى سلاح البحرية الإسرائيلية ويتعرج في القيادة حتى يستلم في النهاية قيادة “الأسطول-13”.
كانت بداية غالانت السياسية في عام 2002، عندما أصبح السكرتير العسكري لرئيس الوزراء أرييل شارون، وفي عام 2005 ترأس القيادة الجنوبية للبلاد. وبهذه الصفة، لعب دورا رئيسا في عملية “الرصاص المصبوب”، أول صراع كبير مع “حماس” في قطاع غزة، والذي استمر من أواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى منتصف يناير/كانون الثاني 2009. وكان من المقرر أن يصبح غالانت رئيسا لأركان الجيش في عام 2010، لولا ظهور مزاعم تتهمه بالاستيلاء على أراضٍ عامة، ولكن التهمة لم تثبت وأسقطت عنه لاحقا. وقد تقاعد من الجيش عام 2011 برتبة لواء.

 

بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، شكل نتنياهو مجلس حرب ضمه إلى غالانت وبيني غانتس، ليكونوا صناع القرار الأساسيين

 

 

ودخل غالانت عالم السياسة “رسميا” في عام 2015 عندما ترشح للكنيست مع حزب “كولانو”، وهو حزب صغير من يمين الوسط انشق عن حزب “الليكود” بقيادة نتنياهو للتركيز على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. وعزز وجوده في قائمة الحزب من مصداقيته الأمنية، وخلال الحملة الانتخابية، انتقد حكومة نتنياهو لعدم معالجتها تهديد الأنفاق التي بنتها “حماس” في غزة، والتي امتد بعضها إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. ورغم هذا الانتقاد، انضم حزب “كولانو” إلى ائتلاف نتنياهو بعد أن منحت الانتخابات الأخيرَ ولاية ثالثة على التوالي، وعُيّن غالانت وزيرا للبناء والإسكان في تلك الحكومة.
بحلول انتخابات 2018، كان غالانت قد عاد إلى حزب “الليكود”. وبعد أربع سنوات، أصبح وزيرا للدفاع في حكومة نتنياهو اليمينية. وفي عام 2023، عندما قدم نتنياهو خطة مثيرة للجدل لتقليص استقلالية القضاء، أصبح غالانت أبرز أعضاء الائتلاف الحكومي الذين عارضوا الخطة علنا، محذرا من أن ذلك سيضر بأمن إسرائيل. وردا على ذلك، أعلن نتنياهو نيته إقالة غالانت، لكنه تراجع عن القرار بعد اندلاع احتجاجات جماهيرية واسعة دعما له.
بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، شكل نتنياهو مجلس حرب ضم نفسه وغالانت وبيني غانتس، وهو جنرال متقاعد آخر في الجيش الإسرائيلي، ليكونوا صناع القرار الأساسيين. ومع ذلك، انتقد كل من غالانت وغانتس علنا تردد نتنياهو في التعاون معهما لوضع استراتيجية خروج من غزة بعد انتهاء الصراع. واتهم غالانت “بيبي” بالسعي إلى إعادة احتلال قطاع غزة، وفي مايو 2024، مع اقتراب مجلس الحرب من الانهيار، حذر غالانت في خطاب من أن نهج نتنياهو سيؤدي إلى “إراقة دماء وسقوط كثير من الضحايا، دون هدف واضح”.
وقرر غانتس مغادرة مجلس الحرب بعد بضعة أسابيع من تشكيله، وسرعان ما حل نتنياهو مجلس الحرب بأكمله، أما غالانت فاستمر في شغل منصبه كوزير للدفاع ضمن الحكومة الأوسع لنتنياهو.
وفي 20 مايو 2024، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه سيسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق غالانت ونتنياهو، وكذلك زعماء “حماس” يحيى السنوار وإسماعيل هنية ومحمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد ندد غالانت وآخرون بهذه الخطوة لأنها تساوي بين تصرفات إسرائيل وتصرفات “حماس”.

 

ثمة استعصاء بين نتنياهو وغالانت، وأصبحت الفجوة المتزايدة بينهما أكثر وضوحا عندما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن غالانت استُبعد من ثلاث اجتماعات أمنية، في ظل تصاعد القتال مع “حزب الله”

 

 

واشتبك غالانت، الذي يجد نفسه الآن الصوت المعتدل الرئيس في حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، مع نتنياهو، ولا سيما بعد مطالبة الأخير في يوليو/تموز الماضي بأن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على ممر فيلادلفي، وهو الشريط الحدودي الاستراتيجي الذي يفصل بين غزة ومصر التي أعادت القوات الإسرائيلية دخولها في مايو. وجاء مطلب نتنياهو بعد أن أسقطت “حماس” مطلبها الرئيس بأن توافق إسرائيل على وقف إطلاق نار دائم. وقد تصاعد التوتر بين الرجلين أواخر أغسطس/آب الماضي، حين اختلف غالانت مع نتنياهو خلال تصويت في مجلس الوزراء بشأن إبقاء القوات العسكرية في ممر فيلادلفي، وجادل بأن التركيز على هذا الوجود العسكري يصرف الانتباه عن الجهود المبذولة لتحرير الرهائن.
والآن ثمة استعصاء بين الرجلين، حيث يفكر نتنياهو في إقالة غالانت، الذي يرفض التنحي. وأصبحت الفجوة المتزايدة بينهما أكثر وضوحا عندما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن غالانت قد استُبعد من ثلاث اجتماعات أمنية على الأقل في الأيام الأخيرة، فيما يتصاعد القتال مع “حزب الله”.

 

أ ف ب أ ف ب

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الإسرائيلي يوآف غالانت في البنتاغون، 25 يونيو 

وشمل الاجتماع الأخير- الذي عقد يوم الأربعاء في 25 سبتمبر/أيلول الماضي قبل جلسة مجلس الوزراء الأمني- رئيس الوزراء، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، ووزير العدل ياريف ليفين، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ووزيرة النقل ميري ريجيف، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير التعاون الإقليمي ديفيد أمسالم، وفقا لقناة “12 الإخبارية” الإسرائيلية، التي أشارت إلى أن المنتدى المؤقت ليس هيئة رسمية.
وسبق هذا الاجتماع اجتماعات مماثلة مع مزيج مختلف قليلا من الوزراء يومي السبت والأحد في 28 و29 سبتمبر أيضا بغياب غالانت، وفقا للتقرير. وعلى الرغم من استبعاده، أكد مكتب وزير الدفاع يوم الخميس 26 سبتمبر أنه يدعم “استمرار النشاط الهجومي للجيش الإسرائيلي” ضد “حزب الله” في لبنان، غير أن الواضح أن قدرة غالانت على التأثير كصوت معتدل على نتنياهو تتضاءل بشكل متزايد، في ظل إصرار الأخير على مواصلة العمليات العسكرية ضد “حزب الله”، و”حماس”.
باختصار، يبدو رئيس الوزراء نتنياهو ملتزما تماما بمواصلة الحملات العسكرية الإسرائيلية ضد كل من “حزب الله” في لبنان و”حماس” في غزة. وفي هذا السياق، يجد يوآف غالانت، الذي يُنظر إليه كصوت أكثر اعتدالا داخل الحكومة، صعوبة متزايدة في التأثير على قرارات نتنياهو.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M